الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصرخة... ق.ق / عايده بدر

عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)

2022 / 2 / 6
الادب والفن


تتلفت حولها في ذعر، أصوات لهاثها تكاد تشق السماء وقد تخبر أهلها أن هناك من يختبئ بين تلك الأشجار، وضعت يديها فوق فمها لتسكت أنفاسها لكن يداً أخرى كانت أسبق منها
انتفضت في صرخة مكتومة أغلقت حلقها، واستدارت لترى من عساه يكون بعد أن لمحت إشارة من يده الأخرى أن تصمت، عيناه تظهران من خلف قناع أحكمه بشدة حول رأسه، لكن الظلام لا يدع لها فرصة رؤيتهما جيداً، أشار لها لتمضي معه واقتادتها خطواتها المتعثرة إلى طريق لا تعرف إلى أين سيودي بها، تحدث نفسها في خوف: الخطوة الآن بلا تراجع، ، الجميع الآن خلفها يبحثون عنها، وهذا الغريب أمامها يقتادها إلى مصير أشد ظلاما مما حولها
يسيرا بهدوء وحذر، ومع كل خطوة تدرك أنها بقدر ما تبتعد مسافات عنهم فإنها تقترب بنفس القياس من هذا الغريب، يمسك ذراعها بيده وبطنها الصغير المتكور أمامها يجعل خطواتها البطيئة ذات حمل وثقل عليها وضيق لمن تتبعه ، يده الأخرى تزيح عن عتمة الطريق أغصان أشجار متشابكة، خشنة الملامح يابسة الثمار كأنها لا ترضخ لمن يريد قطافها
تسمع زمجرة صوته فترتعد، يحثها على المضي فالطريق ما يزال طويلا، لكن صوتاً يأتيها من ذاكرتها، يتملكها ويقتنص أذنيها بصورة متكررة، يغطي على كل صوت سواه: تعالي تعالي إلى أين تذهبين ؟ تحاول الهرب، الصراخ، الاستنجاد بأحد، لكن يده تحيطها ، تخرس صوتها وتشل حركة ما تبقى من جسدها…تصرخ ، فينتبه الغريب وينظر لها شزراً ، كأنه يقول اصمتي فهذه الصرخة ستكلفنا الكثير ، تنظر إليه بذعر تود لو تخبره أنها لم تكن تصرخ له هو، بل كانت تصرخ ضد الصوت الذي يملأ ذاكرتها، وضد اليد التي قيدتها وقتها في حركات متتالية لتصبح فريسة لا تملك غير الصراخ، يقولون أن للجدران آذان فما بال جدران المكان الذي احتواها حينها لم تملك أذنين على غير العادة، بل صمْت أذنيها فلم تسمع صرخاتها المتتالية ولم ترى مجرى الأحمر بين ساقيها.
حاولت المضي معه أسرع وعقلها يفكر إلى أين ستذهب مع من لا تعرفه، يجيبها عقلها وهل عرفتِ من ألبسك ثوب العار هذا، وأطفأ أمل أبويكِ فيكِ، العار هي الكلمة الوحيدة التي لم تعد تسمع سواها منذ ذلك الوقت، وما عادت تملك أمام نظرات التساؤل المتدافعة من عيني أبويها غير وجه صامت شاحب وحزين، لا تملك معه إجابة شافية.
انطلقت الآن حين وجدت فرصة في خلو البيت حولها، أو هكذا هي ظنت، لم تكن تعلم أن هناك من سيتبعها من أهل البلدة لغسل شواهد العار ومحوه ، تملكتها ضحكة غابت عن وجهها كثيراً ، ضحكة ساخرة وهي تتذكر من هؤلاء الذين خرجوا خلفها مطالبين بالشرف ؟ هؤلاء من كان يراودونها جيئة وذهابا ؟و يد كل منهم كانت تحاول أن تمتد بالسوء نحوها، لولا أنها كانت تردعهم حينا و ينقذها القدر حينا آخر، تتذكرهم أيكون هذ الماجن العاطل عن العمل من يغوي من حوله من النساء باحثا عن الشرف؟ أو ذلك اللص الذي لا يجد غضاضة أن يسرق جيرانه ليلاً ويجالسهم صباحاً باحثاً هو الآخر عن الشرف؟ أو ذلك الذي يغش في ميزان بضائعه وينخرط بحديث السوء عن بيوت البلدة فيوقع بين هذا وذلك؟ أو أو أيكونوا هؤلاء جميعهم أصبحوا الان باحثين عن الشرف
صمتت ضحكتها بعد أن غيرت الدموع مجراها.. لتهبط عند زاوية فمها فبدأت تمسح ما تبقى في عينيها وعلى وجهها.. وانطلق صوتها أخيرا في محاولة يائسة أن تفك ذراعها من يده المطبقة عليها .. من أنتَ ؟ وإلى أين تأخذني ؟ دعني لن استمر أكثر وأنا لا أعرفك ؟ ماذا تريد مني؟ ألا ترأف لحالي هذا، بدأت الكلمات تقع من فمها وهو لا يتوقف، ويستمر في المضي، مطبقاً يده بعنف فوق يديها حتى وصلا إلى مكان أبعد بين الأحراش المهجورة، هو يعلم أنهما الآن أصبحا بمأمن عن أن يصل إليهما أحداً ممن يتبعهما، تلهث أنفاسها فتتوقف عن المضي أكثر ، تحاول أن تصرخ فيه كفى... ابتعد عني.
يستدير نحوها، يقترب منها، يزيح القناع عن وجهه قليلاً، يجذبها نحوه بعنف فتتسع عيناها، وتتحشرج الكلمات في فمها.. بينما يردد المكان صدى ضحكاته الهستيرية في نشوة: اصرخي....اصرخي أكثر طالما أشجاني صوت صراخك هذا وزاد من متعتي…تصمت للأبد حين تدرك صوته ووحشية عينيه
5 فبرااير 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة