الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقلاب 8 شباط 1963 (( دروس لحاضر ومستقبل العراق))

غدير رشيد

2022 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يمثل إنقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق والذي أسقط عبد الكريم قاسم،حدثا تاريخيا مهما بالنسبة للعراق له أبعاد سياسية وإجتماعية وثقافية لازالت آثارها قائمة لحد الآن، ومع هذا لم يدرس الحدث دراسة علمية معمقة تبحث في جذوره ومغزاه وأسبابه واساليبه ونتائجه، خاصة وإن الحدث تميز بتعاون عددا من الفاعلين من ذوي المصالح المتضاربة غالبا.
الفاعلون المحليون والإقليميون والدوليون الذي خططوا ونفذوا الإنقلاب تعمدوا إهمال الحدث للتغطية على ماحصل فيه من جرائم ودلالات قد تعاد في مواقع وأوقات أخرى، لدرجة إن السرية لازالت لم ترفع عن الكثير من أحداثه في بريطانيا وأميركا رغم مرور ستون عاما والمعتاد أن ترفع السرية عن الوثائق في بريطانيا وأميركا مثلا بعد ثلاثون عاما إلا الوثائق التي لها مؤثرات مستمرة ومنها كما يبدو إنقلاب الثامن من شباط.
وفي المقابل حتى الضحايا وعلى الأخص الشيوعيون العراقيون بإعتبارهم قدموا آلاف الضحايا من الرجال والنساء والشباب والشابات، بسبب الظروف التي مروا بها بعد الإنقلاب والمتمثلة بالعمل السري وحملات العنف ضدهم التي إستمرت بعد الإنقلاب،لم يبادروا لدراسة الحدث دراسة معمقة ، وكان من المتوقع أن تبادر قيادة الحزب الشيوعي العراقي بعد 2003 وفي جو الحرية الذي لازال سائدا أن تبادر الى تسليط الضوء على الحدث لأهميته التاريخية لحاضر ومستقبل العراق من جهة ولإنصاف الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجل العراق وبقوا مجهولين للشعب لدرجة لم يجر لهم حتى تشييعا رسميا أو جماهيريا،ناهيك عن عقد ندوات علمية لمناقشة الحدث بل وإعداد مسرحيات ومسلسلات وأفلام ومعارض فنية تناسب النتائج الكارثية للحدث والتي لازالت آثارها السلبية مستمرة، خاصة وإن الكثير من الفاعلين المحليين ترتفع أصواتهم بين مدة وأخرى ولحد الآن لتبرير ما حدث من مجازر كرد فعل على مافعله الشيوعيون منذ 1958-1963 أو لأنهم قاوموا الإنقلاب وبالتالي فإن المجازر التي إرتكبها البعثيون لم يكن مخطط لها بل هي رد فعل على مقاومة الشيوعين وما يثار عن مجازر !!!سبق أن إرتكبها الشيوعيون وبالتالي فهم من أسس للعنف، وهو مايخالف الحقيقة تماما، ولا أجد تبريرا لسكوت الحزب الشيوعي وتجاهله الحدث وإستمرارهم بهذا السكوت غير المعقول رغم الدعوات التي وجهت لهم، والغريب إنهم يحتفلون بيوم الشهيد الشيوعي في 14 شباط (ذكرى إعدام فهد) ويقفزون على شهداء 8 شباط رغم إن أعداد شهدائهم في 8 شباط هائلة كما إن التأثيرات السلبية للحدث أخطر بكثير من 14 شباط ،ولا أفهم لماذا لا يبدوان إحتفالهم مثلا بـ 8 شباط وينتهون بـ 14 شباط وليكن إسبوع الشهداء الشيوعيين بدلا من يوم ، ومع هذا فأمام قيادة الحزب فرصة ثمينة في 8 شباط 2023 والتي تصادف الذكرى الستون للحدث وأمامهم سنة كاملة لحشد كل من تاثر أو ساهم في الحدث في تسليط الضوء على الحدث التاريخي المهم.وأعتقد إن حدثا خطيرا كهذا يستحق تحضيرات لسنة كاملة.
نعود للحدث نفسه وفيه تعاونت بريطانيا واميركا وعبد الناصر وإيران ومصر والسعودية والأردن وتركيا وسوريا والكويت والمرجعية الشيعية والأحزاب السنية والبعثيون والقوميون العرب والقوى الكردية لإسقاط النظام، والباحث العلمي لابد وأن يستغرب إجتماع دول متناقضة ومتصارعة وقوى سياسية متنافرة على هدف إسقاط قاسم، وعندما حققت أهدافها عادت للتنازع فيما بينها، فما الذي جمعها في تلك اللحظة التاريخية، هل هو الغباء وسوء التقدير للبعض أم هي المصالح الإقتصادية والسياسية والحزبية والعنصرية والطائفية والشخصية التي إلتقت في لحظة حاسمة تكررت لاحقا ولحد الآن بسبب عدم إستيعاب درس 8 شباط وخصوصا من الشعوب ومنها الشعب العراقي الذي يعيش في ظروف مماثلة الى حد ما مع تغير اللاعبين المحليين. .
والمدقق في مواقف كل هذه الدول والقوى المشاركة وأغلبها أجرمت بحق العراق لاحقا ، لا بد وأن يفكر إن العراق قد يكون أضاع فرصة تاريخية للتطور وإن الزعيم كان رجلا وطنيا لم ينصفه التاريخ ولم يسع مؤيدوه لحد الآن على التفكير بسر هذا الإجماع الذي قد يتكرر، وفي المقابل تمجد شخصية مجرمة مثل صدام حسين بدعم دولي وعربي وإسلامي .
موقف حزب البعث:
لنبدأ بالفاعل المحلي الأساسي، وهو حزب البعث ولنسأل سؤالا مهما كيف تسنى لحزب ضعيف أعداد أعضاؤه لاتتجاوز الألف في ذلك الوقت أن يسقط نظاما يحظى بدعم جماهيري واسع وقوات مسلحة أغلب ضباطها وعددهم بالمئات مناصرين لقاسم أو على الأقل يعتبرونه وطنيا.
من يراجع كتاب (بريطانيا ولعبة السلطة في العراق) لمؤلفه الدكتور (طارق مجيد العقيلي)، وهو كتاب مهم جدا يجب أن يطلع عليه كل السياسيين والمثقفين ليكتشفوا الحقائق المتعلقة بالإنقلاب ويستفيدوا مما حدث لفهم حاضر ومستقبل العراق للترابط الكبير بين أحداث اليوم وماحدث في ذلك الوقت كما سأبين لاحقا، سجل الدكتور طارق في كتابه المستند على الوثائق البريطانية وليس على آرائه الشخصية ( وهي من عناصر رصانة الكتاب ومصداقيته) عددا كبيرا من الأحداث أختار لكم منها :
• في الخمسينيات قبل تموز 1958 كانت السفارة البريطانية تدعم بعض الصحف العراقية لتعظيم دور حزب البعث والذي كان عدد أعضاؤه بضعة مئات مقابل الآلاف من الشيوعيين.وفي تقديري إن البريطانيين بدهائهم السياسي ضربوا عصفورين بحجر فمن جهة دعموا حزبا قوميا ضد الشيوعيين عدوهم الأقوى، ومن جهة ثانية خلقوا تنظيما قوميا سيعادي عبد الناصر الذي كانت بريطانيا تناصبه العداء بنفس سلاحه أي الفكر القومي.والخطير هو إستخدام الصحف بطريقة لا تخطر على بال القوى السياسية المحلية والمواطنين.
• رئيس وزراء بريطانيا ( هارولد مكميلان) صرح في 1959 إن العراق يعد من أخطر بقاع العالم على الإطلاق!!!
• في 29 / 11/ 1962، قبل الإنقلاب بشهرين تقريبا، التقى السفير البريطاني (ألين روجر) مع وزير الخارجية العراقي (هاشم جواد) وعرف منه إن الزعيم لن يغير موقفه من أميركا وبريطانيا.هنا صدر القرار كما أعتقد بإسقاطه بعد أن حاولت بريطانيا إحتواء قاسم منذ إنقلابه على الشيوعيين في 1959.
• في 31 / 12/ 1962 السفير البريطاني يخبر الخارجية البريطانية بلقائه بشباب يخططون لقلب نظام الحكم وحاجتهم للدعم المالي. لاحظو شباب، وهم كانوا كذلك أي البعثيين لأن معدل أعمارهم كان منتصف العشرينيات.
• السفير البريطاني يكثف اتصالاته مع (صالح مهدي عماش) و(حردان التكريتي ) ويصفهما إنهما معادين للشيوعية ومن أصدقائنا.لاحظوا نفس وجوه 17 تموز 1968.
• في 24/ 1/ 1963 السفارة تتصل ب (أحمد حسن البكر وعماش) وتم إبلاغهم بأن القوميين وحركة القوميين العرب يخططون لعمل إنقلاب في الإسبوع الأخير من شباط 1963.لعدم تمكين أنصار (ناصر) من استلام السلطة رغم مناصرة ناصر والقوميين لمحاولات الإنقلاب على (قاسم)، مما يدل على عدم وعي القوميين مما جعلهم أدوات بيد من يعادونه أي البريطانيين.
• في 27/1/ 1963 عدد من البعثيين منهم (عماش / على صالح السعدي/ عدنان القصاب) يلتقون في السفارة البريطانية في بغداد، حيث وضع (هورد إستيفن)، أحد أهم موظفي السفارة، خطة الإنقلاب وتأكيده على أهمية حشد الأعضاء المدنيين في الحزب ( من هنا برزت فكرة الحرس القومي) وتجهيزهم برشاشات بورسعيد المصرية ( الدهاء البريطاني توريط ناصر وإبعاد الشبهة عنهم وإستغلالهم عدوهم ضد العدو الأخطر).
• في 4/2/1963 يلتقي (البكر) في السفارة البريطانية وتم تحديد ساعة الصفر في 8 شباط وتعهدت السفارة بعرقلة دفاعات قاسم.
• الكويت من جانبها وبدعم من المخابرات المركزية وفرت إذاعة في الكويت كانت تبث منها اسماء القادة الشيوعين ومعلومات عنهم (أكد الملك حسين ذلك في حديثه لمحمد حسنين هيكل في حديث له نشر في الأهرام في 27 ايلول 1963).وقبل 8 شباط إلتقى القيادي البعثي (طالب شبيب) بالكويتيين الذين دعمو ا البعث ماليا مقابل اعتراف البعثيين بالكويت وهو ماحصل فعلا بعد 8 شباط.عبث القوى السياسية العراقية بالوطن من أجل السلطة ودليل على أهم مايتميز به البعثيون وهو إضاعة الوطن من أجل مصالح شخصية مغلفة بالقومية.
• السفارة البريطانية تنصح البعثيين بإشراك (عبد السلام عارف) لإعطاء وجه قومي للإنقلاب لضمان دعم عبد الناصر والعرب.الدهاء البريطاني مقابل الغباء العربي ولازالت الحالة كما هي.
المهم الكتاب يتضمن الكثير من الأدلة على التخطيط والمشاركة البريطانية في الإنقلاب وهو ما بات معروفا ولكن الأهم هو كيف يتفق القوميون ومنهم البعثيين المناصرين لناصر المعادي لبريطانيا ، يتفقون في تلك اللحظة مع البريطانيين، ولماذا سعت القيادات السياسية العراقية، ولازالت تسعى، للإستعانة بقوى أجنبية لإسقاط حكومة عراقية ، ولماذا حصل ويحصل هذا في العراق دون غيره من الدول العربية على الأقل.أسئلة لم يجب عنها علميا لحد الآن.
والسؤال الأهم هو كيف وثقت قوى سياسية وطنية بحزب سياسي هذا تاريخه وعقدت معه تحالفات بعد 1968 (الشيوعيون والأكراد) وكيف يفهم العقل السياسي العراقي بمختلف مشاربه الفكرية الأحداث والعبر التي يجب أن يتعلمها، ألا يدل هذا على إن القوى السياسية لا تملك وسائل علمية لفهم حركة التاريخ قدر تركيزهم على المعارضين من قوى سياسية أخرى.
ما يجب أن يكون درسا للعراقيين جميعا، إن البعث إبتداء من عفلق الى صدام حسين ومن الخمسينيات وحتى الآن مرورا بصدام، هو صنيعة غربية – بريطانية مهما تلونت أشكاله.
الغريب إن أفكار حزب البعث لا هي قومية صرفة ولا هي إسلامية بل مجرد شعارات وكما قال (عبد الناصر) عن (عفلق) إنه عندما يسأله عن الوحدة أو الإشتراكية ،كان جواب عفلق ( يعني ....يعني)،كما إن أغلب قيادات البعث هم من الأشقياء الساقطين أخلاقيا، فمالذي جذب الشباب المثقف إليه، وهنا يبرز سؤال مهم هل كان تركيز البعثيين بتوجيه بريطاني على طلاب الثانويات مقصودا لكونهم مراهقين يحبون التظاهر والسلطة مهما كان مصدرها وأساليبها، ولماذا برز الحزب في المناطق ذات الأكثرية السنية دون غيرها، وكيف لم ينتبه الشيعة من أعضاء الحزب مثلا إلى إن قيادات الحزب بعد تشرين 1963 أصبحت سنية بالمطلق ومع ذلك كان الأعضاء الشيعة الأكثر إنصياعا لأوامر الحزب، كل هذه الأسئلة والأجوبة عليها ستيسر على الباحث فهم ماحصل وما يحصل الآن في العراق من تشتت مجتمعي ظاهر.

الدور البريطاني / الأميركي
يعود إهتمام بريطانيا في العراق الى القرن السابع عشر لأهمية موقعه الإستراتيجي،وتعزز الإهتمام بعد إكتشاف النفط وإحتلال العراق وفق المبدا الأميركي البريطاني الذي حدده الرئيس الأميركي روزفلت عام 1943 للسفير البريطاني في وشنطن(نفط إيران لبريطانيا،نفط السعودية لأميركا ، ونفط العراق والكويت لأميركا وبريطانيا)،أي إن المنطقة التي كانت حكرا لبريطانيا أصبحت حكرا لكل من بريطانيا وأميركا بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي وبعد الحرب الباردة اصبح للعراق موقعا أكثر أهمية بإعتباره حائط صد أمام الشيوعية لتامين مصالحهما الإقتصادية والسياسية.
إذن المصالح الإقتصادية لبريطانيا هي الأهم،لذلك ورغم عراقة الديمقراطية البريطانية إلا إنها لا تتوارى عن دعم الأشقياء والقتلة (مثل البعثيين) من أجل تلك المصالح بل وتصفق لقتل الآلاف من الأبرياء دون تردد وتبرر للقتلة كما فعلت بعد شباط 1963 ،والأهم إنها تدعم كل من يخدم مصلحتها سواء كان قوميا أو إسلاميا، سنيا أم شيعيا،والأخطر والذي يجب دراسته هو هذا الإستعداد لقوى وحركات سياسية عراقية للعمل مع الأجنبي دون حياء، بل أزعم إنها ظاهرة عراقية أكثر من كونها عربية، والدليل إنها تكررت قبل وبعد 2003 ولازالت.
وإذا كانت بريطانيا قد فعلت ذلك قي ظل حكومات مركزية قوية فمالذي تفعله الان في ظل حكومة ضعيفة ومجتمع هش وسيطرة قوى سياسية لا علاقة لها بالسياسة بل هم سماسرة وزعماء طوائف خاصة وإن مصالح الغرب لازالت مستمرة في العراق.
موقف المرجعية الشيعية
أما مايخص مرجعية السيد (محسن الحكيم) الذي ساهم بفاعلية في إسقاط (قاسم) فهو موقف تاريخي يجب التوقف عنده، فهل كان مبدئيا للحفاظ على بيضة الإسلام !!! أو حماية الدين من الشيوعيين كما إدعت المرجعية حينذاك وكما تشير مؤلفات الإسلاميين حاليا؟وإذا كان ذلك مقبولا في 1958 و1959 فلماذا إستمر بعد أواخر 1959 بعد إنقلاب قاسم على الشيوعيين وزجهم بالسجون وهو أكثر مما كانوا يتوقعونه،ألم يكن من الصحيح التحالف مع قاسم إن كان الخلاف بينهم وبين قاسم هو الشيوعيون فقط، وما هو مبرر إصرار المرجعية على إسقاطه والتعاون مع السفارة البريطانية ومصر والبعثيين العلمانيين والإخوان المسلمين السنة ( النواصب بالتعبير الحوزوي)، وكل هذا التنسيق محرم شرعا لكونه مع أجنبي أو مع معادين للدين والمذهب.
من يفكر مليا في موقف الحكيم لابد من أن يبحث عن الأسباب الحقيقية، وهي أسباب مصلحية شخصية لاعلاقة لها بالدين أو المذهب ، والسبب الوحيد هو إقتصادي لأن قانون الإصلاح الزراعي حرمه من المورد المالي الأهم وهي مبالغ الخمس والهبات التي كان يدفعها شيوخ العشائر المستعبدين للفلاحين الشيعة الفقراء من أتباع المرجعية بالرغم من إن (قاسم) هو الزعيم العراقي الوحيد الذي أنصف الشيعة وكان يقدر (الحكيم) نفسه تقديرا خاصا لم يحظ به قبل وبعد قاسم،وهو موقف يدل على إن العامل الإقتصادي هو العامل الحاسم الذي يحدد مواقف الكثير من المرجعيات الشيعية قبل الحكيم وبعده.
كان (الحكيم) من أكثر المرجعيات الشيعية التي وجهت لها إنتقادات من عامة الشيعة وحتى من بعض كبار علماء الدين لتركيزه على الموارد المالية، وقصة قصيدة ( شباك العباس) المنسوبة للشيخ (أحمد الوائلي) والتي ألفها في عام 1966 فيها إنتقاد واضح ل (آل الحكيم) لإستغلالهم قضية عمل شباك مذهب لضريح الإمام العباس والتي جمعوا فيها مبالغ طائلة، وقبلها قصيدة شاعر المنبر الحسيني (عبد الحسين أبو شبع) والتي كتبها ردا على فتوى (الحكيم) بإعتبار الشيوعية كفرا وإلحاد وعنوانها ( آية الله..شلون آية) وفيها يشير الى إستخدام (الحكيم) للأشقياء من الفاسدين أخلاقيا في لجم المعارضين والمنتقدين للحكيم( لاحظوا نفس إسلوب البعثيين بالإستعانة بالأشقياء).
وكما هو معروف إن مرجعية النجف فقدت الكثير من قدرتها في التاثير على الأحداث السياسية في العراق منذ بداية الحكم الملكي الذي عمل وبمساعدة البريطانيين بدهائهم المعروف على تفتيت كل عناصر قوة المرجعية لأنهم وجدوا المرجعية دولة داخل دولة وهو ما يتعارض مع مشروع الدولة الوطنية الذي كان يحلم به الملك (فيصل الأول)، لذلك أبعد الملك فيصل الأول في شهري حزيران وتموز من عام 1923 أهم تسعة مراجع الى إيران، ولم يسمح بعودتهم للعراق إلا في 22/4/1924 بعد أن تعهدوا بالإبتعاد عن الشأن السياسي مستغلا وجود أملاك لهم في النجف وكربلاء وشعورهم بفقدانهم لموقعهم في العراق وبالتالي المرجعية وهو الأهم بالنسبة لهم، ويلاحظ المراقب إن آخر مشاركة للمجتهدين الشيعة في الشأن السياسي كان في ثورة العشرين بعد أن لعب المجتهدون دورا كبيرا في الشأن السياسي العراقي منذ سقوط الدولة الصفوية في 1736 وإنتقال الكثير من المجتهدين الفرس إلى العراق بثقافتهم التي تعودوا عليها زمن الدولة الصفوية والمتمثلة بالمشاركة الفاعلة في الشأن السياسي.
والمتابع يعرف جيدا إن مراجع النجف لم يسمع لهم صوت طيلة العهد الملكي إلا في أواخر الخمسينيات عندما إنتشرت الشيوعية في النجف التي كانت في عام 1956 المحافظة الرابعة من حيث إنتشار الشيوعية فيها بعد بغداد -البصرة -السليمانية كما يؤكد السفير الأميركي في العراق (فالديمار غالمان) للفترة (1954-1958)، مما قلل من تقديس الناس للمرجعية وأضعف الإلتزام بفتاواهم لما فعله الشيوعيون من رفع للمستوى الثقافي للعراقيين وخصوصا بين النجفيين المطلعين على فساد مراجع الشيعة.بل إن الشيوعيون بفكرهم دخلوا بيوت المراجع ومنهم آل الحكيم.
لذلك لم يكن غريبا إختيار السيد ( الحكيم) للمرجعية في 1961 من قبل الشاه محمد رضا بعد وفاة المرجع ( حسين البروجردي) عندما تعمد الشاه إرسال برقية التعزية بوفاة (البرجوردي) لـ (الحكيم) دون غيره من المراجع في دلالة على إختياره مرجعا، وبهذا ضرب الشاه عصفورين بحجر واحد، فمن جهة أبعد المرجعية من (قم) وأضعفها كي لا تعرقل خططه، لأن (البروجوردي) كان قد نقل المرجعية الى (قم) عندما اصبح مرجعا بعد وفاة المرجع (أبو الحسن الأصفهاني) في 1946 ، ومن جهة ثانية تعمد الشاه تقوية المرجعية في النجف لمعاداة (قاسم) وفق متطلبات أميركا وبريطانيا اللتان أعادتا الشاه للحكم بعد ثورة مصدق في 1952.
ولم تكن موافقة الأزهر على التدين بالمذهب الشيعي في ذلك الوقت إلا عربونا من ( ناصر ) الى ( الحكيم) مقابل مشاركته في الإنقلاب على (قاسم) حيث كانت العلاقة قوية بين السفارة المصرية في بغداد والسيد (الحكيم).والغريب إن الحكيم نفسه كان ينتقد الدور المصري في العراق بعد إسقاط (قاسم)،اي إن التحالف بينه وبين (ناصر) لم يكن مبدئيا أو لتقارب وجهات النظر.
الخلاصة إن معاداة مرجعية الحكيم لقاسم والشيوعيين لم تكن أسبابها دينية أو لتجاوزات الشيوعيين على المراجع بعد تموز 1958 كما اشاعوا، بل لسبب وحيد هو المصالح المالية والجاه والسلطة التي يحاول المراجع الشيعة وخاصة من ذوي الإصول الفارسية إستعادتها دائما كلما سنحت الفرصة لهم، وبالتالي كان الإنقلاب على (قاسم) بدعم بريطاني فرصة تاريخية لا تعوض للمرجعية خاصة وإن التعاون بين بعض المراجع وبريطانيا له جذور تاريخية تعود للنظام الملكي ومنهم من كان يعارض الملك (فيصل الأول) بدعم بريطاني، وقصة السيد ( جعفر ابو التمن) معروفة عندما رفض في عام 1927 توجيه المرجع( محمد حسين كاشف الغطاء) بالوقوف ضد (فيصل) في مجلس النواب مثل زملائه الشيعة في المجلس الذين نجح الإنكليز بكسبهم لجانب بريطانيا،فأجابه ( أنت ليس برجل سياسة بل عالم دين).
والغريب إن خطط السيد ( الحكيم ) لم تنجح، دلالة على غبائه وجهله بشؤون السياسة، فقد حجمت المرجعية بعد إنقلاب 1963 الى عام 2003 أي لأربعين عاما لدرجة إن نظام البعث إتهم في سبعينيات القرن العشرين،إتهم السيد ( مهدي الحكيم) بالتجسس ولاحقه إلى أن إغتاله في السودان في 1988 وأعدم مرجعا مهما هو (محمد باقر الصدر) وأخته وهي جريمة لا توازي واحد بالألف مما فعله الشيوعيون – كما يدعي أنصار المرجعية – في النجف بعد تموز 1958، وأبعد نظام البعث عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين الى إيران في نهاية الستينات دون أن تتجرأ مرجعية الحكيم وبعده الخوئي( في الإبعاد الثاني للشيعة العراقيين في بداية الثمانينات) حتى ببيان إستنكار وليس فتوى كما فعلها (الحكيم ) مع الشيوعيين وهو ما يؤكد الموقف الإنتهازي والمصلحي للمرجعية.
أما الدرس الأهم من موقف الحكيم فهو إن تدخل رجال الدين في السياسة يدمر الأوطان لأنها تنطلق من مصالح شخصية ضيقة مغلفة بجهل سياسي، ولكنه ومع الأسف تكرر وزاد بعد 2003 ومن مرجعتي النجف وقم،إذ تدخلت الأولى في الكثير من القضايا التي أثبتت عدم رصانة أفكارها السياسية ومنها تجاهل نتائج قتوى الجهاد الكفائي في 2014 والتي جعلت رعاع الشيعة يصبحون قادة يملكون الأموال والسلاح لدرجة لم تعد المرجعية تأمن على نفسها منهم ،أما مرجعية قم المسيسة اصلا فقد جعلت من الشيعة حطبا لمغامراتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن،مما رسخ مقولة تبعية الشيعة لإيران، ومايحدث الآن في العراق يكشف إن العراقيين لم يستوعبوا درس 8 شباط في اشراك المرجعية في الشأن السياسي بل على العكس الكل يمجدون بها ولا يجرؤ أحد على إنتقادها بخلاف ما فعله الشيوعيون في الخمسنيات من إزالة هالة التقديس على المراجع الدينية من خلال تثقيف الشعب وهو الدور الأساس للأحزاب.
موقف القوميون العراقيين
أما القوميون فموقفهم غريب يوحي بالسذاجة فهم وطنيون دون جدال، لكنهم غير واقعيين لم يستطيعوا أن ينتجوا فكرا سياسيا يستند على نظرية أو فلسفة سياسية عراقية أو حتى قومية ، كل ماتعلموه من السياسة إنهم ناصريون عبيد لناصر ومايقوله هو الحق لذلك رفعوا راية معاداة (قاسم) دون أن يفكروا أو يعوا أهمية المصالح السياسية للدول وإن (ناصر) مهما كان نظيفا يبقى مصريا يبحث عن مصالح مصر وهو إنسان له دوافع شخصية مهما كان وطنيا والرجل كان يريد أن يكون قائدا للأمة العربية فحطم من اجل ذلك مصر تجلت بخسارته للقدس وغزة في حرب عام 67 التي يتحمل وحده مسؤوليتها لأنه أشعلها وهو غير جاهز لها لأنه كان مشغولا بمحاربة الرجعية العربية !!!! ومحاربة القوى اليسارية في مصر والدول العربية، ومع ذلك يرفض القوميون لحد الان فهم حقيقة عداء (عبد الناصر) لـ (نوري السعيد) ومن بعده (قاسم) فالرجل لم يكن يريد حاكما عراقيا قويا،كما ان الصراع لم يكن شخصيا بل هو صراع على القيادة بين العراق ومصر يمتد لمئات السنين بل الى الصراع بين الحضارات العراقية والمصرية، ويسجل (لناصر) إنه أول رئيس عربي أنزل الصراع السياسي إلى مستوى متدني بإستخدام الإعلام الهابط وإستخدامه للكلمات البذيئة والشتائم في خطبه السياسية وهو ماترفع عنه (قاسم)، إضافة لتضييعه لموارد مصر في حروب عبثية مثل حرب اليمن وتدخله في العراق وسوريا.
ومما يؤكد سذاجة الحركات القومية في العراق، إنهم بعد سقوط قاسم والبعثيين في شباط وتشرين الثاني عام 1963 على التوالي، وتسيدهم الساحة السياسية كانوا ينصاعون لتوجيهات ناصر حتى في تشكيل الوزارات (كما يفعل الخامنائي الان مع العراق) وكان سفيره في العراق (أمين هويدي) هو من يشكل التحالفات القومية ويختار الوزراء ( كما كان يفعل سليماني بعد 2003)، ووصلت ببعض رموزهم استخدام بعض مفردات اللهجة المصرية بل ومنهم من كان يقلد المصريين في كلامهم (كما يفعل الولائيون الشيعة الان في التحدث باللهجة العراقية بلكنة إيرانية)،بل حدثني أحد القوميين إنهم في شبابهم في الستينيات كانوا يشجعون منتخب كرة القدم المصري عندما لعب مع المنتخب العراقي. ومع هيمنتهم على الدولة للسنوات 1963-1968، لم ينجحوا في تحقيق الوحدة مع مصر وهم الحاكمون لمدة خمس سنوات متناسين ما فعلوه من ضغوطات غير منطقية على ( قاسم) ومطالبته بالوحدة الفورية مع مصر فساهموا بإشاعة الفوضي دون ان يشعروا بأنهم يسهلون المشروع البريطاني المعادي لـ(ناصر).
وبدل من إستيعاب الدرس إنقلبوا الى ماركسيين بعقليه قومية وصلت بهم درجة حد تجريد الشيوعيين من ماركسيتهم وإعتبار أنفسهم الممثلون الحقيقيون للماركسيين في المنطقة العربية فضيعوا قوميتهم ولم يتمكنوا من أن يكونوا ماركسيين حقيقيين.
الدرس من موقف القوميين وهم مخلصون هو إن العراقي حتى المثقف منهم لا يميز بين الايدولوجيا والوطن( كما تفعل الفصائل الولائية الآن ) بل تراه يبالغ في الإنغماس وفي الإنصياع لمن يعجب به من قادة غير عراقيين وهو ما لم يفعله مواطنوا ذلك القائد.هذا الدرس لا بد من أن يتذكره العراقيون لفهم واقعهم وبناء مستقبل أفضل لبلدهم.فالقوميون لم يكونوا خونة بالنية ولكن أفعالهم ترقى الى مستوى الخيانة للعراق، وبالتالي علينا أن نحلل هذه الظاهرة الفريدة وهي أن يمارس الوطني الخيانة ويفتخر بها بل ويسميها وطنية ،وهو ما تكرر بعد 2003 عندما يفتخر البعض بتبعيته لإيران أو تركيا أو الإمارات أو قطر ومع ذلك ينتخبهم العراقيون حتى أصبحت الخيانة وجهة نظر أو كما قال لي لي أحد الأصدقاء إنها كانت ولازالت تفهم وتمارس على إنها وجهة نظر وهي في حقيقتها مصالح شخصية متنوعة الأسباب مالية أو سلطوية أو وجاهية، بمعنى إن ثمن الخيانة لدى العراقيين بسيط.
موقف القوى الكوردية:
أما القوى الكردية فموقفها هو الأشد غرابة، لأن قاسم منح الكرد حقوقا لم يحلموا بها وأعاد الهيبة للملا مصطفى البارزاني الذي كان لاجئا في روسيا لا يتذكره أحد،ولولا قاسم لتغير حال الكرد لما للبارزاني من اثر كبير على استمرار الثورة الكردية، لكنهم تفاهموا مع الإنقلابيين قبل 8 شباط وأرسلوا برقيات التهنئة لهم عند نجاح الإنقلاب،وكانوا قد أشعلوا فتيل التمرد في أيول 1961 بإيحاء بريطاني كما أعتقد،وتأييد من المرجعية !!!! وعبد الناصر !!!! القومي المتعصب الذي لم يتوانى بعد شباط 1963 بإرسال السلاح للحكومة العراقية لمقاتلة الأكراد،اي إن الأكراد مثل الشيعة خسروا الكثير فقد إنقلب عليهم بعد الإنقلاب القوى السياسية المحلية والدولية،إذن لماذا إنجرفوا في معادة قاسم:هل السبب ايضا مصالح البارزاني مع الأغوات المتضررين من قانون الإصلاح الإقتصادي،أم هي محاولة إستعلال فرصة ضعف النظام (وهي خصلة عراقية بإمتياز تتكرر دائما) عندما ايقن الملا إن الجميع ضد قاسم،ولأم ما يهمه شخصيا هي الهيمنة والبروز كقائد،أي تغليب المصلحة الشخصية على المصالح القومية للكورد لذلك إنقلب على قاسم (كما فعل روؤساء العشائر الذين كانوا يقاتلون مع العثمانيين ضد الإنكليز ولكنهم إنقلبوا في اللحظة التي شعروا بها قرب إنتصار الإنكليز) وهي الظاهرة العراقية التي مازالت مستمرة، وقصص القتال بين البارزاني والطالباني وتحالفاتهما المتقلبة لحد الآن دفع ثمنها الشعب الكوردي لأن المصلحة الشخصية هي العامل الحاسم في مواقفهم.
موقف الشيوعيين:
أما موقف الشيوعيين فهم لحد الآن لا يقرون بأنهم كانوا حطبا لنار السوفيت وكانوا ورقة بيد المفاوض السوفيتي في مفاوضاته مع الغرب حول جدار برلين وكوبا وهو ما أدركه ( سلام عادل) وحاول تجاوزه ولكن لم يسمح له رفاقه بذلك منطلقين من الرعاية الايدلوجية للرفاق السوفيت دون أن يدركوا إن ما كان يهم السوفيت هو مصلحة الإتحاد السوفيتي أولا لذلك رفضوا فكرة ( سلام عادل) بتغيير النظام في 1959 أو 1960 بحجة إن المجتمع الدولي لا يسمح بسيطرة الشيوعيين والحقيقة إن الثمن كان السماح لهم ببناء جدار برلين. والغريب إن الموقف الآيدلوجي تكرر في 1973 عندما قبل الشيوعيون بالتحالف مع البعثيين خلاف راي أغلب الكوادر والسبب إن السوفيت العارفين تماما بحقيقة عمالة (صدام) للأميركان عملوا وفق المبدأ الأميركي بأن (صدام) حليفنا ولكن لابأس أن تستفيدوا إقتصاديا منه، وكان (بريماكوف) يصرح بأن (صدام) أكثر أهمية من الحزب الشيوعي العراقي للسوفيت، ولكنهم غلفوا موقفهم بفكرة الإنتقال اللارأسمالي ودور العسكر في ذلك، ويقصدون ( ناصر / الأسد / القذافي/ صدام).
ولو لم يتحالف الشيوعيون مع البعث بعد تموز 1968 ووقوفهم موقف المتفرج على عنف السلطة ضد القوى السياسية الأخرى، لكان هنالك إحتمال كبير بعدم نجاح البعثيون في الهيمنة على العراق لكونهم كانو بضع مئات مقابل الآلاف من اليسارين والقوميين ولربما تغير تاريخ العراق ولم نصل لما نحن عليه لأن فترة حكم البعثيين 1968-2003 هي الأسوا في تاريخ العراق الحديث التي نحصد نتائجها الآن.
صحيح إن الفرق بين الشيوعيين وغيرهم هو إنهم دائما يدفعون ثمن عدم إدراكهم للعبة السياسية الدولية بخلاف الآخرين الذين غالبا ما يحصدون مناصب وإمتيازات مقابل تدمير البلد، وهو ماحصل بعد 1963 و1979، والمؤرخ المنصف يجب أن يسجل إن المساواة بين البعثيين والشيوعيين كأحزاب شمولية كما يحاول البعض بعد 2003، هي جريمة تاريخية ، ومن يراجع أحداث شباط 1963 يكتشف ذلك بسهولة، فقد حول البعثيون المدارس والجامعات والملاعب والنوادي الرياضية والمكتبات الى معتقلات يمارسون بها التعذيب وإغتصاب الرجال والنساء، وأهانو المفكرين والعلماء والشعراء والأ دباء وتعمدوا اذلالهم، فيما حول الشيوعيون السجون الى مدارس وجامعات ومسارح خرجت المئات من المثقفين والشعراء، لكونهم وطنيون بتجرد وليس إدعاء.
وبالرغم من إيمانهم بالماركسية وهي نظرية عالمية غير عراقية ، إلا إن ممارساتهم كانت وطنية خالصة بتثقيفهم للأعضاء والمجتمعات وترجمة الماركسية الى مصطلحات ومفاهيم عراقية بحتة وتقديمهم حلول وطنية للقضايا المحلية، صحيح إنهم كانوا يدافعون عن السوفيت ولكنهم عندما تصل الحالة للإختيار ينحازون دون تردد للعراق.خاصة وإن أسمى دليل على وطنيتهم إن خلاياهم الحزبية فيها من كل الطوائف والأديان والقوميات كجزء من بنية الحزب الداخلية وليست مجاملة أو شكلية.
إذن لم تكن 8 شباط 1963 إنقلابا عسكريا من أجل السلطة فقط بل كانت هجمة ضد العقل العراقي الذي تكون وتطور منذ العشرينيات على يد مفكرين مثل حسين الرحال وعبد الفتاح ابراهيم وجعفر أبو التمن وفهد ومئات غيرهم ساهموا في حملات التنوير لذلك لم تظهر رموز فكرية بعد 1963 كما ظهرت قبلها وحتى الاحزاب السياسية نفسها لمن تنتج مثل قادتها السابقين، ولم تعد الأحزاب تبذل جهودا في التنمية الفكرية والمجتمعية ومن ظهر في السبعينيات من القرن العشرين كانوا بقايا لنهضة الخمسنيات والستينيات.
وعلى مستوى المجتمع تعلم العراقيون درسا، وخاصة مما سمعوه عن بشاعة القتل والإمتهان للوطنيين العراقيين في 1963 ، مفاده إن ثمن المبدئية غال يكلفهم حياتهم فزادت النزعة المصلحة والإنتهازية مع غياب وإنكفاء قادة الفكر وضعف الحركة التنويرية.
وعلى مستوى الحزب الشيوعي نفسه لم يظهر قادة مثل (سلام عادل) ورفاقه الذين قتلوا في 1963 وفقد الحزب بعدها ثوريته ومن ثم نكهتة التربوية والفكرية،وظهر ذلك جليا بعد 2003 حيث إنكفا الحزب وتنازل عن دوره التنويري تاركا الساحة لقوى الجهل والتخلف ومنساقا أحيانا للعبة السلطة والصالونات السياسية بلغت حد أن تكون بياناته السياسية لاطعم لها ولا لون ولا رائحة فهو يتحدث عن المشكلة ولا يسمي المسببين، وقد تكون ذكرى 8 شباط فرصة لإعادة الفكر التنويري للحزب من خلال إظهار القيمة الفكرية للقيادات الوطنية الذين ضحوا بحياتهم في 1963 وتذكير الشباب بأولئك المفكرين الذين لم يبحثوا عن منصب أو إمتياز تعويضا لهم على نضالهم، وأخشى أن يكون نسيان احداث 1963 مقصودا أو جهلا بأهمية الحدث أو إستمرارا لنسيانهم المتعمد لتلك الأحداث كما فعلوا في السبعينيات كضريبة لتحالفهم الهش مع البعثيين،علما إن الحدث لا يهم الشيوعيين فقط بل هو حدث عراقي يلخص وحشية القوى الدولية المتصارعة على مصالحها في أراض غير أراضيها لتدفع شعوب غير شعوبها الثمن وهو مايحصل الآن في العراق بأشكال جديدة .
إذن لابد من دراسة حدث شباط 1963 لتتعلم الأجيال معنى الوطن والوطنية العراقية التي نسيت في تلك السنوات ويتكرر النسيان الآن مما سيقودنا الى مستقبل مجهول يمهد لحكم جديد قريب من حكم البعث في 1968 بشكل غير واضح المعالم لحد الآن.ومايحدث هذه الأيام من تداعيات طرفها الأساس القوى الشيعية سواء كانوا من التيار الصدري أم من الإطار التنسيقي يؤكد نسيان كل القوى السياسية بل وحتى الشعب العراقي لدرس 8 شباط والمتمثل بغياب الوطنية العراقية وتعدد الولائات والتصفيق للقوي ماليا ومجتمعيا وغياب بعد النظر، مما سيوصل البلد الى مهالك خطيرة سببها وضحيتها أولا واخير الشعب العراقي. والقوى الوطنية الحقيقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حل الخراب بعد ثورة تموز 1958
صلاح شومان ( 2022 / 2 / 7 - 17:24 )
حل الخراب بعد ثورة تموز 1958 حيث تقاتل الضباط الأحرار على الزعامة ودعموا حكمهم بمليشيات سلطوية لا تخضع لسلطة القانون -مقاومة شعبية و حرس قومي - و محاكم هزلية فوق سلطة القضاء- محكمة الشعب و محكمة الثورة - ساعدهم وغذى جهلهم الجهل السياسي للأحزاب السياسية---- ثم تبعهم الضباط غير الأحرار وتوالى مسلسل السقوط حتى وصلت السلطة لاولاد الشوارع او وصلوا إليها