الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة تعمل لصالح الشعب لا ضده

يسري حسين

2006 / 9 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عندما يتولى شخص في الدول الديمقراطية مهام حقيبة وزارية , لا يأتي إلى موقعه بالبراشوت , الذي هبط عليه فجأة وبفعل الأقدار أو الأعاصير السياسية ! . إن التقاليد التي أصبحت راسخة هي معرفة الرأي العام مسبقاً ولسنوات طويلة بفكر هذا الرجل السياسي وبرنامجه الذي إنتخبه طبقاً له .
وعلى سبيل المثال , يقف جوردن براون , وزير المالية الحالي لتولي منصب رئيس الوزراء , إذا تنحى الرئيس الحالي توني بلير عن منصبه . فبراون يأمل أن يرشحه حزبه وينتخبه لهذا الموقع .
وإذا تولى براون رئاسة الحكومة , فإن الرأي العام يعرفه من تاريخه السياسي الطويل ومن مواقفه عبر توليه منصب وزير المالية لمدة تقترب من تسع سنوات .
والوزير السياسي في بيئات ديمقراطية , لا يظهر فجأة , لأنه صديق لملكة بريطانيا مثلاً أو لأنه يجلس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك , يدردش معه في شئون الحياة والناس والمال . وإنما الوزراء في بلاد الديمقراطية يصعدون إلى مناصبهم بكفاح سياسي مرير في الشارع , ومن خلال خدمة الرأي العام والدفاع عن مصالحه . لذلك الوزير في الحكومة البريطانية على سبيل المثال , يجلس في الوزارة ممثلاً للدائرة الإنتخابية التي دفعته إلى مقعده داخل الحكومة . وإذا فشل الوزير في تحقيق مصالح أبناء الدائرة يستقيل فوراً . لأن العقد القائم بينه وبين أبناء دائرته الإنتخابية يقوم على تجسيد مصالحهم والدفاع عنها .
والمنافسة السياسية في بلاد الديمقراطية , تجري بين أحزاب وأفراد وتكتلات . وكل فريق له أفكاره ومعتقداته الإجتماعية والإقتصادية . فإذا إختار الرأي العام حكومة تميل إلى اليمين , فهو يدرك إنها ستتجه في هذا المسار , سواء على الجبهة الداخلية أو الخارجية .
وقد ظل البريطانيون لمدة 18 عاماً في قبضة اليمين المحافظ , وعندما تخلصوا من حكومة بهذا التوجه , صعدت أخرى تمثل الرأي البديل , أي حماية الأغلبية وتوفير الخدمات لها , والإهتمام بالمواصلات العامة والإنفاق على التعليم . والفرق بين حكومتى المحافظين والعمال , أن الأولى تعمل لصالح نمو رأس المال , بينما الأخرى تجتهد لتوسيع نطاق الخدمات وتوفير تنمية إجتماعية تفيد كل أفراد المجتمع .
ورغم أن حكومة المحافظين رأسمالية قحة , غير أنها كانت ملتزمة بمراعاة حاجات الشريحة العريضة , وحافظت على المال العام , ولم يتمكن أفراد من سرقة أموال الدولة والثراء السريع في سنوات معدودة .
إن المجتمع البريطاني لديه قواعد تحميه دائماً , وتضبط الأداء , بصرف النظر عن ميول الحكومة السياسية . وهذه الضوابط تمثل المصلحة العامة وحماية النظام ومنع الفساد والتصدي له . لكن المجتمعات التي لا تطبق الديمقراطية , ليست لديها ضوابط تحمي المال العام وثروات الأمة , مما يسمح بنهبها وسرقتها , تحت نظر القانون وأمن الدولة ! .
لقد تمت بمصر بلورة نظرية خاطئة عن أمن الدولة , تعني بما هو سياسي فقط , ويرتبط بمصالح الحاكم وعائلته ونفوذ دائرة المقربين . وأهمل هذا النظام أمن الدولة الإقتصادي ومصلحة الناس وعموم الشعب . فإذا كان هناك أمن الدولة لحماية السلطة ومصالحها , فأين هو نظام أمن الشعب الإقتصادي والإجتماعي الذي يحمي ثروات الوطن ومصالح جميع فئاته وأفراده ؟ ! .
إن الدول الديمقراطية أمنها يستقر في حماية إقتصادها والدفاع عن الأغلبية وليس الأقلية . ولا يعني هذا النظام الأمني معاقبة من يفكر في السياسة ويعبر بصوت مرتفع . ولا يطارد هذا النظام الصحفيين لأنهم ينتقدون ويكشفون مظاهر الخلل . الأنظمة الديمقراطية ترى في حقوق التعبير الضمان للأمن بمفهومه الواسع والحقيقي العريض . إن الصحافة البريطانية مثلاً تطارد السياسيين وتفضحهم وتسلط الأضواء على ممارسات تراها خاطئة , سواء كانت سياسية أو محاولة لإستغلال المنصب أو المال العام . والصحافة هي التي أسقطت حكومة المحافظين السابقة . وكانت وراء خروج أكثر من وزير في الحكومة الحالية . وقد طاردت الصحافة نائب رئيس الوزراء جون بريسكوت , حتى قرر ترك منزله الريفي الحكومي , بعد تخليه عن بعض المهام التي كان يشغلها في تشكيل وزاري سابق .
ولا توجد لدى صحافة حرة خطوط حمراء , فالملكة الجالسة على العرش البريطاني تواجه إنتقادات صارخة . وجميع أفراد العائلة المالكة تتعرض لنشر الأخبار عنها وتلاحقهم الصحافة الشعبية حتى في الأماكن الخاصة جداً ! . والأمير تشارلز ولي العهد , لا ينجو من نقد عنيف من الصحافة , يصل إلى حد القول بأنه لا يصلح للجلوس على العرش وإن على بريطانيا أن تتخلص من العائلة المالكة وتختار النظام الجمهوري ! .
إن مؤسسات المجتمع مثل الصحافة , هي لضمان الإستقرار ونظافة اليد ومحاربة الفساد . وعندما تغيب الصحافة عن لعب هذا الدور , ينشط اللصوص ومن يحاول إستغلال المال العام لصالحه ومن أجل عائلته على حساب مصالح الوطن وأمنه ورفاهية الشعب .
وإذا كان الوزير في البلاد الديمقراطية , ينتخبه الشعب لتنفيذ مصالحه , فإن مبدأ إختيار الوزراء في الدول المعادية للديمقراطية يعتمد على معايير أخرى . لقد فوجئ المصريون مثلا بإختيار وزير النقل الحالي محمد منصور وهو رجل أعمال يملك الملايين ويتاجر في السيارات , وليس له علاقة بتاريخ سياسي يؤهله لمنصب بهذه الحساسية في خدمة مصالح الرأي العام والإقتصاد الوطني . فلم نقرأ قبل تولي منصور هذا المنصب الوزاري إهتمامات جديدة له بشأن سياسة النقل في مصر ! . ولم نتعرف على خطة سياسية لتطوير هذا المرفق أو تحسينه . ولا نعرف ما هي العوامل التي دفعته لتولي حقيبة بهذه الأهمية ؟ في دولة تشغل السكك الحديد مكانة حيوية للغاية في تنقل الأفراد والبضائع . والمعروف أن شبكة الطرق المصرية تعاني من التخلف وغياب التخطيط والعشوائية , ويدفع ثمن ذلك المواطنون من حياتهم كل يوم .
إن الأسباب التي أدت لإختيار منصور غير واضحة . لكن الرأي العام يدرك أن صلته الحميمة بالنظام ودوائر المال في داخله , هي التي سمحت له بتولي هذا المنصب .
وكان لابد من خروج منصور بعد كارثة عبارة السلام . لكن بما إنه غير منتخب وغير مسئول أمام الشعب , فلم يهتز مقعده الوزراي على الإطلاق بل تَدَعم ! , رغم غرق أكثر من ألف مواطن مصري . وجاءت كارثة قليوب , ونادت المعارضة بإخراج الوزير . لكن بما أنها لا تملك التأثير داخل البرلمان تَمَسك النظام به وإمتدح الأداء وحافظ على بقاء الوزارة تطبيقاً لمبدأ عدم الإنصات للرأي العام لأنه غير موجود في حسابات السلطة , التي لا ترى سوى مصالحها في الحكم والثراء والتوسع في بناء القرى السياحية , بينما أغلبية الشعب تعيش محاصرة داخل العشوائيات ! .
لقد خسر المصريون على مدى أحقاب طويلة وجود مؤسسات وهياكل تدافع عن مصالحهم , في الوقت الذي نمت فيه مؤسسة الرئاسة وأصبحت قابضة ومتحكمة ولا تنصت لرأي الشعب على الإطلاق , وتجسد ذلك في الإحتفاظ بالحكومة الحالية .
إن الوزارة القائمة تعبر عن مؤسسة الحكم ومصالحها , والدليل هو إختيار وزير العدل الجديد , المنحاز لها , وعَبَر عن مدى إخلاصه وتفانيه , لخدمة أهدافها خلال الإنتخابات الأخيرة , على حساب العدل والقانون والدستور نفسه . إنه ليس مهماً التجاوزات ضد الشعب والدستور , فالمهم هو المحافظة على الولاء للسلطة , وإفعل بعد ذلك ما تشاء ! .
وهناك الأن محاولة لإسقاط الصحافة الحزبية والمستقلة , لأنها تتحدث عن هذا التضارب بين مصلحة الأمة والنظام , وتطالب بأن تكون الحكومة معبرة فعلاً عن الرأي العام وليست متورطة في نهب أمواله أو قتله في شبكة المواصلات العامة والعبارات البحرية .
إن مصر في حاجة لإسترداد حقوقها كاملة , بأن تكون الأمة فوق الحكومة , كما قال بذلك سعد زغلول مُفجر ثورة 1919 , عندما كان يحارب الإستعمار والإستغلال , وأكد شعاره العظيم بأن العدل فوق القوة .
الحاجة ماسة لإسترداد حقوق الشعب والمحافظة عليه , وأن يتولى المهام الوزارية , أفراد لهم تاريخهم في خدمة الرأي العام والناس , حتى ينتهي هذا التقليد البغيض في إختيار وزراء من الأقارب والأحباء والأصدقاء والأعضاء في نادي الأثرياء , لمحاربة الفقراء والحصول على أموالهم القليلة ثم بعد ذلك قتلهم في البحر الأحمر أو على قضبان السكك الحديد , أو داخل قطار يحترق ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة