الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وادي الارواح /رواية -الفصل العاشر

ذياب فهد الطائي

2022 / 2 / 9
الادب والفن


كنت أتطلع الى الفجر وهو يتقدم ببطء في المساحة التي تواجه شباك غرفتي ، بدت الأشجار أشباحا حزينة وصامتة ومع انكشاف الرؤية كان النسيم المثقل برائحة المطر يحركها بتؤدة وكأنها تستيقظ للتو وتحاول أن تكتسب مرونة في استجابتها للهواء ،
قالت فتاة الاستفبال على الهاتف – سيدي هل تفضل الافطار في غرفتك أم ستنزل الى الصالة .
-سأنزل الى الصالة
-هل من طلبات خاصة ؟
-شكرا ...البوفيه مناسب
في الصالة كان هناك ثلاثة اشخاص سيدتين وشاب ملون ،كان الشاب يتحدث عما شاهده اثتاء الحرب
قالت –القتاة الشقراء ذات الظفيرة التي سحبتها على صدرها –الحرب في فيتنام ؟
اسغرب الشاب والسيدة الثانية –الحرب في فيتنام انتهت عام 1975 وأنا ولدت عام 1969 وكنت ما أزال في الروضة !!!
-اسفة هذا ما خطر ببالي فالتلفزيون يعرض ليليا أحد الافلام عن تلك الحرب
-لا كنت في العراق عام 2003 في كتيبة الدبابات التي دخلت بغداد
تشاغلت بتناول الافطار ...كنت في العراق أيضا ولكن بمهمة أخرى ..كان المئات يتساقطون وكنت أجمع فراشات أرواحهم وأبعثها يوميا الى الوادي ، لقد شهدت الاف عمليات القتال عبر السنين المنصرمة ،وكان معظما لأسباب غاية في التفاهة وكأن الامر جزء من الطبيعة البشرية أما غرورا أو للهيمنة والسيطرة أو حتى لأسباب مفتعلة وأحيانا بدون اسباب ، مثل هذا لم يحدث في السماء، الملائكة في سلام دائم ،وحتى حينما تجدد السماء في مظهرها فإنها ترمي باثقالها الى الارض ، فالنجوم التي تحتضر والنيازك التي تحترق فإنها جميعا تتوزع على الكون الأرضي ، لم نسمع طوال ملايين السنين إن نجما سقط على السماء أو إن نيزكا ضرب تجمعا للملائكة،ومما يلفت النظر إن الانبياء لم يرسل أي منهم الى الملائكة وكلهم كانوا في الكون الأرضي في حين ان الكونين ، كون الملائكة في السماء وكون الارض هما من خلق (القدير ).
على الطاولة صحيفة نيويورك ستار وهي صحيفة توزع مجانا ، قررت أن اتسلى بها وأنا أتناول كوب القهوة الثاني
في صفحة اعلانات الوظائف كان مصنعا للمعدات والاجهزة المنزلية يطلب مسوّقين لديهم خبرة وممارسة مع شهادة بذلك من اخر وظيفة شغلو ها
أغراني الإعلان بتجربة التقدم للوظيفة ،عدت الى غرفتي وعلى الحاسوب قمت بعمل شهادة الخبرة وبحثت عن كتاب في التسويق وأساليب العمل،قمت بالاتصال بالشركة ، ردت فتاة بصوت ممطوط وممل ،قالت إن علي أن أحرص على جلب كافة المستندات المطلوبة وموعدي للمقابلة اليوم الساعة الرابعة ،سألتني إن كنت أعرف العنوان ..أجبتها نعم ،قالت يجب التواجد في مقر الشركة قبل عشرة دقائق من الموعد والتأخر خمس دقائق يلغي المقابلة ولن أحظى بموعد أخر...
والآن سأخوض تجربة جديدة ...سأعرف ما هو رأيهم بي إنسانا من الكون الارضي ...شاهدت عددا من المقابلات ودرست الانطباعات التي تظهر على وجوه لجنة المقابلة ...كان أحدهم غاية في اللؤم يطرح اسئلة غير متوقعة ، واخر يتشاغل بالعيث بسلسلة المفاتيح او يتطلع بعدم مبالات متعمدة ،المرأة الجالسة في الوسط تعطي الانطباع بانها الشخصية الحاسمة في قرارات اللجنة ، صبغت شعرها القصير بلون بلاتيني باهت ،عيناها واسعتان تسكن فيهما نظرة متفحصة ومستفهمة ،كنت اجلس على كرسي حديدي دون مساند عليه مقعد اسفنجي ، الغرفة كانت مزدحمة بصور لعشرات الاجهزة المنزلية التي تنتجها الشركة وتوزعها بالبيع المباشر لربات البيوت مباشرة أو عبر مراكز توزيع منتشرة في الشوارع الرئيسة في نيويورك ،وصور لنساء يتسلمن طلباتهن وهنّ يبتسمن تعبيرا عن اعترافهن بجميل الشركة التي تنتج اجهزة ومعدات تساعدهن في المطبخ أو على منضدة الطعام ،قالت المرأة ذات الشعر البلاتيني الباهت وهي تتطلع نحوي –لماذا يمتاز الموزعون اليهود بقدرات عالية في الاقناع عند زياراتهم المنازل ؟
كان ابليس يقف جنبي الأمر الذي فاجأني
-لماذا أنت هنا ؟
-أردت أن أعرف كيف ستتصرف بأول امتحان لك كمواطن صالح يبحث عن عمل شريف ،بالمناسبة السؤال متحيز ولكنه يحمل هدفين الأول ان تشير الى حذاقة اليهود ،وهي يهودية ، والثاني لتقول لك أنا أعرف إنك يهودي فلا تخف لانك ستحصل على الوطيفة
- شكرا لإيضاحاتك ولكني بغير حاجة لها ،هلا تتركني
كنت حريصا ان لا أتطلع نحوه كي لا أجلب انتباه اللجنة إني مشغول عنهم
- لأنهم سيدتي يتحلون بالصبر
-بديع !
قال الرجل الى يسار السيدة وهو يجاهد كي يفتح رباط العنق البنفسجي الذي كان يشد على رقبته السميكة
-هل تعرف اللغة الصينية !!
-نعم ....انا أجيد الصينية والروسية والالمانية والفرنسية فضلا عن العربية والانكليزية
توقف الذي كان يعبث بسلسلة المفاتيح
-حقا !!!!
- نعم
قالت السيدة ذات الشعر البلاتيني الباهت –هل يمكن أن تترجم الأسطر الأربعة الأولى من هذه الصفحة
كان أمامها كتابا يتحدث عن منتجات الشركة بعشر لغات ،والصفحة التي قدمتها كانت باللغة الصينية ،
ابتسم ابليس ووضع أمامي الترجمة بالانكليزية ، حين قرأتها فغر الثلاثة افواههم،قال الرجل صاحب المفاتيح-هل انت متزوج ؟
-كلا
قال الرجل الأصلع والرأس المستديرة بانتظام نادر – في أية جامعة درست ؟
-جورج تاون
قال ابليس –استمر بالكذب وستجد نفسك منتسب الى فريقي
-لن يكون ذلك
-سنرى ،
ربت على كتفي وشعرت كأن نسيما باردا لامس جسدي كله
-لا تخف
قالت المرأة وهي تهز رأسها فيتحرك شعرها البلاتيني الباهت كإنه كتلة مقتطعة من غيمة عابرة ساعة غياب الشمس- إسمح لنا بالتداول خمس دقائق
انسحب الثلاثة عبر ممر مضاء بمصابيح مبثوثة على جانبي الممر ثم اختفوا في استدارة الممر
جلست أتطلع الى صور الأجهزة المنزلية المتنوعة و أشاهد الابتسامات المصطنعة لربات البيوت المفترض انهن معجبات بتلك الأجهزة مع عبارت مبتكرة بلهجة شعبية لتأكيد مصداقية الموقف.
جاءت فتاة تضع على رأسها خوذة بلاستيكية
-سيد جاكوب ، المدير العام يود التعرف عليك !
تبعتها ، كانت الغرفة فارهة يطل شباكها الذي يمتد من الجدار الى الجدار بمساحة 6 امتار يكشف غابة من أشجار السرو والبلوط ، على المنضدة الخشبية بضع ملفات أنيقة وصورة لزوجة المدير تحتضن طفلا بشعر ذهبي كثيف يبسم بسعادة غامرة
على الجانبين وقف اعضاء اللجنة ، السيدة ذات الشعر البلاتيني الباهت الى اليسار والسيدين الى اليمين
-تفضل سيد جاكوب بالجلوس ....هل أطلب لك شيئا ؟
-لا ...شكرا
جلس المدير العام وأومأ للثلاثة بالجلوس ،كان ابليس يقف الى جوار الكرسي الذي أشغله ،لماذا تحشر نفسك فيما لاعلاقة لك به ....،حسنا ..يمكنك القول انه الاحساس بمشاعر الصداقة....لاتقطب وجهك لئلا يفسر هذا على إنك غير راض عن هذا الإستدعاء ...يمكنك القول إنه شعوري بأنك الوحيد الذي يمكنني أن أراه من أصدقائي القدامى , لا تنسى إني رافقتكم ملايين السنين قبل أن يحضرنا السيد (ادم )...وكما يقال العشرة لا تهون !!!!!
-سيد جاكوب ....علمت للتو إنك على دراية كاملة باللغة الصينية ...هذا موضع إهتمامي واهتمام مجلس الإدارة ، لأنّا لم نعثر على شخص يمكن الوثوق به ويتكلم الصينية بشكل متقن ....
الرجل صاحب المفاتيح بدا قلقا فهو يحرك يده عابثا بالمفاتيح في جيبه وفي عمق عينيه علامات لؤم تتقافزحول بؤبؤه الازرق ، أما الرجل الثاني فقد بدا مفكرا يحاول أن يتوصل الى قرار محدد ،أما المرأة ذات الشعر البلاتيني الباهت فقد بدت تخبئ فرحتها حتى أعلن قراري بالموافقة على ما سيطرحه المدير العام ، ابليس، كان يتطلع نحوي مثل حكيم يثق بقراراته ، أما أنا فقد كنت أجد فيما يجري تجربة جديدة أكتشف فيها جانبا من سلوك مواطني الكون الارضي حين يعملون على تأمين مصالحهم ،
-اعرض عليك العمل معنا في الادارة العامة
-ولكن ماهو عملي بالضبط
-حسنا ...انت تعرف عدة لغات ونحن نتعامل مع بلدان مختلفة ونعقد لقاءات للحوار والمناقشة بهدف بيع منتجاتنا أو لبيع المعرفة والمواد نصف المصنعة،نحتاج الى معرفة ما يفكرون به أي الحصول على معلومات عما يفكرون به ...أثناء الحوار يتحدثون بلغتهم ووجود شخص يعرف تلك اللغة يساعدنا في هذا
- ألا يدخل هذا بباب التجسس على الاخرين
ابتسم المدير العام ، خمنت إنه يجدني غرّا في العمل التجاري
-بالطبع لا ... إنه من باب المعلومات المسبقة ! وإذا وافقت فسيتم تعيينك على الفور لأنك سترافق وفدنا الى الصين حيث لدينا نية في عمل مشترك كبير، وجودك سيساعدنا شريطة الا تمنحهم الفرصة ليعرفوا إنك على معرفة باللغة الصينية ،أرجو ألا يكون لديك التزامات تحول دون ذلك
كان ابليس ينصت باهتمام –الان بدأ اللعب الحقيقي وسنجد الى أي مدى ستكون انسانا من مواطني الولايات المتحدة الامريكية ...
قال ذلك به بهدوء وببطء ،
التفت المدير العام الى المرأة – ستيلا ..هلا تغلقين جهاز التلفاز رجاء
كان الجهاز صامتا ولكنه يعرض سلسلة من الأرقام الاحصائية عن تنامي الجريمة في ثلاث مدن امريكية
-أعتقد ان الرجل يحتاج الى تدريب عملي ، قال الرجل الذي يعبث بسلسلة مفاتيحه
خمنت إنه يرغب بأن أكون تابعا لإدارته المباشرة من باب التحوط المسبق،
-سندرس ذلك لاحقا ،.قال المدير العام
التفت نحوي –ماهو قرارك
-يسعدني أن أعمل معكم ، كما لا يوجد ما يحول دون سفري مع الوفد الى الصين
ابتسم ابليس وقرص ذراعي –لن أرافقك الى الصين ، ترامب بحاجة الى أن يصحح مساره وسالتحق بمجموعة مستشاريه ، تسرّع صهره، وعدم مراعاته العلاقات المعقدة في الشرق الأوسط أدى الى سقوطه وتعثر مشاريعه
-هل تعتقد إني مهتم
-لا ...ولكن لابد من اعلامك ببعض خططي
قال المدير العام –والان ما هو رأيك ؟
-موافق على العمل بموجب ما طرحتم
- حسنا يمكنك ان تنتظر عند السكرتيرة لحين انجاز تعيينك وتحديد الراتب...بالمنسبة راتبك مبدئيا ثمانية الاف دولار شهريا وسيارة خاصة نتحمل كافة نفقاتها ...أعني الوقود والصيانة ....هل يلائمك أن تباشر غدا؟
-نعم مناسب
-هيئ نفسك لدورة مكثفة لمدة اسبوع ....ربما لاتحتاجها عمليا ولكن لنضمن انك على اطلاع بطبيعة عملك ....تمنياتي بالموفقية.
كانت السكرتيرة في الثلاثينيات من عمرها أنيقة ولكن دون افراط ،ترسم على شفتيها ابتسامة عملية وكإنها تقول :أنت مرحب بك كضيف ولكن انتبه وقتنا ثمين ،طلبت لي قهوة ...قلت بدون سكر أو حليب ...اتسعت ابتسامتها
-يبدو انك حريص على عدم زيادة المصاريف
-لم يدر هذا في خلدي ، عادة أشرب القهوة مرّة المذاق
-ارجو ان تكون ايامك معنا حلوة
مثل هذه المجاملات لا وجود لها عندنا في السماء كما انا لا نتناول القهوة ...الحديث عن ممارساتنا اليومية سأتحدث عنه في وقت لاحق ، على يمين السكرتيرة كان مقتبس من (إشعيا) مكتوب بخط أزرق على قاعدة ذهبية وأطار فضي مبروم (ها قَدْ مَسَّتْ هَذِهِ الجَمرَةُ شَفَتَيكَ، فَأُزِيلَ عَنكَ إثمُكَ، وَمُحِيَتْ خَطِيَّتُكَ ) ، أين أقف أنا ...مع المسيحية ولكن اية كنيسة ، ام مع اليهودية ولكن أية فرقة يهودية ، ام مع الاسلام ،أيضا اي اسلام الشيعي ام السني ، عند الملائكة ...لافرق ولا مذاهب ، وعادة تستعين كل الديانات في نزاعاتها بالملاكئمة، ويعلن البعض إن فريقا من الملائكة كان يحارب الى جانبه ضد الاعداء ....ولكني لم اسمع من أي من الملائكة انه حارب في الكون الأرضي ، حين سألت (صديق الانبياء )عن ذلك قال بأنه لم يسمع بذلك.
ابليس يمكن أن يشترك على نحو غير مباشر مع تابعيه كمصدر معلومات استخباري ، لكنه وعشيرته لم يشتركا مباشرة بأية معركة بين طرفين من الكون الأرضي
قالت السكرتيرة وهي تقرأ الامر الصادر بتعييني في الشركة –جاكوب فشرمان ، هل تصدق إني أجده متناسقا ...أنا سعيدة لأني أول من يهنّأك بالتحاقك بشركتنا
-شكرا سيدتي
وكأنها تحاول افهامي إنها سعيدة لأن يهوديا جديدا ينضم الى الشركة
سلمتني أمر التعيين –حين تأتي غدا ستجد إن مكتبك بانتظارك
وأنا أ خرج تقدم مني شاب بملابس موظفي الخدمات في الشركة
-سيدي أنا السائق المنسب للعمل معك ....هل تتفضل معي ....
حين كنا عند السيارة الفورد الصغيرة والأنيقة قال –سيدي فاتني أن أعلمك بأنك غير ملزم بعملي معك ، أعني إنه يمكنك أن تسوقها بنفسك ،لقد بلغتني سكرتيرة المدير العام
-شكرا ...ربما أقررذلك غدا
كان ابليس الغائب يتواصل معي عن طريق تخاطر غامض ، وقد يكون هذا الغموض الذي لم استطع معرفة كنهه بسبب الطرق التي كان يبتكرها لتنوع قدرات البشر وقدراتهم الذاتية ،
حين دخلت الفندق سلمني موظف الاستقبال الجديد بطاقة دعوة ، كانت من ماري تدعوني فيها الى حفل خطبتها الذي سيكون في فندق ...لم أكمل قراءة الدعوة فقد شعرت بإن ماري قاسية الى الحد الذي دفعها الى هذا التصرف دون أن تشعر إنها تسيء الى مشاعري....في غرفتي استقر في قناعتي إني أصبحت إنسانا في الكون الارضي ، ولكن هذا التحول ما زال يختلط فيه بقايا من نقاوة الملائكة ،
في نيويورك كما في المدن الامريكية الكبرى يقتل الناس بعضهم البعض حتى بدون مبررات مقنعة ، يكفي إنك لا تعجب القاتل أو إنك تسببت في تعكير مزاجه
وتساءلت هل سأفقد بقايا النقاوة من زمن الملائكة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل