الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم التراخي في المطالبة القضائية تعليق على قرار محكمة التمييز الاتحادية

سالم روضان الموسوي

2022 / 2 / 10
دراسات وابحاث قانونية


اطلعت على قرار لمحكمة التمييز الاتحادية مؤرخ في 31/5/2021 وقضت بموجبه بنقض قرار محكمة الأحوال الشخصية في خانقين التي كانت قد قضت برد دعوى المدعية بالمطالبة بالتعويض عن الطلاق التعسفي وكان سبب الرد بانها تراخت في استعمال حقها بالمطالبة التي أقامتها بعد مرور سنتين على وقوع الطلاق ومحكمة التمييز نقضت القرار معتبرة ان مدة التراخي ثلاث سنوات وليس سنتين، وقالت في ذلك القرار بان هذا ما استقر عليه قضائها ، وأثار احد الأساتذة الأفاضل سؤال هل يوجد في القانون العراقي مصطلح (التراخي) وهل يعتبر سبب من أسباب انقضاء الدعوى وهل يعتبر من صور التقادم، وللوقوف على ذلك اعرض الاتي:
1. ان عبارة التراخي في اللغة بمعنى التكاسل والتقاعس والتواني ، وهذا المعنى هو ذاته الذي اعتمدته محكمة التمييز في عدة قرارات حيث وردت عبارة التراخي بمورد ( التقاعس والتواني والتكاسل) والقرار محل التعليق قد ذكر فيه ذلك بصريح العبارة ان الزوجة (تعتبر متراخية في المطالبة عن الطلاق التعسفي اذا مضت ثلاث سنوات) واعتبرت ان مدة ثلاث سنوات هي الحد الزمني لتحديد فترة التراخي، وجعلت هذا التراخي سبب من أسباب رد دعوى المدعية بالمطالبة بالتعويض عن الطلاق التعسفي، وبهذا التوجه جعلت (التراخي) بمنزلة التقادم المسقط لان مفهوم التقادم المسقط هو مرور مدة حددها القانون للمطالبة بحق وبموجب دعوى أمام القضاء دون ان يحركها صاحبها ، وهو قرين التراخي من حيث المعنى وان كان لفظاً شائعاً في الحياة العامة لكنه ليس من الألفاظ القانونية التي تستخدم في النصوص، وفي القانون العراقي وردت كلمة (تراخي) في نصوص قليلة جداً والشائع منها المادة (271) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 التي جاء فيها الاتي (كل موظف او مكلف بخدمة عامة كلف بالقبض على شخص او بحراسة مقبوض عليه او محجوز او موقوف او محبوس او بمرافقة اي منهم فمكنه من الهرب او تغافل عنه او تراخى في الاجراءات اللازمة للقبض عليه.... الخ)
2. وجدنا ان القضاء العراقي قد كررها مرات عديدة في قرارات تمييزية وفي كل هذه القرارات كان قصد المحكمة بالتراخي هو التقاعس عن استعمال الحق في المطالبة بدعوى، لكن ما لاحظناه ان تلك القرارات تعتبر التراخي سببا لرد الدعوى وحرمان المدعي من المطالبة بحقه، وهذا هو أساس الإشكال، وفي القرار محل التعليق اعتبرت ان مدة التراخي التي تسقط الحق هي ثلاث سنوات، دون ان تبين السند القانوني، لان إسقاط الحق لا يكون إلا بنص قانوني جازم وواضح ، ومع وضوحها لابد وان يتم تفسيرها بأضيق الحدود ويقول المستشار أنور طلبة (ان الحقوق التي تتقادم بمدد خاصة يتعين تفسير نصوصها تفسيراً ضيقاً لا يخرج عن نطاقها) وعلى وفق ما ورد في كتابه الموسوم (التقادم ـ منشورات المكتب الجامعي في الإسكندرية ـ بدون سنة طبع ـ ص5) والتقادم بمثابة جزاء للشخص المهمل أو الذي يماطل في القيام بما يلزمه القانون القيام به خلال الفترة المحددة، ويبدو من ذلك أن الزمن عنصر أساسي من عناصر التقادم، وعند البحث في قرارات محكمة التمييز وجدت إنها لم تستقر على مفهوم محدد للتراخي ومدته التي تعتبر مدة سقوط فإنها تارة تجعل التراخي سببا للسقوط وتارة أخرى لا تعتبره من أسباب السقوط وسأعرض بعض من هذه القرارات وعلى وفق الاتي :
‌أ. محكمة التمييز الاتحادية لم تعتبر تراخي المدعية بالمطالبة بنفقة العدة سببا لإسقاط حقها وعلى وفق قرارها العدد 9430/هيئة الأحوال الشخصية والمواد الشخصية/2021 في 25/7/2021 وعلى وفق الاتي (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف لأحكام الشرع والقانون قدر تعلق الأمر بنفقة العدة فانه حق شرعي للزوجة ثابت لا يسقط بمضي مدة معينة وبإمكانها المطالبة به بأي وقت تشاء وحيث أن المحكمة قضت برد الدعوى على اعتبار أن المدعية كانت متراخية بالمطالبة فان هذا الاتجاه غير صحيح فكان على المحكمة انتخاب خبير قضائي لتقدير مقدار نفقة العدة التي تستحقها المدعية ومن ثم الحكم بها على ضوء تقرير الخبرة القضائية....الخ)
‌ب. محكمة التمييز اعتبرت تراخي المدعية بتوجيه الإنذار يعد إسقاط للحق لكن دون ان تحدد ماهية المدة المحددة وعلى وفق قرارها العدد 1717/استئنافية عقار/2006 في 19/7/2006 (ان المميزة تقر بأنها اكتشفت العيب بعد استلام المأجور والمباشرة باستحصال إجازة الترميم فكان ينبغي عليها آنذاك توجيه الإنذار الأصولي وإقامة دعوى الفسخ أو إنقاص الأجرة والمطالبة بالتعويض وفقاً للإحكام المتقدمة , وإذ أنها تراخت عن ذلك ووجهت إنذارها يطلب الفسخ والتعويض (وتمديد مدة العقد) قبل انتهاء مدة العقد بمدة وجيزة جداً (الإنذار الأول في 24/4/2004 والثاني في 26/5/2004 في حين ان مدة الإيجار تنتهي بموجب العقد في (30/6/2004 ) وبذا فقد أسقطت حقها بطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة أو التعويض)
‌ج. وفي قرارها الأخير محل التعليق اعتبرت التراخي مدة سقوط للمطالبة اذا مضت ثلاث سنوات ولم تحدد على وفق أي نص قانوني استندت، إلا اذا كانت تقصد ان الطلاق التعسفي من الأعمال غير المشروعة والمطالبة بالتعويض عن الضرر الناجم عنه لابد من إقامتها خلال ثلاث سنوات وعلى وفق ما ورد في المادة (232) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 التي جاء فيها الاتي (لا تسمع دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المتضرر بحدوث الضرر وبالشخص الذي أحدثه ولا تسمع الدعوى في جميع الأحوال بعد انقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع.) لكن حق إيقاع الطلاق هو حق مشروع للزوج مقرر بموجب المادة (34) من قانون الأحوال الشخصية فضلاً عن أساسه الشرعي في القران الكريم، وعند الرجوع إلى الأسباب الموجب لإصدار نص المادة (39/3) من قانون الأحوال الشخصية التي قررت حق الزوجة بطلب التعويض عن الطلاق التعسفي نجد ان المشرع اعتبر إيقاع الطلاق تعسفاً سبباً للتعويض عن الضرر الذي يلحق الزوجة، ولم يذكر بان فعل الطلاق التعسفي فعل غير مشروع، وعلى وفق ما ورد في القانون رقم 51 لسنة 1985 قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية.
ومن خلال ما تقدم أرى بان الحكم لابد وان يستند إلى نصوص قانونية واضحة لان من اسباب صحة صدور الأحكام يتضمن المواد القانونية التي استند اليها وعلى وفق ما ورد في عجز المادة (162) من قانون المرافعات وهذه النصوص التي يجب الاستناد عليها يجب ان تكون متعلقة بموضوع النزاع وان لا تكون عامة وإنما محددة وهذا ما ذكره المرحوم عبدالرحمن العلام في كتابه الموسوم شرح قانون المرافعات ـ منشورات المكتبة القانونية الطبعة الثالثة عام 2008ـ ج3ـ ص212) ، لكن محكمة التمييز الاتحادية قد ذهبت إلى اعتبار ان فعل التعسف هو الفعل غير المشروع دون ان تشير إلى النص القانوني الذي يسند هذا التوجه، وهذه وجهة نظر اطرحها وأقول لربما كان في ذهن المحكمة ذلك التبرير، لان إيقاع الطلاق هو فعل مباح شرعاً وقانوناً ولا يلزم من يستعمل حقه في الطلاق بأي تعويض وعلى وفق قاعدة الجواز الشرعي ينافي الضمان التي وردت في المادة (6) من القانون المدني، لكن هذا الاستعمال لابد وان يكون قد ارتبط بتحقيق المنفعة لصاحبه لان الحقوق هي سلطة الشخص على الأمور التي له الحق فيها وله حق الانتفاع بها وفي هذه الأحوال لا يلزم باي ضمان او تعويض عن هذا الاستعمال، لكن عندما يقصد الشخص عند ممارسة حقه الأضرار بالغير فانه قد تعدى على حق الغير، واصبحنا أمام حالة أخرى غير استعمال الحق وإنما الإضرار بالغير واستعمال الحق هو وسيلة الإضرار ، بمعنى لم يكن الاستعمال هو غاية الشخص وإنما الغاية هي الإضرار واستعمال الحق هو وسيلة مثل اي وسيلة اخرى تلحق الضرر بالغير، وان كان هذا الأمر فيه صعوبة لأننا سوف ندخل في استجلاء الإرادة الباطنة الكامنة في النفس من خلال عبارات الإفصاح عنها لوجود علاقة وثيقة بين الإرادة والإفصاح عنها وعلى وفق ما ذكره الدكتور حازم اكرم صلال الربيعي في كتابه الموسوم (اثر الإرادة الباطنة في العقد ـ منشورات المؤسسة الحديثة للكتاب ـ طبعة بيروت الأولى عام 2019 ـ ص59) والإرادة الباطنة كما يعرفها الفقه بانها مجموعة من الدوافع والرغبات الكامنة في النفس البشرية لا يمكن التعرف عليها ما لم تظهر إلى العالم الخارجي بمظهر مادي ملموس وهذا ما أشار اليه الدكتور حازم اكرم صلال الربيعي ( مرجع سابق ـ ص11)، وعندما نتحقق من وجود إرادة الإضرار بالزوجة ونستدل عليها فإننا نكون أمام فعل اخر غير فعل إيقاع الطلاق وهذا الفعل هو فعل الإضرار، وهذا التبرير الذي استنتجته من خلال القرار أعلاه، لا يكفي لدفع الشبهات في قصور التسبيب لان كان بإمكانها ان تفصح عن ذلك وتقول انه تعويض عن فعل ضار غير مشروع ويتقادم الحق بالمطالبة به خلال ثلاث سنوات على وفق أحكام المادة (232) من القانون المدني، وما يؤكد ذلك انها ترددت في اعتبار مدة التراخي المسقط للمطالبة بثلاث سنوات لأنها في قرارات أخرى اعتبرته مفتوح ويخضع للقواعد العامة مثلما ورد في القرارات أعلاه.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هيومن رايتس ووتش تدين تصاعد القمع ضد السوريين في لبنان


.. طلاب في جامعة كاليفورنيا يتظاهرون دعمًا للفلسطينيين.. شاهد م




.. بعد تطويق قوات الدعم السريع لها.. الأمم المتحدة تحذر من أي ه


.. شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو




.. بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل