الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (311) صناعة التفاهة (2)

بشير الوندي

2022 / 2 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (311)
صناعة التفاهة (2)
-----------
مدخل
-----------
تناولنا في المبحث السابق القسم الاول من مبحث صناعة التفاهة وكان ملخصه ان التجهيل هو بمثابة حراثة العقول لتأتي منتجات صناعة التفاهة ليتم ربطها بالعقول وبرمجة المجتمعات بها بغية السيطرة على اراداتها ومقدراتها بالاساليب الاستخبارية الناعمة وبأدوات اعلامية فعالة, وسنتناول في القسم الثاني استراتيجيات الخداع وتأصيل الخيارات الدولية لصناعة التفاهة, بالاضافة الى صناعة النجوم ودور وسائل التواصل في صناعة التفاهة.
--------------------------------------
مؤتمر فيرمونت وفخ التفاهة
--------------------------------------
في عام ١٩٩٥، وبناء على دعوة من ميخائيل جورباتشوف، (الرئيس السابق حينها، لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتى)، انعقد بفندق "فيرمونت" بمدينة "سان فرانسيسكو"، ولثلاثة أيام، مؤتمر خطير شارك فيه نحو خمسمائة من قادة العالم فى مختلف المجالات، من رجال السياسة والاقتصاد، إلى رجال الأعمال والأكاديميين المبرزين، من بينهم بريجينيسكي وجورج بوش ومارغريت تاتشر وجورج شولتز , وكان هناك أيضًا بعض أقطاب الأعمال واللاعبين الرئيسيين في مجال تكنولوجيا المعلومات ، فضلاً عن الممولين والأساتذة المرموقين من ستانفورد وهارفارد وأكسفورد, وذلك لمناقشة ودراسة صورة العالم فى القرن الواحد والعشرين.
وخلص المؤتمر الى ان ما يلزم لتسيير اقتصاد العالم هو فقط نحو 20% اي خمس القوى العاملة القادرة على العمل فى العالم أجمع, سيعيش هؤلاء في العالم حياة نشطة ويكسبون المال، ويكونوا مستهلكين جيدين، بغضِّ النظر عن البلد الذي ينتمون إليه. اما الـ 80 %الباقية فسيكون المستقبل لهم مختلفًا تمامًا ، وكما قال أحد القادة في المؤتمر "إمّا ان يأكلوا او يُؤكلوا" !!.
وهنا طُرح السؤال الخطير والاجابة الاخطر : وماذا نفعل بالباقى.. الـ80%؟ ماذا سيقدم القائمون على شؤون العالم لجحافل العاطلين؟, فجاءت الاجابة الصادمة من بريجينيسكي (مستشار الأمن القومي الأمريكي فى عهد كارتر)بالكلمة السحرية "تتيتينمنت" "Tittytainment".
"تتيتينمنت" تعبير يتكون من مزج كلمتين معًا.. Tit، "ثدي المرأة" بالعامية الأمريكية، كناية عن التغذية الأساسية.. و "Entertainment" وتعني الترفيه. والمعنى المقصود هنا هو إخماد تلك الطاقات الهائلة العاطلة عن العمل بالإلهاء بمزيج من التغذية والتسلية من خلال اشباعهم عبر خدمات مجتمعية طوعية منخفضة الأجر لرفع معنوياتهم, وتفريغ وتخدير العقول لإبقاء جحافل المحبطين في مزاج جيد, فكانت الانطلاقة الدولية المحترفة لصناعة التفاهة , ويبدو أن جانبًا كبيرًا من رؤية بريجينيسكي قد تحقق على أرض الواقع، مع اختلافات طفيفة فى طرق الإلهاء بين مجتمع وآخر.
ومن هنا نفهم مايشير اليه آلان دونو في كتابه "نظام التفاهة" ، حين يعتبر أننا نعيش "مرحلة غير مسبوقة"، أدت إلى "زوال المفاهيم العميقة، وحلول السطحية مكانها"، لاعلى مستوى الأفراد، بل على مستوى الدولة الحديثة ككل، إذ تدهورت المستويات الرفيعة للمفاهيم والقيم، وحل مكانها نظام سطحي هش يُعلي من شأن الرداءة، وبالنسبة إلى السلطة، "فإن الشخص التافه هو الفرد المعتاد الذي يستطيعون نقل تعليماتهم من خلاله، بما يسمح بترسيخ نظامهم. بالتالي يؤدي قانون المصالح هذا إلى تشوه الجسد الاجتماعي العام، وإلى انكفاء الفرد الجاد والحقيقي على نفسه، وانسحابه بالتدريج من المجتمع، لأنه محاط بأشخاص ينطبق عليهم قول نيتشه "يُكدّرون مياههم كي تبدو عميقة".
----------------------------------
استراتيجيات تشومسكي
----------------------------------
يعدِّد الكاتب والعالم اللغوي الأميركي نعوم تشومسكي في معرض فضحه للرأسمالية المتوحشة مااسماها ب "الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير"، المعتمدة لتطويع الشعوب والتي ترتكز في الكثير منها على صناعة التفاهة من اجل تسطيح العقل
الجمعي وتطويعه , وهي :
1- سياسة الالهاء: التي يعتبرها عنصرًا أساسيًا للضبط الاجتماعي، وتتمثل في ضخ كمّ هائل من المعلومات المثيرة والغريبة والانغماس في التسلية واللامبالاة واللهو المستمر, او بفرقعات اعلامية تلهي المجتمع, لخلق أجواء تصرف أنظار الجماهير واهتماماتها عن القضايا والمشاكل الأساسية والقرارات المصيرية التي تتخذها النخب السياسية والاقتصادية.
2- خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول: اي بمعادلة ( مشكلة - ردة فعل – حلول)، شريطة ان تكون المشكلة أعظم وأخطر مما يراد تمريره وإقراره، وتؤدي المشكلة المفبركة الى ارباك المجتمع وتخويفه واشعاره بالقلق العميق سواء كان الخطر امني او اقتصادي او صحي, وبعد ان تسودُّ الصورة امام المجتمع, يطرح الحل او القرار (المخبّأ بالاساس) حيث يصبح تقبله سهلاً لأنه اهون من المشكلة المفتعلة رغم مايترتب عليه من خسائر سواء اقتصادية او امنية (من قبيل غض الطرف عن بعض أنماط العنف حتى يضطر الراي العام ان يطالب بقوانين أمنية على حساب حرياته!), وهو مايعبر عنه المثل الشعبي العراقي (اللي يشوف الموت يرضى بالصخونة).
3- التدرج: يُعتمد هذا الاسلوب في القرارات القابلة للتقسيم لمراحل (كزيادة اسعار الوقود مثلاً) وتقوم استراتيجيته على تطبيق الإجراءات بطريقة تدريجية هادئة على مراحل ولفترة طويلة غير محسوسة بحيث يغفل المواطن عن تداعيات مايحصل ولايلمس وطأة القرار عليه بشكل سريع وواضح, وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو- اقتصادية الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقدات خارجية ورواتب متدنية، وهي تغييرات كانت ستؤدي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.
4- التأجيل والتهيئة: يُعتمد في القرارات التي لايمكن تجزئتها حيث تقوم الاستراتيجية هنا على طرح القرار الصعب على الجمهور باعتباره مصيري ولامجال لتفاديه ولابد من موافقة الشعب عليه ولكن سيتم تأجيل البدء بتطبيقه الى مستقبل طويل نسبياً, هنا يسهل امتصاص غضب الجماهير وقبولها بتضحية مستقبليّة بدلًا من القرار الفوري، وتعودها عليه, ويجري تدجين الشعب عليها شيئًا فشيئًا, أملاً من الشعب في تحسن المستقبل.
5- استخدام اسلوب مخاطبة الجماهير كالاطفال: تقضي هذه الاستراتيجية باستخدام أسلوب مخاطبة الجماهير كما لو أنهم مجموعة أناس غير راشدين لايمتلكون الحكمة لتعطيل حواسهم النقدية تجاه مايحاك لهم, ويقول صاحب كتاب اسلحة صامتة لحروب هادئة "إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردة فعل مجردة من الحس النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما." .
6- إثارة العواطف: ان اللجوء إلى إثارة العواطف تقنية فعالة لتعطيل التحليل العقلاني للأفراد وتتيح للحاكم الولوج إلى اللاوعي لزرع افكار ومخاوف ورغبات وتهيئة لردود افعال سلسة ومناسبة ومطلوبة.
7- إبقاء الجمهور جاهلًا: من شروط نجاح استراتيجيات الخداع هو العمل على تجهيل الجماهير من خلال الهبوط بالتعليم والصحة والثقافة والذوق العام الى مستويات دنيا حيث تكون وتبقى "هوّة الجهل التي تعزل الطبقات الاجتماعية الدنيا عن الطبقات العليا غير مفهومة للطبقات الدنيا", وكل ذلك يسهل ضبط المجتمع والسيطرة على تفكيره وسلوكه.
8- التشجيع على استساغة البلادة: تعمل هذه الاستراتيجية على تشجيع الجمهور على تقبّل أن يكون جاهلًا وهمجياً وبليدًا ولامباليًا بالأحداث مما يؤدي الى اليأس والاسترخاء.
9- إستبدال الانتفاض بالشعور بالذنب: جعل الفرد يشعر أنه هو المسؤول عن شقائه، بسبب جهله ونقص ذكائه وقدراته، وهكذا، بدل الانتفاض ضد النظام، يشعر بالذنب ويلجأ إلى لوم نفسه وينخفض تقديره لذاته، مما يجعله غير قادر على القيام بردة فعل.
10- معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم: إنّ التقدم الهائل في العلوم الإنسانية، وخصوصًا في علم النفس التطبيقي وسلوك الإنسان، خلق هوة كبيرة بين معارف العامة وتلك التي تمتلكها النخب الحاكمة، أو يمتلكها مساعدوهم ومستشاروهم، ما يسهل سيطرة الحكام والأنظمة القائمة على الأفراد.
--------------------------
مناقشة وملاحظات
--------------------------
بالرغم من الاهمية العظيمة للاستراتيجيات التي طرحها العالم نعوم تشومسكي وتشديد الكثير من النقاط الواردة فيها على اهمية اشاعة التفاهة في المجتمع , الا ان
هنالك نقصان جوهريان فيهما :
الاول : ان تلك الاستراتيجيات تبقى منقوصة او لاقيمة لها حين يتم اسقاطها على حكوماتنا في الدول المتخلفة والفاشلة التي تطبق الديموقراطية وتداول السلطة بشكل مشوه , وكذلك في الدول الدكتاتورية .
فبرغم ان الدول الدكتاتورية ودول الحكم العسكري والدول العائلية تسعى الى تلميع صورتها اما الشعب المقهور, الا انها لاتحتاج الى الكثير من الاساليب الآنفة , فالقرارات تجري بين ليلة وضحاها, وسياط اقبية الامن كفيلة باكتشاف فئات الشعب بحكمة القيادة وعظمتها!!!, فلو تسنى للطاغية صدام للاطلاع على استراتيجيات تشومسكي لشطب على نصفها على الاقل , لكنه كان سيضع مكانها قرارات باعدام كل من يعترض ويحرض, وكان سيعتبر مفردة "الخداع" ضعفاً من الاساس.
اما الدول ذات الصيغ الديموقراطية الشكلية الهشة والدول الفاشلة, كما في معظم الدول العربية, فإن تلك الاستراتيجيات لاتكفي ولابد من اضافة فقرات اليها من قبيل تسقيط الرموز الثقافية والفكرية والدينية, وضرب ثقافة وتقاليد المجتمع, وتزوير ارادة شعوبها .
الثاني : ان تشومسكي اعتبر صيغ الخداع العشر من صنع السلطة الحاكمة , ولكن الواقع , ان دول العالم الثالث على نوعين , اما ان تكون حكومات تدار بإرادات وتدخلات استخبارية خارجية , كحال معظم الدول العربية ومنها العراق, او انها دول مستعصية على الدول الكبرى (وهي دول تُعد على اصابع اليد الواحدة), وفي الحالتين , تكون استراتيجيات الخداع واخضاع الشعوب هي مما يجري اعداده وتحديد اساليبه في مطابخ اجهزة استخبارات الدول الكبرى.
وهنا تحتاج اجهزة الاستخبارات الى استراتيجيات اخرى,بعضها مختلف عن استراتيجيات تشومسكي وبعضها متعارض معها, من قبيل التحكم بتحريك الجماهير واستخدامها في الاضطرابات وقلب انظمة الحكم , ومنها صناعة وترسيخ التفاهة في المجتمعات, واسقاط الرموز الفكرية والدينية والثقافية والمرتكزات الاخلاقية, ومنها صناعة القادة والمشاهير, ومنها اساليب الحصار للدول والسعي لتركيع الحكومات, ومنها الاخضاع باساليب خشنة كالاحتلال.
-----------------------------
الاعلام مندوب وتاجر
-----------------------------
تناولنا في القسم الاول من مبحث صناعة التفاهة (المبحث السابق) الدور المحوري الذي يلعبه الاعلام بكافة اشكاله في علم التجهيل وفي صناعة التفاهة , الا ان الامر لم يقف عند حدود استخدام الاعلام كأداة وانما تعداه الى ان تكون المؤسسات الاعلامية هي الفاعل في مجال صناعة التفاهة كسكة جبارة للارباح الاقتصادية , لاسيما الاعلام المرئي وشركات وسائل التواصل الاجتماعي .
ويتم التركيز على فئة الشباب لتنميطهم وفق خطط اقتصاد السوق من خلال توحيد أزياء الملبس والمأكل والمشرب، وموسيقى وصناعة الأذواق، و"رضاعة التسلية"التي تطرق اليها بريجينيسكي، وصناعة النجومية في الغناء، وفسح الطريق لأحلامهم بالقفز فوق اسوار الفقر والبؤس والتهميش للامساك بتلابيب النجومية ضمن معايير التفاهة كطرق قصيرة تغني عن النَفَس الطويل والصبر وبناء اسس التمكن الطبيعي والاعداد الاكاديمي والثقافي.
وساعد في انضاج التفكير الربحي لادوات الاعلام الحديثة طغيان موجة من النرجسية التي باتت تعيشها اعداد هائلة من جحافل التافهين، ليدخلوا في دوامة اللعبة الاقتصادية، التي تهدف الى جني الارباح دون الاهتمام بالمحتوى الجيِّد بقدر اهتمامها بالمحتوى الذي سيُحقق لها عائداً مادياً, فهذه المواقع التي لا تهتم أبدًا بمرتاديها بقدر اهتمامها بالمال الذي ستجنيه من وراء انتشار مقطع أو منشور "بوست" قد يساهم في رفع أرصدتها البنكية، من خلال ارتفاع عدد المشاهدات, ولعل الجميع قد جرب بشكل او بآخر مدى تعارض محتوى فيديو يتابعه المواطن مع قطوعات لاعلان واحد او اكثر في وسط المحتوى قد يقطع افكاره ويتعارض مع الفكرة المطروحة في المحتوى الاساسي بشكل مقزز, كمن يحضر مؤتمر لمقاطعة البضائع الفرنسية رداً على اساءة ماكرون للاسلام, وفي الخلفية اعلان لجبنة "لافاش كيري"!!!.
--------------------
صناعة الزعامة
--------------------
في صناعة التفاهة لم يعد الجمهور هو من يحدد الفنانين او المثقفين او القادة البارزين وفق منتجهم الفني والثقافي والفكري ومواقفهم, كما هو الحال في السابق , فمن يصنعون النجوم يفصلونهم على مقاس المطلوب تمريره، فهنالك سوق واسع وجهات فاعلة هي من باتت تفرض أنصاف الموهوبين، حيث يجري تلميعهم وتقديمهم كنماذج في كافة المجالات سواء السياسية والجماهيرية او الفنية والثقافية , وهو امر لم يعد بعيداً عن مطابخ الاجهزة الاستخبارية لاسيما فيما يخص النجومية السياسية .
وتختلف النجومية بين عصر التلفاز وماقبله من جهة وكذلك مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي كرافعة فاعلة , ولأنها صناعة رابحة ومطلوبة حيث تقدم قناعاً جذاباً وفاعلاً في ضخ مايراد منها ومن خلالها الى المجتمع، فكان لابد من السيطرة عليها واحتكارها سياسياً واقتصادياً , واعتماد آليات فعالة لصنعهم ومنها :
1- تهيئة الأرضية أو المناخ الملائم لخروج هذا النجم وظهوره, من قبيل مانراه كثيراً في العراق حيث جرت تهيئة مناخ وارضية مناسبة لابراز شخصيات لم تكن تليق بمنصب موظف بريد في قرية نائية لتتسنم ارفع المناصب في الدولة بعد ان جرى تجييش الشارع وتعميق الاضطرابات ورفع شعارات اودت بآمال اقتصادية وسياسية عريضة, وجرى ابراز نجوم وايقونات من العدم بعد ان جرى تسويقها , وكذلك الامر في امريكا ذاتها , اذ يرى البعض ان انتخاب باراك اوباما كأول رئيس ملون كان سبباً في استقطاب يميني حاد سهّل لتوافر اجواء وصول ترامب لاحقاً، وتمهيد الطريق والظروف الملائمة لنجوميته، بفضل عوامل فعالة عبر تقنيات رقمية.
2- التواطؤ مع المؤسسات الإعلامية لتسليط الضوء على مشروع النجومية الجديد، وتكثيف المواد حول مهاراته وتألقه. يجري في هذا الإطار أيضاً التعاقد مع كتاب وإعلاميين للمشاركة والتفاعل، كما يتم افتعال الجدل في منصات التواصل ليصبح النجم الجديد معروفاً.
3- ربط صورة النجم بحالة نفسية وذهنية معينة تضمن تواصله مع المستهدفين، وتبقي صورته مقترنة بمفهوم محدد في العقل الباطن من قبيل حادث اغتيال مفبرك (قيل مثلاً عن حادث المنشية لاغتيال جمال عبد الناصر, وعدم ارتباكه لاطلاق الرصاص عليه واكمال خطابه انها عملية مفبركة لترسيخ صورة البطل).
4- التركيز على حياة النجوم الشخصية وتشجيعهم على مشاركتها بصورة مباشرة ودائمة مع المتابعين، ليصبح هناك نوع من التعلق والتأثير من دون إدراك، ولا سيما على المدى البعيد وبين أوساط الفئات الشبابية, وتوسيع رقعة المهتمين، وصنع ماضٍ من البطولات والامجاد والادوار والمهارات المبكرة الوهمية للبطل او النجم وسد كافة الثغرات التي قد تكشف تفاهته في ماضيه وحاضره.
5- استغلال الاحتفالات والمسابقات، لتصبح هذه النجومية الجديدة بشكلها وقيمها
ومفاهيمها نمطاً سائداً، ورسم صورة ذهنية لامعة له وتشجيع تقليدها كقدوة.
6- ازاحة اية عوائق امامه لمنافسين له في مجاله سواء بالتسقيط او بأي اسلوب آخر, وفي مجال النجومية السياسية قد يصل امر اساليب الازاحة الى التصفية الجسدية , وهو امر يشمل حتى المثقفين والفنانين مثالهم ناجي العلي وغسان كنفاني كنماذج مؤثرة لم تتم صناعتها في الدوائر الغربية ولم تمر بشروطها في التسويق حيث صنعوا أنفسهم بنضالاتهم, ولك ان تلاحظ انك في بلدك لاتستطيع ان تمجد بابطالك الاحياء او الشهداء والا يتم حجبك ومعاقبتك !! وهي من محددات نظام التفاهة والقائمين عليه بحجة انها مواقع تواصل تعمل وفق منظومتها القيمية والأخلاقية، ولا بدّ من المرور عبرها للنجاح في الترويج.
--------------------------------
جائحة التلاعب بالمعايير
--------------------------------
من الواضح ان اختيار الشخصيات المؤهلة للنجومية كان يجري في السابق بحسب المقوّمات والمهارات, فكان على الشخص أن يتميّز لكي يتم الالتفات إليه وليصبح قادراً على التأثير, اما اليوم فيتم اختيار الشخص بطريقة عكسية، فالأولوية تكون للشخص القادر على الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس والتأثير فيهم بأي شكل كان حتى لو كان سلباً، اعتماداً على قدرات المسوقين له .
لقد غيّرت المنصات الرقمية مفهوم القيم والتقييم، وصار المعيار في عصر التفاهة يتعلّق بمجموع التفاعلات وإعادة المشاركات والإعجابات، وباتت التفاهة تشغل حيّزا كبيرا من محتويات التواصل الاجتماعي كملاذ لمن لا ينجحون بحياتهم حيث تلمعهم مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام "عبر تضخيم الأنا لدى أشخاص سطحيين وثّقوا سخافتهم، لذا تجد أكثر ما يصلك من مقاطع ونصوص عبارة عن صراخ أو موقف حول الحمقى لنجوم تتخاطفهم الأضواء وينجذب أبناءنا على أن هؤلاء من يكتسبون منهم القيم والأخلاق".
لقد بات لدينا جيل مهووس بمختلف المشاهير والفنانين على تلك المواقع بشكل مرضيّ في الكثير من الأحيان، فنجد التقليد الأعمى لهم من أسلوب اللباس والشعر وطريقة التصوير وحتى العادات الخاصة بهم , وجرى الاستسهال والتقليد، وتصدّر الفرد معدوم الموهبة، فهو الأقدر في ظل سيطرة المعايير المتدنية المحبّبة للقاعدة الأكبر من الجمهور .
-------------
خلاصة
-------------
لقد باتت الاجهزة الاستخبارية ترى في التجهيل وصناعة التفاهة سلاحاً مؤثراً واضافة معرفية كبيرة في الحرب النفسية,وجرت نقلة استخبارية نوعية كبيرة في تطور اساليب التزييف والتلاعب بالعقول مما ساعد في عمليات الاستهداف الفكري للشعوب وضرب الاساسات الفكرية ونسيج المجتمعات المستهدفة وقطع قنوات اتصال مجتمع ما بمنابعه الفكرية المؤثرة واسقاط رمزيته وشيطنتها, وتثوير المجتمع تحت شعارات زائفة وبراقة وتعميق تمرده على تقاليده وقيمه, وتمرير منتجات الخداع والتزييف, واحداث مناورات فكرية بصنع ظواهر مزيفة كالإلحاد او المثلية , لتصبح قنابل دخان ملهية لتشغل الجميع عن المخططات الحقيقية, والله الموفق .
للمزيد انظر :
كتاب نظام التفاهة - ألان دونو .
استراتيجيات خداع الجماهير- نعوم تشومسكي.
مقال صناعة التفاهة والتلاعب بالذوق العام - الحسين أخدوش.
مقال السيطرة على المجتمعات المتهالكة - محمد رشو
مقال نجوم على طبق من لايك – بهية حلاوي
مافيا صناعة النجوم - منورة عجيز، وآخرون.
مدونة التصالح مع التفاهة–نعيم شريف
زمن التفاهة - إكرام لمعي.
"الترفيه" و"التتفيه" - وجيه وهبة.
ويكيبيديا – الفخ العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ