الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-العيون السود- لكريم عبد ... ماذا رأت؟ وماذا رأينا فيها؟

محمد المينائي

2022 / 2 / 13
الادب والفن


"العيون السود" للقاص كريم عبد

ماذا رأت ؟ .. و ماذا رأينا فيها؟


ألا يكفي القول عن هذه المجموعة القصصية بأنها ممتعة وشيّقة؟. و لمن يحبونها ساخنة، فإنها مع تصاعد صفحاتها تتصاعد فيها تنهدات الغرام وآهات العذاب، ببوح إنساني صادق ، وقائع غالباً ما جرت في حياتنا، لذا هي تُكدر صفو تناسي الماضي .. العراقي. مع هذا ليس فيها ما يتلوى عذاباً تحت سياط حب كاذب.

قصص قصيرة مكتوبة بلغة شعرية ثرية طرية، و بأسلوب مرن يتنقل بين تسلسل الحوادث برشاقة. هذه الرشاقة التي فلتت بفعلها هذه النصوص من ثقل التعابير الإنشائية أو تأويل معاني الوقائع لخدمة أيديولوجيا الكاتب وميوله الفكرية. وبذلك تكون هذه القصص قد نجت من أخطر الفخاخ التي ينصبها الكاتب لنفسه، حين يستبد به حماس المواقف الكبيرة ، فيفقد ذوق المحادثة ومهارة التعبير. القصة في جوهرها محادثة عن واقعة تروى بين شخصين، هما الكاتب والقارئ. عنوان المجموعة يحيل إلى الذهن غرام المغنية بالعيون السود في بلدنا وكم هي حلوة وجميلة، ونظل هكذا، حتى نقف على السر بأن هذه العيون السود هي عيون دودة قز، نظرت نظرة شاكية لشخص حساس كاد أن يهلكها وهو يرمي بها بعيداً، وقد فزع من وقوعها في طيات ملابسه وملامستها جلده. ( في تلك اللحظة التفت دودة القز نحوي و رمقني بنظرة حزينة مليئة بالعتاب! عينان سوداوان حزينتان لم أر أجمل منهما في حياتي! يا إلهي! أية حماقة كانت! وأي رجل مضطرب أنا؟ ولكن ماذا بوسعي أن أفعل الآن؟).

وهذا التفصيل، كما أرى، محور كل القصص التالية. الإنسان المخرب لبساطة الحياة وسلاسة العلاقات الإنسانية وعلاقة البشر بالطبيعة والوجود. بفعل جهالته وظلمه وفزعه وطمعه، و يحدث أن يكون بعدها بمواجهة ندمه. و على هذا المحور تدور المجموعة في توالي قصصها من مواجهة الطفولة لمفاجأة حوادث الحياة ( الطفل الذي يُكلّف بنقل بنقل مسدس ملفوف بمنشفة في دروب بساتين تخبئ له مفاجأة صادمة) . والكلبة العابثة التي تقلق قصة (زيارة) الرجل فيما القلق يستبد به ، وهو الباحث عن وجوده في ليل حلب بين النبيذ و المطر الذي هطل مع الهزائم السياسية مبكرا. هذه القصص تروي الحكايات بعذوبة وتمهل بلا جعجعة أو ادعاء و تتلاشى جملها الأخيرة مثلما الجمل الموسيقية التي تنتهي متأنية بنقرات أصابع عازف البيانو. كريم عبد الشاعر يتماهى مع كريم معمار بناء النص. سهل ممتنع، نبيذ لا يفصح عن مشقة أطوار تكوينه. قصص كريم عبد ثمرة تأمل طويل في الحياة بعد معايشة قاسية و رحلة هجرة طويلة على حافة الهاوية. من ( أيام بغداد 1973) الى( ملاحقة الأشباح) في ( بيت قديم) وسط ( ضجيج البساتين) فيما ( الكلاب تنبح و المطر يشتد!). هذه بعض عناوين قصص المجموعة و هي تنم عن مضامينها. لا تعدم أن تجد المجموعة موضونة بزخارف الحياة عابقة بالبنفسج و أريج أشجار السدر و أواني الفاكهة و ملامسات الغرام.

هذه المجموعة تعيد للقصص القصيرة في الأدب العراقي روعة الأثر الإنساني، حيث التشويق و جزالة الإنشاء و عذوبة التعبير. القصص التي تشحذ الذهن و تُذكي العاطفة، من صنف تلك المنشورات التي كنا نتواصى بها في أوج شبابنا، والتي سرعان ما ندرتْ بفعل الميل الجارف الى التجريب والتباري في نمذجة نظريات النقد الجديد.

مجموعة " العيون السود" للشاعر والكاتب والمثابر في مراقبة الشأن السياسي، كريم عبد. والصادرة عن دار نشر شُبَّر في لندن بصفحات عددها 154 من القطع المتوسط. بلوحة غلاف ترسم تماس أشباح البشر، رجل وامرأة فيما بينهما غيمة تشتعل، للفنان حسين السكافي. المجموعة جديرة بطبعة ثانية تنال مما وصلته أناقة الطباعة ولدونة الورق. مجموعة جديرة بأن نظمّها الى الكتب الأثيرة في مكتبتنا أو أن ترافقنا في رحلة بالقطار، كما وهي جديرة بأن تُهدى إلى صديق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان