الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة العدد سبعة في الحضارات والأديان

ثائر البياتي

2022 / 2 / 13
الطب , والعلوم


يظهر العدد سبعة بشكل مثير في مختلف الحضارات والأديان. إنَّه عدد أيام الأسبوع وعدد قارات العالم، وعدد السموات والأرض التي خلقها الله وغير ذلك. وفي هذا المقال، نناقش قصة العدد سبعة من ناحيتين: الرياضيات(شيء بسيط من الحساب) والتاريخ. ونستنتج في النهاية أنَّ العدد سبعة، عدد طبيعي، من سلسلة الأعدا(3،2،1،...الخ)، أنفرد بميزات، وتحلى بمواصفات، توافقتْ دلالته مع أحداث ومصادفات وتناسبتْ غرابته مع وقائع وحقائق، فَحيكتْ حوله قصص وظهرت خيالات وأساطير حتى أسبغتْ عليه الأجيال وعبر آلاف السنين، هالة من القداسة، أختلط فيها الوهم مع الحقيقة.

وللبحث في تاريح العدد سبعة، علينا العودة الى الوراء بنحو 5000 سنة، حين بدأت الحضارات الأولى تدون إنجازاتها، وعلى رأسها الحضارة السومرية التي اخترعتْ الكتابة وعَرفتْ العلاقات العددية وحلتْ المسائل الجبرية الأساسية، وما الى ذلك، كما تبين لنا مصادر كثيرة، ومنها(2، 1) أنَّ الأسبقية تعود للسومريين في إختراع نظم عددية، كالنظام العشري، واساسه العدد 10، المستخدم حالياً، والنظام الستيني، واساسه العدد ستون، ولا زلنا نستخدمه في قياس الزمن مثلاً، فنقول الساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية. وساعدهم ذلك، أن يضعوا أساس علم الفلك، بتأسيسهم ما يسمى: بـ "علم التنجيم". ورغم زيف ذلك العلم، بإعتباره يحاول الربط بين حوادث تقع على الأرض مع حركت الكواكب، لكنه دفعهم في البحث عن ماهية الأعداد وعلاقاتها. وكان للعدد سبعة، من بين الأعداد، أهمية خاصة، لما هناك من حقائق ومصادفات توافقتْ مع دلالته. وينبغي أن نعرف، أنَّهم اعتبروا الأعداد (1- 10) أساسية، لأنها تنتج الأعداد الأخرى مهما كَبرتْ. وكذلك أعتبروا العدد واحد مهماً واساسياً، لأنه أصل الأعداد، بفضل إجراء عملية الجمع. كما في: 1+1= 2، 1+1+1 = 3 ، 1+1+1+1=4...وهكذا.

وأعتبر السومريون العدد سبعة عدداً تاماً وكاملاً، ووصفه افلاطون فيما بعد في الحضارة اليونانية، بإنه العدد الذي:" لمْ يـَلد ولمْ يـُولد". ولتوضيح ذلك، نجد أنَّ العدد سبعة، لا ينتج من حاصل ضرب أي عددين في داخل مجموعة الأعداد الأساسية(1-10)، بمعنى أنَّه ليس كالعدد 4 مثلاً، حيث أنَّ: 2x2= 4 ، أو أنَّه ليس كالعدد 6 ، حيث أنَّ: 6=2x3. وإنَّ حاصل ضرب أي عددين( دون العدد واحد) لا ينتج العدد 7. كما وأنَّ حاصل ضرب أي عدد بالعدد 7 ينتج عنه عدد، لكنه يقع خارج المجموعة الأساسية. وبهذا هو عدد، لمْ يـَلد ولمْ يـُولد.

وعرف السومريون، أنَّ العدد 7 أصغر عدد صحيح موجب، يحقق شرط "العدد السعيد". ومعنى العدد السعيد، أنَّه يؤول، أو يستقر في العدد واحد بعد إجراء عمليات حسابية بسيطة عليه، لاحظ الهامش(*). إنَّ تماهي العدد سبعة مع العدد واحد، مسألة بالغة الأهمية في المعتقدات السومرية التي تعير أهمية خاصة للعدد واحد.

أهتم السومريون بجداول عددية مختلفة، لتسهيل عملياتهم الحسابية، منها جداول مقلوب الأعداد. ومقلوب العدد، معناه ( قسمة واحد على العدد)، ولاحظوا أنَّ مقلوب العدد سبعة مثير وغريب، حيث أنَّ: ... 0.142857142857= 1/7، على نقيض مقلوب بقية الأعداد في مجموعة الأعداد الأساسية،لاحظ الهامش(**). وإنَّ نمط كسر مقلوبه، المتكون من ستة أعداد: - 7-5-8-2-4-1 يتكرر الى ما لا نهاية. وبحسب الباحث الياباني في الرياضيات السومرية، كازيو مروي (3) أهتم السومريون بالعدد سبعة واعتبروه متميزاً، بسبب غرابة مقلوبه، حتى أصبح رمزاً لتصوفهم العددي. ولكن، لم تكن نظرية كازيو مروي الوحيدة في تفسير قدسية العدد سبعة عند السومريين.

يرى باحثون أخرون، أنَّ وراء قدسية العدد سبعة، عبادة السومريين للكواكب السبع، وهي: الشمس، القمر، عطارد، المريخ، المشتري، الزهرة، زحل. إنَّهم أعتقدوا بوجود سبع سماوات تسكنها سبع ألهة، وسبع طبقات للأرض يسكنها البشر، وهو إعتقاد بوجود سبع عوالم عليا وسبع عوالم سفلى. وكان الكوكبان الشمس والقمر من الألهة الرئيسة عند السومريين. فالشمس تهب الحياة والنور للمخلوقات، وضوء القمر يعطي الطمأنينة والراحة للإنسان ليلاً، إضافة الى أنَّه تقويم طبيعي لمعرفة الأيام والشهور. فمن أوجه القمر، قسَّموا الشهر الى 28 يوماً، وهي الفترة التقريبية لدورة القمر حول الأرض وحول نفسه، وقسَّموا الشهر الى أربعة أسابيع، في كل أسبوع سبعة أيام، وربطوا كل يوم بكوكب وإله، فكوكب الشمس يسكنه الإله شمس، وعبادته يوم الأحد(Sunday) وكوكب القمر يسكنه الإله سين، وعبادته يوم الأثنين( Monday) وهكذا أيام الأسبوع التي ورثنا تسمياتها من أسماء ألهة. وجعلوا نهاية كل اسبوع، يوم عبادة، تحسب من ولادة قمر جديد في الأيام( 7 و 14 و 21 و 28) من الشهر. وانعكس ذلك في أدبياتهم وأساطيرهم.

طلبت الألهة في ملحمة كلكامش من بطلها عبور ستة جبال، وأخرها الجبل السابع، شكَّل عقبة في طريق وصوله الى شجرة الحياة التي كان تحتها إله الأعمار، وأستغرقتْ الرحلة ستة أيام، وكان اليوم السابع، يوم إستراحة. وفي قصة الطوفان، استمرتْ العاصفة لسبعة ليالي وستة ايام، حتى هدأت في اليوم السابع. واستمرتْ الأدبيات اللاحقة في استخدامها للعدد سبعة، ومنها ملحمة الخلق البابلية، التي كُتبتْ على سبعة ألواح طينية، وذُكرتْ فيها سبع عواصف وسبع بحار وما شابه. وتلتها الديانات الأبراهيمية الموحدة الثلاث(اليهودية والمسيحية والإسلام)، التي وحدتْ الألهة السومرية بإله واحد( الواحد العظيم)، وأقدمها قصص التوراة وبعدها الأنجيل والقرآن أخيراً.

ظهر العدد سبعة في التوراة، نحو 700 مرة وفي الأنجيل نحو 200 مرة وفي القرآن نحو 24 مرة، وبقصص تتشابه مع ملحمة الخلق البابلية. ففي قصة الطوفان التوراتية، حذَّ رَ الله نوحاً من الطوفان قبل نزول المطر بسبعة أيام، وفي قصة الخلق، خلق الله الكون في ستة أيام واستوى على عرشه في اليوم السابع، فأعتبر اليهود يوم السبت، يوم عبادة واستراحة. وجاء المسيحيون بنفس المعتقد، لكنهم أستبدلوا يوم العبادة والاستراحة بيوم الأحد. وأخيراً، جاء المسلمون بالمعتقد ذاته، لكنهم أستبدلوا يوم العبادة والاستراحة الى يوم الجمعة. وتعدى ظهور العدد سبعة في بلاد النهرين، الى ظهوره في بلاد النيل وفارس والهند والصين وسواها.

ارتبط العدد سبعة في مصر القديمة، بمراحل ظهور القمر وكانت أيام الخلق عندهم سبعة واعتقدوا بأنَّ سُلم الصعود الى عرش الألهة سبعة وغيرها من أمور. وتألف الكهنوت الفارسي من سبع طبقات، وكانت أيام الأسبوع عندهم سبعة. ولد الإله اليوناني القديم "أبولو" في اليوم السابع من الشهر وكانت أعياد اليونان تقع في هذا اليوم، وأمور أخرى كثيرة. وكان العدد 7 مقدساً في روما التي أحتضنت تمثالاً مثَّل "الألهة السبعة". واعتقدت الهندوسية والبوذية بوجود سبع عوالم عليا وسبع عوالم سفلى. وفي المثيولوجيا اليابانية هناك آلهة الحظ السبعة. ولم يتحدد ظهور العدد 7 في الحضارات والأديان، بل انتقل الى موروثنا الشعبي.

إنَّ تعويذة " أم سبع عيون" المعروفة في مجتمعاتنا، أنَّها تبعد الحسد، موروث بابلي، تحتوي على سبع ثقوب، تطلى باللون الأزرق، وتزين أحياناً بأيات قرآنية، وتُعلَّق على مداخل الدور والمباني لتبعد الحسد. وأصل ذلك، كان البابليون يعتقدون أنَّ الحسد ينبعث من عين الحاسد على شكل شعاع، وإذا تمَّ تشتيت ذلك الشعاع الى سبعة أقسام، سيفقد قابلية تأثيره، وبذلك يتم التخلص من شر الحاسد. كما وأنَّ مهمة تعويذة "أم سبع عيون" ليس فقط إبعاد الحسد، بل أنَّه يجلب الحظ السعيد أيضاً.

يُعتبر العدد سبعة عموماً، عدداً محظوظاً في مختلف انحاء العالم، ولا غرابة من ظهور العدد 777 في مكائن كازينوهات اللهو العالمية. وللتحقق من ذلك أجريتْ أختبارات على اعداد كبيرة من الناس من ثقافات مختلفة، راجع( 4)، ووجد انهم يتمكنون من استعادة تذكر مجموعة أشياء عددها سبعة بسهولة، لكن يصعب عليهم تذكر الأشياء، إذا زاد عددها على السبعة. وفي تجربة أخرى، طـُلبَ من عدد من الناس أختيار عدد من بين الأعداد(1-10) فأختار أكثرهم العدد سبعة. ورغم أنَّ تلك الأختبارات لا تؤكد محظوظية العدد سبعة، ولكنها قد تساعد على جعله كذلك. كما وان تكرار العدد سبعة في القصص الدينية ببشارة خير، يجعله عدداً يجلب البهجة الى النفوس(الحظ السعيد). ولتلك الأسباب، لا غرابة باختيار ارقام الهواتف من سبعة في الكثير من دول العالم.

نقرأ عن البحار السبع، وألوان الطيف الشمسي السبع ودرجات السلم الموسيقي السبع، وأمور أخرى، ولكن كان بالأمكان جعل أعداد الأمور المذكورة مختلفة عن العدد سبعة، بإعتبار أنَّ ذلك لا يؤثر على جوهر الموضوع، فهناك عدد كبير من البحار وطيف واسع من الألوان وطيف واسع من درجات السلم الموسيقي. ويحاول البعض البحث عن مصادفات تؤكد أعجوبة العدد سبعة، كأن يقول: إنَّ رأس الإنسان يتضمن سبعة أعضاء، وهي:العينان والمنخران والأذنان والفم، وعنقه يتكون من سبع فقرات، وما الى ذلك من مصادفات أو مترتبات، لا تجعل بأي حال من الأحوال من العدد سبعة، عدداً متميزاً أو خاصاً.

وينبغي أنَّ أؤكد، أنَّ أعداداً أخرى غير العدد سبعة، لها قصص شيقة أيضاً، كالواحد والثلاثة والأثنا عشر، موضوع مقالنا السابق(5)، وغيرها من أعداد. ولابد أن أقول، أنَّ تقديس العدد سبعة جاء لأسباب متداخلة،غير قطعية، منها وهمية ومنها حقيقية، كمقلوبه العددي، وتكرر نمط كسره المثير، المتكون من ستة أعداد تبدأ بالعدد واحد ليكون مشتركاً مع سلسلة قادمة من نفس الأعداد، تتكرر الى ما لا نهاية، وربما أوهم ذلك السومريين بانها رمزية ألهتهم السبعة المتمثلة في الكواكب السبعة، أو أنَّها مثَّلتْ عندهم، رمزية أوجه القمر من ظهوره حتى تكامله. ولا شك أنني اخترتُ البحث في قصة العدد سبعة، لأنه شغل البشرية بين الرمزية والقدسية والغموض والحيرة، بدءً من حركة الكواكب وتقدسيها، ومروراً بخلق السماوات ورفعها، ووقوفاً عند الحضارات وقيامها، وكلها تؤكد خصوبة فكر الإنسان وابداعاته لمحاولة فهم ما يحيطه من ظواهر مختلفة.
أنتــــــــــهــى

الهوامش:
(*) العدد السعيد
يُعرَّف "العدد السعيد" على أنَّه، عدد صحيح موجب يُحقق الشرط التالي: إذا جُمعَ مربع أرقامه، وأعيد القيام بتلك العملية للعدد الناتج مرة أو أكثر، يكون الناتج في النهاية العدد واحد. وبذلك يكون العدد 7 "عدد سعيد"وكما يلي:
العدد 7 هو عدد أحادي
تربيع العدد 7= 49.
يتكون العدد 49 من مرتبتين، 4و 9. تربيع العدد 4=16، وتربيع العدد 9=81. ويكون مجموع المربعين: 16+81= 97.
يتكون العدد 97 من مرتبتين، 7 و 9. مربع العدد 7=49 ومربع العدد 9= 81، ويكون مجموع المربعين= 130
يتكون العدد 130 من ثلاثة مراتب: 3 و 1 و 0. مربع العدد 3= 9، ومربع العدد 1= 1، ومربع 0= 0. فيكون مجموع المربعات= 10
يتكون العدد 10 من مرتبتين: 1 و 0. ومربع العدد 1=1 ومربع العدد 0= 0 ، ومجموع المربعين= 1 وبذلك يكون العدد 7 عدد سعيد، لأنه ينتهي بالعدد واحد.

(**) مقارنة مقلوب العدد 7 ( 1/7)مع مقلوب الأعداد الأخرى في مجموعة الأعداد الأساسية ( 1-10)
1/10= 0.1
1/9 = 11110. 11111
1/8 =. 125 0
0.142857142857 = 1/7
1/6= 0.1666666667
1/5 = 0. 2
¼ = 0.25
1/3= 0. 33333333
½ = 0.5
1/1= 1.0

المصادر
1. الرافدينيون رواد الرياضيات
Mesopotamians: Pioneers of Mathematics: Shekoury, Raymond N.: 9781456493738: Amazon.com: Books

2. مراجعة كتاب: سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات
ثائر البياتي - سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات (ahewar.org)

3. دراسة في اصل العدد سبعة
https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1407/1407.6246.pdf

4. القيمة السحرية للعدد سبعة
The Magical Qualities of the Number 7 : NPR

5. قصة العدد أثنا عشر
ثائر البياتي - قصة العدد اثنا عشر...في الحضارات والأديان (ssrcaw.org)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواد مركبة الفضاء الصينية -شنتشو-17- يستعدون للعودة إلى الأر


.. عالم الإنترنت الخفي.. ما الفرق بين الديب ويب والدارك ويب الذ




.. السيسى: -فيه وظائف تكنولوجية بتعمل 100 ألف دولار فى السنة-


.. الري?يس السيسي عند ا?نشاء العاصمة الا?دارية سعينا لتحقيق الر




.. الري?يس السيسى يا مصريين علموا ولادكم من ابتداي?ى وا?عدادى ا