الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النضال الوطني الفلسطيني وإشكالية القطري والقومي

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2022 / 2 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


رغم ضبابية وملابسات الخيار القومي التقدمي الوحدوي في اللحظة الراهنة ، إلا أن النضال الوطني الفلسطيني ، التحرر والديمقراطي ، يظل جزءاً لا يتجزأ من حركة التحرر العربية، وفي هذا الجانب نشير إلى أن مواثيق م.ت.ف ومعظم فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية التزمت تاريخياً بالعمل على بناء العلاقة الوطيدة بين القطري والقومي في نضالها، إيماناً منها بأن "عملية تحرير فلسطين ودحر الصهيونية مهمة قومية" ما يعني "بذل المزيد من الجهود لإقامة جبهة عربية تقدمية ديمقراطية" في سياق "العمل على تجديد حركة التحرر العربية" بما يمكنها من تحقيق أهدافها في تغيير وتجاوز الواقع الراهن بتحقيق المهمات التحررية والديمقراطية.
وفي هذا السياق فإن رؤيتنا في تطبيق المفاهيم والمنهجية العلمية في بلادنا، تتجاوز حالة التجزئة القطرية لأي بلد عربي –رغم إدراكنا لتجذرها- كما تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها، نحو رؤية يسارية ديمقراطية وقومية، تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة الأمة-المجتمع العربي، وتتعاطى مع الإطار القومي كوحدة تحليلية واحدة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، الى جانب الالتزام السياسي والفكري الصريح والواضح تجاه حق تقرير المصير والحريات الفردية والجماعية أو الاستقلال الذاتي للأقليات او الاثنيات في الوطن العربي اكراداً أو أمازيغ أو أية أقليات أخرى مدركين ان الشرط الأساسي للوصول إلى هذه الرؤية-الهدف ، يكمن في توحد المفاهيم والأسس السياسية والفكرية للأحزاب والقوى اليسارية القومية داخل إطارها القطري/الوطني الخاص كخطوة أولية. فالمطلوب إذن هو الانطلاق مجدداً من ضرورة النضال القومي الذي يعني العلاقة الجدلية والعضوية بين القضية الفلسطينية والقضية القومية العربية، بمثل ما يعني وحدة البرنامج القومي الساعي لتحقيق نهضة شعوبنا وتقدمها، من خلال إزالة التبعية والتخلف، ومواجهة الاحتلال وتحقيق الوحدة القومية، وهذه قضية هامة لكي يتوحد النضال القومي، ويستطيع مواجهة كل القوى المحتلة والمسيطرة، شرط استكمال مقومات وأدوات النضال السياسي الديمقراطي للخروج من الأزمة العميقة المتجذرة في أوضاعنا العربية الراهنة، وهي أزمة يتجلى عنوانها في تغير المفاهيم والمبادئ والأهداف، بعد أن تغيرت طبيعة الأنظمة وتركيبتها وركائزها الاجتماعية والطبقية وتحالفاتها الداخلية بما يتوافق مع الهيمنة الأمريكية وأحاديتها، حيث انتقل النظام العربي بمجمله من أرضية التحرر الوطني والاجتماعي كعنوان رئيسي سابق، إلى أرضية التبعية والانفتاح والارتهان السياسي كعنوان جديد، بعبارة أخرى لم تعد القضايا العربية التحررية القومية عموما، والقضية الفلسطينية بالذات، تمثل صراعا مصيريا لا يقبل المصالحة بين طرفيه: الإمبريالية العالمية وإسرائيل من جهة وحركة التحرر الوطني العربية من جهة أخرى، وتحول التناقض الأساسي إلى شكل آخر أشبه بالتوافق العربي الرسمي-الأمريكي-الإسرائيلي، أوصل معظم بلدان النظام العربي إلى حالة تعبر عن فقدانه لوعيه الوطني وثوابته ومرجعياته سواء بالنسبة للقضايا السياسية الاقتصادية الاجتماعية الداخلية أو ما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية .
الأمر الذي يفرض على كافة قوى اليسار القومي العربي ، التفكير جدياً في إعادة احياء الفكرة التوحيدية القومية المترابطة تاريخياً ومصيرياً بالمسألة الفلسطينية، وما يتطلبه ذلك من تفعيل عملية التغيير الوطني الديمقراطي في إطار تجديد المشروع النهضوي القومي التقدمي المقاوم، شرط الانطلاق بداية من رؤية ثورية واقعية جديدة لحركة التحرر القومي باعتبارها ضرورة تاريخية تقتضيها تناقضات المجتمع العربي الحديث وضرورات تطوره المستقبلي دون التقليل من العقبات والعوامل (الخارجية والداخلية) التي تجعل من الحديث عن المشروع القومي – لدى البعض- نوعاً من الطوباوية.
إننا ندرك حجم العقبات أو العوامل الموضوعية والذاتية التي تشكل تحدياً حقيقياً في وجه تجدد المشروع القومي العربي، كما إننا لا نزعم أننا ننفرد بالدعوة إلى إعادة تجديد وتفعيل المشروع النهضوي الديمقراطي في بلادنا، ذلك لأن هذه الرؤية تشكل اليوم هاجسا مقلقا ومتصلا في عقل وتفكير العديد من المفكرين والمثقفين في إطار القوى الوطنية والقومية الديمقراطية على مساحة الوطن العربي كله، وهي أيضا ليست دعوة إلى القفز عن واقع المجتمع العربي أو أزمته الراهنة التي تتبدى في العديد من المظاهر والمؤشرات، وهذا يفترض امتلاكنا لرؤية ديمقراطية تقدمية وإنسانية واضحة ومحددة، تقوم على أن صراعنا ضد التحالف الإمبريالي الصهيوني المعولم، هو فى جوهره صراع عربي ـ قومي فى أساسه، ما على الرؤية الموضوعية لتحليلنا لظاهرة استشراء العدوانية الصهيونية التوسعية العنصرية باعتبارها حلقة مركزية للامبريالية المعولمة في بلادنا، بما يفرض علينا نشر وتوسيع هذه الرؤية على كافة أطراف حركة التحرر القومي العربي بحيث تصبح الفكرة التوحيدية – لدينا جميعاً قائمة على كون الصراع مع الحركة الصهيونية هو صراع ومجابهة بالضرورة للامبريالية الأمريكية والنظام الرأسمالي المعولم برمته.
من هنا فإن الدعوة إلى مقاومة عولمة الاستسلام تتطلب - في ظروف الانحطاط الراهنة - إدراكنا لذاتنا وهويتنا القومية بكل المعاني والأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في إطارها العربي والإنساني، تمهيدا لتحديد ملامح مستقبلنا بعيدا عن الإلحاق والتبعية والتزاما بالأفكار والأسس المنهجية الوحدوية التقدمية الديمقراطية التي تعزز قواعد تطبيقات مبدأ الاعتماد العربي على الذات، كذلك فإن هذه الدعوة تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة، مدركين أن أحد أهم شروط هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتلاك تقنيات العصر ومعلوماته وفق مفاهيم العقل والعلم والحداثة، إنها مهمة لا تقبل التأجيل، وهذا يستلزم – كخطوة أولى – من كافة الأحزاب والقوى والأطر القومية التقدمية الديمقراطية عموماً وفصائل اليسار الماركسي خصوصاً ، أن تتخطى شروط أزمتها الذاتية، وأن تخرج من حالة الفوضى والتشتت الفكري والسياسي والتنظيمي على طريق النهوض واستعادة وحدتها السياسية والفكرية والتنظيمية تمهيداً لاستعادة دورها الطليعي المنشود .
لقد كان الخيار القومي، كما طرحته القوى القومية في ستينات القرن الماضي، يقوم على أساس انتظار تغيير في الوضع العربي، يسمح للجيوش العربية بتحرير فلسطين. وكان هذا الطرح يعبّر عن أفكار رومانسية، ويقوم على آمال دون رؤية مدى جدية الطريق الذي يحققها. لقد كان الطرح عمومياً، يقوم على أساس شعارات كبيرة، مثل الوحدة، والاشتراكية، والتحرر، دون أن يُربط بواقع محدد و ظروف محددة. إنه دعوة لكتلة صمّاء وليس دعوة لجماهير لها ظروفها ومشاكلها، لها أزماتها وحاجاتها. فكانت الدعوة للوحدة والتحرر والاشتراكية معزولة عن الدعوة لتحقيق مطالب الجماهير الآنية والمباشرة. إنها دعوة للحلم مع القفز عن الواقع. وهكذا بالنسبة للنضال الفلسطيني، حيث كانت دعوة للجماهير الفلسطينية لتحقيق هذه الشعارات الكبيرة دون أن يحدَّد دورهم العملي على ضوء الظروف التي كانت الجماهير الفلسطينية تعيشها، وقد أدت هذه الإشكالية إلى بلورة إشكالية أخرى مضادة هي إشكالية المنطق الإقليمي المتعصب الذي برز كرد على الخيار القومي، وفي نفس الوقت كإعلان لفشله، فالجماهير الفلسطينية لم تندمج في هذا الخيار القطري إلا بعد شعورها بفشل الخيار القومي، وتحديداً بعد عام 1967، حيث ظلت تؤيد القوى القومية، وتتمسك بها، وتراهن على خيارها.
لقد أكدت هزيمة عام 1967 للجماهير الفلسطينية أن عليها «أن تأخذ خيارها بيدها»، فاندفعت وراء تجربة قطرية، قادتها قوى ذات مصالح ومطامح خاصة، بعيدة عن مصالح ومطامح هذه الجماهير، متشابكة مع مصالح ومطامح قوى سلفية، وأنظمة رجعية، وفئات كومبرادورية خاضت النضال لتحقيق أهداف رسمتها، وكان يهمها أن تلفَّ الجماهير من حولها لتصبح قوّة معترف بها.
والسؤال هنا : ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟
إن الإجابة على هذا السؤال تفرض الحديث عن إشكاليتين:
1- الإشكالية الأولى: تتمثّل في تغييب الإستراتيجية الصهيونية، وتقزيمها إلى إستراتيجية تسعى للسيطرة على فلسطين فقط. وهذه قضية خطيرة لأنها تخفي الإستراتيجية الصهيونية الحقيقية، ووظيفتها المركزية من أجل السيطرة على بلدان الوطن العربي كله، وإعادة تجزئتها وتفكيكها بهدف حماية مصالح النظام الرأسمالي العالمي.
2- والإشكالية الثانية: هي في فصل النضال الفلسطيني عن النضال العربي، وفصل نشاط الجماهير الفلسطينية عن نشاط الجماهير العربية. وبالتالي تصبح قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين. وهي بهذه الصورة مهزومة مسبقاً، ولعل ما جرى خلال السنوات الماضية والنتائج الكارثية التي وصلنا إليها اليوم تؤكد هذه الحقيقة.
إن المشكلة الحقيقية هنا، ليست في دور الجماهير الفلسطينية والمناضلين الفلسطينيين، من أجل تحرير فلسطين، واختيارهم النضال بكل أشكاله لتحقيق ذلك، بل في الإطار الذي وُضع فيه النضال الفلسطيني والرؤية الأيديولوجية الرثة – كما عبرت عنها حركة فتح ثم لحقت بها كامل حركات وأحزاب القوى الفلسطينية- التي أوجدت تجمعاً متعصباً، مغلقاً، يعتبر نفسه متمايزاً عن محيطه العربي، ليس هذا فحسب، بل ومتفوقاً عليه .
لقد سقط المنطق القومي المجرد الذي طرحته القوى القومية في المرحلة الماضية، على ضوء الإشكالات التي عاشتها هذه القوى وتعثُّر مسارها، ثم تفتتها واستئثار أقسام منها بكل إمتيازات السلطة، وتحوّل هذه الأقسام إلى فئات كومبرادورية، وبالتالي عجزت عن تحقيق أهداف النضال العربي ، كما سقط المنطق القطري المتعصب على ضوء الإشكالات التي عاشتها المقاومة الفلسطينية، والهزائم المتتالية التي لحقت بها إرتباطاً بأوسلو وما تلاها من ناحية وبما يسمى بالقرار الفلسطيني المستقل من ناحية ثانية.
إذن كيف نوحِّد بين الأهداف القومية العامة والأهداف العملية (التي تسمى عادة قطرية، أو وطنية...)؟ ، وكيف نسقط المنطق القومي المجرّد والمنطق الإقليمي المتعصب؟
إن حل مشكلة النضال القومي والقطري يقوم على أساس ربط هذه بتلك، بمعنى آخر، ربط النضال القومي بالنضال الطبقي عبر الالتحام السياسي والتنظيمي بالجماهير الفقيرة وكل الكادحين الذين يشكلون السواد الأعظم من شعوبنا العربية، وفي هذا الجانب نشير بوضوح إلى أهمية إبراز دور النضال التحرري والسياسي والديمقراطي في الإطار القطري وانتشاره وتوسعه في أوساط الجماهير كشرط أولي لتقدم المشروع القومي على مستوى الأمة، الأمر الذي يتطلب تعميق الوعي بالضرورة الموضوعية للخيار القومي الديمقراطي التقدمي كفكرة توحيدية ناظمة لكافة قوى اليسار العربي.
وفي هذا السياق علينا ان ندرك أن النضال القومي، بحاجة لأن يقف على أرجل حقيقية. ولكي يحقق ذلك يجب أن يرتبط بقضايا الجماهير، ولهذا فإن البرنامج القومي – المرتبط بوعي الفكرة والالتزام بها- من الضروري أن يترجم في الواقع من خلال مهام محلية محددة، يسهم تحقيقها في تحقيق البرنامج القومي (وهو ما يطلق عليه عادة بالمهام القطرية، أو البرنامج القطري). وبخصوص قضية فلسطين، يكون شعار تحرير فلسطين هو القضية الأساسية، التي توحِّد الجماهير الفلسطينية، كما توحِّد كل المناضلين التقدميين العرب الذين يعملون من أجل تغيير وتجاوز واقعهم القطري واسقاط أنظمة الكومبرادور كهدف لا ينفصل مطلقاً عن نضالهم من أجل تحرير فلسطين.
وعليه، فلا خيار سوى خيار النضال القومي الديمقراطي على الصعيد الاستراتيجي ، الذي يسعى لتحرير الأرض المحتلة، وأساسها فلسطين، وتحقيق الوحدة القومية، وتأسيس نظام عربي ديمقراطي بآفاقه الاشتراكية يساهم في تجاوز التخلف الاقتصادي الاجتماعي، وتحقيق النهوض الاقتصادي والمجتمعي بما يضمن مصالح العمال والجماهير الشعبية الفقيرة، ويسهم في تجاوز حالة الفقر لديها ، ويوفر لها الحاجات الأساسية الضرورية.وحيث تلعب الجماهير العربية دوراً أساسياً في تحقيق هذا الخيار.
وهنا لا يكون مطلوباً من الجماهير الفلسطينية الانتظار، بل العمل من أجل تحرير فلسطين، ولا يكون مقدَّراً لها أن تكون معزولة عن النضال القومي، بل تصبح جزءاً أساسياً منه. مما يسقط المنطق القومي المجرد والمنطلق القطري المتعصب، ويتوحد النضال العربي من خلال تنوع أهدافه.
وهنا يجب أن نعرف أن النضال العربي، في سياق الحالة الثورية العربية، يفرض النضال على أكثر من جبهة، جبهة النضال السياسي والجماهيري والعسكري ضد الاحتلال الصهيوني، وجبهة النضال الديمقراطي الاقتصادي المطلبي والاجتماعي ضد كل أدوات ومظاهر الاستغلال وكذلك جبهة النضال السياسي من اجل التغيير الديمقراطي، كما أن كل ذلك يفرض تنوع أساليب النضال ذاتها.
وبالتالي فإن آفاق نضال قطري فلسطيني معزول عن مسار النضال العربي وغير مرتبط به، لن يكون قادراً على تحقيق أهدافه الاستراتيجية.
بناء على ما تقدم فإن الدعوة إلى الحوار بهدف ايجاد آلية حوار فكري، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية القومية والإنسانية، إنما تهدف إلى بلورة البرنامج العام لقوى اليسار القومي العربي بكثير من الهدوء والتدرج والعمق- الهادفة إلى توفير العوامل المؤدية إلى ولادة واعلان حركة اليسار الماركسي القومي العربي الموحد، في الزمان والمكان المناسبين، سواء في المرحلة الراهنة، أو في المستقبل، رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها قوة الانحطاط والتبعية الراهنة للأنظمة العربية من ناحية ، ورغم بشاعة وقوة الهجمة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على امتنا من ناحية ثانية، فالحاجة الى النظرية الثورية ، الماركسية اللينينية، والاشتراكية لتحقيق العدالة الاجتماعية والخلاص من كل اشكال ومظاهر وأدوات وأنظمة الاستغلال الطبقي في البلدان الفقيرة عموما وبلدان الوطن العربي خصوصا هي اليوم حاجة أكثر الحاحاً وضرورة مما كان عليه وضع الظلم والاستغلال الطبقي في أيام كارل ماركس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال