الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقد الثقافي

حسن إدريسي
كاتب وباحث من المغرب

(Hassan Idrissi)

2022 / 2 / 14
الادب والفن


الحقد الثقافي و زمن التفاهة
كان التخصص مطلبا للتعمق فصار مسعى نحو السيادة. هي واحدة من الحكم الهادفة التي استقيناها من أستاذ مقتدر لقبناه اعترافا بـ"المدفعية الفكرية" في حق أولئك الذين خلعوا طيلسان العلماء لخبثهم، فصاروا بذلك أشد عداء للعلم والمعلومة. كلما نمت أفكار غيرهم ساءهم ذلك، يتنافسون على المصالح والغايات، ويتحاسدون كما تتحاسد الباعة في الأسواق لتبرز فيهم بواعث الحسد والأنانية، لأنهم عجزوا عن التفوق بين الأقران مما يدفعهم إلى الازدراء الحاقد المجرد من البرهان، براكين سافرة مليئة بالحنق واللؤم، لا يستطيعون كتم ذلك فيطفو على وجوههم سما ناقعا ضد كل عمل معرفي في شكل نقد جارف يأتي على الأخضر واليابس، و من دون محاججة.

الشائع أن يكون الحسد بين التجار والمهنيين على اعتبار أن مجالهم يسمح بذلك. لكن من غير المقبول أن نرى هذا -وبحدة- بين العلماء والطلاب وبعض المحسوبين على الثقافة، أولئك الذين يجدر بهم الاقتراب من الناس لتكميل أخلاقهم. إلا أن الداء استشرى بينهم فلم يعدو أمثلة صالحة للإيثار والتواضع. لو كان ذلك من إنسان جاهل عامي لهان الأمر كون الناس أعداء ما جهلوا، لكن رُبّ عالم جَهلَ بعلمه أو كما قال الشاعر:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه """ فالقوم أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها """" حسدا وبغضا إنه لدميم

من العجب إذن أن يحسد مثقفٌ مثقفا ومرد ذلك إلى السقم الذي لا تكاد تسلم منه نفس بشرية ضعيفة يثنيها ضعفها عن بلوغ المعالي كما هو الحال مع رفيق في الدراسة وهو يتحدث عن أستاذ جاد يشهد له كثيرون بإسهاماته العلمية والثقافية، وهو يقول: "ألقيت إطلالة على موقعه "حتى هو وْلاّ أْوِيسْتِيذْ وبقى كيكتب" - وأضاف كلاما آخرا لا يسمح المقام بذكره- كان تعليقه هذا على أستاذ لم يبخل عليه يوما بمعلوماته ومساعداته، لا لشيء إلا لكونه كان يبذل مجهودا مضاعفا مكنه من التألق علميا ومعرفيا ورأى أن ينشر علمه ليستفيد منه الجميع. فيما هو لم يوفق في مسيرته العلمية لتقاعسه فارتأى أن يطلق النار على من سمحت لهم الأقدار بذلك في محاولة منه لخلط الصالح بالطالح. فصدق فيه قول توماس أديسون:" سقوط الإنسان ليس فشلاً ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط" وإن كان الفشل أحيانا تجربة ثمينة أهم من النجاح شريطة أن نحسن التعامل معها ونحول اتجاهها ناحية إيجابية.

هذه العادة السيئة لم تكن جديدة على مجتمعنا فقد وردنا من أخبار الحقد على العلماء المتميزين قديما أخبارا ما هي بالقليلة مما دار في قصور الأمراء والخلفاء من مناظرات أشعلتها نار الغيرة والحقد مما نتج عنه استخفاف بعضهم ببعض، والتقليل من شأنه. وقد يتجاوزه إلى التحقير والاستهتار قصد إظهار الانتصار مما يسبب آثارا سلبية لدى الطرف الآخر قد تصل حد الانكسار النفسي كما حصل - مثلا- مع سيبويه عندما تحامل عليه الكسائي والأمين في قول القائل: "كنتُ أظن أن الزنبور أشدُّ لسعًا من النحلة، فإذا هو هي، أو إياها؟"، فخرج من بغداد مغمومًا، وقد حمل في نفسه لما جرى عليه. حسب ما أورده ابن خلكان في "وفيات الأعيان".

كانت هذه الأفكار مثار الجدال بين الكتاب والمثقفين باستمرار، بيد أنها لم تكن مطلقا أكثر إثارة للنزاع والجدال منها اليوم، حيث إنه لم تعد هذه الفكرة أو تلك هي محل النزاع الدفين بينهم، بل الأفكار بوجه عام. إنه الحقد الثقافي الذي هو أولا وقبل كل شيء حركة عاصفة بالسًّموم، قوامها نزعة نرجسية مبنية على ذم كل مشروع فكري يهدف إلى التنوير. أو على الأقل انتقاده بصورة مجحفة أحيانا.

ختاما فالنجاح يبدأ بالانتصار على الذات واستلهام مقوماتها، وتلك هي بداية الطريق لأن أضخم المعارك في حياة الإنسان هي التي يقضيها ضد نفسه. فبداية البشرية واحدة وإذا لم تزد على الدنيا كنت زائدا عليها كما قال الشافعي. وعلى متانة الأسس تبنى الأسوار لبنة تلوى الأخرى تأسيسا على المنطق العملي المؤطّر بالمبدأ الأخلاقي لأنه الضامن للاستمرار وبفضل ذلك صارت العلماء حكاما على الملوك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة