الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من رأسمالية حقة

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2022 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بوجود نظام رأسمالي حقيقي في أي دولة في العالم؟
مصعب قاسم عزاوي: الإجابة المختصرة هي «لا» قاطعة جازمة، إذ أنه لو وجد نظام رأسمالي حقيقي في أي دولة من دول الأقوياء فإنه سوف يتهاوى خلال مدة قصيرة قد لا تتجاوز بضعة أسابيع، حيث أن ما يوجد في الدول المتقدمة هو نموذج صارخ لرأسمالية الدولة يخالف بشكل كلياني مطلق نموذج الرأسمالية التقليدية بالشكل الذي ارتآه آدم سميث في كتابه ثروة الأمم، والقائم على المنافسة الحرة التي سوف تقوم بضبط إيقاع الرأسمالية وفق معادلة «اليد الخفية»، التي تنظم اتزان السوق وفق قوانين «العرض والطلب»؛ وهو تصور يخالف الواقع الراهن للرأسمالية القائم على مبدأ الاحتكارية الكليانية عمقاً و سطحاً و تغول الشركات العابرة للقارات التي تعتبر أموال دافعي الضرائب مخزنها الاحتياطي الذي تستطيع اللجوء إليه كلما اختل توازنها المالي، وشارفت على الاندثار وفق قوانين المنافسة الحرة والعرض والطلب، وهو مصير لا بد من القبول به وفق شروط الرأسمالية التقليدية التي تقتضي أن البقاء للأكثر اتساقاً مع متطلبات السوق واشتراطاته، وأن شروط تحرير التجارة تقتضي عدم تدخل أي قوة خارجية لتغيير ذلك المسار؛ وهو النهج الذي إن تم اتباعه على هدي رؤى منظري الرأسمالية التقليديين فإن جل الشركات الاحتكارية الكبرى العابرة للقارات كانت قد اندثرت منذ أمد بعيد لعدم تمكنها من المنافسة وفق قوانين اقتصاد السوق الحر دون الدعم اللامحدود الذي تحظى به على حساب دافعي الضرائب في الدول المتقدمة، وهو الدعم الذي لم ولن ينقطع عن أي من تلك الشركات الكبرى التي تتحكم بالرهط الأكبر من الاقتصاد العالمي، سواء بشكل دعم مالي مباشر من الدول التي تتخذها تلك الشركات مقراً رئيسياً لها، أو عبر تخفيضات وتسهيلات ضريبية واستثمارية لها في الدول التي تعمل بها، أو عبر تمكنها من الاستيلاء بشكل شبه مجاني على نتائج الأبحاث العلمية في الجامعات التي تتم أساساً بتمويل من دافعي الضرائب لتقوم باستثمارها تجارياً، وجني أرباح طائلة منها كما هو الحال في نتاج ثورة الاتصالات وشبكة الإنترنت أساساً، والغالبية المطلقة من نتاج الصناعات الدوائية والعلاجات الحيوية و التقانية للأمراض المستعصية كالسرطان وغيره؛ أو حتى في بعض الحالات دعمها بشكل مباشر بضخ أموال من خزائن دافعي الضرائب في شرايينها في حال تعرضها للحظات حرجة قد تفضي إلى اشتراط اندثارها وفق قوانين الرأسمالية التقليدية لعدم كفاءتها في المنافسة وفق قوانين العرض والطلب، وهو ما سوف يتم منع تحققه بقوة رأسمالية الدولة وتدخلها المخالف لجوهر الرأسمالية وحرية التجارة لعضد تلك الشركات و تعزيز تضخمها وتعملقها بقوة الدعم الذي تتلقاه من الدول التي تسيطر على مفاصل الحل والعقد فيها من خلال تمويل الحملات الانتخابية للساسة الذي سوف يناط بهم إدارة مفاصل تلك الدولة أو تلك، وخدمة أولياء نعمتهم الحقيقيين الذين قاموا بإيصالهم إلى سدة الرياسة، وليس الشعوب المقهورة التي ينحصر دورها في المشاركة الديموقراطية بالمصادقة على أي من المرشحين الذين قامت باختيارهم وانتقائهم وتمويلهم وتسويقهم عبر حملات العلاقات العامة نفس الشركات الكبرى العابرة للقارات، التي تنتظر من أولئك المرشحين حين فوزهم باللعبة الديموقراطية الشكلية العمل الدؤوب لدعم تلك الشركات والحفاظ على موقعها في خارطة الهيمنة على المستوى الكوني بكل الوسائل المتاحة في نهج صريح لرأسمالية الدولة يخالف تماماً مبادئ الرأسمالية التقليدية وتحرير التجارة والاقتصاد الحر.
وعلى مستوى دول الجنوب المقهور، فإن نموذجاً مسخاً متسيداً من رأسمالية النواطير القائم على ترسيخ ودعم النظم الاستبدادية التي لا بد لها من القيام بتسهيل الاستنزاف اللامحدود الذي تقوم به نفس الشركات العابرة للقارات عبر تسهيل حصولها على الثروات الطبيعية لتلك المجتمعات المفقرة المنهوبة بشكل شبه مجاني، وحرمان أبناء تلك المجتمعات من استخدام تلك الموارد في تأسيس بنية تحتية لا بد من توطيدها للقيام باستخدام تلك الموارد الأولية تصنيعياً لتحقيق قيمة فائضة يمكن أن تسرع عملية التنمية في تلك المجتمعات، والتي لا بد أن تبقى أسواقاً مفتوحة لاستيراد النتاج الصناعي الذي تنتجه نفس الشركات العابرة للقارات، وأن يصبح سدرة المنتهى لأبناء تلك المجتمعات المنهوبة مشخصاً بالحصول على فرصة العمل في أي من تلك الشركات بأجور بخسة لا تعادل إلا أجزاء مجهرية من الأجور التي يتقاضاها العمال في مجتمعات دول الأقوياء لرشوتهم وإبقائهم تحت عتبة الغليان الثوري على طريقة الثورة الفرنسية، وذلك للحفاظ على توازن القوى الراهن القائم على ازدياد الأغنياء ثراء، وإيغال الفقراء في بؤسهم على المستوى الكوني بدرجات مختلفة، بالإضافة إلى عدم المساس بشروط اللعبة الديموقراطية في الغرب التي لا بد من الحفاظ عليها لضمان وجود دول مستقرة بقوة عسكرية ضاربة تحمي مصالح الشركات العابرة للقارات في حال تعرضها للخطر في أي من بقاع العالم المفقر المنهوب في سياق انتفاضات وثورات سلمية أو غيرها على طريقة الربيع العربي الموءود، والتي لا بد من إجهاض كل تلك الإرهاصات في مهدها، وإعادة إنتاج الاستبداد ونظم النواطير لخدمة مصالح الشركات الكبرى العابرة للقارات ودول الأقوياء التي تسيطر على مفاصل الحل والعقد فيها في حلقة شيطانية ظالمة مؤوفة ليس فيها من مبادئ الرأسمالية الحقة شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم