الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد الأمريكي والأفكار الكينزية..تضخم تحت السيطرة

احمد البهائي

2022 / 2 / 14
الادارة و الاقتصاد


الكل في حيرة ، يتساءل ، لماذا لم يتحرك الفيدرالي الامريكي حتى الان بإتخاذ خطوات جادة بما لديه من ادوات نقدية لكبح جماح التضخم ،حيث أظهرت بيانات رسمية، استمرار ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، ليبلغ مستوى قياسيا جديدا على مدى أربعة عقود، عند 7.5 بالمئة ، وقال مكتب إحصاءات العمل، إن معدل التضخم الأساسي الذي يستثني الغذاء والطاقة، زاد بنسبة 0.6 بالمئة في يناير على أساس شهري، وهي نفس نسبة الزيادة في ديسمبر السابق له .

دائما وابدا في ظل الازمات الاقتصادية الكبيرة ، تعتبر الافكار الكينزية صالحة للتطبيق على الاقتصاد الامريكي ، وهذا ما يحدث الان ، ما يجعلنا نقول ان الاقتصاد الامريكي قد يكون نموذجا صالحا للافكار الكينزية او ان تلك الافكار وجدت خصيصا لأجل هذا الاقتصاد ، لتعود لتلك الافكار لمعانها وبريقها وتكون بمثابة المرشد الاساسي لصانع السياسات الاقتصادية الامريكية ،ليحتل الفكر الكينزي الصفوف الاولى ، ليكون فوق افكار مدرسة شيكاغو الاقتصادية التي ظلت لفترة متسيدة المشهد التطبيقي والتحليلي في الاقتصاد الامريكي وبعض الاقتصادات المتقدمة ، والتي كانت تفسر التضخم بإعتبـار انه ناتج عن الإفراط في عرض النقود، والذي يولد إفراطا في الطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلـى ارتفـاع المستوى العام للأسعار ، وخاصة في الجدل الدائم في تفسير ظاهرة التضخم الركودي الذي يخشى من وقوعه الان وحذ ، ليعاود المحللين والمهتمين بالامور الاقتصادية ، التصديق من جديد على منحنى العلاقة العكسية الحادثة بين كلا من معدل التضخم ومعدل البطالة ، ليتم التركيز والمتابعة اليومية على هذا المنحنى القائم في عمله على احياء تلك العلاقة العكسية (كلما ارتفاع معدل التوظيف في الاقتصاد ، أي انخفاض معدل البطالة، فإن ذلك يكون مصحوبا بمعدل تضخم مرتفع، ونفس الشيء إذا ارتفاع معدلات البطالـة، فإنـه يكـون مصحوباً بانخفاض معدلات التضخم ) ، ليعود الى الوراء منحنى مدرسة شيكاغو القائم على عدم وجود علاقة بين كلا من التضخم والبطالة على المدى الطويل ، وذلك بإعتبار ان التضخم مشكلة نقدية بحتة نتيجة الافراط في عرض النقود ولا ترتبط بجمود الاجور ، وهو نتيجة نمو غير متوازن بين كلا من كمية النقود وكمية الانتاج ، حيث النقود المتداولة في الاقتصاد تنمو بوتيرة اسرع من نمو كمية الانتاج .

من الاشياء والعوامل التي جعلت افكار كينز تتفوق على افكار مدرسة شيكاغو وفقا للازمة الاقتصادية الحالية القائمة في اساسها على خلل صحي وليس خلل نقدي او مالي ، انه لم يعد الطلب على النقود يعتمد على الثروات لدي الافراد بل على ما يحققه الفرد من دخل جاري في الاجلين القصير والطويل ، كذلك ان الثروة البشرية لم تعد شريك اساسي او الجزء الاخر من اجمالي الثروة (الثروة المادية والثروة البشرية ) ، وذلك من خلال مفهوم توليد الدخل الجاري لخفض معدلات البطالة ، حيث لم يعد النظر الى الثروة المادية وحدها كقيمة نقدية حسب مدرسة شيكاغو ، بل كذلك الى اهمية الثروة البشرية ويمكن تحويلها الى قيمة أي استخدامها في توليد الدخل خاصة في فترات البطالة .

من خلال تلك الازمة التي صنعتها الاوضاع الصحية ، لم يجد صانع القرار الاقتصادي في امريكا خيرا من الافكار الكينزية لعبور تلك الازمة التي انعكست بأثارها على الاقتصاد الكلي ، حيث وجد ان ما يحدث من تقلبات في المستوى العام للاسعار ،يمكن ان يعود في مقامه الاول الى العوامل التي تحدد مستوى الدخل القومي ، كذلك على طرق الانفاق الحكومي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري وما لهما من تأثير قوي على مستوى الاسعار والعمالة او التوظيف ،وبالتالي يجب ان يكون له يد في السيطرة على التقلبات والتفاعلات بين قوى الطلب الكلي وقوي العرض الكلي ، بحيث ان تكون الزيادة في الدخل القومي ناتجة عن الزيادة في معدلات الانفاق الاستهلاكي والاستثماري معا ، وان تكون الزيادة في اي منهما تصب لصالح الاخرى ، بمعنى خلق حالة تضخم ، ولكن حالة التضخم المراد حدوثها هى التضخم الجزئي او التضخم تحت السيطرة وليس تضخما حقيقيا ، وللوصول الى تلك الحالة ، يجب اولا، آلا تكون الاجهزة الانتاجية والموارد الاقتصادية قد وصلت الى الدرجة القصوى من الانتاجية ، ومازال لدي الدولة طاقات اقتصادية عاطلة يجب استغلالها ، وبالتالي حدوث زيادة في المعروض من السلع والخدمات تفي الزيادة الحاصلة في الطلب ،ولكن مع الاقتراب من استغلال الطاقات الإنتاجية العاطلة وزيـادة الاسـتخدام لعوامـل الانتاج ، فإنه من المتوقع أن يصاحب الزيادة في الطلب زيـادة في الضغوط التضخمية تدفع المستوى العام للأسعار نحو الارتفاع، وهذا هو ما يطلق عليه التضخم الجزئي ، اي ان الزيادة في الاسعار قد نشأت والاقتصاد لم يصل بعد الى مرحلة التشغيل الكامل .

ما يمكن ان يقال ، ان صانع القرار الاقتصادي في امريكا ، نجح حتى الان في تحقيق مبتغاه ، وهو التحكم في ارتفاع المستوى العام للاسعار رغم ان ما يقال عكس ذلك تماما ، وذلك من خلال صنع ما يسمى بالتضخم الجزئي او التضخم المصطنع او تضخم تحت السيطرة ، حيث خلق زيادة في المعروض من السلع والخدمات يقابلها زيادة في حجم الطلب الكلي عليها ، وان الزيادة التي تحدث في الطلب تكون نتاج وجود موارد اقتصادية مازالت غير مستغلة يمكن استخدامها لمواجهة حالة التضخم الجزئي ، اي ان مرونة عرض عناصر الانتاج مازالت موجبة بارقامها ومحصنة وفوق الصفر ، بمعنى وجود عناصر انتاج مازالت عاطلة ومتشوقة للاستغلال ، اي ان الزيادة الحاصلة في مستويات الاسعار ، ليس نتاج فائض الطلب الحقيقي والكلي عن المقدرة الحالية للطاقات الانتاجية ، بل زيادة في استخدام عوامل الانتاج ، ما يؤكد ذلك ،ان معدل التوظيف في الولايات المتحدة الامريكية في زيادة حقيقية ، وتراجع معدلات البطالة من 14.7في المئة في يونيو 2020 ، الى 3.9 في المئة في فبراير 2022 ،ليلامس معدلات البطالة قبل جائحة كورونا والتي كانت بين 3.7 و3.5 في المئة ، ولبدء نجاح الفيدرالي الامريكي في سحب 2.2 ترليون دولار(تشديد نقدي ) كما هو متوقع من الأسواق خلال الاثني عشر شهرا القادمين يجب ان يكون التضخم الجزئي او المصطنع عند 8 في المئة ، ويكون مؤشر متوسط التغير في الأجور السنوي شهد نموا بنسبة 6% ، ونمو متوقع في الناتج المحلي الاجمالي قدره 5.2% .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد العريان يجيب عن السؤال الصعب.. أين نستثمر؟ #الاقتصاد_مع


.. الذهب يتراجع من جديد.. جرام 21 يفقد 20 جنيه




.. محمد العريان يكشف لسكاي نيوز عربية عن أهم الاستثمارات خلال ا


.. تتجه الأعمال اليابانية إلى تنمية اقتصادات ذات تأثير إيجابي ف




.. احتجاجات مناهضة للسياسات الاقتصادية في الأرجنتين