الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأغاني في مجال أغبال

عذري مازغ

2022 / 2 / 15
الادب والفن


الأغاني و"آللون" أو "البندير"
في تلك السنوات من بداية السبعينات، وكوننا منطقة معزولة تماما عن الحواضر وإذا كان عملنا كما أسرفت عمل مكثف بحيث لا يتوقف على شغل بعينه بل كان عملا دؤوبا فيه ما هو معتاد وروتيني كتربية المواشي والأعمال المنزلية المعتادة وفيه ما هي أعمال موسمية كالحرث والحصاد واخرى ظرفة تتم لقضاء بعض الحاجات اليومية كالحطب او زراعة بعض الخضراوات التي نستعين بها لتقليل أعباء السوق وعادة كانت عبارة عن احواض صغيرة موسمية، أضف إلى ذلك، وبالنسبة للنساء كن يقمن في الأوقات الفارغة بأعمال النسيج المتعلقة بالأفرشة الصوفية، حصائر الدوم وألبسة صوفية أيضا سواء ألبسة نسوية ك "تاغناست" أو الجلباب الصوفي والسلهام الصوفي (البرنوص) وكان معروفا أن النساء (نساء الجيران)كن يتعاون في هذه الأمور في الوقت الفارغ سواء فيما يخص تركيب الخيوط في المنسج "أفكاك" او حتى في عملية النسج نفسها بشكل تتلقن معرفتهن بفن النسج من خلال تبادل الخبرات وأذكر أنهن كن يعتمدن حتى الرسم الطوبوغرافي في النسج خصوصا فيما يتعلق بالزربية الأطلسية ويسمونه ب "لبلان" وهي اقتباس من كلمة ( Plan) الفرنسية، وهو عبارة عن رسم لتشابك مثلثات ورموز من خلال تنقيطها بشكل رياضي في الورق. وبشكل عام كانت كل الأعمال في منطقتنا تتم في جو مرح ونشط وكان الغناء مصاحبا لكل هذه الأعمال، لقد ذكرت سابقا الغناء في الحقول بالنسبة للحصاد، الغناء في الغابات بشكل كان تردد الصدى طبيعيا يثير تنغما اكثر في سياق الإعتزاز بالذات من خلال سماع صوتها مترددا عبر الصدى، وحتى في المناسبات الحزينة كان لها أغانيها المعبرة بشكل كان الفن، فن الغناء بالخصوص يشكل تعبيرا إنسانيا على مشاعر معينة لدرجة أن النواح في القبور كان يتخذ ايضا اشكالا غنائية حزينة نعيا للفقيد وإن كانوا يتحفظون كثيرا على نعت هذه الأشكال بالغناء الحزين او الغناء البكائي ويسمونه بالنوح واذكر في هذا الصدد عتابا لسيدة مات ابنها وحضرت في جنازتها امراة معروفة بصوتها الحزين ولم تنح عزاء في ابنها المتوفى، سألتها المرأة ذات الصوت الحزين لماذا تقاطعها ولا تكلمها فأجابته المراة المفجوعة في ابنها:
" لقد غضبت منك، تملكين صوتا جميلا وحزينا ولم تهللي أو تنوحي في وداع ابني..!"
وردت عليها المرأة:
"يا سيدتي انا شخت، هرمت، لم يعد لدي ذلك الصوت الذي تعرفينه ولم تعد لي تلك الطاقة التي كانت لدي للنواح، انا حزنت مثلك لفقدان ابنك في طفولته".
لازلت اذكر هذا الحوار الحزين بين امراة شابة وأخرى هرمة كانت ذات يوم تغني على إيقاع الرحى هذه الاغنية الجميلة والحزينة التي غناها الفنان محمد مغني والتي استحق بها لقب القديس، هذه الأغنية وإن اقترنت به لأنه غناها على إيقاع الوتر، كانت في الواقع تغنى على إيقاع صوت الرحى وهي تطحن القمح وليس مغني من ابدع كلماتها بل هي أغنية متوارثة شفهيا وهي أغنية رثاء في الغياب بسبب الحج إلى مكة، كانت الاغنية تبدأ بلازمة هي: "صلي على النبي! صلي على الحبيب" بلكنة ممزغة ترثي الغياب: غياب الناس منا ممن ذهب في رحلة للحج، داخل هذه اللازمة كلمات أمازيغية ذات رنة دينية حزينة، كان الحج يمثل بالنسبة لقبائلنا مغامرة ضرورية، كمسلمين هم يقومون بركن إسلامي، في العمق كان يمثل موتا آخرحين كان السفر بالطرق القديمة عبر قوافل قد يعود منها الحاج حيا او قد يعود خبر نعيه فقط، وكانت الرحلة تمتد إلى سنة أو أكثر بشكل يطرح البعد الزمني احتمال الغياب بالمطلق كالموت او طبعا الغياب النسبي: عودة الحاج بعد رحلة طويلة، وكنا نحتفل بالحجاج بشكل عام على شكل مهرجان احتفالي بنصب الخيم في "تافراوت" (تافراوت عادة بغض النظرعن معناها الأمازيغي، تعني هنا أرض منبسطة محاطة بجبال او بغابة، الترجمة الحرفية هي مقتبسة من كلمة تيفروت وهي الخشبة أو اللوحة الخشبية، لكن في السياق الإجتماعي نطلقها على الارض أيضا) معينة تقام فيها كل طقوس الإحتفال: "التبوريدة" وكذلك رقص أحيدوس.
أحيدوس هو الشكل الذي يعكس فنيا كل أنماطنا الإجتماعية انطلاقا من شكله الدائري أو نصف دائري والذي يعبر عن أشكال تموضع الخيام في الجبل او السهل: كانت القبائل عادة تبني الخيم على شكل دائري في مناطق السهول (أزاغار) وعلى شكل نصف دائري في المناطق الجبيلة، وهذا النمط من البناء كانت تتحكم فيه الخلفية الأمنية للتجمعات القبلية، الشكل الدائري للخيام في السهل يتجلى في توزيع النظر في كل الجهات تفاديا لغدر معين من قبيلة غازية أو حتى من لصوص محتملين او أي خطر، النصف دائري يتجلى في تركيز النظر إلى الجهة الأكثر احتمالا في ان ياتي منها غدر معين.. فذا في الشكل أما الحركات الرقصية العجيبة كما تتجلى في حركة ما سمي في الفلكلور التسييحي برقصة المايسترو فهي حركات تتقمص بعض الحركات التي هي نفسها تمثل بصمة لحركة الفرس والبغل والطيروالإيقاع الإجتماعي: إن أحيدوس رحلة في العمق الأمازيغي تمثل كل انساقنا الإجتماعية، في احيدوس قد ترى فرح الفرس، تكاسل المشي عند حمار، لوعة النسر، حلم الحمام والحجل وفرحة الإنتصار)، وبشكل عام كان احيدوس بصمة نمطنا الرحالي وحتى الاغاني فيه مرتبطة بهذا النمط الرحالي وحتى إيقاع صوت البندير (أللون) فيه هو إيقاع حوافر الفرس وصوت جناح الطير في تعبيراتهما المرحة .
في تلك المرحلة الأغبالية كنت عدو "أللون"، عدو البندير، بشكل ما، كان عمي ذي ربطة العنق الإستقلالية، ولأني كنت قد سبقت كل اطفال قريتي إلى التمدرس، كانت شخصية عمي الذي درس بجامعة فاس العتيقة (جامعة القرويين) كان لشخصيته أثر سلبي علي: هذا العم هو من حمل لنا إيديولوجية حزب الإستقلال إلينا والتي تلقاها في جامعة القرويين، لم يكن هو وحده بل كل الذين أرسلتهم قبائلنا لدراسة العلم في فاس : هؤلاء حملوا إلينا أن الغناء الأمازيغي حرام على الرغم انه هو قاعدة مرحنا، وعمي هذا كان لا يستطيع أن يقاوم صوت ابنة خدجوا حين تصيح في اغانيها من تحت شجر البللوط وكان متيما بحبها، وغضب من خدجوا غضبة العمر حتى مات: لم يكن يكلمها لأنها رفضت ان تتزوج ابنتها به لأسباب لا نعرفها حتى الآن.
كنت متأثرا بعمي هذا لأنه درس في المدينة العتيقة المعروفة في المغرب، مدينة فاس، وكانت هذه المدينة حسب عمي هي من خرج منها إشعاع أن الاغاني الامازيغية محرمة، لا يوجد مصدر عندي لكن في السياق الإجتماعي عندنا في أغبال، الاغاني الامازيغية في الراديو( القسم الامازيغي لإذاعة البريهي) هي للبالغين فقط، وانا هنا تكلمت على عملية نسج "أزضا" (نسج الحصائر والزرابي والسلهام وغيره)، اذكر انه حين احضر كطفل ويحضر أبي، يغلقون المذياع، مع النساء فقط لا مشكلة بشكل طرح عندي منذ طفولتي ان المرأة هي رمز الحرية: مع امي أستطيع أن أسمع أغاني إذاعة البريهي الأمازيغية، مع والدي لا.
لا أحب أن أتكلم عن عمي هذا، كانت له جوانب إيجابية في حياتي برغم انه أدخل بؤس المنفلوطي (المصري أو الترك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07