الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التلازم اللاشعوري بين الجلبي وقص الاذن !

علاء الزيدي

2003 / 5 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

في الوقت الذي تبذل الحكومات العربية البترولية أموالا طائلة لتطوير أدائها الإعلامي ، فيما يتصل بمستقبل العراق ، تبدو القوى السياسية العراقية غير مهتمة بهذا الجانب بالقدر المطلوب ، لأسباب ذاتية وموضوعية .
ذاتية ، لأن هذه القوى لا تمتلك المال اللازم لتقوية وتمتين وتوسيع النشاطات الإعلامية ، كسائر النشاطات . و لا تمتلك أيضا الكوادر المطلوبة للتطوير الإعلامي . ليس لقلة هذه الكوادر أصلا ، بل لأنها قصرت مجالات العمل لديها على أنصارها المجربين المباشرين أو المنتمين إليها ، وأغلقت الأبواب في وجوه المستقلين إلا ما ندر . و موضوعية ، لأن بعضا من هذه القوى ، إن لم أقل أغلبها ، يعول على الجهات الخارجية في الابتكار والإبداع وإنضاج الأفكار ، في المجال الإعلامي ، كما المجالات الأخرى ، و لا يولي العامل الذاتي أي اهتمام ، لذلك يبدو كل أجهزتها ونشاطاتها ومؤسساتها الإعلامية متوقفا وقائما على التخطيط والتمويل الأجنبي وإن بصورة غير مباشرة ، لا فرق في ذلك بين جرائد وإذاعات الحركات الإسلامية العراقية في إيران وغيرها ، أو الحركات الوطنية والقومية العراقية في الغرب ، ربما باستثناء النشاط الإعلامي للحزب الشيوعي والحزبين الكرديين الرئيسيين ، الذي يخطط له ويمول ذاتيا إلى حد ما ، لكنه بسيط وتقليدي و متعثر ، وهذا ما نلمسه في صحفهم وبثهم الإذاعي و التلفزيوني الذي يغلب عليه الطابع الحزبي الضيق ( تلزم الإشارة إلى أنني لم أطلع بعد على الصحف التي تصدر في داخل العراق حاليا ، لكنني أستمع إلى برامج شبكة الإعلام العراقي التي تبث وتلتقط في الداخل ، عبر الستلايت ، وأستطيع القول بأنها لا تختلف عما ذكرته آنفا ، إن لم تكن أسوأ ، رغم تقديري لجهود الزميل حميد الكفائي الكاتب والصحفي اللامع ) .

و لو أردت ضرب أمثلة على الواقع الذي اختصرته السطور السالفة ، فيمكنني الإشارة إلى ذهاب وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان الباجه جي إلى العراق ، والضجة التلفزيونية التي رافقته ومازالت ترافقه ، رغم القيمة العادية للرجل ، وعدم كونه متميزا إلى درجة احتكار الأضواء .

فقد تضافرت جهود عدة قنوات تلفزيونية تابعة للحكومات العربية ، بين خاصة و رسمية ، من " أبو ظبي " إلى " إم بي سي " ، ومن " المصرية " إلى " العربية " ، و من " دبي " إلى " خليفة للأنباء " مرورا ب " أي إن إن " وغيرها ، في التركيز الإعلامي المكثف على ذهاب الباجه جي إلى بغداد و تصويره على شكل كاريزمي منقذ عبر أخذ " بوزات " مختلفة من جوانب متنوعة من الوجه والجسم ، وجها وقفا ! بالإضافة إلى إبطاء الفلم الذي يصور حركة مشي الباجه جي نحو المطار أو الطائرة ، بما يوحي بالرزانة والرصانة والعقلانية وعدم التسرع . والواقع إن هذا الأسلوب تطبيق حرفي لنظرية إعلامية حديثة جدا تقول إن خمسين بالمائة مما يتبقى في ذهن المشاهد هي هذه اللقطات والبوزات المترافقة مع موسيقى تصويرية تأملية تبث متزامنة مع التايتل النهائي لنشرة الأخبار . أما الكلام والآراء والتصريحات فما أكثرها ، ومن يقرأ و من يكتب !

كان كل عناوين الأخبار يركز على أن الباجه جي هو المرشح لرئاسة الحكومة المؤقتة ، دون أن تقول تلك القنوات من رشحه . و الواضح أنك يمكن أن تقول شيئا ، و يمكن أن يصبح هذا الشيء أمرا واقعا عبر الإلحاح والتركيز والسماجة ، وإذا لم يتحقق شيء فلن تخسر شيئا !

وفي بغداد ، شددت وتشدد هذه القنوات على تصريحات الدكتور الباجه جي التي يقول فيها إنه لن يشارك في أي منصب إلا عبر الانتخاب ، دون أن تكون هناك أية مناسبة لهذا الحديث . كما إنها تركز على نزاهة الباجه جي التي لم يشكك بها أحد ، عبر مقارنة مقره الذي اشترته له دولة الإمارات والطائرة الإماراتية التي أقلته إلى بغداد ، باستيلاء القوى السياسية الأخرى على مبان حكومية وحزبية . إذا ، فالرجل نزيه والآخرون حرامية !
هذه هي الرسالة التي أرادوا قولها ، و لا يعقل أن يختار عاقل من العراقيين حرامية و يترك نزيها ! لكن ، ماذا على الطرف الآخر ؟

لا أدري لماذا أغرتنا شبكة الإعلام العراقي ببثها الفضائي المرتقب ثم وقفت عند ثلاث ساعات فقط من البث الإذاعي الداخلي ، الذي تملأ الفواصل بين برامجه الحوارية البسيطة بأغان إما راقصة ولا تناسب حزن المقابر الجماعية الذي يلف العراق من أقصاه إلى أقصاه ، أو من قبيل طقطوقة الكبيرة فيروز المخصصة للأطفال : قمرة يا قمرة لا تطلعي ع الشجرة !

لقد ركز الآخرون على شخصيات لم يعرف عنها معارضتها للنظام البعثي البائد ولو بشطر كلمة . وهذا التركيز يتم وفق طرق علمية حديثة واستشارات فنية واضحة يقدمها خبراء إعلاميون أكاديميون أو تطبيقيون يمكن شراؤهم من أية سوق ، فيما يهمل إعلام القوى السياسية العراقية أبسط قواعد الإعلام ، بحيث تساهم جريدة أحد الأحزاب العراقية الرئيسية ( وهي جريدة احترافية بشكل واضح لكنها أحادية واحتكارية يسيطر عليها انتماء معين رغم ليبراليتها المعلنة ) من حيث لا تشعر ، في تشويه صورة الدكتور أحمد الجلبي عضو هيئة رئاسة المؤتمر الوطني العراقي ، الذي يتعرض لأشرس حملة إعلامية مباشرة وغير مباشرة من وسائل إعلام بعض الحكومات العربية ، التي تخشى عواقب و تبعات دمقرطة العراق وسيادة مفهوم صوت لكل مواطن فيه على مستقبل أنظمة حكمها .

فقد وضعت هذه الجريدة في أحد أعدادها الأخيرة خبرا مفصلا للجلبي ، وو ضعت فوقه مباشرة – غير عامدة بالطبع – صورة لمواطن عراقي قص النظام الصدامي الساقط أذنه ، بحيث تدخل الصورة ضمن كادر الخبر أو التقرير الخبري الخاص بالجلبي ، بل في أعلاه و صدارته ، أو في سياق المساحة التي تغطيها نظرة العين القارئة للوهلة الأولى ، و في كل وقت مطالعة لاحق ، الأمر الذي يثير تلازما لا شعوريا غير مقصود بين الجلبي وقص الأذن ، وحسبك هذا من فعل إعلامي عكسي غير احترافي وغير موفق ، في زمن التكالب على أية كاريزمية عراقية مستقلة عن المحيط العربي الذي – بصراحة مخجلة – لا يريد للعراقيين الخير مادامت أكثريتهم تغرد خارج السرب !

كلنا يذكر كيف بدا الرئيس الأميركي جورج بوش في أول رسالة متلفزة له إلى الشعب العراقي . لقد بدا حالما ، باسما ، منفرج الأسارير و قريبا إلى النفس . يتحدث بصميمية وحميمية تكاد تقنعك بأنه أخوك أو أبوك أو رب أسرتك . فضلا عن خلفية الصورة ، المريحة هي الأخرى ، حيث لون الموبيليا القهوئي الذي يشعرك بأنك في بيتك ، وما يبدو وراء الرئيس ليس سوى ديكور خشبي يغلف جدران غرفة الاستقبال لديك . إن هذا الجو العائلي هو الذي يتبقى في ذهن المشاهد ، أما الكلام فلا يهم ، ومع ذلك فقد كان الكلام أيضا دافئا و مقنعا و لطيفا . بدا الرئيس محبوبا وكانت كلماته عذبة و مفهومة .. وليتنا استفدنا مما نسمع ونرى ، أو أتحنا الفرصة – في الأقل – لمن لديه فكرة ، لكي يصحح أخطاءنا الإعلامية الجسيمة !

--------------------------------------









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أضواء قطبية -مذهلة- تنير السماء بفعل عاصفة شمسية -تاريخية-


.. النيابة العامة في تونس تمدد الاحتفاظ ببرهان بسيس ومراد الزغي




.. الجيش الإسرائيلي يعلن تكبده خسائر بشرية على الجبهة الشمالية


.. الحرب تشتعل من جديد في جباليا.. ونزوح جديد للغزيين




.. بعد الزلزال.. غضب في تركيا و-مفاجآت سارة- في المغرب