الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيمات الأرض/ المرأة في الشعر الأمازيغي بالريف /قصيدة “ذا دّيها” للشاعر أحمد الزياني نموذجا...

سعيد بلغربي

2006 / 9 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


إرتبط الإنسان الأمازيغي بأرضه إرتبطا وثيقا أهلته كشعب فريد لايمكن ذكره وحيدا بمنأ عن موطنه، وهذه الصفة هي السر الذي جعلته
يحافظ على لغته من الإنقراض في أزمنة إتسمت بهيمنة قوى بشرية متمثلة في العديد من الحروب والغزوات الشرسة التي شهدتها أرض الأمازيغ على مر العصور والأجيال…وصولا إلى سياسة التعريب (الشر الأكبر) التي نهجتها الأنظمة الحاكمة في شمال إفريقيا كإستراتيجية تسهدف إستأصال الأمازيغ من جذورهم الأمازيغية، فإستطاعة اللغة الأمازيغية أن تصمد خارج الدعم المؤسساتي، بعيدة عن سلطة الكتابة والتدوين مبرهنة عن بقائها وإستمراريتها في وقت تدق فيه منظمات مهتمة بشأن “اللغات” ناقوس الخطر منبهة إلى خطورة الإنقراض الذي يهدد العديد من اللغات القديمة وأغلبها ذات جذور إفريقية وأسيوية، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإنقاذ هذا الموروث الإنساني من الفناء.
الأمازيغي يعتبر الأرض ملكه الرمزي الذي لايمكن الإستغناء عنه مهما كلفه ذلك، والباحث في الوثائق القديمة بالريف المغربي كعقود البيع مثلا يكاد لا يعثر على مثل هذا الصنف من العقود نظرا لأن الريفي لايبيع أرضه ولو كان يحتضر على فراش الموت، لكن بمقابل ذلك يمكن أن نعثر على عقود “الرهن”، بحيث يضطر الأمازيغي مكرها إلى رهن قطعة أرضية مقابل خدمات إستثنائية أو مقابل مواد غذائية (كالسكر والشعيرخاصة) وعملية الرهن هاته تؤهل له إسترجاع أرضه تلك عند سداده لقيمة الدّين الذي أخذه كمقابل لتلك القطعة الأرضية المرهونة، وسجلت مثل هذه الحالات خلال سنوات الجفاف التي إجتاحات منطقة الريف (أسكواس ن بوهايّوف) مما فضل الإنسان الأمازيغي متحديا مصير الموت جوعا أو الهجرة نحو بلاد الجزائر أو مدن أخرى على أن يبيع أرضه.
من خلال هذا نلمس أنه كان يعي جيدا أن فقدانه لأرضه هو فقدانه لهويته ولغته اللتان هما أساس إستمراريته ووجوده الحضاري، حتى أن الريفي عندما يسأل عن صلته العائليه يجيب عوض ذلك بإنتمائه الجغرافي والقبلي كأن يقول مثلا: (نش ميس ن تمورث ن تمسمان/ أنا إبن أرض تمسمان).
وإرتباطا بهذه الإستمرارية تظل المرأة الأمازيغية في المرتبة الثانية بعد الأرض وهناك من يجعلهما في مرتبة واحدة بحيث لا يمكن إيذائهما والإستغناء عنهما، لما تختزنه الحضارة الأمازيغية من تيمات تربط الأرض بالمرأة والمرأة بالأرض إرتباطا قويا.
والشاعر الأمازيغي ظل ملتحما بهما، وهذا ما تؤكده الإنتاجات الغزيرة التي أنشد فيها شعرا يمتزج فيه بين الأرض والمرأة كتوأمتين لايمكن الإفراط فيهما وذلك لتحقيق الإستمرار وإثبات الذات والوجود.
والأرض، من هذا المنظور عينه، هي أبرز تجلٍّ epiphania لجملة أنساق من الظهورات المقدسة: فالتربة والحجارة والأشجار والماء والظلال والنبات وسائر المشاهد الطبيعية للعالم تؤلِّف فيما بينها وحدة كونية حية شاملة لا تُحدُّ ولا تُنتهَك. والتراب، في دلالته الرمزية، يشير إلى هذا التفاعل والاشتباك بين مظاهر الحياة هذه. أما الأرض فهي الأصل أو المنبع الخلاق لكل تجلٍّ للوجود في حالته البكر (1).
في هذا الإتجاه، يمكن أن يكون الشعر مختبرا لوعي المرأة بالطبيعة، أو دار إقامتها، أي بتصور “هايدغر”، هو التسمية المؤسسة للكينونة ولجوهر الأشياء كلها، إذ يلامس الأرض باللغة، والعكس بمعنى أن يظهر اللغة كأرض. (2)
في تناولنا لقصيدته “ذا دّيها” يبدو أن الشاعر الأمازيغي أحمد الزياني (3) تعمد الخروج عن المألوف في تناول تقاسيم الجسد والموقع الأنثوي فيه فنسمعه يقول:

ذا ديها نش أكيم وار غاري بوماني
ثيفراس نّم دربحار ن ومان يونضاي
أصواض أم ؤجنّا أغمبوب تّازيري
أشواف ذيفيران ن واذريم ذاوارغي
نّفس نّم أرقّاغ ذايس أزغر ذو ذوارّي
ثيريت تّافيراسث ثوريد اتصندي
ثيدمارين أم رخوخ ئيتننّان ذي ثيري
ثزوغ ثسور أكيس ثارنياس ثيشوني
سفوفينتاس ثاخفيوين ذ زبيب أويناغي
ثيمصضين ذ رميرق ثيغيرين أمنّغني
ثيداغ ذييمّومن نفريّو يغمي
يكّام سثصابونين أرنياس ثييومي
ثاقمّونت تلولّوشث نذا خاس تّيسي
ثيمسي ن وور ئنو زّاير إيثارق ثخسّي (4)

في هذا النص وفي وقت لايزال فيه الحديث عن “الجنس” محاطا بحصار ثقافي وعرفي واسع وصارم ويشكل طابو داخل المنظومة الإبداعية الشعرية الأمازيغية. ولحد الآن في الريف المغربي لم نتوصل بعد إلى إنتاج قصيدة إيروتيكية بالمعنى الواضح والكاشف للجنس كما هو الحال للمجتمعات المتفتحة تكنولوجيا والتي تنشط داخل إطارات خارجة عن الظوابط الدينية والقيم الثقافية والأخلاقية والقمع الذي تمارسه الاعراف والتقاليد المتوارثة، والتي نجدها بالعكس متجدرة في سلوك الإنسان الأمازيغي. لكن على الرغم من ذلك هناك مجموعة من الأبيات الشعرية الإيروتيكية المتفرقة والمجهولة المصدر كما هو الحال لأغلبية النصوص الشعرية الأمازيغية القديمة، ونظرا لمحدودية تناولها تظل حبيسة التداول الشفهي الضيق.
إن القارئ العادي لقصيدة “ذا دّيها” (5) يلمس أن الشاعر أحمد الزياني يمارس على هذه المساحة من هذه القصيدة التجول بكل حرية على أرصفة جسد أنثوي بض مفعم بالعناصر المنتجة للذة والرغبة، نحت شعري في عري أدمي، لم نعهد بعد تناوله في أدبنا الأمازيغي بكل جرأة. إن الشاعر يكشف لنا بدون قيود المستور من هذا الجسد ويطليه بأدوات شعرية ساحرة وذات طاقة جمالية تجعل منه جسدا مثاليا، جسد يجرده من روحه ويجعله تضارس متوهجة تبدو أنها لا تؤدي إلا وظيفة الإشباع الغريزي.
لكن المتمعن سيكتشف فجأة أن الشاعر ينسج وبتلقائية فنية رائعة من خلال أدواته الشعرية خيوطا وأيقونات من الأحاسيس النظيفة تجعل المرأة في النص كوكبا أرضيا جديدا والنص كونا أنثويا آخر، إذ يمكن تأمل الخبرات اللغوية الدافعة لأحاريك هذا النص، فما تقرره اللغة كمنتج ابداعي، يتأكد في الأصل داخل خطاب الحداثة حيث سجالات الإستنساب البشري للطبيعة، بأشكال مختلفة كما في التشابه الأيقوني بين الأعضاء البشرية والنباتات، الأنثوية على وجه الخصوص. (6)
تختزن القصيدة حقلا دلاليا يستمد أدواته وطاقته من الطبيعة/الأرض، إن النظرة إلى الجسد ـ في هذه القصيدة ـ نظرة حلولية حيث يحل الجسد في الطبيعة وتنحل فيه، وأوصاف الجسد لاتستمد مقوماتها إلا من صلب الطبيعة (7)
فنعثر على عناصر طبيعية من قبيل:
ـ ربحار/البحر.
ـ أمان / الماء.
ـ أجنا / السماء.
ـ ثازيري / القمر.
ـ ثافيراسث/ شجرة الإجاص.
ـ رخوخ / شجرة الخوخ.
ـ ثيمسّي / النار.
ـ ثلولّوشث/الوردة.
ـ نذا/ الندى…
إذن ليست المرأة ـ هنا ـ إلا إستعارة ميتافيزيقية للأرض… في خصوبتها… في تناسلها بين الطيني والمائي.. (8).
الشاعر أحمد الزياني يجعل من هذه الأنثى موضوعا للعشق الأوديسي للأرض/الريف وما تختزنه من إستعارة لعناصر اللذة/الثمار (الخوخ،الإجاص..) وجمالية(القمر، البحر، الماء الندى… ).
ولأن الشعر يعمل أحيانا بما يشبه المنبه الحسي… ولو من خلال مفردات وثيقة الصلة بقاموس الايكوفمينزم (الأرض والطبيعة) التي يمكن تعاطيها من وجهة النظر الموضوعاتي كأيديلوجيا وليس مجرد أعراض جانبية لخطاب، خصوصا في بعدها الرومانسي، كما يتبين من كثرة الطرق على المعاني المتعددة للفصول والعشب والأزهار (9)
إن المكان (ذا) هنا الدال على أرض الغربة أو الفضاء الغير المرغوب فيه والمكان (ذيها) الدال على الريف الأرض المرغوب فيها/مكان الإنتماء، وإعتبارها موضوع الرغبة والوصال الحميمي مع تضاريس جسدها:
الجبل / النهد
السهل / الفخذ
القمر / الوجه الجميل
الماء / الريق
الطاقة الرمزية التي تختزنها القصيدة “ذا ـ دّيها” تقودنا بعد الإمعان الثاقب إلى نفي تلك العلاقة البصرية/الجسدية التي ربطت الشاعر بتلك المرأة/الأرض وإعتبارها علاقة حسية شعورية تذوّب المرأة في أنساق الأرض لتصبح هذه الأخيرة حاملة لدلالات أنثوية بكل تجلياتها الحسية.
نستخلص مما سبق أن علاقة المرأة بالأرض علاقة حميمية ومتكاملة بإعتبارها جزء لا يتجزأ من الطبيعة، وتظل رمزية الأنثى/الأرض ذلك الغنى المفعم بالعناصر الدلالية لهذه العلاقة. وفي المقابل وفي زاوية أخرى تلتحم الحمولة الرمزية الذكورية بالسماء والمطر كما هو واضح وبين من خلال مجموعة من الأنساق التعبيرية والمظاهر الإحتفالية الأخرى وأبرزها طقوس الإستمطار والتي يتم فيها إيثارة المطر جنسيا لإخصاب الأراضي العجاف.
____________________
هوامـش:
1) الأرض–الأم في الميثولوجيا العالمية: ديمتري أفييرينوس . يوجد المقال على الرابط التالي:
http://maaber.50megs.com/tenth_issue/mythology_1.htm
2) محمد العباس: شعرية الايكوفمينزم، النص النسوي كمختبر للوعي بالطبيعة “المرأة أرض .. الأرض امرأة “. يوجد المقال على الرابط التالي:
http://www.jehat.com/Jehaat/ar/JanatAltaaweel/drasatnadaryah/m_alabass.htm
3) أحمد الزياني من مواليد 1954 بقرية أمجاو بدار الكبداني، هاجر إلى دولة هولاندا التي يقيم فيها حاليا (2002) ، وللشاعر إنتاجات أدبية غزيرة. صدر له ثلاثة دواوين شعرية أمازيغية، بعضها مترجم الى لغات عالمية أخرى.
4) ترجمة النص الشعري:
هنا أو هنالك، أنا معك ماكث
ملامحك كبحر من الماء يضمني إليه
واسعة نظرتك كالسماء،
وجه منير كالقمر
شعرك تتدلى منه خصلات ذهبية
نسيم ناعم، دافئ يتسلل منك
عنقك كفاكهة نالت من النضج نصيبها
نهديك كثمار الخوخ النامي تحت الظل
يلفهما الإحمرار، الذي زاد له روعة
إنتفضت حلماته، اللذيذتين
طيبة الرائحة، التي تنساب منك
ناعمة الملمس ساق فخذيك و ساعديك
فم كزهرة نام الندى فوقها
النار المتأججتي بداخلي
بك تلتهب وبك تخمد
5) ديوان “ثريوريوت إيمولاي”، أحمد الزياني، الصفحة10، مطبعة إمبريال الرباط 1998.
6) محمد العباس، النص النسوي كمختبر للوعي بالطبيعة، الموضوع يوجد على الرابط التالي:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=333562&issue=9850.
7) الجسد في الشعر الأمازيغي دلالات وأبعاد، سعيد المولودي، جريدة تامونت Tamunt العدد 08/غشت 1995 ص8.
8) مريريداـ ن ـ آيت عتيق ومواسم الشهادة الغائبة، عـدي السباعي، أكراو أمازيغ العدد 11، سنة 1996 ص12.
9) محمد العباس، شعرية الايكوفمينزم، النص النسوي كمختبر للوعي بالطبيعة، يوجد المقال على الرابط التالي:
http://www.jehat.com/Jehaat/ar/JanatAltaaweel/drasatnadaryah/m_alabass.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس