الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية ل كتاب أيام في طرابلس

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2022 / 2 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أيام في طرابلس هو كتاب للأستاذ الحبيب بوزكورة، صدر عام 2012م، يقع الكتاب في حوالي (227) صفحة، والأستاذ الحبيب بوزكورة هو أستاذ تونسي اشتغل معلمًا بإحدى مدارس التعليم الحكومي في بطرابلس - ليبيا خلال المدة من 1973- 1974، وهي فترة صعبة من تاريخ الليبي ، حيث شهدت تلك الفترة تحولات مهمة، أهمها ما أسماه النظام آنذاك بالثورة الثقافية. وقد حاول الكاتب سرد وقائع تجربته كمعلم في التعليم خلال الفترة المذكورة، وتطرق من خلالها إلى بعض الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الليبي .
والكتاب يأتي أيضا في إطار رصد وكشف التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي في ليبيا، وظهور بعض الحقائق الضائعة أبان فترة حكم معمر القذافي، وهي تدخل ضمن ما يُسمى بأدب الرحالة ، حيث يُدون فيه الكاتب يومياته ومشاهداته، ويستقي معلوماته من مشاهدات ووقائع معايشة، مما يجعل الكتاب يتضمن عدداً من المواقف والقصص الواقعية، والهدف من هذه القراءة هو التعريف بالكتاب كون جل أحداثه واقعية، تتناول قصة معلم تونسي جاء إلى ليبيا بغية تحسين وضعه الاقتصادي؛ فرصد عدداً من الوقائع والمشاهدات والمواقف المهمة في حياة المجتمع الليبي، من ثم تكشف لنا بعض الجوانب السلبية والإيجابية في الشخصية الليبية، فضلا عن رصد عدد من الملاحظات عن العملية التعليمية في ليبيا أثناء فترة السبعينيات من القرن الماضي (1973-1974)، وأعتقد بأنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث والكشف، ورفع العتمة عنه، ولعل أتذكر هنا قول الشاعر حين يقول :
ليس بإنسان ولا عاقل من لم يعِ التاريخ في صدره
ومن وعى أخبار من قد مضى أضاف أعمارا إلى عمره
عمومًا ستتم عملية قراءة وتقييم هذا الكتاب من خلال فهم وقائع الأحداث والمشاهدات التي تم سردها الكاتب في هذا الكتاب، وربطها بالواقع السوسيوتاريخي لليبيا خلال الفترة المذكورة بموضوعية ودون أيّ تحيز، والتي لا تقلل من أهمية وقيمة هذا الكتاب، إنما نؤكد بأن لا أحداً يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة.
وقبل الولوج إلى رصد أهم الملاحظات والاستنتاجات عن الكتاب، قد يكون مفيدًا أن نوضح للقارئ المنهجية المتبعة في هذه القراءة، وهي:
• إن الكتاب كما سبق وذكرنا يضم حوالي (227) صفحة، من ثم سيتم التركيز على أهم الوقائع والمشاهدات التي سردها الكتاب، دون الولوج إلى جزئيات تلك المشاهدات والأحداث والحوارات، فالخوض في تلك الجزئيات لا تقل كاهل هذا العمل فحسب إنما تضعفه.
• تدوين أهم الملاحظات والاستنتاجات.
• بداية، نأتي إلى عنوان الكتاب وهو "أيام في طرابلس"، بالرغم من بقاء الكاتب في ليبيا من 1973- 1974م، إلا أنه فضل كلمة الأيام على غيرها من المفاهيم، فربما يقصد بأن الأيام دول والأحوال تتغير، فمرة نعمة ومرة نقمة، عمومًا أعتقد بأن العنوان كان يجدر به أن يُعبر عن تجربة الكاتب في ليبيا، إلا إذا اعتبرنا أن مُكوثه في ليبيا كان نعمة أونقمة له !.
• في الصفحة رقم (17) يقول الكاتب " إن الذي يأتي للعمل بهذه البلاد عليه أن يكون متحليا بصبر أيوب، وإذا لم يكن من ذوي الصبر، وبرودة الدم فعليه أن يلم شعثه وينصرف ويعود من حيث أتى". أعتقد بأن هذه النتيجة تفتقر في بعض جوانبها للمصداقية، فما الفرق بين الشعب الليبي والشعب التونسي، إلا إذا كان المقصود المعاملات في الدوائر الحكومية، فهذه المقولة تحمل في طياتها الكثير من المصداقية .
• في الصفحة رقم (17) يوضح الكاتب بأن الوقت لا قيمة له في المجتمع الليبي، حيث يقول "تمر الأيام والساعات دون أن يكترث لها أحد"، وهذه في الحقيقة أحد مشاكل المجتمع الليبي خاصة في الدوائر الحكومية، حيث يوضح الكاتب ذلك بقوله " لا يرى أي موظف في أي مصلحة أي مانع من أن يتركك تقف ساعات في الطابور تنتظر دورك لقضاء مصلحة من المصالح، فإذا جاء دورك قال لك ارجع غدا، إما لسبب تافه أو لإهمال من جانب موظف آخر من نفس المصلحة"، وهذه الممارسات في الحقيقة لا تزال متأصلة في جل الدوائر الحكومية، وهذا الأمر يجعل من لديه مصلحة من المصالح في تلك الدوائر أن يمتلك مرانا من نوع مختلف ودُربة تتجاوز المألوف.
• في ظل هذه الفوضة وعدم تقدير الوقت يُبين الكاتب بأن النظام السياسي كان همه الأساس "توزيع منشورات وكتيبات تشتمل خطب الرئيس الليبي السابق العقيد القذافي " وهي تتضمن تصوراته وآرائه حول عدد من القضايا ،سواء الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية، وهذا يبين بأن المجتمع آنذاك وكأنه ينتظر قدرا غامضا في ظل تأصيل الفكر الأوحد .
• في الصفحة رقم (24) يتطرق الكاتب إلى موضوع جد مهم وهو عدم المحافظة على الوثائق والذاكرة الوطنية في المؤسسات الحكومية، وكأن الأمر مقصوداً، حيث يقول الكاتب " في ليبيا يوجد ضياع الملفات" ،وهذه حقيقة موجودة في جل مؤسسات الدولة الليبية بعد 1969م، وحالات الضياع المقصودة كما يقول الكاتب " تعطينا فكرة عن حالة الإدارة بهذه البلاد ومدى الإهمال الذي يتصف بها مسيروها "، ولمواجهة ذلك الإهمال المقصود، يقول الكاتب بأن " الصبر أولى الصفات التي ينبغي التحلي بها في هذا البلد ،وإلا فإن الفرار هو أنجع دواء لكل ذلك". وهنا أعتقد بأن تلك الممارسات من قبل النظام السياسي السابق كانت جلها مقصودة بغية اعتماد عقلية القطيعة مع المرحلة التاريخية السابقة، وهي مرحلة النظام الملكي، وهذا ما أكدته قرارات وممارسات وسلوكيات النظام السياسي من خلال إقرار عدد من الممارسات أهمها الثورة الثقافية، والتي تدعو إلى إلغاء القوانين السابقة كافة، دون المحافظة على أي مكاسب أو نماذج جيدة، ومحو ما تم إنجازه سابقا، والبدء من لاشيء، والمحصلة النهائية من جل تلك الممارسات أننا لم نعد بعدها كما كنا قبلها.
• في الصفحة رقم (26) ينتقل بنا الكاتب إلى الحدود الليبية التونسية، حيث يصف لنا بكل موضوعية وحيادية إجراءات شرطة الحدود التونسية، حيث يقول بأنها تتصف " بالبطء وسوء المعاملة التي كانت تصل أحيانا إلى الإهانة" ، كما يصف لنا تصرفات بعض رجال الشرطة، حيث يقول بأنهم " كانوا وقحين قليلي الأدب مع المسافرين الليبيين دون سبب". وهذه الموضوعية في التشخيص والتقييم تحسب للكاتب، كونه تونسياً يتحدث عن سلوكيات رجال الشرطة التونسية.
• في حين يتحدث الكاتب في الصفحة رقم (29) عن سلوكيات وتصرفات أفراد المجتمع الليبي معه حيث يقول: " أشعر بانهم يقدرونني ويكنون لشخصي كثيرا من الاحترام كما يكنون لبلادي كثيرا من الإعجاب ". ولعلي هنا أتذكر كلمات الرحالة المغربي العياشي حين قال عن أهل طرابلس : لأهل طرابلس عادة من تنسي الغريب الحميما
حللت بها مكرها ثم إذ أقمت بها أبدلوا الهاء ميما
• يتنقل بنا الكاتب في الصفحات ( 30- 32) إلى بدايات التأطير الفكري للنظام السياسي أثناء حكم القذافي من خلال الإطار السياسي المسمى الاتحاد الاشتراكي، حيث كان ملزما نشر كتيبات عن خطب القذافي وتعميمها على جل المؤسسات الدولة ومنها المؤسسات التعليمية، ويوضح الكاتب بأن " شرح خطب القذافي التي ينشرها الاتحاد الاشتراكي، يدور حول الفرق بين نظرية الإخوان المسلمين ونظرية القوميين العرب، بلغة عامية من اللهجة الليبية والمصرية والفصحى ، وهو خليط غريب لا يتمكن الإنسان من قراءته وفهمه إلا بصعوبة". كما يُوضح بأنه يتم توزيع تلك الكتيبات على الطلبة حول : لماذا الثورة الشعبية ؟ حوار مع طلبة كلية الطب، خطاب القذافي في مدينة زوارة ، النظرية الثالثة للعقيد القذافي". وهذا الأمر يوضح لنا بأن تأصيل الفكر الواحد قد بدأ منذ بداية السبعينيات وبشكل ممنهج. وأصبح هذا الفكر الأوحد في المراحل اللاحقة مرجعا أعلى في المجتمع، وصار له الكلمة، بل السلطة، مما أدى إلى توسع امتداد الممارسات غير الأخلاقية في المجتمع، التي تدعو إلى الاستيلاء على ممتلكات وأموال الغير، وتعطيل القوانين، فأصبح هناك تفتيش على الأفكار والمعتقدات والاتهامات بالخيانة والعمالة والمؤامرة برهبة السلاح؛ فارتكبت العديد من الحماقات.
• كما يوضح لنا الكاتب في الصفحة رقم (34) تفاعل المجتمع الليبي مع أيام الثورة الثقافية وهو تفاعل حيث يقول: " كانت أيام الثورة الثقافة هدرزة، أي حديث وشرب الشاهي والتدخين".أعتقد بأن هذه الممارسات من قبل المعلمين الليبيين هي أقرب إلى المقاومة بالحيلة، حيث يصعب مقاومة السلطة، وربما تكون تلك الممارسات عبارة عن خطاب مستتر ردا على الخطاب المعلن من قبل النظام السياسي، ولعل أهم ممارسات ذلك الخطاب المستتر كما يوضحه الكاتب كان " عدد التلاميذ في تناقص، والمدرسون يتقاعسون عن الحضور والانضباط، والمدير يتغاضى عن ذلك ، من خلال عدم ضبط سجلات الحضور والانصراف ".
• في الصفحة رقم (35) يتطرق الكاتب إلى موضوع التمييز بين المعلمين، فيقول " هناك تفرقة متعمدة بين المدرسين الليبيين وغير الليبيين". إلا أن الكاتب لم يحدد لنا ماهية ذلك التمييز، هل هو مادي أم معنوي ؟ وفي حال كونه مادياً فهذا حسب وجهة نظري قد يكون مقبولا من باب تشجيع العناصر الوطنية على التدريس، وفي حال كونه معنوياً، فهذا يتنافى مع ما طرحه الكاتب من كون يعامل معاملة حسنة من قبل المعلمين الليبيين.
• في الصفحة رقم (36) يُبين الكاتب بان "المال يلعب دورا سيئا في هذه البلاد، وهو بقدر إساءته إلى المواطن الليبي من ناحية سوء تصرف يسيء أيضا إلى الآخرين، بما يبعث في نفوسهم من جشع وتكالب دون مراعاة المصلحة العامة لهذا الشعب". أعتقد بأن العديد من القيم الاجتماعية بدأت بالانحراف منذ تلك الفترة، وحتى نقرب المعنى أكثر يمكن أن نشير بأن تلك التصرفات ليست “صدفة” وليست معزولة إطلاقا عن عقلية وسياسات النظام السياسي السابق.
• يتنقل بنا الكاتب في الصفحة رقم (38) إلى برامج التلفزيون الليبي التي يراها " أصبحت تطغى عليها برامج الثورة الثقافية" ، وهي أيضا حسب وجهة نظره " على نسق واحد لا تتبدل ولا تتغير مما ينفر المشاهد منها بعكس البرامج التونسية التي تتميز بالتنوع والطرافة" . أجزم بأن ما طرح الكاتب يتضمن الكثير من الحقيقة، حيث حاول النظام السياسي توظيف التلفزيون من أجل نشر أفكاره وتصوراته، وهذا النمط من التفكير استمر حتى سقوط النظام السياسي بدايات العام 2011م.
• يلاحظ الكاتب في الصفحة رقم (40) "تمسك الشباب الليبي بالدين والكرامات" . وهذا حسب اعتقادي متأتٍ من كون المكون الديني عاملاً مهماً وأساسياً في عقلية أفراد المجتمع الليبي، خاصة فيما يتعلق بالأمور الحياتية.
• كما يرصد الكاتب في الصفحة رقم (45) بأن العادات في ليبيا جرت " بأن المرأة لا تقف في الطابور وتزاحم الرجال" . وهذه الممارسة لا تزال مستمرة حتى وقتنا الحاضر، وهي جزء من القيم المجتمعية المورثة، وهي متأتية من احترام وتقدير مكانة المرأة في المجتمع الليبي.
• يرصد الكاتب في الصفحة رقم (46) بأنه " في شهر رمضان يكثر الإقبال على شهوات البطن ويتهافت الناس على المواد الغذائية، وتشتد وتتوتر الأعصاب بسرعة ولأتفه الأسباب" . أتفق مع الكاتب حول هذه السلوكيات السلبية الموجودة بين أفراد المجتمع الليبي، خاصة في المدن، وهي سلوكيات وممارسات لا تزال موجودة وربما بشكل أكثر عنف.
• ينتقل بنا الكاتب في الصفحات (48-91) إلى الخطط والسياسات المتبعة في وزارة التربية والتعليم فضلا عن ضوابط العملية التعليمية خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، وهو الجزء المهم في هذا الكتاب، حيث يكشف لنا الكاتب عدداً من الوقائع والمشاهدات التي يصعب إهمالها، وتستحق الوقوف، بغية التدبر والتفكر في أسبابها ودلالاتها وغاياتها المقصودة من قبل النظام السياسي آنذاك، وهنا أجزم بأن الاختلال الحاصل في العملية التعليمية الموجودة حاليا نشأ مناخها منذ تلك الفترة الزمنية ، حيث زاد ذلك الاختلال إلى درجة الانزلاق في الفترات اللاحقة، وهذا الرصد المتميز يحسب للكاتب، وأهم تلك الوقائع والمشاهدات هي :
1) إن وزارة التعليم تجلب كل سنة مدرسين جدد دون وجود أي ضوابط في التوزيع المدرسين وأحكام التوزيع الحصص القانونية على كل مدرسة.
2) قبول عدد التلاميذ أكثر من طاقة المدارس.
3) التلاميذ لا يمكن أن يحترموك إلا إذا تشددت معهم.
4) هناك ضعف فادح في مادة اللغة العربية لدى التلميذ الليبي، فأغلب التلاميذ لا يفرقون بين الاسم والفعل، كما أن البعض منهم لا يحسن الكتابة.
5) أصبحت المدارس مكان يأوي إليه التلاميذ ويحشرون حشرا في قاعاتها مدة من الزمن، ثم يخرجون، ولا يهم ما يتلقاه هؤلاء التلاميذ، وفي كثير من الأحيان يقوم المدرس بدور الحارس، يدعوه المدير لدخول فصل معين، فيدخل دون أن يكون متهيئا لإلقاء الدروس، المهم أن يبقى مع التلاميذ يفعل ما يشاء إلى يحين وقت الخروج .
6) الدولة تخصم ربع مرتبات موظفي الدولة، ومنهم المعلمون من أجل دعم حرب أكتوبر 1973م.
7) أن التلاميذ في ليبيا لا يرهبون إلا العصا ،حيث يوضح الكاتب بأنه " لا يدخل الفصل إلا مصحوبا بها حيث يقول " ولست أفعل ذلك وحدي، فإن كل الزملاء يستعملون هذه الطريقة الناجعة".
8) المنهج الدراسي وضع حسب المنهج المصري وأغلب المؤلفين مصريون.
9) وضع الجدول المدرسي يعتبر مشكلة المشاكل في هذه المدرسة.
10) عدد التلاميذ في الفصل حوالي (47) تلميذ، إن ذلك هو الحل النهائي لمشكل التلاميذ الزائدين على طاقة المدرسة، في حين لم يفكروا في زيادة عدد المقاعد مما اضطر بعض التلاميذ إلى أن يجلس كل ثلاثة في مقعد واحد .
11) في المادة اللغة العربية وزعت على التلاميذ الكتب التالية طارق بن زياد للمطالعة ، كتاب القراءة الجديد، كتاب النصوص، كتاب النحو والإنشاء والإملاء والخط
12) التلميذ الليبي بعيد كل البعد عن كتب المطالعة، فلا يوجد في المناهج المدرسية حصص خاصة بالمطالعة.
13) حجرات الفصل ضيقة، سيئة التهوية، والاضاءة، السبورة لا تزيد مساحتها على متر ونصف مربع،
14) في بعض المدارس يوجد مدرسون بلا تلاميذ، وفي أخرى تلاميذ بلا مدرسين، أو مدارس بلا مقاعد أو مقاعد بلا مدارس، ولم تنته هذه الفوضى رغم استلام اللجان الشعبية لمهامها وتحملها كل المسؤوليات في كل الإدارات والمؤسسات.
15) مادة الإنشاء لا يعتني بها لا المدرسون ولا التلاميذ، والمدرسون لا يطبقون الطرق الحديثة في إصلاح المادة.
16) المدارس تنقصها مكتبات خاصة بالتلاميذ، وإذا وجدت فهي إما صالحة لبعض المدرسين أو جعلت لتلاميذ ولكنها ليست في مستواهم
17) فقدان الشخصية الليبية في أجهزة التعليم بمختلف مراحلها ، فالكتب أغلب واضعيها من المصريين حيث فشل هؤلاء في فهم الشخصية الليبية وعدم فهمهم للبيئة الليبية، وعدم تجذرهم في أعماقها ، أن المدرسين الليبيين عددهم صئيل بالنسبة إلى باقي المدرسين الذين يمثلون خليطا من مختلف الدول العربية والكثير منهم يعتبر من المرتزقة الذين جاؤوا لكسب المال قبل كل شيء،
18) سوء الجهاز الإداري المعمول به في المدارس الذي ما زال يسير على نسق عهد الانتداب البريطاني من الروتين والعقم وقلة الجدوى، فالمناهج والبرامج في واد والتلاميذ في واد آخر.
19) بروز ظاهرة تجنيد التلاميذ في المدارس وحثهم على الدخول إلى الجندية، ومن جملة ما يذكره لهم الإغراء المالي.
20) التفتيش التربوي يقظي وقتا طويلا في الحوار والنقاش وتبادل وجهات النظر مع المدرسين في شؤون المنهج والتلاميذ وطرق التدريس ويبدي رأيه بكل تواضع موجها وموضحا مهمته التوجيه والإرشاد وخدمة المدرس فيما يشكل عليه من أمور مهنته، في حين أن المتفقد في تونس يعتمد على الترهيب وفرض الرأي والإلحاح على اكتشاف الأخطاء ونقط الضعف واعتقد بوجوب الحاجة إلى تغيير شامل في النظرة إلى مهمة المتفقد ودوره في المدرسة التونسية.
21) يفضل المدرس أن ينجح التلميذ تجنبا للمشاكل التي تحدث له مع التلميذ نفسه، أو من ولي أمره أو حتى من الإدارة نفسها، لقد تعود الجميع على النجاح وإذا وقع السقوط فقد يؤول الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
22) حوادث اعتداء بعض التلاميذ على المدرسين ملفتة للنظر ، والسبب عدم الانضباط والاحترام المتبادل الذي يفترض أن يسود بين المدرسين وتلاميذهم.
23) تحول المدارس إلى مقرات لانتخابات الاتحاد الاشتراكي العربي، حيث تتعطل المدارس لفترة من الزمن .
24) عندما يقرر التلاميذ الخروج في مسيرات احتجاجية خاصة تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل ، فإن الهدف من ذلك هو الذهاب إلى البيوت أو التسكع في الشوارع والطرقات.
25) أصبح مدير المدرسة هو أمين اللجنة الشعبية، حيث يتوجب على المدير ونائبه القيام بزيارات ميدانية، وفي الوقت نفسه ليس هناك قوانين مضبوطة لمخالفة المخالفين من التلاميذ والعقاب المعروف هنا والمعمول به هو الضرب.
26) المعلمون لا يكلفون أنفسهم مشقة التصحيح، يضعون في كثير من الأحيان على هامش العمل الكتابي عبارة ( نظر) مكتفين بذلك عن الإصلاح والتوجيه.
27) ظاهرة الغش بين التلاميذ في تلك المدرسة تكاد تكون عامة ، وهناك تساهل من جانب المراقبين ولجنة الامتحانات بما فيها رئيس اللجنة.
28) عمومًا يقول الكاتب إن التعليم في ليبيا ليس على ما يرام، إذا لم نقل إن وضعه مترديا للغاية، ولا يستطيع أن يدرك هذا إلا من باشر العمل بالمدارس الليبية .
• أعتقد بأن الوقائع والمشاهدات والحوادث التي تم سردها الكاتب آنفا كان بعضها صغيراً ثم كبر مثل مستصغر الشرر، والتي تبين بأن النظام السياسي كان يعمل بشكل حثيث على تفريغ العملية التعليمية من أهدافها المقصودة، ولعلي لا أتجاوز إن قلت بأن تلك المرحلة شكلت بدايات انفلات العملية التعليمية من خلال خلطها ومزجها بأفكار وآراء وتصورات رأس السلطة آنذاك، فأصبحت خطابات وتصورات ذلك النظام هي جزءاً من العملية التعليمية، وهذ الخلط والمزج سبب شروخا وعيوبا بالغة الضرر على المخرجات التعليمية في المراحل اللاحقة، وفي الحقيقة الأمر يمكن القول بأنه لم تكن هناك مأساة أفدح من هذه المأساة.
• ينتقل بنا الكاتب بعد هذه الوقائع التعليمية إلى الحديث عن ليلة العيد في طرابلس، حيث يقول "أن أغلب الناس خرجوا ليشتروا لهم ولأولادهم ثياب العيد، فغصت المتاجر بهم لدرجة أن بعض الدكاكين أغلقت أبوبها واصطف الناس أمام الأبواب ينتظرون خروج من بالداخل حتى يأتي دورهم ، البضائع فقد تكدست في المتاجر، ولما ضاقت هذه عنها كدسوها على قارعة الطريق فأصبحت الشوارع متاجر. يتحدث الكاتب عن وقائع ومشاهدات لا تزال موجودة حتى الآن، وكأن الوقائع والمشاهدات هي نفسها مع تغير الشخوص.
• كما يلاحظ الكاتب بأن مدينة طرابلس إذا ما كثرت فيها الأمطار غرقت في الماء والوحل، حيث يُبين بأن "المجاري في شوارعها المعبدة تكون إما غير صالحة أو هي بصدد الإصلاح والتجديد" .كما يوضح أيضا بأن الشوارع غير معبدة فهي " فحدث ولا حرج". وهنا أتفق مع الكاتب حيث إن حال تلك الشوارع بقيت كما هو عليه منذ تلك الفترة، تفتقر إلى مجاري لتصريف المياه، فضلا عن كون جلها غير معبد.
• يًبين لنا الكاتب في مشاهد آخر صورة امتحانات القيادة الخاص بالنسا، حيث يقول بأن امتحان قيادة السيارة الخاص بالنساء يجرى في ظل ظروف جيدة" فالناجح كان عن "جدارة". وكان الكاتب يعتقد ظنًا خاطئا "بأن الامتحانات كانت شكلية صورية ". وهي ربما من ضمن الممارسات الجيدة التي كانت موجودة سابقا وتستحق الإشادة.
• يرصد الكاتب ملاحظة أخرى عن الصحافة في ليبيا ،حيث يقول " تصدر في طرابلس عدد من الصحف أهمها الفجر الجديد، والبلاغ، وهي معبرة عن وجهة نظر الحكومة الجرائد". كما يوضح بأن تلك الصحف " لا تصدر في الصباح الباكر" كما يقول بأن "الصحافة عادة هي التي تسعى إلى القارئ عن طريق الباعة، أما في هذه البلاد فإن القارئ هو الذي يسعى إليها وأحيانا يجري إليها فلا يجدها" ويوضح أيضًا بأن " الصحافة في ليبيا تسبح بحمد رجال الحكم وتنطق بلسانهم وتحسن مساوئهم ،ربما هذا جعل الناس تنفر من قراءة تلك الصحف. وهنا اتفق مع الكاتب في كل ما طرحه عن الصحافة في ليبيا ، وربما هذا دفع عدد اًمن أفراد المجتمع حسب وجهة نظر الكاتب " الاستماع إلى أخبار إذاعة لندن ".
• ينتقل بنا الكاتب إلى مشاهد ووقائع أخرى تبين طبيعة حياة المجتمع الليبي في المناسبات السارة وهي الولوج إلى "الزردة" ، والزردة هي نزهة وهي من العادات الليبية، وتقام في هذه الزردة وليمة كبيرة، وفي هذا الصدد يؤكد الكاتب خروجه مع المعلمين الليبيين في أكثر من زردة، وهذا يتناقض مع ما طرحه الكاتب من وجود تفرقة متعمدة بين المدرسين الليبيين وغير الليبيين.
• يوضح الكاتب بأن الزواج في ليبيا باهظ التكاليف، مما أدى بكثير من الشباب الليبي إلى النفور من الزواج من الليبيات، والإقبال على الاجنبيات ،خاصة منهن المصريات والتونسيات، وأعتقد بأن هذا المورث لا يزال موجوداً حتى الساعة.
• يلاحظ الكاتب بأن الأشخاص المتقدمين في السن ينادون عليهم باسم "بالحاج" حيث يقول :" قلما تجد شخصا غير حاج أو غير عازم على الحج، فأنت تستطيع أن تنادي أي شخص متقدم في السن بالحاج فيجيبك بنعم. أعتقد بأن كلمة الحاج متأتية من جانب التقدير والاحترام لهذه الفئة من قبل أفراد المجتمع
• يرصد الكاتب ملاحظة دأب النظام السياسي السابق على العمل بها وهي "أن العطل تتقرر في آخر لحظة" ، حيث يقول الكاتب " لا يدري الناس وحتى الموظفون منهم تواريخ العطل الرسمية بصفة دقيقة " بالتالي فإنه من المهم "تتبع نشرة الأخبار". أتفق مع الكاتب في رصده لهذه الملاحظة، ووصل الأمر بالنظام السياسي إلى الإعلان عن الوقفة بعرفة بعيدًا عن مناسك وشعائر الحج لأسباب سياسية.
• نختم هذه المقالة بالقول أن الشعب الليبي أصبح منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي - وبشكل مقصود- يجد الخوف والقلق والترقب وانتظار المجهول إلى نفسه سبيلا، وأصبحت الجراح تتسع وليس لها من راق، وتم جر الوطن إلى قيعان الخوف، وهو لا يدري ما وجهته، ولا إلى أين يُقاد، فتم حبسه أو ذبحه ليجلس النظام السياسي على تلة الخراب، ويتوعد كل من ظل يعارضه بالموت، فنام الباقون من أفراد المجتمع على استبرق الأماني من خلال ما طرحه النظام من أفكار وتصورات وصحا على حصير عجز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يستحق العناء
أحمد خالد ( 2022 / 2 / 17 - 10:40 )
قبل تاريخ نشرها هنا ، طالعت هذه المقالة ، بالصدفة ، على صفحة فيسبوك ليبية يظهر انها من منصات حزب الاخوان . و ما لفتني هو العنوان ، لكن توقعي خاب . فالكتاب ليس كتابا و لا يستحق الاهتمام ، هو تسجيل انطباعات سطحية مكتوبة بلغة الصحافة الحائطية الإنشائية ، لطلاب الثانوية الهواة . على شاكلة مواضع الإنشاء المدرسي ( صف مشاهداتك في رحلة ) . لا منهج و لا رؤية و لا تحليل للظواهر الاجتماعية .

اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة