الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما في موريتانيا - 2

محمد عبيدو

2006 / 9 / 5
الادب والفن


وبعد ذلك دخل الساحة الفنية السينمائية اسم فني له تجارب فنية يحترمها الجميع ويتعاطاها بسحرها الذي قدمت به من خلال عدسة صاحبها عبد الرحمن سيساكو ويحمل
سيساكو في تجاربه السينمائية بداية لمخرج أبهر العالم بعطاءاته السينمائية في هذا المجال، وقد أنتج حتى الآن أكثر من اثني عشر فلما سينمائيا في المجالين الوثائقي والروائي وعبر برؤية سينمائية عن الهم الإفريقي الكبير في حوار الحضارات والشراكة الفاعلة والهجرة والتنمية.. كما أسس دارا للإنتاج في باريس تحمل اسم (شنقيط فيلم) , وقد أنتجت هذا الدار التي يديرها لمخرجين أفارقة من السنغال وتشاد والبنين ولآخرين من أرمينيا وإيران.. عبد الرحمن سيساكو في رحلته كجزء من تاريخ رجالات موريتانيا في السينما سعى سعيا جادا للاهتمام بقطاع الشباب الممارس للسينما عن طريق توفير المنح لهم وتكوينهم في الخارج ومن نتيجة ذلك كانت "دار السينمائيين الموريتانيين".
ولد عبد الرحمن ولد محمد يحي الشهير بسيساكو بكيفة سنة 1961 ليرحل بعد ذلك إلى (مالي) قبل أن يعود من جديد إلى موريتانيا سنة 1980، و في نواكشوط سوف يتعرف لأول مرة على أفلام الو سترن الإيطالي (كر انس هيل وبيد سبنسر) لكنه يتعرف في نفس الوقت على المركز الثقافي الروسي ليكتشف عمالقة الأدب الروسي كدويستوفسكي، غوغول و تورغينيف مترجمين إلى الفرنسية و بعد سنة سيحصل على منحة إلى روسيا ليدرس أولا في روستوف قبل أن يدخل معهد "افكيك"(VGIK) السينمائي و هناك سوف يتعرف على أفلام لمخرجين عمالقة كـ "فورد" و "فاسبندر" و بعد سنوات الدراسة سيخرج فيلمه الأول "اللعبة" (1989) كمشروع للتخرج يتم تصويره في تركمانستان و يحكي قصة الحرب من خلال لعبة أطفال يقضي معهم والدهم عطلته الأسبوعية قبل أن يعود لجبهة الحرب.
و بعد سنتين توج هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي، فيلمه الثاني أكتوبر 1993 يحكي قصة شاب أفريقي ادريسا الذي يستعد للرحيل عن موسكو و عن حبيبته (ايرنا) الحامل الحائر بين الاحتفاظ بالجنين الذي تكرهه عائلتها و بين الإجهاض الذي يمحو علاقة بكاملها، و قد حصل على العديد من الجوائز في مهرجانات (كان) و (قرطاج).
الفيلم الثالث هو (الجمل و العصا المترنحة) 1994 و هو عن إحدى قصص (جان لافونتان).
الفيلم الرابع (صابريا) 1996 و هو فيلم طويل صور في صحراء تونس و يحكي قصة صديقين يمضيان كل الوقت في "لعبة الطاولة" قبل مجيء إحدى الفتيات التي تغير كل شيء و قد حصل على جائزة (لا موسترا دوفنيس).
الفيلم الخامس (من روستوف إلى لواندا) 1997 و يزاوج بين الوثائقي و الخيال، و يحكي قصة سفر المخرج يبحث عن صديقه (باري سانكا) الذي انقطعت عنه أخباره حينما عاد إلى وطنه أنكولا التي مزقتها الحرب و الشريط يبين آثار هذه الحرب دون أن يصورها مباشرة، و قد حصل على جوائز في كل من مهرجان (ميلان) و (لادوكمانتا دوكاسل) و (لافيسير ليدوك) في مرسيليا.
الفيلم قبل الأخير "الحياة على الأرض" 1998 يخلط الشعر بالسياسة من خلال رصد مرور عام 2000 في قرية صغيرة في عمق مالي هي (سوكولو) و قد حصل على العديد من الجوائز في مهرجان (كان) و (تورنتو) و (ساندانس) و نيويورك و قرطاج و فسباكو في واغاداغو و (فريبورغ) و (ميلان) و (بلفور).
ثم فيلم في "انتظار السعادة"2002 الذي يحكي قصة مراهق في السابعة عشرة من عمره يعود من مالي إلى موريتانيا وطنه ليجد والدته تعيش في غرفة صغيرة في أحد أحياء العاصمة الاقتصادية نواذيبو في نفس الحوش تسكن مجموعة من الأجانب إضافة إلى فنانة تقطن الغرفة الملاصقة لتلك التي سيعيش فيها عبد الله مع والدته "سكينة".
سيرتبط عبد الله بعلاقة عاطفية مع "نانا" الفتاة الغينية التي تكتري الغرفة المقابلة لهم، و التي تتمتع بحماية مواطنها "باري" الذي يدير مغسلة في نفس الدار.
شيئا فشيئا سيكتشف عبد الله هذا الفضاء المحيط به و الذي هو جزء منه، لتفتح أمامه فضاءات أرحب من التخيل و الحلم.
باختصار يحاول هذا الشريط أن يحكي قصص هؤلاء ليحكي قصة المنفي سواء على المستوى الداخلي الشعوري أو على مستوى الواقع اليومي الملموس من خلال لغة سينمائية فيها الكثير من البساطة و العمق.
في انتظار السعادة توليفة من الألوان والألوان ذات أبعاد جمالية كونية، تنطلق من التفاصيل الصغيرة، من اليومي ، بل من غرفة معزولة في حي هامشي يقطنه هامش المجتمع، (مطلقة، حرفيون، أجانب ، فنانة عاطلة عن العمل) وكأن مغنية الحي لا تطرب! لكن لكل واحد من هؤلاء قصته الخاصة، حياته بكل آمالها وآلامها، إحباطاته وصبواته باختصار عالمه الخاص ومن خلال التفاعل والانفعال سيربط هؤلاء بنسيج علائقي فيما بينهم من جهة وبين المجتمع الثالث، القصة في مفرداتها قد تحدث في أي زمان وأي مكان لكن تكثيف الترميز يحيل الى انقرائية تتجاوز المسرود الى أبعد حد، وإلا كيف نقرأ مذياع ما كان الذي تسفو عنه الرياح بعد أن فقده ،فإذا هو يذيع الأخبار! وكيف تطوف عشبة لتجوب المدينة كلها في رحلة لا تنتهي وكأنها الحلم القريب البعيد. الفيلم حافل بمثل هذه الإشارات الذكية، جمالية أخرى تميّز الشريط هي جمالية الإنسانية التي وظفّت بشكل موفق ونلمس ذلك بوضوح في علاقة الفتى عبد الله بوالدته سكينة التي يعود إليها بعد سنوات من الفراق، غير قادر على الحديث معها بلغتها، لكن قوة الارتباط تكسر حاجز اللغة ،وتصبح لغة العاطفة أوضح من الدال اللغوي.
خطر الطفل الكهربائي معط الذي هجر البحر بعد أن جفت خيراته، ليتحول إلى كهربائي متجول يزود مثل هذه البيوتات المعدمة بأسباب النور، ظلت علاقته بمعلمه أكثر من حرفية إنها علاقة الانموذج الآيل للزوال، الذي يصارع الزمن ليترك سراً من الأسرار لدى من لم يصبح مؤهلاً بعد ليضمن صيرورة الفعل المستمر، إنها لحظات الحزن المشوب ببريق من الأمل.‏
من نافذته الصغرى المسواة بالأرض يطل عبد الله كثيراً ليكتشف المارة من خلال هذا المستطيل المسطح ،أو بالأحرى لتتراءى له أخيلتهم يمر الجميع ، كل يحمل قصة تاريخاً ما يختلف بالضرورة عن تاريخ الجميع، لكن قصص هؤلاء تصطبغ بذاتية عبد الله.‏
المراهق يحمل في ذاته ازدواجية مركبة، حاضر مثاقف ، ومستقبل اكثر استهاميةً من الحاضر وما بينهما ينتصب الرجل المنفي .‏
لن نعرف من الفيلم هل سيسافر عبد الله ام لا ؟ لكن المؤكد هو ذلك السفر الاستنباطي الداخلي الذي من خلاله سيحسم علاقته بالفتاة نانا لكنه سيكتشف من خلال الفن جزءاً مطموراً في ذاكرته ، ذاكرة بلد بكامله وسوف يكون لاغاني فاطمة المطربة التي اجادت دورها الفنانة الكبيرة النعمة منت الشويخ، فعل السحر بالنسبة للفتى المراهق الذي ظل يراقب الفنانة، وهي تحاول ان تزرع تاريخها الفني في عقل ووجدان الفتاة الصغيرة التي تعلمها من خلال دروس قاسية في الغناء والعزف تماماً كما يريد الكهربائي ان يورث تلميذه اسرار مهنة النور.
عبد الرحمن سيساكو يضع في مركز السؤال السياسي لفيلمه الأخير (أو في عنوان موازٍ <المحكمة>) : هل هذه القارة محكومة بالعزلة والفاقة والانقلابات والفساد والتخلّف والأمية؟ أهي (بحكّامها وناسها) من يستمري العطايا الدولية كمفتاح لغنى باطل؟ أمجبولون هؤلاء الأفارقة على <دونية> عرقية (لون سحنهم) وفسلجية (تركيبة تقاطيعهم) تبرر خنوعهم الدائم للقوة البيضاء ونظمها المالية وأذرعتها العسكرية؟ هل هو قدر القارة المضي بإرادة خفية نحو حكم المغامرين من سادة الحروب الأهلية وديكتاتوريها؟ هذه الأسئلة المسبقة، يريد سيساكو أن ينتزعها من ذهن مشاهده ليدفع به نحو مشاركة إيديولوجية من طينة أخرى.
<باماكو> خطاب في السياسة يلقيه لسان متفكه على مآلات الخنوع الأفريقي وتحولاته، يستعير (الخطاب) نظاماً حكائياً تعود أصوله الى أقدم أساليب الجماعية المحلية: المحكمة واسترسالات شهودها ومناظرات قضاتها ومحاججات مدعيها، من دون استغفال متفرّجيها وفضولهم الذي لن يقطع شكوكهم سوى الحكم النهائي. سيساكو لم يجد سوى <المقاضاة> حلاً درامياً كي يُثقل من قوة هجومه على الآخر الغربي الذي يُزاغل في هباته من أجل إحكام السيطرة على الأسواق والخيرات.

يرى العديد من المهتمين بهذا الميدان أن أبرز المشاكل التي تعانيها السينما الموريتانية تتلخص في الإطار القانوني حيث تتبع السينما كمصلحة لإدارة السمعيات والبصريات لوزارة الإعلام والثقافة سابقا ومع تغير شكل الوزارة لم يتغير المضمون والنصوص المنظمة لهذا القطاع وظل دور وزارة الإعلام مقتصرا على الرقابة في شكلها البوليسي دون الإنتاج ولم تكن السينما تابعة لمؤسسة ثقافية همها الرعاية بقدر ما كانت تابعة لمؤسسة بوليسية همها الرقابة وبذلك وئدت كل المحاولات التي قيم بها في هذا الميدان، ومثال الشركة الوطنية للسينما التي يشرف عليها حاكم المقاطعة مع رقيب شرطة ومديرها دليل واضح على العبث الفاضح بهذه المؤسسة، وهذه الأشياء مجتمعة خلقت فوضى في هذا القطاع فتحت الباب واسعا أمام مستغلي الفرص من المشتغلين بهذا الميدان لتصدير ما بقي من وثائق وأفلام إلى المعهد الوطني للسمعيات البصرية في باريس حيث يباع تاريخ هذا البلد في المجال السينمائي.

فصل من كتاب "السينما في المغرب العربي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم