الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في نص -زهرة الليمون- ل -السيد وادي-

محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث

(Mohammed Elkhooly)

2022 / 2 / 16
الادب والفن


"زهرة الليمون"
العنوان " زهرة الليمون" تركيب لغوي ناقص يستدعي مجهولات لغوية؛ ليكتمل التركيب اللغوي بها، ويرتقي ذلك التركيب إلى مستوى الجملة التي تفيد معنى يحسن الوقوف عليه، ولكن الشاعر بانزياحاته الشعرية- وهو يسعى إلى تحقيق الجمال كغاية شعرية أولى- يلجأ إلى آلية "الإرجاء" كما أسماها "دريدا"... وهي تلك الفجوة التي يحدثها الشاعر في التراكيب التي يستخدمها، لتنزلق المعاني على سطح الدوال، والشاعر بذلك يفتح باب التأويل أمام المتلقي ليتلقف ما يشتهيه من المعاني التي تقصدها الذات المبدعة، وربما يكون هذا هو السبب وراء تعمد "السيد وادي" أن يأتي بالعنوان على هيئة تركيب لغوي ناقص، ليفتح المجال واسعاً أمام المتلقي؛ ليدخل به إلى دهاليز النص الشعري، ليقرأ العنوان من خلال المتن/ النص، وتكون القراءة هنا-أعني قراءة النص- هي حل للغز العنوان "زهرة الليمون". فالعنوان نص موازٍ يكافئ النص الأساسي، فكثير من العنوانات تضطر القارئ أن يغوص في لب النص؛ ليتجلى ما أضمر في العنوان، فليس شرطا أن يكون العنوان فاتحة للقراءة وباباً للولوج فيها، وإن كانت مهمته الأساسية هي الإلماح إلى مكنونات النص، ولكن ليس في الشعر الذي يرتكز في الأساس على تقنيتي " الترميز والغموض". فما الذي يعنيه "وادي" بـــ " زهرة الليمون" وكأن العنوان يطرح تساؤلات عدة فحواها، ما الذي يقصده الشارع بــ "زهرة الليمون" ولذا كان لزاما على المتلقي أن يجيب عن هذه التساؤلات من خلال قراءة المتن الشعري.

على زهرةِ الليمونِ تبكى الحَنايا
فمن بوْحـها أدمنت بوح الصبايا
على دوحةٍ أطلقتُ فيها مشاعرى
وقد كنتُ غراً عاثراً فى خطايا
درجتُ ولليمونِ بوحٌ كأنَّما
بناتٌ هنا قد بُحْنَ لى بالخفايا
حرف الجر " على" الذي ابتدر به الشاعر قصيدته استدعى الشجرة بكليتها وزمانا به تزهر شجرة الليمون، وكأن الزهرة التي تنبثق من فروع شجرة الليمون تشير إلى فصل الربيع، ولكنه ليس استدعاء حقيقيا للزمن، ولكن استدعاء لملابسات ورمزية هذا الفصل الذي تبتهج معه الدنيا، وبه وله تغنى الشعراء في الأزمنة المتعددة الغابر منها واللاحق، فليس المقصود هنا فصل الربيع على حقيقته، ولكن رمزيته التي تشير بصراحة إلى زمن الشباب وما كان به من ملاوات وصبا، ولما كانت زهرة الليمون رمزا لفصل الربيع، وكان الربيع رمزا للشباب الذي قد كان، فالأبيات الثلاثة الأُوَل تشي بما يريد الشاعر أن يقوله، ولكن مازال السؤال الذي طرحه العنوان في البداية قائماً، فلم تجب الأبيات عن كنه العنوان والتساؤلات التي طرحها المتلقي حول هذا العنوان " زهرة الليمون" إجابة كافية، وهذا يدل على قدرة " السيد وادي" الشعرية التي تدخلك مرغما إلى فجوات النص ودهاليزه، لتكتمل الرؤية / والرؤيا لدى القارئ. فقد أبانت الأبيات بتركيبها اللغوي الشعري الفريد عن تلك الفترة التي يستدعيها " وادي" من تاريخه الشعري والإنساني، وقد جاءت الأبيات الأولى معبرة بألفاظها وتركيبها وصورها عن مضمونية معناها، فقد استخدم الشاعر ألفاظه التي انبنى عليها هيكل النص، ليكون المبنى مساوقا للمعنى... فقد استخدم الشاعر من الكلمات ما يتساوق مع مقصديته مثل : ( زهرة – الصبايا- غرا- بنات) فتلك المفردات الأربع تشير بتصريح مفعم بالجمال إلى فترة الصبا والشباب التي تكتنف الشاعر في تاريخها، ويكتنفها الشاعر في ذاكرته.

أبارى المروجَ الخُضْرَ طفلاً مُلاعباً
نسيماً على الشطآنِ نرمى المرايا
بكثبانِها الخضراءِ نادمتُ زهرتى
كما نادم الريحانُ فى الليل نايا
بأنقى قلوبٍ قد تراها على الدنا
وأغنى حبيبٍ باخضرار السجايا
يكاد الندى من طيبِ قلبٍ يزفنا
زفافاً إلى أحضانِ تلك العشايا
عشايا من الأحلامِ والطيرُ عارجٌ
وما فى عُرُوجِ الروحِ إلّا مُنَايَا
حالة عشق تتبدى ما بين " زهرة الليمون" وبين الشاعر، هذا العشق الذي انبنى في مخيلة القارئ جراء تلك الصور البديعة التي ابتكرها " وادي" وأتت متفردة في خلقها الإبداعي، وتركيبها اللغوي، ولعل الصورة الشعرية وخلقها في أفق النص أكثر ما يتمايز به الشعراء، فالصورة/ الرمز الشعري مرتكز لهذا الجنس، وعلامة سيميائية له، بها يتعالى على سائر الأجناس الأدبية، وأظن: أن " السيد وادي" أتى بصور شعرية متلاحقة وكأنها عزف أوبرالي متفرد، ولا غرو في ذلك، فقد جعل " وادي" من الدوحة التي أطلق فيها مشاعره مسرحا تتلاحق عليه الصور الشعرية في مشهد تمثيلي مهيب يتراءى للمتلقى عبر قناة أيقونية/ بصرية تنبثق من فرادة التصوير الشعري الذي يتميز به " وادي". وتلك الصور تتهادى أمامك وكأنك تراها ( أباري المروج الخضر- كما نادم الريحان في الليل نايا- يكاد الندى من طيب قلب يزفنا- عشايا من الأحلام والطير عارج) ولم يكتف " وادي" بعرض تلك الصور وحسب، ولكنه استحضر مع تلك الصور التي تتراءى على المسرح / الدوحة خلفية موسيقية ليكتمل بهاء الصورة الشعرية في قوله:
يكاد الندى من طيبِ قلبٍ يزفنا
زفافاً إلى أحضانِ تلك العشايا
استحضار كامل ممسرح لطقوس الزفاف، التي تستلزم مشهدا تركيبيا من الصوت والصورة، ولكن " مفردة الزفاف" تستدعي وبالضرورة – الوقوف عند كلمة " العشق" التي ابتدأت بها الفقرة السابقة، هل عشقه لزهرة الليمون يستدعي استحضار الزفاف كطقس احتفالي اعتدناه أن يكون في أعراسنا، أظن أننا أمام سؤالٍ مُلْغِزٍ آخر يدعونا للتنقيب في بنية النص للبحث أكثر عن كنه " زهرة الليمون" ورمزيتها الي زادت غموضاً وإيهاماً في ختام الأبيات السابقة، فالنص لن يسلم نفسه بتلك السهولة معترفا بمضمونيته ومقصدية شاعره.
مُنىً فوقَ ظهرِ العمرِ تجرى بهادرٍ
وما كان هذا الماءُ إلا بُكَايا
هى النهرُ والريفُ الوديعُ هى الندى
هى الفجرُ فى عينى وكانتْ عَزَايا
ولولا هيامٌ فى فؤادى مُلازمٌ
لأخبرتُ من بالنارِ أَذْكَتْ جَوَايَا
يبدأ "السيد وادي" في اعترافه الذي سيخبرنا عن سر "زهرة الليمون" فيقول" ( منىً فوق ظهر العمر تجري بهادر" فـــ " زهرة الليمون" هي أمنياته وعمره، ثم يتدرج " وادي" في اعترافه ويحلينا من خلال مفردة " الماء" إلى مكان تجري به الأنهار، ربما يحوي هذا المكان شجرة الليمون وزهرتها وتلك الدوحة الكبيرة، ليكشف لنا الشاعر من خلال مفردة تالية عن سر " زهرة الليمون" التي تنفك شفرتها الملغزة بمفردة " الريف ف"وادي هنا عن طريق المجاز المرسل يستخدم زهرة الليمون دلالة على الريف/ القرية التي نما وادي بين أحضانها، فقد أطلق " وادي" الجزء " زهرة الليمون" وأراد الكل " الريف/ القرية" عن طريق تفعيل تقنية المجاز المرسل، فقد أبانت مفردة الريف عن مكنون القصيدة وهي حنين الشاعر إلى موطنه الأصلي الأول، وذكرياته التي تنبعث في ذاكرته، كلما هيجتها رائحة زهرة الليمون، وهذا يدل على براعة " السيد وادي" الشعرية وقدرته الفنية، أن يتلاعب بالقارئ من بداية النص حتى آخره، وهو يبحث عن كنه زهرة الليمون، ثم يصطدم القارئ بتلك المفارقة العجيبة التي تجعل من الريف/ القرية وطنا مُقَنَّعًا بقناع " زهرة الليمون"
فيا زهرةَ الليمونِ يا خيرَ زهرةٍ
أنا من حَشَاكِ أَمْ سَكَنْتِ حَشَايَا ؟!
فَجُودِى لنا من فضلِ عطرٍ تفضلاً
مِن الروحِ كى للروحِ تجرى دمايا
وهُزِّى بعطرٍ فى فؤادى هنا هنا
فما عادَ فى الأعمارِ غيرُ بقايا
وبعد جلاء السر المُلْغِزِ وافتضاح مكنون النص، وكشف قناع الوطن المستتر خلف زهرة الليمون، ينادي " وادي" على زهرته نداءً حقيقيا وكأن زهرة الليمون التي كان ينادمها ويبوح لها بأسراره هي وطن الشاعر، فلئن كانت القرية وطنا للإنسان، فــ " السيد وادي" يصطفي لنفسه وطنا باعتباره شاعرا، ربما لا تسعه القرية، بل لا تسعه الدنيا بأسرها، وتسعه " زهرة الليمون" وطنا.
السيد وادي شاعر كبير بارع في استخدام الترميز الفني، يبتكر من أفق الخيال عرائس شعره، لا يدانيه في ابتكارية الصورة الشعرية والرمز غير شاعر آخر ربما يكون اسمه " السيد وادي" فهو نفسه، لا يقلد غيره، لا يتماهى إلا مع نصه، ذاته الشاعرة حاضرة عبر فنية الإبداع، وقصدية الغرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الأسد: الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة


.. «كنت ملحدًا» خالد الصاوي يكشف تفاصيل أصعب أيام حياته




.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر عماد حسن - الأحد 1


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر عماد حسن: سميرة سعيد من أجمل الن




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر عماد حسن: عملت مشوار ناجح مع أص