الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساموراي والمثلية الجنسية محمود يعقوب .

محمود يعقوب

2022 / 2 / 16
حقوق مثليي الجنس



( أكثر المحاربين بسالة قد ينقلب إلى بهيمة من الأنعام ) .
الساموراي ، هم الرجال العسكريون ، النبلاء ، الذين عاشوا في العصور الوسطى لليابان . أسياد السيف والقوس ، وفرسان اليابان ، ونخبة المحاربين ، الذين أمسكوا بزمام السلطة ، وأثاروا دهشة الناس بمهاراتهم القتالية ، التي نافسوا بها خصومهم لأكثر من ٧٠٠ عام .
ويُشتَق لفظ الساموراي من كلمة ” سابوراو ” في اللغة اليابانية ، التي تعني الخدمة أو الشخص الذي يخدم . وقد بدأوا بالظهور في اليابان ، وتَرْك بصمتهم في بداية القرن الثاني عشر الميلادي ( ١١٠١ ـ ١٢٠٠ م ) ، وأحدثوا تأثيراً في الشعب الياباني عبر تقاليدهم وأفكارهم ؛ حيث يمكن رؤية دلالات ذلك حتى الآن في اليابان ، مع العلم أن نسبتهم لم تكن تتجاوز الـ ١٠٪ من إجمالي السكان اليابانيين في ذلك الوقت .
كان حكم اليابان آنذاك إقطاعيا ، وكانت البلاد مقسّمة إلى مناطق نفوذ عديدة ، ولكل حاكم إقطاعي جيش وأتباع من الساموراي النبلاء ، خاضوا الكثير من الحروب حتى نهاية الحكم الإقطاعي وحكم الساموراي ، وتوحيد اليابان ، بصورة رسمية ، في ظل حكومة مركزية واحدة عام ١٨٦٨ ، التي تُعرف بحقبة ميجي الإصلاحية .
يمارس الساموراي العديد من الطقوس المهمة ، ولديهم تقاليدهم الخاصة ، كما أنهم يتحلّون بأنماط من العادات التي تميّزهم عن سواهم . وأهم تلك العادات المعروفة لأغلب الناس هي : ( البوشيدو ) و ( السيبوكو ) .
بالنسبة لأول تقليد وهو ( البوشيدو ) ، تعني الواجب ، أي واجب الساموراي خلال حياته كلها تجاه نفسه وقائده . وهو تقليد مهم لدى الساموراي ، ويعني أيضاً ، أن يطيع رئيسه أو قائده أو الإمبراطور بإخلاص حتى إن طلب منه إنهاء حياته مثلاً ! . في هذا الصدد ، نقول أن الكثيرين من الكتّاب والمؤرخين ، اختلفوا حول تفسير ( البوشيدو ) أو واجب الساموراي ، وهذا أمر نبتعد الآن عن الخوض فيه .
أما بالنسبة إلى التقليد الثاني ، وهو ( السيبوكو ) ، فهي طريقة في إنهاء حياتهم ، وأداء طقوس الانتحار ؛ حيث يقوم الساموراي به عند الإحساس بالعار أو الفشل في أداء واجبه تجاه قائده ، ومهمته ، وعائلته .. الخ . ويمارس الانتحار عن طريق إقدام الساموراي على شق بطنه بسيف صغير من اليسار إلى اليمين وهو جاثياً على ركبتيه .
في بداية الأمر ، أطلق لقب ( الساموراي ) على الحرس الإمبراطوري المقيم في العاصمة ( كيوتو ) أي الحرّاس المسؤولون عن أمن العائلة الإمبراطورية ، وكبار العائلات من النبلاء . ثم أخذت مجموعة الساموراي تشهد تحوّلات كبيرة مع الوقت ، حتى أصبحت طبقة اجتماعية متميّزة في اليابان .
بدأت فكرة الساموراي الأوائل من كونهم نوّاباً عن السلطات المحلية والإقليمية ، التي أنشأت منهم قوات خاصة للرقابة عُرِفت باسم ” فرق المحاربين ” . وقد تميّزت هذه الفرق بكونها أكثر التزاماً من ناحية التنظيم الأسري . وكان تشكيلها في البداية يستهدف شن حملة عسكرية واحدة ، أو مواجهة خطر محدّق ، ثم ما تلبث أن تُحلّ تلك الفُرق بعد ذلك . ويسمح للمحاربين بالعودة إلى مزاولة حياتهم .
وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي ، جرى تحويل تلك الفُرق إلى مجموعات من المقاتلين ، استخدمتها العشائر والنخب العسكرية في فرض هيمنتها على الأقاليم ؛ مستندة في ذلك إلى قدرات أولئك المحاربين على القتال ، الذين كانوا ملتزمين بطاعة الأمراء من خلال عهود الولاء ، أو التزامات تعاقدية أخرى ، مثل منحهم أراضي أو دخلاً محدّداً مقابل خدماتهم العسكرية .
ومع الوقت ، تحوّلوا إلى طبقة اجتماعية مهمة ، تجمع بين الروح القتالية ، والشجاعة والمروءة ، بالإضافة إلى اتساع دورهم بوصفهم طبقة مثقّفة تلقت التعليم الهولندي . وأصبحوا في عهد الإمبراطور إيدو مُعلمين لبقية الطبقات الاجتماعية الأخرى . ولم يقتصر دور الساموراي على كونهم طبقة اجتماعية وثقافية داخل المجتمع الياباني وحسب ، بل تعدّى ذلك إلى ممارسة الأدوار السياسية والعسكرية في اليابان منذ مدّة تقرب من ٧٠٠ عام . واستمرّ ذلك حتى ثورة الإمبراطور ميجي وبداية عهده الممّتد بين ( ١٨٦٨ ـ ١٩١٢ ) ، الذي ألغى امتيازاتهم بوصفهم طبقة اجتماعية انقسمت إلى مجموعتين . رفضت المجموعة الأولى الوضع الجديد وفضّلت مقاومته بالسلاح ، وأعلنت الثورة على الإمبراطور ميجي ، ولكن ثورتهم فشلت . وعلى الجانب الآخر ، تقبّلت المجموعة الثانية الأمر ، وأصبحوا من أهم رجال ثورة ميجي ، وقادوا اليابان الحديثة .
وعلى الرغم من التطوّرات والتحوّلات الكبيرة التي طرأت على المجتمع الياباني ، يعتقد بعض المؤرخين أن ” روح الساموراي ” لا تزال بارزة في نظام اليابان وطابعها الخاص المميّز ، الذي تحوّل مع الوقت إلى نمط حياة ، كان ومازال سرّاً مهماً من أسرار تطوّر اليابان ونهضتها الأولى في عهد ميجي ، ونهضتها الثانية عقب الحرب العالمية الثانية .
عرفت اليابان القديمة المثلية الجنسية وكل أشكال الشذوذ الجنسي ، كما يرد في الكثير من الدراسات والمقالات في هذا الصدد . المجتمع الياباني له تاريخ طويل ومعقّد في ممارسة الشذوذ الجنسي .
عندما تسمع كلمة الساموراي ، لا يمكن أن يتبادر في ذهنك أمر له صلة بالمثلية الجنسية . يبدو لك أن ذلك بعيد عن الحقيقة . ولكن الحب بين أثنين من الساموراي ، لم يكن منتشراً على نطاق تاريخ اليابان فحسب ، بل تم تشجيعه أيضاً . إنه موضوع مثير للجدل للغاية ، وقد استكشفه عدد قليل من المؤرخين ، حيث أن هنالك أدلة كافية حول مثلية الساموراي . ( نانشوكو ) ، تعني حرفياً ( ألوان الذكور ) ، وكلمة shudo هي اختصاراً من مصطلح
Wakashudo ( طريق الشباب ) . وهذه المصطلحات تشير إلى الجنس الذكوري في اليابان القديمة ؛ حيث تأثّرت اليابان بنفس التقاليد الصينية . وقد بدأت هذه المصطلحات تظهر في الأدب القديم ، ولكن بشكل أكثر شيوعاً في القرن الحادي عشر .
واحدة من أولى الإشارات القديمة إلى الأعمال الجنسية المثلية في الفنون الأدبية اليابانية ، هي في ( حكاية جينجي ) ، التي كُتِبَت في أوائل القرن الحادي عشر ؛ في أحد المشاهد تم رفض المرأة من قبل البطل الذي ينام مع شقيقها :
” جينجي سحب الصبي بجانبه ، إن الصبي أكثر جاذبية من أخته الباردة ” (1) .
حكاية جينجي مجرد رواية ، ولكن هناك ، أيضاً ، العديد من اليوميات الأخرى من نفس الحقبة التي تحتوي على إشارات إلى الأفعال الجنسية المثلية . يذكر البعض منهم ، أيضاً ، أن الأباطرة كانوا ينخرطون في العلاقات الجنسية المثلية ، لذلك كان ( نانشوكو ) منتشراً بالتأكيد في جميع أنحاء المجتمع . وعلى الرغم من عاطفتهم تجاه نفس الجنس ر، غالباً ما يتزوّج الرجال اليابانيون من النساء . ولكن يمكن العثور على إشارات متعددة تشير إلى أن الاتصال الجنسي مع النساء كان يعتبر ” واجب ” أكثر منه ” متعة ” .
في رواية ” التاريخ السرّي لأمير موساشي ” ، للروائي الياباني جونتشيرو تانيزاكي ، استهلّ الروائي كتابته قائلاً :
” يُقال أن النبيل المحارب يوسوجي كينشين كان يهوى وصفاءه الشبّان . ويُقال كذلك إن فوكو شيما ماسانوري قد حذا حذو ( آي ) إمبراطور السهان ، الذي آثر تمزيق ردن ثوبه على إيقاظ الفتى الغافي إلى جواره ؛ وقد ازدادت نزعات ماسانوري وضوحاً مع كر الأعوام ، وأفضت إلى سقوطه ، في نهاية المطاف . وليس كينشين وماسانوري بالمثالين المعزولين ، إذ يمكن أن تروى حكايات غريبة عديدة حول الحياة الجنسية لرجال عرفهم التاريخ باعتبارهم من الأبطال الكماة ، وقد نشأت عاداتهم ومن بينها اللواط والسادية ، من طريقة حياة المحارب ، وليس من شأننا أن نمعن في استهجانها بمزيد من الضراوة ” (2) .
العلاقة الجنسية بين رجل بالغ وصبي مراهق تمّ قبولها اجتماعياً وداخل مجتمع محاربي الساموراي ، وينظر إليها على أنها جزء طبيعي من الحياة .
اتخذت العلاقة المثلية في مجتمع الساموراي طابعاً ” رسمياً ” ، بات مقبولاً لدى جميع الأطراف على ما يبدو . يقوم الشريك الأكبر سنّاً بتعليم صبيّاً صغير السن فنون القتال ، وفنون الدفاع عن النفس ، وآداب المحارب ، وجميع عادات الساموراي المتعارف عليها ؛ بينما يكون دور الصبي مساعدة سيده ، وخدمته ، بما في ذلك تقديم المتعة الجنسية له . واعتبرت هذه العلاقة مفيدة للطرفين ، وكان من المتوقع أن يكون الشريكان مخلصين لبعضهما البعض . وتستمر علاقتهم على هذا النحو حتى بلوغ الصبي ، حيث يُترك بعدها ليشق طريق حياته بمفرده . والكثير من هؤلاء الصبية تحوّلوا إلى ساموراي أيضاً .
ويتم توجيه الصبية ليكونوا مخلصين لشركائهم في هذه العلاقة ، وإذا حاول رجل آخر أن يضغط عليهم ويستدرجهم ، أو يدنيهم إليه ، كانت النصائح توجّه للصبية بعدم الاستسلام له ، وقطع رأسه إن اضطرهم الأمر لذلك .
ويُشار إلى أن الساموراي كانوا يمثّلون طبقة مثقّفة . كانوا موهوبين في الرياضيات والخط والأدب والشعر ومهارات تنسيق الزهور وأشياء أخرى .
بداية مبكّرة ، في فترة كاماكورا ( ١٢٠٠ م ) ، وبلغ ذروته في Wakashudo ” بدأت ملامح حدود العام ( ١٦٠٣ م ) وهي فترة إيدو (إيدو جيداي) أو فترة توكوغاوا (توكوغاوا جيداي) ما بين ( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٧ ) في تاريخ اليابان ، عندما كانت اليابان تحت حكم توكوغاوا شوغون و ثلاثمائة ديمو إقليمي في البلاد. ، تميزت فترة إيدو بالنمو الاقتصادي ، والنظام الاجتماعي الصارم ، والسياسات الخارجية الانعزالية ، والاستقرار السكاني ، والسلام الدائم ، والتمتع الشعبي بالفنون والثقافة . تم إنشاء الشوغون رسميًا في إيدو (طوكيو حاليًا) في ٢٤ مارس ١٦٠٣ م ، وهو نظام سياسي إقطاعي ” (2) . في هذا الفترة ازدهر الساموراي ، وبدأت العديد من تقاليده، وخاصة فنون الدفاع عن النفس ، مثل الجودو ، والكيدو ، والكندو ، يتم تبنيها من قبل بقية المجتمع ، وأصبح الـ نانشوكو يزداد شعبية بشكل متزايد خارج طبقة الساموراي أيضاً ، خاصة مع صعود قوة ونفوذ الطبقة التجارية التي تبنّت ممارسات المثليين في فترة إيدو ، وخلال هذا الوقت ، غالباً ما كان ممثلو مسرح الكابوكي المسافرين عبر الأقاليم اليابانية يعملون كعاهرات ذكور أيضاً .


* * *
في الواقع ، لم تكن المثلية الجنسية التي اقترنت مع مجتمع الساموراي ، هي من اختراع هذا المجتمع ، بل أن جذورها أقدم بكثير من ذلك . حيث يُعتقد أن هذه العادة نشأت في عصر هييان
( ٧٩٤ م ـ ١١٨٥ م ) في الأديرة . وخلال ذلك الوقت كان من الطبيعي أن يكون للرهبان علاقات جنسية مع المساعدين الصغار ، المعروفين بالشيغو . حيث غالباً ما كانت العائلات ، من الطبقة العليا ، ترسل أولادها إلى المعابد ، إما لتلقي التدريب والتأهيل ، ليصبحوا رجال دين ، أو للحصول على تعليم ترديد الترانيم وحفظ الكتاب المقدّس ، وما إلى ذلك . ويعملون كمساعدين للرهبان في الوقت ذاته . غالباً ما يبدأ هؤلاء المساعدين تدريبهم في سن صغيرة جداً ، أو من ٩ ـ ١١ عاماً ، وفي الأعم يبدؤون علاقاتهم الجنسية مع الراهب فور بلوغهم سن المراهقة ( أي يصبحون جاهزين للأداء الجنسي ) .
كان من الشائع تسمية الراهب ( النينجا ) ، والمساعد ( النابغ ) . ولكن بعد ذلك بدأوا يطلقون على أنفسهم الأخ الأكبر والأخ الأصغر . ووصفوا العلاقة بـ ( رابطة الأخوة ) ، حيث أقسم الزوجان الولاء لبعضهما البعض بشكل طقسي . وفي وقت لاحق قاموا بتوثيق علاقتهم بقسم مكتوب .
كان الجماع بينهم ، في الغالب ، شرجياً . يبدو أن المساعدين تصرّفوا في كثير من الأحيان كبدائل للنساء ، اللواتي حُرّم عليهن دخول الأديرة للاعتقاد بأنهن نجسات .
قام بعض الرهبان بإزالة حواجب مساعديهم ، الأمر الذي كانت النساء اليابانيات معتادات عليه في ذلك الوقت . كما كانوا يحثّونهم على وضع مساحيق التجميل على وجوههم ، وكذلك ارتداء الملابس النسائية ، على الرغم من أن الأولاد الصغار يبدون في مظاهرهم مشابهين للإناث أصلاً .
إلّا أنهم لم يكونوا مدرّبين على تقليد سلوك الإناث ، ولا يتحدّثون بطريقة أنثوية . علاوة على ذلك أنهم تدرّبوا على عزف الفلوت ، وبعض الفنون الأخرى ، التي تجعلهم مثيرين جنسياً في نظر الرهبان .
في التقاليد اليهودية ، والمسيحية ، والمسلمة ، تُحظر المثلية الجنسية ،ولكن في اليابان حيث الترويج للمثل البوذية والكونفوشيوسية للإذعان والولاء والتفاني ، تم قبول العلاقات من نفس الجنس ، ومنذ فترة هييان ( ٧٩٤ ـ ١١٨٥ ) اشتهرت المعابد والأديرة البوذية العديدة في اليابان ، المكتظة بالذكور ، والتي كانت تلوح معزولة عن بقية المجتمع على نطاق واسع ، باعتبارها بؤرة لعلاقات المثليين ” (3) .
يُقال بأن الكهنوت البوذي ، ومن ثم طبقة الساموراي في اليابان ، أنشأ كلاهما رؤية لجسد الأنثى بطريقة تقلّل من جاذبيتها إلى الحد الأدنى .
وعلى الرغم من أن تقليد المثلية الجنسية في اليابان ، بدأ مع الرهبان ، إلّا أنه لم يمض وقت طويل حتى انتشر بين مجموعة مجتمعية قوية أخرى ، هي الساموراي ، بعد اكتسابهم السلطة في اليابان ، وباتوا يمثلون الطبقة الحاكمة في نهاية القرن الثاني عشر . وذلك يعود إلى سبب جوهري هو تلقي الكثير من الساموراي التعليم في الأديرة ، إضافة إلى النقص الواضح في عدد النساء في تركيبة البنية السكانية للمجتمع الياباني آنذاك .
” كان الشذوذ الجنسي طريقة حياة محترمة وتقليدية لمحاربي الساموراي لقرون ، أعتبر نمط حياتهم الشاذ جنسياً مفيداً للمحاربين الشباب الذين يعلمونه الفضيلة والصدق وتقدير الجمال ، على عكس حب النساء ، الذي يتم إلقاء اللوم عليه ، لانعكاسه على تأنيث الرجال ” (4) .
كانت العلاقة Shudo شائعة بين الساموراي ، كما هو الحال في الأديرة .سرعان ما أصبحت بين الساموراي وتابعه المراهق عزيزة إلى حدّ كبير ، ولم يُنظر إليها على أنها مجرّد علاقة مادية ، بل يُنظر إليها من جوانب أخلاقية وروحية أيضاً . يتم وصف العلاقة بينهما على أنها
” كان من المفترض أن يقدّم المُحِب الذكر البالغ ( يُسمّى نينجا ) الدعم الاجتماعي والدعم العاطفي ونموذج الرجولة للصبي . في المقابل ، كان من المتوقع أن يكون الصبي جديراً بحبيبه من خلال كونه طالباً جيداً لرجولة الساموراي . وقد تعهّدا معاً بالتمسك بالفضائل الرجولية المعروفة لطبقة الساموراي : أن يكونا مخلصان ، وثابتان ، ومشرّفان في أفعالهما . كان تقليد ( نانشوكو ) بالفعل شيئاً رائعاً ومقدّساً لكل من الرهبان والساموراي . ومع ذلك في بداية عصر توكاغاوا ، الممّتد بين
( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ )، توصّل الناس إلى نسختهم الخاصة من ( نانشوكو ) ، فبدلاً من إعادة الروابط الأخوية التي تفتخر بها الطبقات العليا ، تحوّلت إلى البغاء ، حيث أن الذكور الأكبر سنّاً استفادوا من الصبية العزّل ، من دون وعود بالالتزام على المدى الطويل .وتم بناء مناطق متعة واسعة ومذهلة ، حيث يمكن للعميل ، مقابل ثمن ، الاستمتاع بصحبة شريك أنثى أو ذكر لبضع ساعات من دون الالتزام عاطفياً .
سرعان ما أصبح البغاء مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمسرح الكابوكي أيضا ، وازدهر في أجنحة المدن مع هذه المسارح . ويمكن إرجاع أصل دراما الكابوكي إلى التمثيليات والرقصات التي تؤديها النساء في كيوتو ( العاصمة ) في وقت مبكّر من القرن السابع عشر . وقد سُميت هذه المسرحيات ( كابوكي النسائية ) ، ولكن بعد ذلك ، وخلال فترة قصيرة تم استبدال النساء ، ليتحوّل الكابوكي إلى ( واكشو ) الشباب ، حيث يُشارك في التمثيل الشباب من الذكور والرجال فقط . حيث منعت الحكومة ، رسميّاً ، النساء من العمل في مسرح الكابوكي بسبب العنف بين الرجال ، في تنافسهم للفوز بهذه النسوة الجميلات .وقد اكتسبت نسخة ( واكشو ) شعبية كبيرة لدرجة أن هذه الكلمة انتقلت من معنى ذكر مراهق لم يكن بالغاً بعد إلى معنى ذكر مراهق أثار اهتماماُ جنسياً لدى الذكور البالغين . وقد احتفظت هذه النسخة بشعبيتها حتى تم حضرها أيضاً ، لنفس الأسباب مع الإناث ، إذ سرعان ما بدأ التنافس بين الرجال يزداد ضراوة من أجل الاستئثار بهؤلاء الشبان .



* * *

لم تكن الأفعال الجنسية المثلية نفسها شائعة في عصر توكاغاوا فحسب ، بل كانت الرسومات وغيرها من الأعمال الفنية التي تصوّرها منتشرة في كل مكان أيضاً . في معظم الصور المرئية تم عرض الرجال البالغين ( عادة الساموراي أو الرهبان ) وهم يشاركون في عمليات جنسية مع
( عاهرات ) من المراهقين الذين تغطي أجسادهم القليل من الملابس . عادة ما يرتدي البغي ـ الصبي كيمونو أنثى ، ويظهر بتسريحة أنثى ، ومتبرّجاً مثلها تماماً .
وكان للأدب نصيباً من هذه الظاهرة الجنسية في اليابان . فقد تم نشر الكثير من القصص المتنوعة التي تخص الموضوع في تلك الفترة ، بدءاً من الحب الأخوي إلى الأوصاف الجنسية وتصويرها .
خلال فترة توكوغاوا ( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ ) كانت قصص المثلية شائعة ، وكان الاختلاف الأكبر هو أن هذه القصص لم تكتبها أو تقرأها النساء ، بل هي جزء من ثقافة الرجال . ويشير المؤرخون إلى هذه القصص بأنها chigo monoga tarig أو قصص chigo وكثيراً ما تضمّنت قصصاً عن الحب الحقيقي للساموراي أو الرهبان ورفاقهم من الشبّان المراهقين . ومن أشهر تلك الكتب :
Nanskoku okagami من تأليف ( إيهارو سايكاكو ١٦٤٢ م ) ، وهو كتاب من مجموعة أربعين قصة ، تصوّر العلاقات المثلية للذكور في عصر توكوغاوا ، نصفها بين الساموراي وعشّاقهم المراهقين ، والنصف الآخر حول البغايا الصغار الذين يعملون في مسارح الكابوكي .
في قصص الساموراي ، تم تصوير علاقة ناتشوكو على أنها علاقات حب مثالية بين الساموراي والشباب ، تثير الإعجاب ! . تمّت كتابة هذه القصص لغرض تعليم القرّاء طريقة
( نانشوكو ) وما يجب على المرء أن يفعله عندما يرغب في أقامة مثل هذه العلاقة . من ناحية أخرى فإن قصص الكابوكي هي أكثر روح دعابة ، وفي المقام الأول كُتبت لأجل الترفيه عن القاريء . وما تشترك فيه جميع القصص هو أنها تركّز بشكل أساسي على الشباب ، الذين يتم وصفهم جميعاً على أنهم وسيمون ورشيقون ، ولديهم صفات أنثوية جذّابة .
غالباً ما يكون الشباب خاماً .. كانوا نماذج الجمال الجسدي ، وتتوافق سماتهم مع مجموعة من الأشكال التقليدية ، والتي يمكن استخدام بعضها كأمثلة للإشارة إلى الجمال الأنثوي .
لم تقدّم هذه الصور المثالية فقط الحافز الجنسي للقارئ الذكر البالغ ، ولكنها قدّمت أيضاً معياراً لتقييم سحر الشباب في الحياة الواقعية .
ويمكن القول ، بشكل عام ، أن ثقافة المجتمع الياباني إبان تلك العهود ، كانت تشجّع على ممارسة الجنس المثلي ، فهو في نظرهم يجعل الرجل أكثر قدرة وتحمّلاً وذكورة . كان هنالك من يرى أن ممارسة الجنس مع النساء له تأثير أنثوي .
” في ثقافة الساموراي لم يكن ثمة مكان للحب ( الأنثوي ) ، والعلاقات الحميمة كانت مرتبطة بالسرّية ، وبالضعف أيضاً . وكان الزواج نوع من الارتباط بين العائلات ، وكأنه نوع مبكّر من الارتباط بين شريكين ” (5) .
” كان الساموراي يتزوجون لأنهم بحاجة للإنجاب وزيادة أعدادهم ، وخاصة عندما أصبحوا طبقة اجتماعية مهمة وكبيرة . وفرض عليهم وضعهم الاجتماعي أنهم ليسوا أحراراً في فعل ما يحلو لهم ، على الأقل فيما يتعلّق بالزواج . ووفقاً لأمينة متحف إيدو طوكيو ( هيسا كوهاتا ) ، فإن الزيجات في عصر إيدو ( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ ) تم ترتيبها مسبقاً بشكل عام ، وكان زواج الحب أمراً نادراً للغاية ” (6) .
المراجـــــــــــع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : موراساكي شيكيبو ، حكاية جينجي ، ترجمة كامل يوسف حسين ، أـبو ظبي ، ٢٠١١ .
(2) : جونتشيرو تانيزاكي ، التاريخ السرّي لأمير موساشي ، ترجمة كامل يوسف حسين ، دار الآداب ، بيروت ـ لبنان ، ١٩٨٩، ص٢١ .
(3) : Daman Flanagan . The Shifting Serual Norms in japan , The Japan Times Culture , Nov 19 , 2016 .
(4) : A Brief History of samurai Homosexuality , katanaswords.info
(5) : د . علاء علي زين العابدين ، الساموراي فكر وحياة ، وكالة سفنكس ، القاهرة ، مصر .
(6) : عبير السيد ، حقائق صادمة قد لا يعرفها الكثيرون عن الساموراي ، ٢٠١٩ ، موقع عربي بوست ، إنترنت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهم النصائح لحماية الأطفال من خطر الرهاب الاجتماعي


.. معاناة السوريين بين نار العنصرية في لبنان وجحيم الحرب في ب




.. نافذة إنسانية.. تحذيرات من عودة المجاعة إلى شمال قطاع غزة


.. تجدد المظاهرات المطالبة بإبرام صفقة تبادل الأسرى في تل أبيب




.. الأمم المتحدة تدرج قوات الأمن والجيش الإسرائيلي ضمن قائمة من