الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس علما للعراق

حمزة الجواهري

2006 / 9 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إنه علم لحزب أسوأ من الفاشية، علم البعث، وأنا كشاهد اقسم بالله العظيم أن أقول الحق على ما تم تحت هذه الخرقة الملوثة بدماء العراقيين، سأحاول أن أدلي بشهادتي عما تم تحتها من آثام، فأنا كشاهد أقسمت على قول الحق، سأقول ما لم أشهده بنفسي قبل أن أقول ما شهدته.
للحق أنا لم أكن جنديا في جيوش البعث لكي أرى بنفسي حروب صدام مع دول الجوار والعالم، ولكني شاهدتها على الفضائيات وقرأت عنها وسمعت من أهلي والأصدقاء، كلها كانت تحت هذه الخرقة المشؤومة.
ولم أرى بنفسي ما جرى تحت العلم من عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية وتغيير للبنية الديمغرافية في الجنوب العراقي وكوردستان، ولكني قرأت وسمعت وشهدت على الفضائيات.
ولم أرى أيضا كيف تم قمع الانتفاضات الجبارة لأبناء الشعب العراقي وهي تثور بوحه البعث ونظامه الدكتاتوري الهمجي مما خلف مئات المقابر الجماعية لأناس قتلوا تحت هذا العلم الأغبر الكالح اللون ونظير الشؤم لكل من يراه، لكن شاهدت المقابر بعد أن ولى البعث إلى مزبلة التاريخ.
ولم أكن شاهدا على موت المنظومة الأخلاقية وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة يوم تولى الدكتاتور مطلق الحرية والصلاحيات، وكان كل من في العراق، إما عبيدا أو متمردين خارجين على نزوات الدكتاتور المريضة، تلك الأخلاق التي كانت أهم وأكبر هدف للنظام الدكتاتوري الهمجي، لأنه لا يستطيع العيش والتنفس في بيئة أخلاقية نظيفة، وها هم فلوله خير شاهد على همجية وبهيمية ودموية وسادية ودونية البعث، وشاهدت بنفسي جثة الأخلاق مسجاة على الطرقات في بلدي.
في تلك الأيام لم أكن في العراق، فقد هجرت الوطن بحثا عن حرية حتى لو كانت منقوصة، لأن من يترك الوطن عليه أن ينسى المعنى الكامل للحرية، فأنا لست كذلك الشاهد الذي لم يرى شيئا، بل الشاهد الذي يؤخذ بشهادته، لأنها من الحقائق التي ما عاد إنسان، وهنا أشدد على كلمة إنسان، لم يرى أو يسمع كل أو بعض جرائم النظام البعثي البغيض، لأن بالفعل مازال هناك أشباه بشر لم يروا ولم يسمعوا، لأنهم صم عمي ولا يفقهون شيئا مما نعرفه نحن البشر، الإنسان السوي الكامل الأهلية.
لكن أنا شاهد عيان على تجويع الشعب العراقي بلا استثناء إلا جلاوزة الجلاد، هذا إذا تنازلنا واعتبرناهم من أبناء الشعب العراقي، ألائك السقط المتاع من كلاب الدكتاتور البعثي الذين كانوا منتشرين في كل السجون والمعتقلات والبيوت والشوارع يعدون على الناس أنفاسهم وهمساتهم، ويحملون آلة القتل البعثي في قلوبهم قبل أن يحملوها بأيدهم القذرة، ألائك فقط الذين كانوا منعمين بخيرات الفراتين وينابيع الذهب السود.
وأنا شاهد كامل الأهلية على مشاهد تخريب البني التحتية للعراق، وأستطيع القول إن ما حدث تحت هذه الخرقة الكالحة كان تخريبا عن قصد وسابق تصميم وإصرار وفي مناطق واسعة من العراق.
تحت هذه الخرقة التي لا أحترمها، ولا أحترم من يحترمها، صودرت أموالي المنقولة وغير المنقولة بعد أن نلت نصيبي من السجون والتعذيب وأنواع القهر، وشاهد على تهجير العائلات العراقية العريقة بدعوى ما أنزل بها من سلطان، وشاهد على نهب حقوق الناس واستباحة أعراضهم وبيوتهم وممتلكاتهم، وشاهد على كل رذيلة من الرذائل التي لم تعرف البشرية لها مثيلا من قبل.
كنت فتى في الرابعة عشرة من عمري يوم انزلوا علم العراق ورفعوا خرقتهم بدلا منه على أنها العلم، كان ذلك في شباط عام 63 من القرن الماضي، وبعد أيام من رفع هذه الخرقة البالية المشؤومة، أدخلت المعتقل وأنا لا أعرف السبب! ضربت ضربا مبرحا وتمزقت ملابسي وجرى الدم من كل مكان في جسدي! ثم ألقوا بي في المعتقل، وأنا لا أعرف السبب! بعد أن أفقت من الغيبوبة، وجدت أمامي هناك خيرة أبناء المدينة، كان أحدهم يخيط لي أزرارا بدل التي تقطعت من ملابسي، وآخر يخيط الثوب الذي تقطع على جسدي من شدة الضرب، وآخر يمسح الدماء ويضمد الجراح، كل هذا جرى لي تحت خرقة البعث وأنا لا أعلم لماذا! صدقوني لم أكن أعلم!!!! كل ما أعلمه هو أن القائمقام الذي تولى بنفسه عملية التعذيب وهو يردد كلمات قبل أن ينهال علي بالضرب المبرح بعصا غليظة، كان يردد "إمسك الحبل وأشدد من........" فيزمجر...... ثم ينهال ضربا على جسد بض لفتى لم يزل في الرابعة عشرة من عمره! لقد كان طويلا، بل أكثر طولا من الخزانة التي كان يقف إلى جانبها، ضخم الجثة قبيح الوجه كريه، كل شيئ فيه كان كريها، ويزداد قبحا وهو يردد مزمجرا تلك الكلمات التي فهمت أنها بيتا شعريا للجواهري ينصح به عبد الكريم قاسم الذي لم يأخذ بالنصيحة كعادته، ولم أكن أعرف لماذا كان ينصح، ولا من هو المقصود بالنصيحة، فكيف لي أن أعرف علاقتي بهذا الموضوع؟!
لقد كان الدرس الأول لي بالسياسة، وأنا رجل أدنوا من الستين، أشهد أني مازلت حين أكتب أو أرى بعثيا أو تلك الخرقة التي يسموها علما، أحس بوقع تلك العصا وهي تمزق جسدي.
من منا لم يعرف صدام كونه منافقا أفاقا دجالا خبيثا دونيا وجبان؟ وهو الذي كتب شهادة تمثلت بكلمة "الله أكبر" على تلك الخرقة المشؤومة، فهل يؤخذ بشهادة من هو بكل هذه الصفات التي عرفناها؟ وهل رفعها سيقلل من شأن الخالق؟! أم هو النفاق لمن يريدون مصادرة العراق من فرسان المحاصة؟ مسيلمة الكذاب كان يقول "الله أكبر" أيضا!
ثم ما الذي في هذا العلم يمثل أو يرمز للعراق لكي نستطيع القول أنه رمز وعلم؟ فليس فيه ما يرمز للفراتين، ولا فيه ما يرمز للحضارات التي علمت الإنسانية أول الكلمات، وعلمتهم الكتابة والقراءة ومعنى النظام، وصنعت لهم العجلة والدواء ومشرط الجراح! وليس فيه ما يرمز أو يعترف بوجود قوميات متآخية في العراق، وليس فيه ما يرمز إلى أن البعث، الذي استباح العراق أربعة عقود من الزمن، قد ولى إلى مزبلة التاريخ ولن يعود أبدا، فلم التمسك به بالله عليكم؟!
فإذا كان الأمر يتعلق بعبارة "الله أكبر"، لنضع علما جديدا ونكتب فيه كل ما يرضي المنافقين الجدد من فرسان المحاصة الخبيثة.
رئيس فدرالية كوردستان مسعود البرزاني لم يكن نصيبه من التعسف تحت هذا العلم أقل مني، فكيف يحترم الدولة التي هو أحد أقطابها وهي ترفع هذا العلم؟ في حين يطلب منه أن يقف إجلالا للعلم الذي هو رمزا للدولة! فهل يستطيع إنسان حقيقي صادق مع نفسه أن يحترم هذه الخرقة المشؤومة ويعتبرها علما للعراق العظيم؟
خلال القرن الماضي كان للعراق أربعة أعلام، وخلال تاريخ العراق القديم قدم الإنسانية كان للعراق خلالها ألف علم، فهل توقف التاريخ لكي نبقى نقدس ما نحتقر ونكره؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة