الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساحرة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)

2022 / 2 / 17
الادب والفن


هواجس السيد نون
٣٣ - الساحرة

في الغرفة رقم ٢٢ في أحدى ضواحي المدينة، يقضي أمسياته وحيدا، يحدق في الجدران العارية .. يحلم .. يقضي الساعات الطويلة مستلقيا على السرير، يتأمل السقف، ويتخيل النجوم والشموس والاقمار في رحلتها الأبدية عبر السقف الواطئ، من زاوية لزاوية ويتساءل، ماهو الشيء الذي يمكن أن تكون له أهمية في حياة انسان ما لدرجة تجعله يواصل الإستمرار في الإستيقاظ والنهوض كل صباح طوال عشرات السنين دون ملل؟ أي شيء تكون له هذه الأهمية لمواصلة ممارسة هذه الحياة التافهة، في عالم يموت فيه البشر مثل الذباب في كل بقاع الأرض؟ هذه تساؤلات روتينية ويومية بعد القهوة وسيجارة الصباح، تساؤلات سرعان ما تختفي وراء تساؤلات واهتمامات أخرى. ذلك أن الحياة بكاملها تدور في ذهنه الذي يبدو أنه هو خشبة مسرح واقعه الوحيد. وقد توصل في بعض الإحيان إلى نوع من الإجابة أو جزء من الإجابة على هذا النوع من الألعاب الفكرية التي يمارسها لتقضية الوقت، غير أن حلوله الواهية تحتاج إلى سنوات عديدة وربما حيوات عديدة، وقد تمكن من التوصل إلى هذه النتيجة الفاجعة ذات يوم بينما كان يحاول أن يحفر خندقا صغيرا بحثا عن شيئ ما رآه في الحلم، شيء يشبه علبة كبيرة أوالصندوق. الشيء الوحيد المهم في هذا العالم هو "الأشياء"، الأشياء كما هي، كما تترائى لنا، علينا مراقبتها والتركيز عليها وإصطيادها وعدم تركها تفلت من وعينا أو تتسرب من ثقب ما نحو العدم. الفكرة في حد ذاتها تستولي عليه لدرجة منعته من رؤية ما يدور حوله، وينسى الوقت والناس والمكان. ثم يرتدي ملابسه بعد أن يكون قد أخذ كفايته من التفكير والملل، ويخرج إلى الشارع. ويقابل أول شخص في محطة الباص، حين تبدأ رحلته اليومية ويبدأ في ممارسة رياضته المفضلة، التحديق في وجوه المواطنين، العجائز والعمال والعاملات المرهقات بالملل والتعب اليومي، ينظر إلى الوجوه المسلوبة السعيدة الكريهة أو المسالمة، ينظر إلى الأعين التي لا تستطيع مقاومة النعاس، العيون المطلية بالأصباغ، العيون ذات الدوائر الزرقاء، العيون الزجاجية التي تشبه إلى حد كبير عيون الكلاب. يعاين الوجوه والأقدام والملابس، ليتفادى نظراتهم المرتبكة. ويواصل رحلته الصباحية في عربة القطار، لم يكن وحيدا، أمامه امرأة لايستطيع تقدير سنها، مثقلة بالأصباغ والملابس الغريبة والاساور والقلائد، تدخن سيجارة طويلة بأصابعها المقفزة، تقول شيئا ما بصوت منخفض كأنها تحدث شخصا آخر بجانبها. يحدق من النافذه ليتفادى نظراتها النفاذة، رائحة ما جذبته إلى عالم غريب، كاد يفقد وعيه لحظات من التعب وقلة النوم. المرأة تبدو كما لو كانت تتحدث إليه، ولكنه لا يستطيع أن ينطق بحرف واحد، ولم يكن يميز كلماتها، لايريد أن ينطق بحرف واحد، فيرد عليها بابتسامة واهية، ويعاود الخروج من زجاج نافذة القطار، حيث المطر، النهرالذي يختفي بعيدا وراء المباني المسودٌة، هناك بعيدا حيث تختفي الحجرة رقم ٢٢ في نهاية ممر طويل مظلم.





التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي


اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي



.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان


.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال



.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG