الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مواطنة الخم.. للدجاج أيضا حقوق(!).

عبد الإله بوحمالة

2006 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


كلنا مواطنون صالحون شرفاء أبناء مواطنين صالحين شرفاء، بالفطرة والوراثة والتربية، حتى قبل أن تصبح "المواطنة" مادة مقررة في المنهج التعليمي، وحتى قبل أن يتحول مفهوم الوطنية إلى مفهوم مواطنة لا يدل على شيء كثير سوى شهادة الميلاد وحسن سيرة وسلوك وصحيفة سوابق بيضاء.
ليس فينا من يستهويه اقتراف خيانة في حق الوطن، وليس منا من يبيع وطنه أو يتآمر عليه أو يشتغل ضده بعمالة لصالح أي جهة من الجهات الأجنبية.. ننبذ الإرهاب ونحترم القانون والنظام العام ولا نخرب الممتلكات العامة..
معظمنا يؤدي واجباته تجاه الوطن بلا تردد أو تملص أو تحايل.. نسمع نداء الواجب فنلبيه بالغالي والنفيس.. نذود عن كرامته وعزته ونفتديه، أن اقتضى الأمر، بالدم والروح، ولسنا أقل من أحد في هذا.
نحب تراب هذا الوطن حبا صوفيا ونهيم به عشقا ونرتبط به بآصرة لا تنفصم عراها مهما بعدت الشقة وطال الزمن ومهما تعاقبت الأجيال..
نفتخر بالرموز الوطنية ونقف إجلالا للعلم في الملاعب وأيدينا على قلوبنا من الانفعال الصادق.. نردد الشعار ونحفظ كلماته عن ظهر قلب كلمة كلمة، ونرفع عقيرتنا عاليا للتأكيد على المقطع الأخير بالذات لأنه هو الخلاصة..
نفرح أو نبكي سرورا وغبطة حينما يحقق أحد منا إنجازا عالميا في الرياضة أو الفن أو العلم أو الأدب ويرفع بإنجازه العلم في سماء الدنيا خفاقا، لأننا نعتبر لحظتها أنه يمثل الوطن ويمثلنا ويبرز وجهنا المشرق المبدع للآخرين..
نحترم القانون والذين يمثلون القانون والمؤسسات، ونرعى للسلطة والعدل هيبتهما.. نوقر ذوي البذلات الرسمية والعسكرية بكل ألوانها ومعانيها من أكثرها تقليدانية إلى أكثرها حداثة ونضع الجميع في الموضع اللائق بهم..
نجعل القضايا الكبرى "المصيرية" في قلوبنا وفوق رؤوسنا ونعدها في حكم المقدسات والمسلمات والأولويات.. نبصم بالأصابع العشرة على أي اختيار يتخذ لمقاربتها بلا مناقشة أو تخاذل، ونسلم الزمام كليا لمن نعتبر أنهم أهل ثقة وعلم وفهم وخبرة.. لا نشارط أو نزايد أو نقايض على إجماعنا ودعمنا..
نبجل الدستور، ونبجل من يبجلهم الدستور، ونعطي لكل ذي حق حقه وزيادة.. ننحني للكبير والصغير والمسؤول الخطير وحتى البواب في مؤسساتنا العامة والمكاتب والإدارات المحلية، ونكاد نقبل يد الشرطي البسيط في مفترق الطرق..
نتطوع ونتبرع ونبادر في المحن والشدائد لأننا نعتبر الوطن جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو يجب أن يتداعى له الباقي بالسهر والحمى وكل ما تملك اليد..
نتعاطى للسياسة بكل إيجابية، ونشارك في الاستفتاءات والانتخابات والاكتتابات.. نرفض العدمية والانعزالية والتشاؤم، وننظر إلى الأمور بمنظار الواقع والوعي المتفائل والإيمان بالمستقبل.. نعتبر العثرات ضريبة لازمة للتعلم والانحرافات سبيل ممكن للتصحيح والتقويم والاستدراك والتقدم..
نصبر على الملمات والشدائد والامتحانات ونتجاوز عن تجاوز المسؤولين بصبر لا ينضب، نعذرهم إن أخطأوا في حقنا، ونجد لهم من عندياتنا ألف عذر وعذر.. نصدقهم حتى ولو ادعوا وغالطوا وموهوا وكذبوا كذبا مفضوحا سافرا أبلقا..
لا نلهب ظهورهم بسياط المطالب التعجيزية والأحلام المترفة، ولا نضعهم في ميزان مقارنات مجحفة مع نظرائهم في بلدان قريبة أو بعيدة.. نعرف جيدا أننا لسنا في السويد أو سويسرا بالقدر الذي نعرف فيه أيضا أن المغرب ليس صخرة ملساء على قرن ثور..
ولا نضع العصا في العجلة، ويهمنا أن تنطلق وتدور وتتقدم.. ولا نفترض سوء النية مسبقا في مسؤول أو في سياسة أو في مخطط اقتصادي.. إن قيل: "مغربة"، نقول: اللهم آمين.. وإن قيل: "خوصصة"، نقول: اللهم آمين.. وإن قيل: "عولمة وسوق حرة وأمريكا"، نقول أيضا: اللهم آمين و"بها" نستعين..
يرضينا من طن الكلام كمشة فعل، ومن الوعود الكثيرة الوفاء بأقلها، ومن العزم بعض همة، ومن الحزم قليل من العدل والإنصاف..
هذا هو شأننا وديدننا مع الوطن الذي نحبه ونعيش فيه وبه ومن أجله.. وهذه هي الطريقة التلقائية التي نعرب بها عن هذا الحب في زمن أصبحت العمالة أسلوبا والخيانة وجهة نظر..
لذلك فمن حقنا على هذا الوطن ـ في المقابل ـ ألا نجوع فيه ولا نعرى، ولا نمرض ولا نتشرد ولا نسكن الصفيح والغيران والشقوق..
من حقنا أن نتعلم تعليما صالحا مفيدا عصريا، نخرج منه بعلم ومعرفة ومهارة، ونتسلح منه بسلاح وننتهي منه إلى غاية..
من حقنا أن نجد في هذا الوطن شغلا كريما وعملا شريفا نحقق به ذواتنا ونفرغ فيه طاقاتنا ونسد به رمقنا ونبني به حياتنا ومستقبلنا، ونحيا من خلاله حياة آدمية كريمة..
من حقنا أن نحس ونعيش الأمن والأمان وننعم بالحرية بجميع معانيها سواء حرية التنقل أو حرية الفكر والمعتقد أو حرية التعبير..
من حقنا أن تصان كرامة الإنسان فينا فلا نجلد على قارعة الشوارع والساحات، ولا تكسر ضلوعنا ولا تشج رؤوسنا بالهراوات، ولا نهان ولا نضام ولا نساق كالأنعام، ولا نطارد ولا نختطف ولا نعذب في المخافر والسجون..
من حقنا ونحن في القرن الواحد والعشرين ـ قرن العلم والمعرفة ـ أن يكون لنا أجهزة أمنية عصرية متعلمة مثقفة، بفلسفة أمنية حقوقية أخلاقية متحضرة، وبعدالة فوق عدالة السوط والإرهاب والتعسف والتنكيل والذبح..
من حقنا أن نجد الآذان الصاغية والعقول المنتبهة والمخاطب المتواصل الذي يمشي بين الناس، فلا نضطر لحرق أجسادنا من أجل إيصال رسالة دخانية لمسؤول نائم في الأبراج العاجية..
من حقنا أن نجد فسحة للأمل وكوة صغيرة للضوء ومنفذ أوكسيجين يحصننا من الاختناق واليأس والإحباط فلا نرمي بأجسادنا في البحر فرارا من وطن نكيل له الحب ويرد علينا بالتجهم والعبوس والازدراء..
من حق بناتنا وأخواتنا ألا يُدْفَعْنَ بسبب الفاقة والظلم الاجتماعي لبيع أجسادهن في سوق المذلة والهوان من أجل لقمة كفاف أمَر من السم والحنظل لكلاب اللحم البشري المسعورة في كل مكان..
وأخيرا..
أخيرا، من حقنا، نحن المواطنون الصالحون الشرفاء أن نحس، كبقية مواطني العالم، أن هذا الوطن وطننا أيضا، وأن لنا فيه حق وصوت ومكان، وأننا لسنا مجرد دواجن في مزرعة يملكها زمرة مواطنين ميزتهم الوحيدة أن الاستعمار المأبون تركهم بيننا مواطنين فوق العادة..
فحتى في مواطنة الخم للدجاج أيضا حقوق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم