الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُعْتمَد أدب -العالم الثالث- المُكرَّس المُضاد

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2022 / 2 / 17
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في كتابه المعنون: "في النظرية، طبقات أمم آداب"(*) يخصص إعجاز أحمد الفصل الرابع من الكتاب لنقد رواية سلمان رشدي "العار" التي كتبها عام 1983 وترجمها عبد الكريم ناصيف إلى العربية. ويقدم الفصل الرابع من قراءة إعجاز أحمد تحت عنوان: "رواية "العار" لسلمان رشدي ، الهجرة ما بعد الحديثة وتمثيل النساء" حيث يشير إلى ما يسمى معتمد مكرس متروبولي غربي (قانون إيمان جديد) لتصنيف أدب العالم الثالث ، حيث يمنح الامتياز لأنواع معينة من الكتاب والنصوص والأجناس والأسئلة تجري الان بصدد "أدب العالم الثالث" هي أن تقدم شكلاً مناسباً للتجربة القومية (يفضل ان يكون هذا الشكل أمثولة لكنه يمكن أن يكون ملحمة أيضاً أو حكاية خرافية أو أي شيء آخر) لذلك فإن سلسلة الأسئلة التي يمكن أن تطرح في شأن النصوص التي هي الآن في سيرورة اعتماد ضمن هذا المعتمد المضاد المحدد لا بد أن تشير في المقام الأول وعلى هذا النحو أو ذاك إلى تمثيلات الاستعمار، والانتماء إلى أمة، وما بعد الاستعمار وأنماط الحكام وسلطاتهم وضروب الفساد وما إلى ذلك. ولا مجال لإنكار أن هذه الأسئلة هي من بين أسئلة العصر الكبرى. لكنها كلمة حق يراد بها باطل، حيث أن سلسلة كاملة من النصوص "العالم ثالثية" التي لا تطرح تلك الأسئلة المحددة بأي طريقة بارزة يجب ان تقصى من هذا المعتمد المضاد الناشئ، تقصى من هذا التكريس المتروبولي، أو تدفع إلى هوامشه. والأسوأ من ذلك أن سلسلة كاملة من ضروب الأسئلة الأخرى الخاصة بصنوف أخرى من التأثيرات والمواقع التجريبية والانتماءات السياسية للكاتب والتمثيلات الطبقية وتمثيل النساء ضمن النص، وما لا يحصى من هذه القضايا، يجب أن تخضع عندئذٍ لصدارة الأسئلة المجازة والمكرسة من قبل الراصد المتروبولي. يقول إعجاز أحمد: أود هنا أن أتناول باقتضاب كاتباً واحداً هو سلمان رشدي يشغل مكانة مميزة في قمة "أدب العالم الثالث" وكتاباً واحداً فحسب من كتبه هو "العار" سبق أن غدا من كلاسيكيات هذا المعتمد المضاد. ويقول ما لذي يحصل لقراءتنا لهذا العمل حين نغير الأسئلة المعتمدة؟ واهتمامي الأساس ان أقوم بهذا التمرين، ليس للتوصل إلى قراءة وافية سواء للكاتب او الكتاب، في طبعة راديكالية من طبعات النقد الجديد، ولكن لكي أقدّم قراءة تشخيصية لموقع إيديولوجي يمكِّن رشدي من أن يشارك في اللحظة ما بعد الحداثية، وفي معتمد "أدب العالم الثالث" المضاد على حد سواء، إذ يبدو الآن في اعمال الطليعة النقدية الميتروبولية، أن ثمة صلة متزايدة بين ما بعد الحداثة وعمليات الاعتماد والتكريس العالمثالثية. هذه المواقف النقدية تؤطرها السيطرة الثقافية لما بعد الحداثة ذاتها، كما نجد لدى الكتاب الذين تمرّس بهم الاهتمام النقدي الكثير مما هو متلائم مع تلك الضروب من القراءة، وعادة ما يأتي مع تواطؤ وفير يبديه النص.
وتحضرني هنا تلك المقاطع في مقال ليوتار عن "ما بعد الحداثة" حيث يرى أن ما بعد الحداثة هي مجموعة من الميول داخل المراحل الأخيرة للحداثة ذاتها، تتميز أول ما تتميز بالاحتفاء بالعجز البشري عن اختبار الواقع بوصفه كلاً بما يتخطى شظاياه أو يعلو عليها. والموقف من المنفى الاختياري (الهجرة من المحيط إلى المراكز الميتروبولية) هو تحول آخر من هذا القبيل، لكنه تحول متصل بلحظات مميزة تاريخياً ضمن متصل "الثقافة العليا" البورجوازية المتروبولية في قرن الإمبريالية الجديدة.
إن الاحتفاء بالعجز البشري عن اختبار الواقع بوصفه كلاً تاريخياً اجتماعيا هي ردة فعل الثقافة البورجوازية في عصر الامبريالية الجديدة على واقعية القرن التاسع عشر (بلزاك وإشادة ماركس) وعلى حداثة هيغل وإشادته بالعلم المطلق وبالكلية وعلى إحاطة ماركس بالكلية الاجتماعية التاريخية للرأسمالية، ولاحقاً رداً على دراسات لوكاش حول الواقعية وعلى إشادته بالكلية الاجتماعية التاريخية في كتابه "التاريخ والوعي الطبقي".
التحديد الاستعماري لحداثتنا، أحوال ما بعد الاستعمار وضروب فسادها، تصوير فترتي ضياء الحق وبوتو في باكستان، كرمز لزعماء العالم الثالث ودكتاتورييه، أساطير الاستقلال القومي والاستقلال، ميثولوجيات الهند وآلهتها، مهاجرو العالم الثالث في المدن المتروبولية، عالم الإسلام، وما إلى ذلك. وتتنوع أشكال السرد لدى رشدي في الوقت ذاته بما يكفي لأن يستنتج النقاد أنها تنتمي في جوهرها إلى شكل غير غربي عموماً ، هندي خصوصاً، من السرد غير المحاكاتي (التهكمي) المستمد في النهاية من الرامايانا والمهابهارتا ويجسد كما يقول الكاتب الهندي رجاراو الولع الهندي الوسواسي المميز بضروب الاستطراد وسرد حكاية مطولة ، وهذا بالطبع موقف سلمان رشدي في "أطفال منتصف الليل" . لكن الشكل الذي تتخذه تقنيات رشدي السردية لا يدعم فكرة الطابع الهندي الخالص هذا، لأن خطوط النسب المتحدرة من الحداثة الشعرية والأدبية أي المتحدرة من "ما بعد الحداثة" كثيرة جداً، والحال إن العاقبة الضرورية وغير المقصودة غالباً لهذه المقاربات – الاستغراق في تصوير رشدي "للامة" و "العالم الثالث" من جهة وفي المرونة الاستطرادية "ذات الطابع الهندي؟" التي تسم تقنيته السردية من جهة أخرى تتمثل في التعمية على ركائز رشدي الأيديولوجية القائمة في الثقافة الرفيعة للبورجوازية الميتروبولية الحديثة، وكذلك في كبت سلسلة كاملة من الأسئلة لا يربطها كبير علاقة لا بـ "الأمة" ولا "بالعالم الثالث" لكني اعتبرها مركزية تماماً بالنسبة إلى الفحوى الأساس لسردياته. إن فرط الثقافة الحديث وفرط الانتماءات يجري تلخيصه في ثقافة ما بعد الحداثة بمقولة: أن الذات المتشظية هي الذات الحديثة الحق الوحيدة. وقد حمل خيال الحداثة الأدبي الرفيع ما بعد الحديث هذا أفكار الافراط والتمزق.
لقد تم كبت العديد من الشخصيات في أعمال رشدي على سبيل المثال غياب الذكور من العمال والفلاحين والمناضلين السياسيين والانتلجنسيا الوطنية هو ذلك الغياب التام لدرجة أننا لا نجد أي إشارة إلى ما يمكن أن تكون عليه بالفعل علاقة الكاتب التخييلية بهذه الشرائح كلها، ولا يمكن التقاط هذه العلاقة إلا من خلال تحليلنا تمثيله للنساء في اعماله. بعبارة أخرى كثيراً ما أعلن رشدي أنه اشتراكي من نوع ما، حيث يغدو من المشروع والضروري على حد سواء أن نرى ما لذي يبدو عليه هذا العمل "العار" إذا قراناه لا من وجهة نظر الاشتراكية، بل ببساطة من وجهة نظر بعض الطاقات التي تميز مشروعاً تحررياً: ليس في تمثيله الحكام الدكتاتوريين فحسب، بل في تمثيله المُضطَهدين أيضاً.
"يقول سلمان رشدي في مقابلة مع Gentleman: "أنا واحد من الكتاب الذين يؤمنون أن للكاتب وظيفة عامة. هذا يكاد يكون واجباً على الكتّاب الذين يعلمون ما يجري " لكنه يحل من ثمّ مشكل العلاقة (أو انتفائها) بين "اشتراكيته" و "كتابته" بطريقة لافتة. ففي مقابلة مع Third World Book Review على سبيل المثال، يقول: "أصف نفسي بانني اشتراكي، لكني لا أكتب كاشتراكي إلا بقدر ما أكتب كعضو في المجموعة التي تماثلني طول قامة، أو في أي مجموعة أخرى، أنا أكتب ككاتب "، ويعلّق إعجاز بقوله: مشكلة هذه الصيغة أن طول القامة لا يشير في العادة إلى التزامات الفرد الاجتماعية، في حين يقصد بمصطلحات مثل "اشتراكي" أن تشير إلى تلك الضروب من الأشياء بالضبط .. ما العلاقة التي تقوم بين الممارستين، كون المرء اشتراكياً وتأليفه السرديات السياسية؟
في الواقع أثار انتباهي هذا الهامش في قراءة اعجاز أحمد النقدية لرواية سلمان رشدي "العار" والتي تتحدث عن الباكستان بلد سلمان رشدي؛ باكستان ما بعد الاستعمار البريطاني وانسلاخها عن الوطن الأم الهند 1947. أقول بضع كلمات: إذا كانت "الاشتراكية" أن أقول كلاماً يرضي أغلبية أعضاء نادي اشتراكي متماثل الطول؛ "طول الباع" في فهم حقيقة العالمية الاجتماعية التاريخية فأنا مع سلمان رشدي لست اشتراكياً، وإذا كان واجبي ككاتب سرديات أدبية أو غيرها أن أشرح حقيقة العالم القائم في تاريخيته الاجتماعية فأنا كاتب اشتراكي وكذلك سلمان رشدي. وأقول: من قدّم المجتمع على الحق فقد خدم نفسه، ومن قدّم الحق على المجتمع، فقد خدم المجتمع.
(*) إعجاز أحمد: في النظرية، طبقات، أمم، آداب ترجمة ثائر ديب، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الطبعة الأولى كانون الثاني /يناير بيروت 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -