الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المطلبية والمحلية في احتجاجات السويداء

راتب شعبو

2022 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


أعادت المظاهرات التي شهدتها محافظة السويداء في سورية في الفترة الأخيرة، الحديث في موضوع جدوى وقيمة الاحتجاج المطلبي المعيشي، وموضوع الأقليات وخلفيات انحيازاتها السياسية على مسار أكثر من عقد من الصراع المحتدم بعد اندلاع الثورة السورية.
يمكن ملاحظة سمتين عامتين في احتجاجات أهل السويداء، الأولى هي غلبة الطابع المطلبي على موجات الاحتجاج، والذي لخصه أهل السويداء بعبارة "بدنا نعيش" منذ حوالي سنتين. والسمة الثانية هي بروز معالم محلية على الحراك، مثل رفع الراية المذهبية. وكل من هاتين السمتين كانت محل نقد واستهجان من عدد غير قليل من السوريين.
يمكن أن يجادل مراقبون في أن الاحتجاجات كانت سياسية أكثر منها مطلبية لأنها طالبت بالكرامة والعدالة وبدولة مدنية وبإسقاط النظام ... الخ، وأن يجادلوا في أن الكلام عن بروز ملامح محلية غير دقيق أو مبالغ فيه، وأن المحتجين رفعوا لافتات تقول "هنا السويداء، هنا سورية". هذا كلام صحيح أيضاً، لكن ما يهم هذا المقال هو مناقشة هذين الملمحين الحاضرين، بصرف النظر عن نسبة حضورهما في هذه الاحتجاجات، على أن ملاحظتنا تقول إن هذا الحضور هو من القوة بما يكفي للحديث فيه.
المطلبية الظاهرة في احتجاجات السويداء تدل، في الواقع، على العمق الشعبي لها، أي على أنها تتحرك بدافع الحاجات المباشرة للناس أكثر مما تتحرك بدفع من نخبة ذات أهداف سياسية، وهذا ما يحسب لها وليس عليها. وإذا كان ثمة نخبة لها دور في التنظيم أو الدعوة فإن هذه النخبة اختارت المطلبية التي تلامس الهموم الاقتصادية المباشرة للناس والتي باتت ثقيلة وباهظة في كل مكان من سورية، أي إنها عنصر توحيد بين السوريين.
من المفهوم أن قرار رفع الدعم عن شرائح من السوريين، جاء تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها طغمة الأسد، وأن من شأن هذا القرار توفير بعض الموارد للسلطة، على حساب الحاجات الأساسية للناس، كي تصرفها في تمويل استمرارها في الحكم، سواء لجهة رشوة خدم السلطة بالفساد، أو تمويل التسلح والميليشيات أو حملات التلميع الإعلامي الموجه للخارج، التي تبرع به مؤسسات غربية تعتاش على هذا النوع من الأنشطة، كما سبق أن كشف الصحفي الأميركي سام داغر في كتابه "الأسد أو نحرق البلد".
الخروج إلى الشارع اليوم للمطالبة بإسقاط النظام لا يؤلم النظام ولا يحرجه، في الحقيقة، بالقدر الذي تؤلمه وتحرجه المطالبة بالخبز والحاجات الأساسية. وصل الصراع ضد طغمة الأسد في سورية، بعد هذا المسار الطويل والمعقد والمتداخل، إلى لحظة باتت المطالب الجذرية قليلة الفاعلية في زعزعة تماسك النظام وزيادة عزلته عالمياً. ولاسيما أن جمهور الاحتجاجات قليل ومحصور، وأن الاحتجاجات لا تشكل منطلقاً لموجه احتجاج تضامني شاملة كما كان الحال في منطلق الثورة.
الأزمة الاقتصادية العامة في سورية اليوم، والتي اعتدتْ على أساسيات حياة الناس، يمكن أن تشكل أساساً مناسباً ودافعا لاحتجاجات مطلبية تجمع المحكومين السوريين بصرف النظر عن أماكنهم وانحيازاتهم السياسية أو عن طريقة فهمهم لما جرى ويجري أو عن مرجعياتهم الفكرية وشكل استيعابهم للعالم أو شكل الحكم الذي يريدون. قد تكون المطلبية هي العلاج "الداخلي" الأنسب للانقسام السياسي السوري العصي على العلاج الداخلي، بعد أن بات هذا الانقسام عميقاً ومترسماً على شكل سلطات أمر واقع، تتعادى وتتساند في عدائها المتبادل. ما يجعل غالبية محكومي الجولاني يسكتون على تسلط "الهيئة" في إدلب ويكبسون الجرح ملح، هو خوفهم من عودة طغمة الأسد لحكمهم، وكذا الحال فيما يخص المحكومين في مناطق طغمة الأسد الذين يرون أن هناك ما هو أفظع مما هم فيه إذا حكمهم الإسلاميون. كما أن مستوى العداء وانعدام الثقة بين السوريين الكرد والفصائل السورية التابعة لتركيا يصعب تجاوزه طالما استمرت هذه السلطات المسيطرة في هذه المناطق. على هذا يبدو أن استمرار حكم طغمة الأسد يشكل سنداً لطغمة الجولاني، والعكس صحيح، أي إن وجود التهديد بحكم إسلامي يشكل اليوم سنداً لطغمة الأسد، كما يشكل التهديد بعودة حكم الأسد سنداً لحكم الإسلاميين.
ومن الواضح أنه في وضع على هذا القدر من الانقسام السياسي في البلد، يكون الأمل باستعادة الوحدة السياسية، نقصد الدولة الواحدة، مستبعداً دون دور أممي فاعل له القدرة على فرض ذاته على السلطات السورية الموزعة (القديم منها والمستجد) التي تبلورت اليوم في سورية، حتى لو اتخذ هذا الدور الأممي شكل الوصاية.
وفيما يخص الملامح المحلية، يمكن ملاحظة خوف مبالغ فيه على الرابطة الوطنية السورية لدى كثير من المهتمين بالشأن العام في سورية تجعل لديهم حساسية خاصة تجاه ظهور أي رابطة محلية على السطح. ويبدو هذا الأمر دليلاً على اعتلال وطني أكثر منه على معافاة، ذلك لأن ما يبرر هذا الخوف هو هشاشة الرابطة الوطنية السورية وضعف الثقة بمتانتها. وقد اعتدنا أن تعني الرابطة الوطنية السورية قمع الروابط الأخرى، بدلاً من أن تكون إطاراً جامعاً يحتضن الروابط كلها بقدر ما يتغذى منها.
لا يبدو لنا أن في رفع البيرق المذهبي في احتجاجات السويداء مثلاً ما يقلل من بعدها الوطني، وقد يكون العكس أقرب إلى الصحة. فالبيرق له قيمة خاصة لدى أهالي السويداء كما لكل جماعة سورية رموزها الخاصة التي تحترمها وتحقق لها حاجة الشعور بالانتماء الصغير ضمن الانتماء الأكبر. هكذا هو الحال في كل مكان يمكن الكلام فيه عن وطنية ديموقراطية وليس عن وطنية تحرسها التابوهات السياسية والأعلام الوطنية وصور الرئيس في كل مكان وكل مكتب. وطنية كهذه الأخيرة هي وطنية عليلة ومحمولة على القمع، وهي إذن شكلية ومرشحة للانهيار ما أن تنكسر قليلاً سطوة الدولة "الوطنية".
في فرنسا، مثلاً، يوجد لكل منطقة وحتى لكل بلدية رمزها الخاص الذي تراه على آليات ومبنى البلدية، دون أن ينتقص هذا من وطنيتها، ولعل العكس أصح.
يبدو لنا أن موجات الاحتجاج في السويداء تشكل في مطالبها ما يقلق طغمة الأسد ويهددها أكثر من المطالب السياسية، وأن الملامح المحلية لا تتعارض مع الرابطة الوطنية السورية، ولعلها تعززها، وأن خروج احتجاجات مشابهة في مناطق أخرى تحت سيطرة طغمة الأسد، هو احتمال قائم، ويمكن أن يعيد الصراع إلى محوره الأساس بين مصالح الناس المباشرة ومصلحة طغمة الحكم، وأن يستعيد الصراع الذي تحول في بازار السياسة الإقليمية والدولية إلى وسيلة في صراعات أوسع لا تعبأ بمصالح السوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات