الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة الاعلام المحايد؟! تحرير الاعلام.

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2022 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


أي تغيير يبدأ بتغيير في الموضوع
سيزار آيرا، روائي من أصل أرجنتيني
Cumpleanos، 2001

.. ان هؤلاء الناس يحسبون اننا نستطيع تغيير امر ما اذا ما غيرنا اسمه ..
فريدريك انجلس



دعك من الخرافة التي تقول ان "الاعلام المحايد" لا يفرق، بل يعرض وجهات النظر بشكل ديمقراطي. الحقيقة ان "الاعلام المحايد" يخضع لجهات التمويل، اي يخضع للفئات القادرة اقتصادياً؛ فمازال تمويل الاعلام يأتي من الآسر الثرية التي تمتلك الشركات العملاقة وشركات الاقراض المالية العالمية "بنوك، مصارف، ائتمان"، المهيمنة على السوق العالمي لصناعة الاعلام، فالفقراء لا يمولون صناعة الاعلام. ومن يملك يحكم، خاصة انه، وباستثناء الاعلام الرقمي، فان صناعة الاعلام شديدة التكلفة، وحجم الاموال الموظفة في صناعة الاعلام "التقليدي" بكل انواعة، الصحافة المقرؤة والمسموعة والمرئية، تفوق اضعاف حجم الاموال الموظفة في صناعة الاعلام الرقمي، اضعاف المرات، ومما يزيد من الميزة النسبية الاعلامية للاعلام "التقليدي" انتشار الامية الابجدية والالكترونية، في ثلاث ارباع العالم، وبحكم العادة والتعود لدى مئات الملايين من المشاهدين على الاعلام التقليدي. هذا بخلاف الفرق الشاسع في ايرادات الاعلانات بين الاعلام "التقليدي" والاعلام الرقمي، فمازال لصالح الاول، رغم النمو الملحوظ في الثاني.
عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!



"السوق الحرة" و "الاعلام المحايد"، وجهان لعملة واحدة!

ان الاساس النظري الفاسد لنظرية "السوق الحرة" هو نفسه الاساس النظري الفاسد لنظرية "الاعلام المحايد" .. منذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي شرع د. ميلتون فيريدمان في تأسيس مدرسة اقتصادية جديدة في جامعة شيكاغو "النيوليبرالية" الاقتصادية، وقد سميت بـ"مدرسة شيكاغو"، اسست هذه النظرية على اساس فاسد، مؤداه ان يترك السوق حراً تماماً من اي تدخل للدولة، وان السوق "لحر" تماماً، سيعدل نفسه بنفسه، قانون "العرض والطلب" وبه سيعالج السوق بنفسه اي تشوهات تشوبه. فساد هذه النظرية انها تخفي – عن قصد – ان ترك السوق "حرً" تماماً من اي تدخل للدولة، هو في حقيقته ترك السوق "حرً" للفئات القادرة اقتصادياً، وليس تركه "حرً" في الهواء الطلق، فكل فراغ يملأ فوراً بالقوى القادرة، اي ان ما تدعيه هذه النظرية من ترك السوق "حرً" لقانون "العرض والطلب"، يفترض ان القوى المحيطة بهذه السوق، هي قوى متكافئة، اي انها تنكر – عن قصد وسوء نية – ان هذه القوى تنقسم الى نوعان، قوى قادرة اقتصادية، وقوى غير قادرة اقتصادياً، وبذا تكون النتيجة الحقيقية والواقعية الوحيدة، عند ترك السوق "حرً" شكلاً، هو مزيد من سيطرة القوى القادرة اقتصادياً على هذه السوق "الحرة تماماً". وهي الحقيقة التى اثبتها، ومازال، كل يوم يمر على تطبيق السياسات "النيوليبرالية" لاقتصادية، في كل بلد من بلدان العالم، بما فيها الدول الاشتراكية/الشيوعية، سابقاً، مثل الصين وروسيا وكل دول اوروبا الشرقية سابقاً. حيث تتمركز كل يوم اكثر ومتواصل الثروة في عدد اقل من الآسر الثرية، وكل يوم يزداد اكثر وبصفة مستمرة اعداد الفقراء بالملايين.


هناك فكرة مضللة يتم تداولها على اوسع نطاق، بان هناك مشروعان يمكن الفصل بينهما: المشروع الاول: يتمثل في استخدام العنف المسلح "عسكري/امني" لتطبيق سياسات اقتصادية، "السوق الحرة"، فيقتل الناس مرتين، مرة بالعنف المسلح الازم لتطبيق سياسات مجحفة بالاغلبية، فكما لا يوجد طريقة لطيفة ورقيقة لاحتلال الشعوب رغم اراداتها، ما من طريقة رقيقة سلمية لسلب ملايين المواطنين ما يحتجون اليه ليعيشوا بكرامة". وليقتلوا مرة اخرى، بأعداد أكثر، بهذه السياسات الاقتصادية ذاتها؛ كما تنبأ رادولف والش "ستختطف ارواح كثيرة بعد عن طريق "البؤس المخطط له"، اكثر منه عن طريق الرصاص" .. والمشروع الثاني: "الاعلام المحايد" الذي لا يراد له، ولا يرغب بفعل الحفاظ على التمويل، ان يرى نتائج هذه السياسات الكارثية على مئات الملايين من شعوب الارض. الحقيقة انه ليس هناك سوى مشروع واحد فقط، الاعلام فيه هو الوسيلة المركزية للتغطية ولتمرير هذه السياسات القاتلة. ان المفهوم المضلل عن نظام اجتماعي تتعايش فيه "السوق الحرة"، للفئات القادرة اقتصادياً، مع الترويج "التضليلي" لـ"الاعلامي المحايد" لسياسات افقار الشعب الاقتصادية، بدون ان يحتكا بعضهم ببعض، الذي يسمح للصحفيين والاعلاميين وباحثي مراكز الابحاث والاساتذه الاكاديميين – الممولين جميعاً من رؤوس هذه السياسات – بالترويج بـ"الاعلام المحايد" لهذه السياسات الاقتصادية "الحرة" المجحفة بالشعوب لصالح حفنة من الآسر الثرية، وهم في نفس الوقت يستعرضون عضلاتهم في فن الخطابة دفاعاً عن حقوق الانسان.

ليس من الممكن تأسيس "اقتصاد خاص" حر، بدون بث الرعب والترهيب، بدون "دعم"، بقتل الالاف، وانشاء معتقلات فى ارجاء الوطن، وسجن عشرات الالاف، تحت الشعار الزائف "الحرب العالمية على الارهاب"، الحرب على كل تمرد على السياسات الاستعمارية. فقمع الاكثرية، ومنح "الحرية الاقتصادية" لمجموعات محظوظة قليلة، يشكلان وجهان لعملة واحدة. هناك انسجام داخلى بين "السوق الحرة" و"الرعب اللامحدود"، ويكون جوهر دور "الاعلام المحايد" هو التدليس حول النتائج الكارثية لهذه السياسات الاقتصادية المجرمة، والمساهمة في تضخيم وبث الرعب لدى السكان، الذي يخدم الاهداف الربحية اللاانسانية لهذه السياسات.

مثلاً، فى سبتمبر 2008 حيث انهارت الاسواق المالية، وحيث انتقل ملايين السكان الى اسفل خط الفقر، قدمت شركة "ليمان برازرز" الامريكيه فى 15سبتمبر طلب حماية من الافلاس وفقاً للفصل الحادى عشر، رغم ذلك، بعد اسبوع واحد فقط اعلنت ان العاملين فى مكاتبها فى نيويورك سيتقاضون 2،5 مليار دولار مكافأت!، وكانت شركات وول ستريت دفعت 18,4 مليار دولار مكافأت العام السابق!، نفس العام الذى حدث فيه الانهيار!..
عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!



"الاعلام المحايد" في خدمة دفن الثقافات الوطنية!
ان احد اعمق اهداف النيوليبرالية الاقتصادية، الاستعمار الجديد "الاقتصادي/الثقافي" هو ازالة الافكار والقناعات السابقة، لاحلال ثقافة "العولمة" محلها، ثقافة الاستهلاك، ثقافة ماكدونالز وكنتاكي وبيتزاهت، ثقافة الاستهلاك، وتشي كل شئ بما يه الانساني .. وازالة ثقافة المنتج المحلي الوطني، الثقافة المادية واللامادية، وفي صلبها ازالة افكار التنمية المستقلة، وابدالها بثقافة الاستيراد لمنتجات الشركات العملاقة المسيطرة على السوق العالمي، او انتاجها محلياً بنظام "الفرانشايز"، نظام التبعية التفصيلية الكاملة لخامات ومواصفات ومقادير منتجات الشركة الام، لذا فان التطهير العقائدى للافكار اليسارية كان ومازال على رأس جدول اعمالها، ليلعب "الاعلام المحايد" على هذا المسرح دور البطولة.
عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!




الاعلام البديل لا يعني بديل في التقنية فقط، بل بالاساس في الفلسفة والدور!

ان تطور تكنلوجيا وسائل الاتصال والاعلام الالكتروني والرقمي، قد تجاوز من الناحية الاساسية صيغة "الاعلام المحايد"، ومن ناحية اخري، ان حرية النشر – وليس فقط حرية التحرير – التي اتاحها الاعلام الرقمي ستجعل المستخدم العادي ينحاز دائماً - او غالباً على الاقل – نحو الطبيعة الانسانية المجردة من المصالح المعادية للقيم الانسانية العامة، نحو الدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية والجمال، وهو ما سيضعه موضوعياً بشكل تلقائي في - "معارضة" - مواجهة مع القيم المعاكسة .. ليجد نفسه في مواجهة مبدئية مع السياسات الدولية التي تكوي شعوب الارض لصالح فئات محدودة، وتفرض بالحديد والنار السياسات النيوليبرالية الاقتصادية، التى فرضت على دول الشرق والغرب، الشمال والجنوب.


عندها سيجد مستخدم الاعلام الرقمي "الاعلامي الغير محايد" نفسه في مواجهة "حرة" مع:

1-النسخة الاحدث من السياسات الاقتصادية الدولية، نسخة "رأسمالية الكوارث" التي تقتات على مآسي الشعوب ودمائها لتحقيق الارباح، وحقيقة ذراعها العسكري المسمى تضليلاً "الحرب العالمية على الارهاب"، الحرب العالمية الثالثة الغير معلنة، التي تعتبر اي شكل من التمرد على السياسات الاستعمارية الجديدة، الاقتصادية/لثقافية، ارهاباً، بما فيها مقاومة الاحتلال الاسرائيلي!.

2-السياسات المحرم على "الاعلام "المحايد" ومراكز الابحاث تناولها - الا فيما ندر جداً - نظراً لسيطرة الشركات العابرة للجنسيات والمؤسسات المالية العالمية المهيمنة على هذه الجهات من خلال التمويل.

ومن ثم سيجد مستخدم الاعلام الرقمي "الاعلامي الغير محايد" نفسه في مواجهة "حرة" قادر على اختراق جدار الصمت - ولو بقدر - حول هذه السياسات القاتلة المسكوت عنها بفعل فاعل، المصالح، "تابو التمويل" العابر للجنسيات.

عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!


(للمزيد: "جريمة "الابادة الجماعية" الرائعة!.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=579913)

("بودو" يفضح صندوق النقد الدولى!.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=584596 )

("اعلام "الصدمة"، وتجربتى مع معهد واشنطن!
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=584269)
(العين "المغمضة" لمراكز الابحاث الغربية؟! مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً
(https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=601412

( "حرب الارهاب المخصخصة، بنيت كى لا تنتهى!.
(https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=592744

(من قتل أبرياء أكثر: الارهاب ام الحرب على الارهاب؟!
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=563988 )






الاعلامي "المحايد" كجهاز هاتف ينقل الرسائل فقط، ولكن اي رسائل؟!

بقدر ما تتسع الهوة بين الاثرياء المسيطرين، وغالبية الشعب الذي يزداد فقراٌ، عندها، الدولة التي تحتكر العنف الحامي للمسيطرين، تحتاج الي زيادة الاسلحة وتنوعها، وبناء سجون جديدة، ومزيد من احكام السيطرة على المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وفوق الجميع وقبله الـ"الاعلام المحايد". ان العمل من اجل تحرير الشعب من الظلم الاجتماعي بوجه عام، ومن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية بوجه خاص، يستحيل بدون فضح الاوهام التي يروج لها بيروقراطي الدولة واذيالهم من اكاديميين ومثقفين وصحفيين واعلاميين، في "الاعلام المحايد".

في عصر "الشركاتية" الحالي، تتحول الحكومات الى مجرد ادارة من ادارات الشركات المهيمنة، لتصبح مجرد "سير ناقل" لنزح الاموال من "الخزينة العامة" للدولة، اي من اموال المواطن دافع الضرائب، الي الشركات الخاصة، سواء بشكل مباشر مثل عقود التوريد او المقاولات وخلافه، او بشكل غير مباشر مثل انشاء الطرق السريعة والكباري التي تخدم الشركات الخاصة، وهو ما يسمى بعصر "الشركاتية"، وهو العصر الذي نعيشه الان. و"الشركاتية" نوعان: النوع الاول، شركات خاصة عملاقة عابرة للجنسيات وشركات مالية عالمية، تعمل لديها الحكومات المسماة بالديمقراطية، التي تقوم بتحويل الاموال من "الخزينة العامة" للدولة لهذه الشركات الخاصة، مقابل حصة لاعضاء مؤسسات الحكم، وايضاً بشكل مباشر كعمولات مثلاً، او بشكل غير مباشر كعقود توريد او مقاولات لشركات تابعة لهم، مثلاً .. اما النوع الثاني، حكومات استبدادية شمولية تقوم بتاْسس شركات خاصة "لنفسها" من خلال افراد من الاقرباء والمحاسيب، وتحول لهذه الشركات - لنفسها - الاموال من "الخزينة العامة" للدولة، وايضاٌ، من القروض التي تقترضها الدولة، والتي يقوم بسدادها نفس المواطن دافع الضرائب وابناؤه واحفاده. والاثنان، الاستبدادية او ما تسمى بالديمقراطية لا يمكن لهما ان يحيا بدون غطاء من "الاعلام المحايد".
عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!


الاعلام والقمع من المنبع، "الرقابة السابقة" على حرية التعبير!
لرفع كفائة "ترزية القوانين"، بعد ان كانت الرقابة على مدى دستورية القوانين، تبت فيها المحكمة الدستورية، بعد صدور القوانين من السلطة التشريعية، وهى ما تسمى بـ"الرقابة الدستورية اللاحقة"، اى الرقابة على مدى دستورية القوانين بعد صدورها، استحدثت فى عصر مبارك تكتيك جديد، تكتيك "الرقابة الدستورية السابقة" على صدور القوانين، بهدف تفويت الفرصة على الطعن بعدم دستورية القوانين بعد صدورها!، من ناحية، والتسهيل على "ترزية القوانيين" امكانية تفصيل عدد اكبر من القوانين، طبقاً لهذه الالية الجديدة، من الناحية الاخرى .. مؤخراً، تم الاستفادة من هذه الخبرة "الداهية"، فيما يتعلق بالمجال الاكثر ازعاجاً للسلطات، وهو مجال الحريات العامة، وفى القلب منها حرية التعبير، ليطبق على الاعلام مبدأ "الرقابة السابقة"، فبعد ان كانت الرقابة على الاعلام "رقابة لاحقة"، رقابة بعد النشر، استحدثت السلطة بشراء المؤسسات الاعلامية، وانتقال ملكيتها للسلطة التنفيذية، تكتيك "الرقابة السابقة"، اى الرقابة ليس فقط، قبل النشر، بل ايضاً، الرقابة ليست فقط قبل النشر، بل ايضاً قبل التحرير، المنع من المنبع، القمع من المنبع، ليكون المنتج الاعلامي لا يخرج ابداً عن المظلة الزائفة للـ"الاعلام المحايد".

الا انه من حسن حظ المدافعين عن حرية الاعلام، ضد "الاعلام المحايد"، ولسوء حظ السلطة، ان التطورالعلمى التكنولوجي، هنا فى مجال الاتصال، له قوانينه الخاصة المرتبطة بمكانيزمات علمية قاهرة رغم محاولات توظيفها من قبل السلطات لمهيمنة، وفى الغالب مرتبطة بأرباح اقتصادية، تحكم تطور العلوم، وليست مرتبطة برغبات وقوانين الحكام المستبدون او حتى "الديمقراطيون"، اصحاب تكتيك "الرقابة السابقة" على النشر، الذي ينطبق على وسائل الاعلام التقليدية، لكنه لا ينطبق على وسائل التواصل والاعلام الحديثة، الالكتروني والرقمي، لذا يجد مستخدم الاعلام الرقمي نفسه اخيرا امام خيار متاح لـ"اعلام غير محايد".
عندها، اين يقف الاعلام والاعلامي "المحايد"؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة