الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( مِستَر 5 ٪ ) قصة قصيرة محمود يعقوب

محمود يعقوب

2022 / 2 / 18
الادب والفن


في بحر الذهب الأسود نحيا ، يا لسعادتنا !..
فيه نعوم ، نطفو سادرين ، متأرجحين في غفوات مثل غفوات الإوز ، ينساب بنا التيار بعيدا ً .. في هدأة البحر بعيدا ً كالحلم العميق ، النوارس تخفق فوق رؤوسنا ، والسمك بأصدافه التي تتلألأ من حولنا ، والأمواج تتراقص من تحتنا ، في لين وارتخاء . هكذا تبادرت لنا الحياة الجديدة ، عندما تفتّقت أرضنا وأسفرت عن كنوزها المخبّئة في أعماقها بتنا موضع حسد وغيرة من القاصي والداني . وأخذ الريش الحلال ينمو على أجسادنا ، ولكن ـ وآهٍ ثمّ آهٍ من هذه الكلمة الاعتراضية النكداء ـ لم يكد الريش يبلغ قدراً من الطول حتّى زلزلت الأيام هذا البحر ، فهاج وماج . وراحت ألسنه الماء تتصاعد نحو عنان السماء ، ثم ترتمي ساقطة بألم وهي تغلي وتفور . وصار البحر لا يتوانى عن الاضطرام ، يرفعنا جيشانه عالياً ، في منتهى الرعب ، وما يلبث أن يغور بنا منحدرا ً إلى قراره الحالك !. حتّى راودتنا الشكوك بأننا نحيا على حافّة بركان ، وليس جوار آبار نفط .
منذ نعومة أظفارنا وحتى اليوم الذي نصطبغ فيه بالشيب تبقى على وجوهنا الشوهاء آثار النفط لا تريم ، آثار موحشة : خشونة ، وشحوب ، وقلق ، وتعاسة ، ويأس ، وخيبة . وفي كتب الأجناس البشرية ما لبثوا يرسمون لنا صوراً توضيحية ، نموذجية ، تُظهرنا وقد تلطّخت وجوهنا بالزيت الأسود .


♦♦♦♦

آصرة القرابة التي ربطت بيني وبين ( إحسان نعيم ) ، كانت سبباً في تواصلنا الدائم مع بعضنا البعض . وكنت أعنى بمتابعة أخباره على الدوام ، لا سيّما بعد أن أصبح لدى كل منّا هاتف جوّال . لم يدّخر هذا الشاب جهداً في الاندفاع إلى العمل ، متى ما وجد سبيلاً لذلك . عمل في شتّى الحرف ، بأجر يومي ، لأجل أن يعين أسرته . وكان ( إحسان ) قد انتهى من دراسته الجامعية ، وتخرّج من كلية الزراعة ، ليستسلم إلى البطالة ، وإلى آماله السرابية . ولكن همّته واندفاعه الشبابي ، قد جعلا منه رأس حربة في جميع المظاهرات التي كانت تندلع بين آونة وأخرى ، مطالبة بتوفير فرص العمل للعاطلين . واتخذ من صفحته ، على مواقع التواصل الاجتماعي ، منبراً خطابياً ، حماسياً ، كان يؤلب فيه الشباب ، ويدفع بهم إلى ميادين الاحتجاجات . وقد عُرِفَ بين الجموع باسم ( إحسان البصراوي ) . وكنت إلى جانبه ونحن نجوب شوارع البصرة ، في المظاهرات الحاشدة التي كانت تطالب بإقرار مشروع البترو دولار ، أخذ هذا المطلب الجماهيري بعداً أوسع حين تبناه بعض رجال السياسة . ولحسن الحظ ، أن هذا المشروع قد أُقرّ في نهاية المطاف ، وتمّت المصادقة عليه . وبات لمدينة البصرة استحقاقاً قدره دولاراً من قيمة بيع كل برميل نفط ، في ذلك الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط إلى ذروتها ، حتّى تجاوز سعر البرميل سبعين دولاراً . بمعنى أن حصّة المدينة كانت واحداً لكل سبعين .

♦♦♦♦
شقّ ( إحسان البصراوي ) الخمسة عشر دونما ً ، من الأرض الرملية ، الكالحة ، الظمأى ، المحروقة بنيران الشموس ، المحاذية إلى مزارع الطماطم في صحراء ( الزبير ) ، والتي استأجرها من أحد معارفه .. شقـّها بمحراثه مندفعا ً ، صابرا ، بعد أن استنفد أياما ً متتالية ، مضنية في تسويتها .. شقـّها من غير أن يكترث لأي عناء .. ولا بالعرق الغزير الذي كان يهمي مكتسحا ً جسده .. من غير أن يكترث حتى بالخدوش وأبر الأشواك الدقيقة التي غمرت ساعديه وساقيه العاريين . كان مشغولا ً بشأن المياه لا غير ، كل ما خامر ذهنه من أفكار هو أن تتفتّق الأرض عن ثلاثة آبار ماء أرتوازية ، لأجل أن تشرق الحياة في ذلك اليباب ..
شقيّ شقاء فلاح حقيقي ، قبل أن يجلس مهدود الحيل ليلتقط أنفاسه ، وهو يجس رزمة النقود في أحد جيوبه . استراح قليلا ً ، ثم استل الرزمة ، راح يعدّها على مهل ، ويتوثّق منها ، ثمّ رزمها مجددا ً وقد بان على قسماته الانشراح . جالت عيناه المتألقتان بلؤلؤتي الأمل في أرجاء أرضه ، وقال في سريرته ” يمكنها تغطية نفقات حفر آبار الماء ” . ما كان يحلم به ( إحسان ) في تلك الهيماء الشاسعة هو أن يعيش الحياة كما يعيشها الناس ، فكانت الأماني الخضر أول زرع ٍ غرسه في الرمال !..
في بواكير اليوم التالي ، جاء بعمال الحفر ، وطفقوا يذرعون الأرض طولا ً وعرضا ً ، قلـّبوا الرمال بأيديهم ، وفركوها ، ثم تذوقوا طعمها وتشمموها ، قبل أن ينطلقوا للبحث والتنقيب عن المياه . بعد لأي وعناء شرعوا يحفرون أول بئر في الأرض . استغرقوا ساعات ٍ مرهقة في الحفر ، وأخذت آلاتهم تتوغل إلى الأعماق أكثر وأكثر ، إلى أن تفاجئوا بانبثاق النفط الخام نحوهم يندفع بغزارة . سارعوا إلى ردمه ، ودفن كلّ أثر له . تدفّق النفط من حفيرتم كالمارد الحبيس ، مثيرا ً غمامة من الأبخرة والغازات الكريهة ؛ التي تصاعدت في لحظات لتغمر وجوهم وتسبغ عليها المزيد من ألوان التعاسة وسوء الطالع . لعنوا حظهم ، ثم تواصوا بصدق وتواعدوا بوعود وثيقة علىٍ أن يظل أمر هذا البئر سرّا ً من الأسرار وقد صمـّموا بحزم عدم إفشائه والبوح به ، إن هؤلاء الرجال اعتادوا على طي أسرار مثل هذه الآبار في صدورهم ونسيانها سريعا ً ، إنها كثيرة وخطرة تهدد خبزهم !. وأثناء الحفر ، لم يكن أحد منهم يخاف من العقارب الصفر ، ولا الأصلال الصحراوية المميتة مثلما كانوا يخافون من الانبثاق الإفعواني للنفط .
عملوا بتفان طوال ثلاثة أيام متواصلة .. ثلاثة أيام لم يتناولوا فيها سوى الخبز البارد والبطيخ ، ويحتسون كؤوس الشاي المحروق ، وخلال أوقات استراحتهم دأبوا يجذبون أنفاسا ً عميقة من سجائرهم وهم يتلفعون بسحابةً رمادية من الحرقة والغيظ . بذلوا ما في وسعهم من جهود ٍ، وفي كل مرّة كان النفط ينبثق من قلب الأرض ، أسودَ ، فوّارا ً ، مخيبا ً ، ومحبطاً لآمالهم .
وفي كل مرّة أيضا ً ، في أجواء مفعمة بالاستياء ، يعودون لدفنه بأطنان من الرمل ، يدكونه ويرصفونه بشدة ، كأنهم يطمرون وحشا ً ضاريا ً ، يخشون أن تدب الحياة في أوصاله فينطلق مهدّداً . إنهم لا يدفنون حتى آباءهم بمثل ذلك الحرص والحماس ..
طوال ثلاثة أيام مشحونة بالقلق والضناء ، حفروا ثلاثة آبار ، تدفّق منها النفط ، ثمّ ردموها ؛ وكان ردمها أشقّ عليهم من أعمال الحفر بكثير . لم تكن بهم حاجة إلى هذا السائل الكثيف أبدا ً ، إن تدفقه سيقتل الأرض ، من دون شك ، كما قتل ويقتل البشر . إن ( إحسان ) وكل المزارعين يتحاشونه بذعر ، ويرون فيه نذير الشؤم . ولكن ( إحسان ) كان شابّاً ً ذا جلد ، لم ييأس ، ولم يترك نفسه نهبا ً لهواجس تثبط عزمه . أصر على الاندفاع في البحث والحفر طوال الأيام التالية مهما تطلّب الأمر وبأي ثمن كان . بعد أن حاول تقصي ما تبقى لديه من نقود ، تبين له أنها غير كافية لمواصلة الحفر، هبّ ليتصل بأهله ، ويخبرهم عن مسيرة عمله ، ويحثهم على إسعافه بالمال .. أخبرهم بعبارة مقتضبة ، وبلغة كانوا يفهمون مغزاها جيدا ً ، دون الحاجة لأي تفسير ، حينما قال لهم ساخراً :
« لقد أنفقت نصف نقودي على دفن ثلاثة شياطين » ..

♦♦♦♦

يلوح لي في أغلب الأحيان ، أنني شحيح المعارف ، ولم أنهل تماماً من نبع المعرفة ، لكنني أعرف شيئا ً متواضعا ً عن قصة النفط الغريبة في بلادي .. القصة الطويلة ، الحزينة ، التي يشك كل ٌ منا أن تومض لها نهاية قريبة في الأفق المغبر .
أعرف مثلا ً : أن المستعمرين هرعوا إلينا ، يتشممون النفط ويتحرونه . نبشوا كل الأراضي والقيعان حتى وجدوه ، وأين يمكن أن يواري نفسه بعيدا ً عن عيونهم الذكية الثاقبة ؟..
ما أن عثروا عليه حتى تقاسموه حصصا ً ، وكان لبلادنا سهم متواضع منه . وعلى الرغم من أن القسمة كانت ضيزى ، إلا أننا عشنا بسهمنا هذا .. عشنا بذلك القدر البسيط الذي يمكن أن يُوصف بأنه عيش .
من بين حصص النفط تلك ، ذهبت حصة صغيرة عرضا ً ، كما تذهب الأشياء الفائضة عن الحاجة عادة ً ، إلى رجل سأقول عنه ( رَحِمه الله ) لأنه يستحق الرحمة على ما أظن . كانت حصة هذا الرجل ( 5٪ ) من نفط البلاد ولأجل ذلك أطلق عليه العالم بأسره ( مستر 5٪ ) . كان رجل نفط ٍ أرمنيا ً حاذقا ً ، عاش ردحا ً من الزمن في البلاد . وصف بأنه صاحب ذوق رفيع ومزاج وردي ، يهوى الفنون وجمع اللقى الأثرية ، وهو رجل محسن بعد ، ما أن تصبح اﻠــ (5 ٪ ) في جيوبه ، حتى يشرع في تشييد العديد من المباني في البلاد على نفقته . غطى جزءا ً من خريطة البلاد بكرمه ، وأطلــّت بعض المعالم المعمارية الجميلة ، الوضـّاحة بفضله ، متاحف ، وقاعات عروض ، ومدارس ، وملاعب ، ودور سكنية أيضا ً .. إنه فعل ذلك من باب الإحسان بالتأكيد ، لكننا كنا نقول إنه يطعمنا من لحم ثورنا .. لقد أنعم علينا بتلك النعم في ما مضى من سنين كانت البلاد تنتج الشيء اليسير من النفط ، ولو قيـّض لهذا الرجل أن يستمر إلى يومنا الحالي الذي بتنا نغرق فيه العالم بنفطنا ، لفعل الأفاعيل وملأ أرض السواد بالشواهد المعمارية الخالدة ، التي يدل واقعنا أن لا أحد َ سوف يقدم على بناء مثلها في يوم من الأيام !.. إن أعماله الخيرية الراسخة والشامخة ستظل شاهدة على إحسانه ، فليرحمه الله إذن .
ذات يوم ، خرج من بين ظهرانينا رجل ـ جميعكم تعرفونه ـ عديم البصر والبصيرة ، وليس بودّي أن أقول عنه أكثر من ذلك . جاء ساعيا ً كالعقرب ليسارع إلى وضع يده الطويلة على نفط البلاد ، خلف لافتة التأميم الوطني ، ومتغنّياً بشعار ” نفط الشعب للشعب “. طرد الشركات ، وألغى حصة ( مستر 5٪ ) ، ولم يتوان عن دس تلك اﻠــ ( 5٪ ) في جيب سترته الأيمن . كنا نظن أنه فعل ذلك لأجلنا ، فلم نتورّع عن تمجيده ، ورحنا نصفق ونزغرد ونرقص ، وتوسدنا الأحلام !..
لكن منذ ذلك اليوم لم يعد أحد ٌ يرى النفط أو يشمه ، بتنا نسمع به سمعا ً في الواقع .. نسمع تدفقه عبر الأنابيب ، ونسمع قرقعة البراميل ، ونسمع صرير الشاحنات أيضا .. نسمع فقط ، أما أنظارنا فقد غاب عنها كل شيء !..
نفط لا ينضب أبدا ً ، يفيض غامرا ً ، يسح على وجه الأرض ، ويُهدر جزافا ً . وعلى غير ما يتوقع المرء ساءت حياتنا ومحضتنا أقسى العذاب . نظرنا إلى الأمر بيأس ونحن نرى النفط يخرج من يد غاصب لتتلقفه يد غاصب آخر ، قطيع ٌ ينهبه من قطيع !..
كان ركوب البحر مجازفة ً غير محمودة العواقب ، فقد اضطرم هذا البحر وزعزع حياتنا ، وراح يقذف بنا من هزيمة إلى هزيمة ، البعض يقول ” إن أبواق النصر لن تدوي على أرض يغمرها القراد ” . ونحن نحيا في ضعة ، متضورين ، مساكين ، مغلوبين . أيام وليال ٍ شاقّة الاحتمال ، كُتِبَ علينا أن نعيش غمارها بنكد .. نعيش وأجسادنا مغطاة بالقراد المصـّاص ، الذي يلتصق بنا مثل صمغ الراتنج !..
في كل مقبرة من مقابرنا سينبع بئر نفط ، وسوف يكون برجه الحديدي بمثابة نصب تذكاري لمأساتنا ، وقهرنا ، وموتنا !..
إنها الهِبَة التي لم تعد علينا بالهناء ، يا لهذه الهِبَة المسمومة !..
♦♦♦♦

أخذني التوق ، ذات يوم ٍ ، لزيارة المتحف التاريخي في مدينة ( الناصرية )* ، وهذا المتحف واحد من المعالم الحضارية التي شيــّدها ( مستر 5٪ ) أيضا ً . كان يمكن أن تكون تلك زيارتي الأولى ، وأنا أفيض لهفة ً لرؤية صفحة ً منوّرة من تاريخنا . حين توقفت أسفل هذا المبنى ، عند واجهته الخارجية ، خالجتني مشاعر جمّة ، كما لو كنت أقف إزاء صرح روحاني . وقفت بخشوع ، وقد فاضت في صدري رائحة الأجداد بكل حنينها ، وفي سريرتي تفاقمت ألوان من مشاعر عفوية ، تطفح بالبراءة . حين توقّفت إلى جوار المبنى ، طفقت أدير بصري متفحّصاً واجهته ، حتّى تسمرت عيناي على أعلى البناية ، كان دخاناً شفيفا ً يتصاعد منها ، وبدا كما لو أنه لا يعني شيئاً ، فصرفت نظري عنه . ولكنه لم يلبث أن تصاعد بلسان كثيف يرافقه صوت هسهسة ، وهو يتحه صوبي مباشرة . كان ذلك مجرد إحساس طارئ وغريب ، جعلني أضطرب ، وأنكص على عقبي . وفي واقع الأمر كنت خائراً ، غير واثق من نفسي ، ومّما يدور من حولي . و لم تكد تمضي لحظات أخرى حتّى وثب صوت ٌ هامس انصب في أذني مباشرة ً ، اضطربت على إثره وجفلت دون أن أتبين الهمس !. تراجعت وعدلت عن فكرة زيارة المتحف ، وأنا على هذا الحال من الاضطراب والخور والارتياب . هل كان ذلك مجرّد حلم يقظة عابر ، أم إن خاطرا ً ملأ أذني حقا ً بمثل هذا الهمس ؟.. ذلك ما لا يمكنني أن أجزم به ..

♦♦♦♦

في يومي هذا ، تحليت بقدر من الوضوح والتسديد ، ونظرت إلى نفسي لأجدها على جانب من الجرأة كافية لكي تحثّني على الذهاب مرّة ً أخرى إلى المتحف . عدت إليه من جديد ، وشيء من حرارة الإيمان في قلبي ، والعزم يشدني إلى عدم الانجرار في حساسية مفرطة إلى وساوسي وأوهامي . وبينما كنت أهم بالدخول تعثرت قدماي ، أمسك بهما شيء ، أطبق عليهما مثل فخ الصياد ، سمّرني عند حافة الباب الخارجي وحال دون أن أخطو إلى الأمام ، انشغلت في تحرير أقدامي وتحريكها ، وأنا في غاية الارتباك ، مبلبل الفكر، وإذا بذلك الصوت الهامس ينصب في أسماعي بنبرة ألم وقنوط ، قائلا ً :
« مرحبا ً أيها السيد ، لقد أتيت ، حسنا ً ، ولكنني أنصحك أن تعود الآن أدراجك ».. تنحيت جانبا ً على الفور ، وأنا أسترق السمع بكل أحاسيسي المتوثبة !..
« ارجع من حيث أتيت ً ، وأسرع لتخبر قريبك ( إحسان البصراوي ) وتنصحه ، أيضاً ، بأن يكفّ هو وأصحابه على المطالبة بالدولار عن كل برميل نفط ، أجهزوا على هذه الفكرة العقيمة ، التي لا تنفع بشيء . دولار واحد لكل سبعين دولاراً ! يا للفقر المدقع ، إن الأمر أشبه بالتسوّل ؛ هل تجدي هذه الدولارات المعدودات فتيلاً في مدينة خراب ، يتنافس فيها ملايين البشر من أجل لقمة العيش ؟ أنا على يقين من أن الأمور إذا جنحت أكثر فسوف تضطرون إلى القبول حتّى بسنت واحد لكل برميل نفط ، إن هذا الأمر معيباً بكل صراحة » . ثمّ تنهّد الصوت تنهيدة طويلة قبل أن يستطرد قائلاً : « أنتم لستم بحاجة لالتقاط الدولارات من بين الأقدام ، ما تحتاجونه حقّاً هو الحياة الكريمة ، المليئة بالنضارة والتي تليق بكم ، مهما كلّف ثمنها . هل فهمت كلامي يا صديقي ؟ » . وحينما نطق آخر كلمة ، فززت في وقفتي تلك ، كما لو كنت نائماً . أدركت على الفور أن محدّثي ليس عربياً ، فقد نبر بحرف القاف بلكنة أجنبية ، وطوال حديثه معي لم أكن متنبهاً لذلك الأمر . ابتعدت مسلوبا ً ، شاردا ً ، وعلى مسافة تقارب من خمسين ياردة توقفت ثانية ، أدرت إلى المتحف كامل جسدي ، وحدقت به عميقا ً . كان الصوت المنبعث منه لم يزل يهسهس في مسامعي برهافة ، تنبهت إلى ذلك الصوت بأقصى اهتمام ، بدا لي صوتا ً مشفقا ً وقورا ، طافحا ً بنبرات ملكية واثقة ، وترسّخ في خاطري أن الصوت لا يمكن أن يكون إلا صوت ذلك الذوّاق المحســــن ( مِستَر 5٪ ) !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع