الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب يعرض على روسيا التفاوض

كريم المظفر

2022 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


قد يبدو للبعض في عنوان مقالنا اليوم بعض الغرابة ، كيف يمكن للغرب ان يعرض على روسيا التفاوض ، في الوقت الذي يستمر فيه التصعيد الإعلامي ( الأهوج ) ، وكذلك استمرار نقل طائراته ( أي الغرب ) الأسلحة الى أوكرانيا حتى وصلت الى الفي طن ، ولكننا لا نرى في الأمر أي غرابة ، فموسكو اليوم أصبحت ( قبلة ) المسئولين الغربيين من رؤساء ووزراء خارجية الاتحاد الأوربي ، يتسابقون بمبادراتهم واقتراحاتهم ، حتى المسئولين الأمريكان من وزير الخارجية الى وزير الدفاع ، لن يمر يوما دون الاتصال بنظرائهم الروس ، وتقديم الاقتراحات لعقد لقاءات مباشرة ، وآخرها لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بليكن ، الذي اكد بنفسه تقديم مثل هذا الاقتراح لنظيره الوزير سيرغي لافروف ، ووفقا لمصادر دبلوماسية روسية فإن مثل هذا اللقاء سيعقد نهاية الأسبوع المقبل .
تطورات الاحداث الأخيرة حول أوكرانيا دعت عدد من المسئولين الغربيين، الى النزول من المركب الأمريكي الذي يسير بهم الى المصير " المجهول " ، فكل الوقائع والمعطيات الاستخبارية الغربية والاوكرانية، لم تؤكد حتى هذه اللحظة وجود ما يؤشر استعداد روسيا للقيام بالغزو " المزعوم " ، واهتزاز صورة الولايات المتحدة ورئيسها جو بايدن واستخباراتها في ادعاءاتهم وتحديده مواعيد لهذا الهجوم ، يستقوها من وسائل اعلام أمريكية وبريطانية والتي غالبا ما تنسب هذه الادعاءات الى مصادر لا تسميها بالاسم والمنصب .
وبحسب الرئيس التشيكي، ميلوش زيمان، في مقابلة نشرتها صحيفة "إيدنيس" Idnes)) ، فإن وكالات الاستخبارات الأمريكية تشعر بالإحراج، بعد توقعاتها حول اندلاع حرب في أوكرانيا ، "قلت قبل أيام قليلة إنه في رأيي لن تكون هناك حرب (في أوكرانيا) ، لأن الروس ليسوا مجانين للشروع في عملية من شأنها أن تضرهم أكثر مما تنفعهم" ، وبحسب زيمان، فإن هذا هو ثالث إحراج للأمريكيين في العقود الأخيرة ، الأول، كان في العراق، حيث لم تتمكن الولايات المتحدة من العثور على أسلحة دمار شامل ، وإن واشنطن وجدت نفسها أيضا محرجة في أفغانستان عندما زعمت أن حركة "طالبان" لن تصل أبدا إلى كابل، "والآن المرة الثالثة (في أوكرانيا)".
والمضحك المبكي ان " الخرف والهستيريا " قد أصاب الإدارة الامريكية في الصميم ، وباتت تنسج من "خيالات وأوهام " ، لا يمكن ان تمر دون السخرية منها ، وآخرها ما نقلته قناة "NBC" عن "مصادر خاصة" ، أن الرئاسة الأمريكية تشعر بقلق من إمكانية مغادرة الرئيس الأوكراني ، فلاديمير زيلينسكي، بلاده وسط التوتر في شرقها ، وقالت 4 مصادر مطلعة على الموضوع للقناة، حسب تقرير نشرته الجمعة، إن زيلينسكي من المقرر أن يزور مؤتمر ميونخ للأمن الدولي لكن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، "تشعر بقلق من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيستغل غيابه بطريق أو بأخرى" ، كذلك اعتبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن روسيا ستحاول مهاجمة أوكرانيا "خلال الأيام القريبة" بقرار من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، متوقعا أن الهجوم سيطال العاصمة الأوكرانية كييف ، التي يقطنها 2.8 مليون شخص بريء" ، مرجعا اعتقاده إلى معلومات استخباراتية من دون كشف أي أدلة تؤكد صحة تصريحاته.
المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، كشفت بأن الدول الغربية في الوقت الراهن تعرض على روسيا التفاوض حول مواضيع كانت هذه الدول نفسها ترفضها قبل عام فقط، وقالت "اليوم نتلقى منهم إجابات، وهم يتسابقون في طرح مقترحات ليس فقط لعقد لقاءات، بل ولإعادة إطلاق مختلف الصيغ التفاوضية" ، وأشارت إلى أنه قبل عام فقط كانت الدول الغربية ترفض المفاوضات مع روسيا، وقالت "لم يرغبوا في الاستماع إلينا ، وقالوا لنا إن الأجواء ليست مواتية لإطلاق الحوار ضمن مجلس روسيا – الناتو".
أما فرنسا وعلى لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان، فقد حثت في آخر تصريح له على عدم الأخذ بالتقارير عن الوضع حول أوكرانيا التي تتغير من يوم لآخر، وجاء ذلك في تعليقه على تقارير عن "الغزو الحتمي الروسي لأوكرانيا" وقال أن هناك بعض التغييرات من جانب السلطات الروسية، " دعونا نقول أنه يجب أن نفسح مجالا للدبلوماسية. .. وكانت هناك تغييرات من جانب السلطات الروسية وهذا جيد .. ".
أما الحكومة الأوكرانية من جانبها ، أعلنت أنها مستعدة لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية لإعادة نظام وقف إطلاق النار في منطقة دونباس شرق البلاد حيث تتصاعد الأعمال القتالية ، وإن كييف تأمل في أن يتم يوم السبت عقد اجتماع لمجموعة الاتصال الثلاثية لتسوية النزاع في دونباس والتي تدخل ضمنها أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، في الوقت الذي كانت أوكرانيا ترفض بشدة عقد أي اجتماع لهذه المجموعة ، وبدعم غربي ، وقالت نائبة رئيس الحكومة الأوكرانية، وزيرة "شؤون إعادة اندماج الأراضي المحتلة مؤقتا"، إيرينا فيريشوك ، "نحن مستعدون للعمل، نحن جاهزون للحوار، نحن على استعداد لفعل كل شيء من أجل استمرار عمل وقف إطلاق النار واستئناف نظام الهدوء وضمان عدم معاناة السكان المدنيين".
وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف ، الذي أشار الى أن الوزن الإجمالي للأسلحة التي تسلمتها حكومة كييف من شركائها الغربيين على خلفية التصعيد الحالي مع روسيا يتجاوز ألفي طن ، هو الاخر يرى أن الحكومة الأوكرانية تعتبر خطر تعرض البلاد لـ"الغزو" من قبل روسيا "منخفضا" ، وانه ليست هناك حاجة للتعبئة، لأنه لا يوجد تهديد الآن ، وإذا تم الإعلان عن تعبئة تدريبية، فسيثير ذلك حالة من الذعر في الشوارع ، " وسيعتقد الجميع أننا نعلم وأخفينا أن العدو سيهاجم غدا" ، وأنه ليس ثمة أي أعمال أو مظاهر "جوهرية" على الحدود الأوكرانية الروسية في الوقت الحالي ، وان "الوضع على الحدود الأوكرانية الروسية في هذا الوقت لا يختلف عما كان عليه في ربيع العام الماضي ، ومن جانبه أكد سكرتير مجلس الأمن والدفاع القوميين الأوكراني أليكسي دانيلوف، أن السلطات في كييف لا ترى أي أساس للتحدث عن استعدادات لهجوم واسع من روسيا على أوكرانيا ، مشددا "على أهمية الحفاظ على الهدوء" ، في حين أعلن مندوب أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرغي كيسليتسا أن كييف مستعدة للمفاوضات مع روسيا على مستوى القمة أو مستوى وزيري الخارجية ، وأن وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا قد أعرب عن رغبته في لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف.
ويجمع المراقبون والخبراء على ان حاجة أمريكا إلى ورقة العداء لروسيا أصبحت مهمة في سياستها الداخلية والخارجية، وشدد رئيس الجامعة الأمريكية في موسكو، إدوارد لوزانسكي، على ان ثمة العديد من هذه المهام بالنسبة لواشنطن، هناك مزيج من أهداف السياسة الداخلية والخارجية ، على الصعيد الخارجي، إضعاف روسيا التي ترفض الاعتراف بالهيمنة الأمريكية على المسرح العالمي ، وامل آخر هو العمل على وقف "السيل الشمالي-2" من أجل تقليص دخل الخزينة الروسية وإحلال الغاز الأمريكي المسال محل الروسي. وثمة مهمة أخرى هي تعزيز وحدة دول الناتو وإخضاعها في الوقت نفسه للمصالح الأمريكية، حتى على حساب مصالح هذه الدول، وعلى الجبهة الداخلية، تعمل الهستيريا المعادية لروسيا على تحويل انتباه الجمهور عن المشاكل الكثيرة في البلاد والتي لا تكفي صفحات كثيرة لتعدادها، وفي هذه اللعبة، فإن الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي مجرد بيدق من بيادق ألعاب الغرب الجماعي الجيوسياسية، الغرب الذي يحل مشاكله على حساب أوكرانيا.
كما يشدد المراقبون الغربيون بدورهم على الرئيس بايدن يعترف بعدم قدرة الولايات المتحدة على معاقبة روسيا، ويؤكدون على ضرورة دفن رئاسة بايدن ، صحيح أن هناك بعد سنتين ونصف تفصلان بايدن عن الانتخابات الرئاسية، لكن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس ستجرى هذا الخريف ، وأصوات مالكي السيارات الأمريكيين ستحدد نتائجها تلك الانتخابات إلى حد كبير ، وقال مدير ClearView Energy Partners ، كيفن بوك، لصحيفة فايننشال تايمز: "أن العقود الأربعة الماضية أظهرت درجة ارتباط قوية بين أسعار الوقود وشعبية سادة البيت الأبيض" ، وإن بايدن بحسب بوك عاجز عمليا ولا يمكنه فعل أي شيء لمساعدة الناخبين الذين ينفقون مزيدا من الدولارات في محطات الوقود كل يوم ، وهو، بالمناسبة، اضطر إلى الاعتراف بأن أي صراع في أوكرانيا أو عقوبات ضد روسيا يمكن أن ترفع أسعار الوقود بشكل أكبر ، وفي الوقت الذي يحرق الأمريكيون ما معدله 20.7 مليون برميل من النفط يوميا ، وسوف يكون الطلب على الوقود قريبا من ذلك وفقا لتوقعات هذا العام ، في غضون ذلك، لا تهتم أوبك+ بطلبات جو بايدن كما لم تهتم بطلبات دونالد ترامب. تنفذ دول هذه الاتفاقية بشكل مطرد قرار زيادة الإنتاج، لكنها تفعل ذلك أبطأ بكثير مما يريده البيت الأبيض.
روسيا باتت اليوم اكثر قناعة من أن وراء التصعيد الأمريكي حول أوكرانيا ، تقف مسألة فرض عقوبات جديدة على روسيا ، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ختام لقاءه مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في موسكو، من أن الولايات المتحدة لم تبد تصميما على التعامل بشكل مناسب مع مطالب بلاده الأمنية، في إطار المحادثات حول ملف الضمانات الأمنية، وشدد على ان الغرب سيفرض عقوبات على روسيا في أي حال من الأحوال حيث سيتم العثور على ذريعة لذلك ، سواء لو كانت هناك اليوم ذريعة ما متعلقة بالتطورات في أوكرانيا أم لا، سيتم العثور على ذريعة، لأن الهدف يتمثل في شيء آخر، إنه يكمن أيضا في إبطاء "تطور روسيا وبيلاروس".
إن أصرار الغرب على إشعال حرب بين روسيا وأوكرانيا رغم تأكيد الطرفين أنهما لا يريدانها، ولا مصلحة لهما فيها، وإن حالة التأهب العسكري الراهنة ليست مزعجة ومأساوية فحسب، بل وتثير السخرية، فبطبيعة الحال، تدرك كل من السلطات الروسية والأوكرانية جيدا أن بوتين لا يريد القتال ولن يفعل ذلك إلا إذا وقع حدث استثنائي، وسوف يحاول في جميع الأحوال حل المسألة سلمياً ، وأن الغرب باع أوكرانيا
، وتخلى في الأشهر الأخيرة، عن لباقته السابقة، ولم يعد يأخذ حتى شكليا، رأي أوكرانيا في الاعتبار، فكييف، تعرف عن موعد الغزو الروسي المرتقب من الصحافة الأمريكية ، وتناقش دول الاتحاد الأوروبي مستقبل أوكرانيا مباشرة مع روسيا، من دون كييف ، لذلك فإنه في الوقت الذي تغرف فيه كييف أطنان الأسلحة المتدفقة نحوها، وهي من ناحية أخرى، ترفس بعنف لإبعاد دور الضحية المقدسة عن نفسها ، ومن هنا جاءت تأكيدات زيلينسكي المستمرة بأن روسيا لا تستعد لشن هجوم على أوكرانيا، حتى بما يناقض تصريحات بايدن ، وان الهدف من طلب اجتماع الدول الموقّعة على وثيقة فيينا هو إعادة حضور أوكرانيا، لتجلس وراء طاولة واحدة مع أولئك الذين يقررون مصيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا