الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية اللغوية في المغرب بين الثقافي والسياسي رسالة جامعية في العلوم السياسية الحلقة الثامنة

امغار محمد
محام باحت في العلوم السياسية

(Amrhar Mohamed)

2022 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


التعددية اللغوية في المغرب بين الثقافي والسياسي
الحلقة الثامنة

المبحث الثالث: التعددية اللغوية ورهانات المأسسة
إن الحديث عن مأسسة واقع التعددية اللغوية في مغرب الإنتقال الديمقراطي هي قراءة في الواقع الثقافي واللغوي المغربي، ومايرتبط به من مطالب إجتماعية وسياسية وثقافية للطبقة الوسطى والفئات الشعبية .
وهكذا وفي ظل غياب إنعكاس متبادل بين أجهزة الدولة وقنوات تنشئتها، ومكونات المجتمع المغربي. فإن الأمر يتطلب منا مقاربة إمكانية تحقيق مأسسةINSTITUTIONALISATION التعددية التي يزخر بها المجتمع المغربي.
ذلك أن مأسسة واقع التعددية اللغوية سوف يؤدي إلى الأخد بعين الإعتبار الخصوصيات التاريخية، والثقافية، والهويتية للمجتمع والدولة المغربيين.
إن إرهاصات هذه المأسسة بدأت تظهر بوادرها مع التحولات المرتبطة بالظرفية الإقليمية والدولية، والتي بدأت تؤثر بشكل إيجابي في مكونات المجتمع المدني المغربي.
وهكذا وإن كان هذا الأخير، ولحد الآن غالبا ما تتم مراقبته من طرف الدولة، الشئ الذي لايمكن الجمعيات المنبثقةعنه والمشكلة له من الحصول على إستقلالية فعلية تجاه السلطة( ). فإن الثأثيرات الدولية وخاصة المرتبطة بالرياح القادمة من الجارة الجزائر، غالبا ما تأجج مكونات هذا المجتمع وتدفع بها تجاه الضغط على السلطة. في محاولة منه لخلق نوع من التوازن بين الواقع المغربي في تعدديته اللغوية، وقنوات الدولة المهمشة لهذا التعدد.
لذلك فإن مقاربة مسألةالمأسسة تتطلب الحديث عن موقع التعددية اللغوية، ومكانتها داخل قوانين، وأجهزة الدولة، والمثمثلة في الدستور، والإدارة، والتعليم، والإعلام.
المطلب الأول: الدستور المغربي والقضية اللغوية
إن المتتبع لأدبيات الفقه الدستوري يلاحظ أن المشرع الدستوري لايكتفي بالإقتصار على وضع الفلسفة السياسية المرتبطة بتنظيم سلط الدولة، بل إنه قد دأب على تضمين الدساتير إعلانات للحقوق، والتي تعتبر بمتابة المبادئ العامة، الموجهة للدولة، ولتصورها للمجتمع.
وحتى لاتظل إعلانات هذه الحقوق مجرد بيان فلسفي لأهداف الدولة، أو نوعا من الدستور الإجتماعي، والثقافي المحدد لأهدافها وعلاقاتها بالمجتمع، فإنه يتم تكميلها، بضمانات للحقوق تدرج في صلب الدستور ذاته وتعد جزءا لايتجزأ منه.( )
وفي هذا الإطارفإن مشرع الدستور المغربي عكس المسار التاريخي للقضية اللغوية في المغرب، والتحولات السياسية التي أثرت فيها إيجابا أوسلبا، وهذا ما سوف يتضح من خلال البحث في الوثائق الدستورية التي عرفها المغرب المعاصر.
إن المتتبع للأدب الدستوري المغربي يلاحظ أن أول محاولة لوضع وثيقة دستورية مكتوبة تقنن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضع الخطوط العريضة للمسألة الهويتية في المغرب. سوف يجد أن أول مشروع من هذا القبيل يعود إلى سنة 1908 وبالضبط11 أكتوبر حيث تم نشر مشروع دستور الدولة المغربية الشريفة المكونة من جميع الأقطار المراكشية( ) .هذا المشروع الذي أغفل الإشارة إلى المسألة اللغوية، بحيث لم يتطرق إلى مسألة اللغة الرسمية، مكتفيا بالإشارة إلى الإسلام، كدين للدولة، والمدهب المالكي كمدهب رسمي للدولة الشريفة•(77).
وبعد الإستقلال فإن مسألة الإنتماء الثقافي للمغرب وإشكالية اللغة الرسمية كانت محط مزايدات سياسية بين مكونات الحركة الوطنية المتشبعة بأفكار القومية العربية، والنظام المخزني، الوارث لدواليب دولة الحماية الفرنسية.
وهكذا فإن القانون الأساسي للمملكة الذي أصدره الملك الحسن الثاني في 2يونيو1961 نص في مادته الأولى على أن المغرب""مملكة عربية إسلامية"" وفي مادته الرابعةعشر، على أن الدولة ترعى التعليم في إتجاه عربي إسلامي.
وفي مادته الثالثة نص على أن العربية هي اللغة الرسمية والوطنية للبلاد( )، فإذا كان هذا القانون هو محاولة من النظام المغربي لخلق نوع من التمايز عن سلطة الحماية من خلال رفع شعار العروبة والإسلام.فإن المزايدات السياسية مع مكونات القومية العربية، ذات التوجه الإشتراكي المعادي للمعسكر الغربي الحليف التقليدي للنظام المخزني المغربي أدى بهذا الأخير إلى التراجع عن هذا التوجه المركز على البعد العربي للهوية المغربية. لذلك جاء دستور1962 متميزا إلى حد ما عن القانون الأساسي لسنة 1961 من خلال نصه على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، ذات سيادة كاملة لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب الكبير.
وقد شكلت هذه الصيغة تراجعا عن ماجاء في القانون الأساسي، حيث إقتصر دستور 1962على الطابع الإسلامي للدولة، وعلى كونها جزءا من المغرب الكبير، الشئ الذي يشكل تلميحاإلى إستقلال المغرب عن المشرق العربي• .
وإستمرت نفس العبارات داخل الوثائق الدستورية التي عرفها المغرب في بداية السابعنيات ويتعلق الأمر بدستور1970 و.1972
إلا أن التحولات التي عرفتها المنطقة المغاربية ، مع نهاية الثمانينيات وإنشاء منظمة إتحاد المغرب العربي كان لها أثر كبيرعلى الوثيقة الدستورية لسنة 1992 التي أضافت إلى البعد المغاربي عبارة كون المغرب جزء من المغرب العربي الكبير( ).
ومع التحولات المواكبة لأوراش الإنتقال الديمقراطي والذي اعتبرت فيه الوثيقة الدستورية مطلبا ملحا جاء دستور 1996 كمزج بين المقترب الملكي للمسألة الدستورية، والمقترب الذي تبنته أحزاب المعارضة، المشكلة للكثلة الديمقراطية.
وقد ركز المقتربين على البعد العربي كبعد واحد محدد للهوية المغربية، وإعتبار اللغة العربية لغة رسمية، ليتم إغفال البعد الهوياتي الأمازيغي للمغرب، وكذلك اللغة الأمازيغية كلغة وطنية•.
وأمام هذا الوضع المكرس دستوريا للبعد العربي، والذي أغفل البعد الأمازيغي واللغة الأمازيغية كلغة وطنية لشريحة ليستهان بها من المغاربة.
فإن التساؤل المطروح هوهل إستطاع الدستور الحالي أن يقنن ويهيكل ويضبط التوافقات الكبرى التي وصل إليها المجتمع؟ .
إن الدستور الناجح في ظل المعطيات المبشرة بإنتقال ديمقراطي، هو الدستور الذي إستطاع أن يبلور التوافقات الوطنية الكبرى( ) حول القضايا المجتمعية المطروحة، بما فيها اللغوية والثقافية.
إن المطالبة بدسترة الأمازيغية، والإعتراف بالتعددية اللغوية مرتبط أشد الإرتباط بالتحولات الكبرى التي عرفها المغرب المعاصر، والمبشرة بإنتقال ديمقراطي، في ظل الموجة الثالثة للديمقراطية، وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا•.
وهذا ما يكرس هذا المطلب، كمطلب حقوقي قائم على الإعتراف الدستوري بالتعددية اللغوية والثقافية التي يعيشها المغرب، أسوة بغيره من الدول التي تعيش نفس الوضعية اللغوية••.
لذلك فأمام هذه المعطيات فإن المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية يدخل في إطار الإعتراف بالبعد الأمازيغي للمغرب، من خلال التنصيص عليهاداخل الوثيقة الدستورية، التي تعتبر الإطار المؤسساتي والقانوني المحدد، للمبادئ والأهداف العامة للدولة، ولتصورها للمجتمع.
ومادام أن التوجه العام لمكونات المجتمع المدني تسير في هذا السياق فإننا نرى مع الأستاذ أكنوش>( ).
لذلك فإن تكريس التعددية اللغوية داخل الوثيقة الدستورية يعتبر المدخل الطبيعي، لمأسسة هذه التعددية والإعتراف بها داخل دواليب الدولة الوطنية وأجهزتها الإدارية.
المطلب الثاني: موقع التعددية اللغوية داخل الجهاز الإداري المغربي:

إن الحديث عن الجهاز الإداري في مغرب هنا والآن، هو حديث عن البنية المركزية للدولة المغربية، وإمكانياتها البشرية والمادية وطريقة تنظيمها، ومدى إنعكاس كل هذه المكونات، وعلاقتها بالقضية الثقافية واللغوية للإنسان المغربي.
والحديث عن الإدارة بهذا المعنى، هو حديث عن كل الأجهزة المسيرة لدواليب الدولة بما في ذلك الجهاز القضائي•.
إن طبيعة البنية الإدارية المغربية لازالت تسيرعلى النمط الإداري الفرنسي، وما يحمله من إستمرارية إستعمال اللغة الفرنسية بإعتبارها حاملة لأغلب المفاهيم المرتبطة بالإدارة، والتي تعتبر ذات أصل فرنسي.
ذلك أن التنظيم الإداري المغربي بصفة عامة منقول نقلا عن فرنسا.
وهكذا فإن الدراسات المرتبطة بالقانون الإداري نفسه نلاحظ أن اللغة المسيطرة فيها، هي اللغة الفرنسية ويرى البعض أن هذا راجع إلى أن القانون الإداري هو قانون فرنسي أساسا.( ).
وحيث أن العربية وإن كانت اللغة الرسمية كما هو منصوص عليه في الدستور فإن اللغة الفرنسية بإعتبارها لغة القانون المغربي، ذو المصدر التاريخي الفرنسي لازالت متربعة على أهم كراسي، الإدارة المغربية بما فيها الإدارات الأكثر تأثرا، بسياسة التعريب .
وهذا راجع بالأساس إلى الطابع المركزي للإدارة المغربية المرتبط بغياب النظرة الجهوية، والخصائص الثقافية المحلية،المؤدية للتنمية المستديمة.
وهكذا فعلى مستوى الجهاز الإداري القضائي فإن قانون توحيد القضاء الصادر في 26 يناير1965 سوف يغير المشهد القضائي تغييرا شاملا، حيث أدمج المحاكم العصرية في المحاكم الجهوية، التي إستمرت في الإشتغال وفق نفس المبادئ وتبعا لنفس المساطير، التي كانت مطبقة إبان الحمايةمع فارق صغير هو أن قضاتها مغاربة ويستعملون اللغة العربية بصفة إجبارية، بعبارة أخرى يمكن القول بأن قانون1965 قام بمغربة وتعريب القضاء الفرنسي، المنتمي لحقبة الحماية، جاعلا منه نظاما قضائيا موحدا على سائر تراب المملكة.( )
وهكذا وإن كان القانون قد كرس الطابع المركزي للقضاء المغربي، ووحد القواعد القانونية، فإنه لم يأخد بعين الإعتبار الخصوصيات الثقافية واللغوية التي كانت سائدة قبل دخول الحماية. والتي كانت تأخد بعين الإعتبار بالإضافة إلى قواعد الشرع الإسلامي الأشد إرتباطا باللغة العربية، قواعد القضاء العرفي شبه التحكيمي المتواجد في المناطق القبليةوخاصة الأمازيغية منها، والتي كرست اللهجات الأمازيغية كأداة للتواصل بين المحكم، والمتقاضين.
والملاحظ أن السياسة اللغوية داخل الجهاز القضائي بدأت تتراجع في السنوات الأخيرة عن سياسة التعريب، والتي كرسها الفصل5 من قانون، المغربة والتوحيد، والتعريب رقم 3-64 الصادر بتاريخ65/1/26 والذي جاء فيه أن اللغة العربية هي وحدها لغة المداولات، والمرافعات في المحاكم المغربية( ).
وهذا التراجع واضح من خلال قراءة في الإجتهادات القضائية الصادرة عن مختلف محاكم المملكة•.
كما أن سياسة الحكومات المتعاقبة ذهبت في إتجاه إدخال اللغات الأجنبية، والحفاظ عليها داخل النسق القضائي.
ويتضح هذا من التعديل المدخل على المرسوم المحدد لشروط المشاركة في مبارة الملحقين القضائين، وبرنامج الإختبارات، الذي يشترط على المترشح ضرورة الإستئناس باللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية، من خلال إضافة مادة الترجمة من العربية إلى الفرنسيةأو الإنجليزية أو الإسبانية بالإضافة إلى قراءته لنص قانوني بلغة أجنبية ومناقشته بها مع لجنة الإمتحان( ) .
وهذا ما يوضح التوجه الذي سارت عليه حكومة التناوب والمكرس لسياسة الإنفتاح من جهة والحفاظ على النظام القانوني الفرنسي من جهة أخرىذلك أنه ورغم أن المداولات والمرافعات داخل المحاكم تتم باللغة العربية فإن أغلب الوثائق المدلى بها في المساطير الكتابية والمساطير الشفوية غالبا ما تكون محررة باللغة الفرنسية ومنها محاضر الضابطة القضائية، الملفات والشواهد الطبية، تقارير الخبرة القضائية، الوثائق الصادرة عن الإدارات العمومية وخاصة المرتبطة منها بقطاع المال والأعمال، العقود الصادرة عن الموثقين إلخ…
وهكذا يتضح أن الجهاز القضائي المغربي لم يأخد بعين الإعتبار الطبيعة الواقعية للمجتمع المغربي، بحيث كرس السياسة القضائية الفرنسية ضدا على الطبيعة المتعددة للثقافة المغربية، القائمة على إختلاف الأطلس اللساني المغربي، وهذا ما يوضح أنه توجد محاكم بمناطق أهلها، وكل مكوناتها تتحدث وتتواصل باللهجات الأمازيغية، وتستبطن الأعراف المحلية، في تعاملها مع الآخر في الوقت الذي يجبر فيه القاضي والمحكمة على إستعمال لغة وقانون غريبين عن ثقافة ولغة المتقاضين مما يشكل مسا بمبدأ توفر شروط المحاكمة العادلة.
لذلك فإن إصلاح الإدارة مرتبط أشد الإرتباط بإعادة النظر في مفاهيم الدولة المركزية وهذا يتطلب وضع إطار قانوني يأخد بعين الإعتبار التعددية الثقافية واللغوية المرتبطة بضرورة خلق شروط اللامركزية الثقافية التي تأخد بعين الإعتبار التكامل المحلي، والجهوي وإرتباطه بالتنمية•وهذا يتطلب إعطاء الجهوية مفهومها الصحيح من خلال إستحضار عنصر الثقافة المشتركة بين الأقاليم عوض حسابات الهاجس الأمني السائدة في القوانين الإدارية المغربية.
إن شروط الإنتقال الديمقراطي تتطلب أن يخاطب المواطن بلغته الأم التي أتقنها داخل الأسرة، على إعتبار أن هذه الأخيرة، هي الخلية الأولى للمجتمع.
وإذا كانت الإدارة بمختلف مرافقها تعكس التوجه العام للدولة.فإن الإقرار بمبدأ لامركزية القرار. تتطلب من الإدارة تحرير ذاة القرار بلغة المحكوم. وهو مالايتوفر في مغرب هنا والآن. فعلى الرغم من كون اللغة الأمازيغية في لهجاتها الثلاث شكلت اللغة الأم لجزء كبير من المواطنين المغاربة منهم جزء لايستهان به لايتقن من اللغات إلا لغته الأم، مما يجعله غريبا داخل وطنه، مادام أن لغته غير معترف بها ويطلب منه أن يتعرف ويناقش حقوقه بلغة أخرى غير لغته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق