الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية استراتيجية في مستقبل الحركة الشعبية العربية السلمية الحلقة الثانية (2/ 2)

حسن خليل غريب

2022 / 2 / 19
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ثانياً: الجيل الثاني: الكفاح الشعبي المسلَّح
من دون أن ننسى تجارب المقاومة للشعب الفلسطيني قبل العام 1948، تغيَّرت المشاهد والاستراتيجيات بعد تجربة (الحرب النكبة) على أرض فلسطين، التي قادتها الأنظمة العربية الرسمية. حينها أطلق ميشيل عفلق، مؤسس البعث، صرخته المشهورة: (لن يحرر فلسطين سوى الكفاح الشعبي المسلَّح). وقد ظلَّت تلك الصرخة تفعل فعلها إلى حين بطل مفعولها بعد حرب حزيران في العام 1982. ومنها أرغمت منظمة التحرير الفلسطينية على توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1992.
ومن دون أن ننسى دور أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، التي بنى فيها حزب البعث العربي الاشتراكي أول تجربة للكفاح الشعبي المسلَّح في بعض قرى لبنان الجنوبية، وتقديمهم الشهداء في معارك مواجهة مباشرة مع قوات الكومندوس الصهيونية. والتي استمرت بعد العدوان الصهيوني في العام 1982. تلك التجربة التي انخرط فيها حزب الله متأخراً ثلاث سنوات تقريباً، والتي استفرد فيها، بعد إقصاء كل القوى الوطنية التي شكَّلت أماً وأباً لها. إذ كان هذا الإعداد والتنفيذ من صنع النظام الإيراني والسوري، وأما السبب فكان إبعاد من لا يلتزم بمنهجهما السياسي والعسكري، وخاصة منها أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية.
ولقد أصبحت أهداف النظامين مكشوفة بعد تحرير الأراضي اللبنانية في العام 2000، إذ أكَّدت وقائع ما بعد التحرير، أنهما كانا يُعِدَّان حزب الله لكي يلعب دوراً بالغ التأثير في النظام الطائفي السياسي في لبنان. الذي ليس من المفيد أن نكرر مشاهده، لأن لذلك مكان آخر.
ومن دون أن ننسى الدور الكبير الذي لعبته الحركات الوطنية والإسلامية في العراق، تلك التي سجَّلت أكبر انتصار لها، بعد تجربة فييتنام، ضد الأمبريالية الأميركية، واستمرت في مقاومتها حتى طرد قوات الاحتلال الأميركي في العام 2011.
نتيجة لهذا العرض لتاريخية استراتيجية الكفاح الشعبي العربي المسلَّح. ونتيجة لغياب أية مظاهر لقوى الاحتلال في العراق وفلسطين، لأنه غيَّر جلده إلى أنواع أخرى منه. يمكننا أن نقول: ستبقى هذه الاستراتيجية إحدى أهم الوسائل التي تردم فيها قوى الشعب العربي الهوة بين موازين القوى العسكرية النظامية، وإنها إحدى أهم الاستراتيجيات التي يمكن اللجوء إليها إذا ما توفرَّت أسبابها في المستقبل. ولماذا؟
في فلسطين، كبَّلت القوى الدولية أذرع السلطة الفلسطينية ودفعتها للتوقيع على أنها مُلزمة بأن لا تبني جيشاً وطنياً بأكثر من بناء مؤسسات أمنية لحفظ الأمن الداخلي. ولهذا لن تستطيع السلطة أن تصل إلى درجة التوازن العسكري مع آلة الحرب الصهيونية.
وفي العراق، بعد أن انتفى وجود جنود للاحتلال الأميركي في شوارع المدن والقرى العراقية؛ وحتى التواجد الإيراني فهو غير ظاهر بشكل واضح، بل تمَّت تغطيته بمؤسسات ميليشياوية عراقية شديدة الولاء لها، ومُنفِّذة لأوامرها. فهذا الواقع لم يعد يسمح بممارسة استراتيجية الكفاح المسلَّح، لأن القاتل عراقي، والمقتول سيكون عراقياً. وهذا ما سوف يُغرق العراق بحرب أهلية تزيد من عمق الفجوة بين أطياف الشعب العراقي ومكوناته المذهبية والعرقية.
ولكل هذه الأسباب انتفت أهمية استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح على الأرض العربية في هذه المرحلة. ولكنها، وعلى الرغم من أن استرتيجيات الأمبريالية والصهيونية قد تعلَّمت من مرارة الهزائم التي مُنيت بها على أية أرض عربية تمَّ احتلالها بالقوة العسكرية، إلاَّ أن استراتيجية الكفاح الشعبي المسلَّح ستبقى السلاح الاستراتيجي الأكثر فعالية في تحرير أية أرض عربية يمكن أن يتم احتلالها في المستقبل.

ثالثاً: الجيل الثالث: الحراك الشعبي السلمي.
نتيجة الإخفاقات التي عرفتها الحراكات الشعبية التي اندلعت في تونس منذ العام 2011، وانتهت بسورية. ونتيجة للملابسات التي حصلت في تفسير الدوافع من وراء اندلاعها في أشهر محدودة، وبشكل متتالي. ولما لاقته من ترحيب عربي شامل وعارم، بدأ الإحباط ينتشر نتيجة ما أظهرته الأحداث من مظاهر أخذت تتكشف تباعا أكدت أن ما كان يدور ليس أكثر من مخطط جهنمي، قادته الأمبريالية والصهيونية بمشاركة من حركة الإخوان المسلمين والنظام الإيراني، مستغلين النقمة الشعبية العربية التي كانت كامنة تنتظر ساعة الصفر لتفجيرها.
ولما كانت الحركة العربية الثورية تراقب ما يجري، ولما تأكَّدت من وجود مؤامرة مرسومة،
ومستفيدة من مكتسبات ديموقراطية فرضت نفسها بحق التظاهر السلمي.
ابتدأت صفحة أخرى مغايرة كلياً للصفحة التي سبقتها. وانتشرت سلسلة من الانتفاضات الجماهيرية، كانت ممسوكة من قبل بعض أحزاب الحركات الثورية لمنع حرفها عن سياقات الوسائل العنفية، ومنع عسكرتها كي لا يتم استغلالها من قبل القوى الخارجية المتربصة بها.
ولهذا، ولكي نحقق الاستفادة من رصدها تاريخياً وتحليلها تحليلاً علمياً، سنقوم باستعراضها تسلسلاً زمنياً، كما حصلت:
1-السودان: اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية في بعض المدن السودانية بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، بشكل مظاهرات، في 19 كانون الأول من العام 2018. واستمرَّت الاحتجاجات إلى حين إسقاط الرئيس عمر حسن البشير وبعض رموز نظامه، وذلك في 11 نيسان من العام 2019، بعد أن حكم السودان نحو ثلاثة عقود منذ العام 1989. عندما أعلنت اللجنة الأمنية العليا انقلابها على رأس النظام وانحيازها إلى الثورة.
وقد أدَّت المفاوضات التي جرت بين القيادة الثورية (قوى إعلان الحرية والتغيير) وقيادة اللجنة الأمنية العليا، الممثلة آنذاك في المجلس العسكري، إلى إنجاز الوثيقة الدستورية التي أضحت تشكِّل المرجعية القانونية لهياكل الحكومة الانتقالية وأولوياتها السياسية، واختصاصاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. وأما بعد الانقلاب العسكري الذي قاده البرهان، رئيس المجلس العسكري، بدلاً من أن يحبط الثورة الشعبية فقد زاد تأجيجها، ولا تزال.
2-الجزائر: انطلق التظاهرات في فبراير عام 2019، وعرفت بداية بالانتفاضة الشعبية ومن ثم تحولت إلى حراك مستمر نسبيِّاً. ونجح المحتجون بدفع بوتفليقة نحو الاستقالة، وسجن مجموعة كبيرة من المسؤولين بتهم الفساد، إلا أنّ الجزائريين مستمرون في تحركاتهم حتى تحقيق مطالبهم أبرزها مجلس نواب يعكس تطلعاتهم ، ورئيس ينهي مخلفات الحقبة الماضية، بحسب الناشطين.
3-العراق: في أوائل تشرين الأول من العام 2019، اندلعت المظاهرات الشعبية في محافظات العراق الجنوبية، حيثما كان يحسب الكثيرون، خاصة النظام الإيراني، أنها لن تحصل. الأمر الذي شكَّل المفاجأة الكبرى وأحدث إرباكاً شديداً عند المؤسسات السياسية والأمنية الإيرانية داخل إيران وفي العراق.
4-لبنان: بأقل من أسبوعين بعد اندلاع الانتفضات في العراق، أي في 17 تشرين الأول من العام 2019، اندلعت انتفاضات واسعة في شوارع بيروت كانت المنصة الأولى التي بدأت تزعزع الأسس التي بني عليها نظام الطائفية السياسية في لبنان.
5-قبل هذه وتلك من الانتفاضات، وأثناءها وبعدها، واستمراراً لحيوية الشعب الفلسطيني، انتشرت أعمال شعبية كان من أكبرها ما حصل في منطقة الشيخ جراح في القدس المحتلة.
ومرة ثانية وثالثة ورابعة، تؤكد وقائع التاريخ العربي المعاصر أن الحراك الشعبي السلميي يثبت أنه يستطيع إرباك الأنظمة الرسمية، لأنه يضعها وجهاً لوجه أمام الضمير الشعبي الدولي الذي يستطيع مساءلتها أخلاقياً وإنسانياً، وتستنفر شوارعها وتضغط على حكوماتها من أجل إعلان الرفض في مواجهة الأنظمة الرسمية التي تتعاطى مع الحراكات الشعبية بالقمع والاضطهاد.

رابعاً: استنتاجات
أصبح من المستحيل أن يصل العرب، في التركيبة الراهنة لتلك الأنظمة، إلى مرحلة التوازن العسكري مع الدول الكبرى بشكل عام، ومع العدو الصهيوني المدعوم من القوى الدولية شرقية كانت أم غربية. وهذا ما يدفع إلى خيارات أخرى في تحرير الأراضي العربية المحتلة، وأثبت خيار استراتيجية التحرير الشعبية. ما زاد الأمر تعقيداً هو أن اتفاقيات كامب ديفيد 1977، وبعد أن ضمَّت إليها اتفاقية أوسلو 1992، واتفاقية وادي عربة 1994، فقد استأنفت مسارها التأثيري وولَّدت في العام 2021، سلسلة من اتفاقيات التطبيع مع بعض دول الخليج العربي.
وأصبح من الصعب الحصول على الحقوق الشعبية من الأنظمة من دون توفير قاعدة الحد الأدنى من القاعدة الشعبية الواعية لحقوقها وواجباتها.
ومن الصعب أيضاً الحصول على تلك الحقوق باستراتيجية عسكرة الحراكات الشعبية، لأن الأنظمة هي الأقوى على هذا الصعيد.
ومن المعيب أن تستعين الحراكات الشعبية بقوى خارجية لاستعادة تلك الحقوق، لأنها ستخسر أمانتها للأخلاق الإنسانية، بارتكاب الخيانة العظمى لدساتير الدول المنتمية إليها، وتعمل من أجل مصالح الخارج، لأنه لا مساعدة خارجية من دون الحصول على ثمن.
بالنتيجة لقد فشلت الحرب النظامية الرسمية بتحقيق أهدافها، بل كان الرابح فيها قوى الاستعمار والصهيونية. وأدَّت استراتيجية الكفاح الشعبي المسلَّح أهدافها حيثما حصلت في لبنان والعراق. بينما تجربة المقاومة الفلسطينية، من خارج الأرض المحتلَّة، تمَّ إحباطها بشتى الوسائل والسبل واقتيدت إلى دائرة التسوية. ولهذا، وبعد أن سوَّر العدو الصهيوني نفسه بجدران من الإسمنت على الحدود اللبنانية – الفلسطينية. وباتفاقيات كامب ديفيد من جهة مصر. واتفاقية وادي عربة من ناحية الأردن. وبإشغال سورية بحرب استنزاف داخلية، ورهنت مصير الحل فيها إلى طاولة مفاوضات ليس لنظامها الرسمي دور مؤثِّر فيها. وبعد أن وظَّف حزب الله إنجازاته لمصلحة النظام الإيراني وانتقل من ضفة الكفاح الشعبي المسلَّح إلى ضفة الحرب النظامية التي آلتها الصواريخ العابرة للحدود. وبسبب تلك المتغيرات، فقد الكفاح الشعبي المسلح صلاحيته.
لكل تلك الأسباب، ولانتفاء وجود محتَّل ظاهر، كما في العراق. وباستثناء القضية الفلسطينية، التي لها خصوصيتها. ولأن حراك (ثورة الشباب العربي) أثبت نجاحه على أكثر من صعيد. كان لا بُدَّ من وضع رؤية لمستقبل هذا الحراك.
خامساً: نتائج في الرؤية، واقتراحات عامة:
اعتبار الرؤية تتعلَّق بكل ما له علاقة بحركة الثورة الشعبية، أو من له علاقة بها من شتى التيارات الشعبية والحزبية العربية، مشمولة ومعنيَّة بمناقشتها، نضع العناوين الرئيسة التالية:
على قاعدة التلاقح الثوري، والعدوى الاجتماعية بين حركات التغيير في العالم، ونخص بالأولوية في هذه الرؤية، حراكات الشباب العربي السلمية، الدائرة الآن. ندعو الجميع للمساهمة في إغنائها بقواعدها العامة وليس بتفصيلاتها، لأن للتفصيلات مجالها الخاص.
-القاعدة الأولى: قومية الحركة الشعبية السلمية: على الحراكيين القطريين أن لا يخشوا من استخدام مصطلح القومية، لأن كل حركة تغيير تجري على المستوى العالمي تحتاج إلى من يؤيدها لتكسب زخماً من الرأي العام الخارجي. ولأن الهموم الشعبية العربية تكاد تكون متشابهة، سيكون العربي أينما كان وإلى أي قطر عربي انتمى هو أكثر المؤيدين حماساً لمساندة الحراك في قطر عربي آخر. وسوف يشكل التلاقح الاجتماعي بين حراك عربي وآخر قانوناً يؤكد على أهمية الوحدوية الشعبية العربية. وهي بدورها تشكل مدخلاً أساسياً لوحدة سياسية في المستقبل، لما لهذه الوحدة من تأثير لوضع العرب في موقع القوة بين الدول الأخرى، وهو ما سوف يفرض وجودها على طاولات أصحاب القرار من الدول الأخرى. وليعلم القطريون، على شتى انتماءاتهم، أنه في وحدة العرب قوة لهم لا تنتقص من سيادتهم شيئاً.
-القاعدة الثانية: جبهوية الحركة الشعبية السلمية: إن ما جاء في العنوان السابق أعلاه، من أسباب تدعم وجهة نظرنا، ينطبق على عنوان الجبهوية. ولذلك على جميع القوى الشعبية العربية أن يبادروا إلى أن يتلاقى البعض منهم مع البعض الآخر، لأنه لو اختلفوا في المنطلقات الأيديولوجية، فإن المطالب الحقوقية لا تقبل القسمة والتقسيم لوضوحها ولضرورتها للجميع. وهل يختلف اثنان على حاجة كل البشر لرغيف من الخبز أو حبة دواء أو قطرة من الماء؟ أو هل يختلف اثنان على أهمية العدالة والمساواة بين كل طبقات الشعب؟ و.. و...
-القاعدة الثالثة: اعتبار قضية فلسطين قومية بامتياز: باعتبار استيطان فلسطين بالصهاينة المستوردين من الخارج كان من أجل تحقيق أهداف استعمارية بالسيطرة على الوطن العربي. واعتبار توطين اليهود الصهاينة فيها، مخلباً للوصول إلى قلب الوطن العربي، نؤكد أن قضية فلسطين تنال من أمن كل دولة عربية، سواءٌ أكان أمناً عسكرياً أم أمناً اجتماعياً أم أمناً اقتصادياً.
ولأن بقاء الكيان الصهيوني محتلاً للأرض الفلسطينية، يمسُّ أمن كل مواطن عربي، نعتبر تحرير فلسطين، ضمانة لمصير كل العرب جميعاً. إن هذه الحقيقة ترتِّب موجبات على كل عربي مقاومة ما حصل من اتفاقيات للتطبيع بدءاً من اتفاقية كامب ديفيد وصولاً إلى آخر اتفاقية حصلت في العام 2021. ومن دون الغرق في تفصيل تلك الخطة، نعتبر أن الرفض الشعبي العربي أينما كان، يشكل سدَّاً يحول دون بلوغ أهدافه، ويبقى أسيراً في أروقة الأنظمة الرسمية من جهة، وبين جدران السفارات من جهة أخرى. وبذلك ستبقى من دون مفاعيل لأنها سترفض تطبيع الشعب مع كل أنواع العلاقة مع الصهاينة، بدءاً من الزيارات السياسية انتهاء بمقاطعة شتى منتجاتها الصناعية.
(إنتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟