الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمي رقية ...رقة عفراء معطاء

علي أحماد

2022 / 2 / 21
سيرة ذاتية


دكالية المنبت والأصل ، طيبة قولا وفعلا .. قلبا و قالبا. كريمة ..لن ينال باللمز والغمز من سيرتها من يتهمها - من أهل الدوار - بالبخل والحرص الشديد وباليد المغلولة الى عنقها . أمي رقية ( هنا تنتفي كلمة خالتي وتعوض ب " أمي " ) امرأة طاعنة في السن شديدة بياض البشرة، ربعة القوام تبدو أكبر سنا من بعلها. بوشعيب ( يحب دكالة هذا الإسم تيمنا بالولي الصالح دفين أزمور أبو شعيب الدكالي الملقب بالسارية ) رجل قصير القامة وقمحي اللون تشع عيونه السوداء ذكاء متقدا . كساب وتاجر مواشي يجوب الأسواق المجاورة ، والتي تسمى بأسماء الأيام التي تقام فيها ( ثلاثاء سيدي بنور،أحد أولاد فرج ، أربعاء العونات ، سبت سايس ، خميس الزمامرة وإثنين بن إيفو ). أسر الي ذات يوم وهو في حالة صفاء في حديث ودي ( كنت خماسا عند أبيها وقد كان رجلا / فلاحا ثريا ورثت عنه أمك رقية اطيانا بدكالة والشاوية ...كان يصعد على ظهري وانا جاث على ركبتاي ويداي ليمتطي صهوة جواده ...وشاءت الأقدار أن أتزوجها ). الحقيقة أن امي رقية تجود علي كل صباح بما تراه كافيا من حليب البقرة الطازج والفوار يتصاعد من الإناء لقهوة الفطور مما فضل على الدار بعد بيعه لرجل يجمعه في براميل كبيرة يحملها على متن عربة هيكلها من حديد يجرها حصانين قويين . يأخذه الى " تعاونية الحليب " على جانب الطريق الإسفلتية بين زاوية سيدي اسماعيل وخميس الزمامرة . يمد القرويين الذين لا يملكون بقرة حلوبا بقسط من الحليب. لأمر أجهله كان هذا الرجل يكرهني ولا يجود علي بالحليب كما يفعل مع معلم آخر – من الدار البيضاء - يسكن منزلا كبيرا على حافة الساقية الكبيرة. يمر الرجل بعربته أمام باب بيتي كل صباح حوالي الساعة السابعة صباحا، والحق أن بعض السكان طلبوا مني أن أعترض سبيله ليمنحني حليبا وأكدوا علي في ذلك، وهو لن يبخل علي. ولكني اصطدمت برعونته وتركت سؤاله.
أتوجه الى المنزل كل صباح وبيدي إناء بلاستيكي شفاف يسع لترا من السوائل . تملأه أمي رقية بأصابع مرتعشة ولم تتجاوز أبدا القدر المعلوم ولا تنظر قط الى حجم الماعون . وأنا لا أطلب المزيد وأرى فعلها كرما فهي لا تنتظر منا جزاء ولا شكورا. يكفيها أجرا و ثوابا أنها لم تتأفف أبدا ولم ينقطع عطاؤها. أجدها متأهبة تستقبلني وهي تمتم بالدعاء لي بشفاه متدلية فقدت السيطرة عليها. احتجت يوما عسلا لزوم دواء السعال ففيه شفاء للناس. أخذت قدحا زجاجيا وسرت الى أمي رقية ، وأنا أعلم أنها لن تردني خائبا خاوي الوفاض وكما يجري على لسان العامة ( إذا قصدت فاقصد الدار الكبيرة ). وجدتها كما عهدتها تلبي طلبي. سرت الى داري فرحا بما غنمت . سمعت صوتا ينادي علي فالتفت فرأيت بوشعيب ممدا فوق كومة تبن يتعرض للشمس بجلباب صوفي وعلى رأسه عمامة بيضاء اعوج وضعها على رأسه الحليق . بوشعيب هذا كريم محفظة نقوده مفتوحة لمساعدة المحتاج ولكن الناس هنا لجهلهم يتهمونه – حسدا من أنفسهم - بالرياء . عرجت عليه و بعد التحية والسلام سألني عن حاجتي بالمنزل ؟ أجبته أني طلبت عسلا من أمي رقية فأمرني أن أريه الكأس . تأمله بين يديه وهو يهمهم بكلمات غير مفهومة تشي بأنه يعلم طبع زوجته ويندهش من عطائها. رد علي الكأس وهو يردد ( لقد أعطتك ...لقد أعطتك أيها الفقيه ) وأضاف وانا أهم بمغادرة المكان ( أعاني من ألم في الظهر وطلبت منها عسلا ولكنها لم تستجب لطلبي ).
نعم الأسرة طيبوبة وكرما حاتميا.. بجوارها لقينا التقدير والاعتبار وكأننا من الأقارب . للأسرة طبيب شاب يعمل بمستشفى الجديدة يزورها بين الحين والأخر يشاركنا مائدة الطعام – بمنزلهم - دون تكبر على ضوء شموع كبيرة فوق شمعدان طويل من نحاس أصفر بديع الصنع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر