الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة الاوكرانية اسبابها وتداعياتها

حاتم استانبولي

2022 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


الازمة الاوكرانية أسبابها وتداعياتها.
مشهد الانسحاب الامريكي من افغانستان الذي اعاد للذاكرة انسحابهم من فيتنام اعتبره الكثيرين تكرارا هزليا للهزيمة الفيتنامية .
هذه الهزيمة التي تركت آثارا سلبية عميقة على حلفاء الولايات المتحدة وكشفها أمام خصومها وأعدائها.
المشهد الآخر كان التدخل الروسي الناعم في بيلاروسيا لحماية الدولة البيلاروسية ونظامها الرئاسي والتدخل العسكري في كازاخستان للقضاء على التمرد المسلح الذي كان يهدف إلى إسقاط الدولة ونظامها.
إذا ما دققنا في هذين المشهدين يتضح للمراقب أن هنالك تراجع في الدور الأمريكي وتقدم في الدور الروسي.
هذا التراجع ليس بالضرورة أن يمليه ضعفا امريكيا بل يمكن أن يفسر على انه اعادة تموضع لدورها واستبدال التدخل العسكري المباشر باستخدام أدوات محلية بألوان متعددة تبعا لظروف المكان والزمان.
أما تقدم الدور الروسي فهو يتحرك في إطار إعادة رسم خريطة المصالح الروسية بما يتلائم مع حجم نفوذه السياسي والعسكري.
ما جرى في كل من بيلاروسيا وكازاخستان كان رسالة فهمتها موسكو بوضوح على أنها تهدف إلى تضييق الخناق على موسكو في مشهد يشبه وصول القوات النازية كراسنا بوليانا على مشارف موسكو في الحرب العالمية الثانية.
التحرك الروسي سياسيا وعسكريا يهدف الى ارسال تحذير ان موسكو لن تعد تقبل السياسة الممنهجة لِحصارها عبر الحملة الإعلامية والسياسية والعسكرية التي تهدف إلى تضييق الخناق عليها لتهيئة ظروف داخلية لتقويض النظام الرئاسي فيها.
الإدارة الأمريكية تريد من التصعيد على الجبهة الأوكرانية إعادة التماسك السياسي والعسكري والاقتصادي بين حلفائها.
هذا التماسك الذي أضعفته سياسة الرئيس السابق ترامب خاصة بما يتعلق بالملف الأوكراني الذي اتهم فيه ترامب في حملته الانتخابية ٢٠١٦ و٢٠٢٠ الرئيس بايدن وابنه في عمليات فساد في قطاع النفط والغاز.
البيت الأبيض يتمنى أن يقع الكرملين في الفخ المنصوب له ويهاجم أوكرانيا ليتسنى له وضع الحبل على رقبة الرئيس الروسي ومحاصرة روسيا واتخاذ خطوات من الممكن ان تؤدي الى اخراجها من مجلس الأمن الدولي في ذات السيناريو الذي أخرجت فيها سورية من الجامعة العربية وبذلك تجردها من سلاح دبلوماسي هام طالما عرقل السياسيات الامريكية وجعلها تتصرف منفردة من خارج المؤسسات الدولية.
اعلان البيت الابيض موعد الهجوم الروسي في ال١٦ من شباط وسحب جنوده ودبلوماسِييه من أوكرانيا والتلويح بحزمة عقوبات غير مسبوقة ضد موسكو ودفع حلفائه لتحضير حزمة عقوبات اقتصادية بالرغم من ان موسكو تعلن ليل نهار انها لن تهاجم أوكرانيا.
كل هذه الحملة المفترضة في وسائل الإعلام التي تبث التقارير عن هجوم وشيك على أوكرانيا تعيد الى الاذهان التقارير الاستخباراتية التي حملها توني بلير حول أسلحة الدمار الشامل في العراق وعلاقة العراق باعتداء ١١ سبتمبر التي تبينت أنها ادعاءات كاذبة. البيت الأبيض يسعى لِتغيير صورته التي تمخضت عن الانسحاب الامريكي المهين من أفغانستان بصورة المنتصر بعد ١٦ شباط لِيخرج ويعلن أن تحذيراته والتلويح بالعقوبات هما السبب في تراجع موسكو والرئيس بوتين شخصيا عن اجتياح أوكرانيا.
السؤال الملح الذي يجب أن يسأل ما هو جوهر الخلاف الامريكي الروسي ؟
أولا: يجب التأكيد أن النظام السياسي والاقتصادي في روسيا ليس ذات النظام السياسي والاقتصادي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي .
روسيا اليوم هي من الدول الرأسمالية الصاعدة التي ورثت عن الاتحاد السوفييتي فقط مقعده في مجلس الأمن.
روسيا أعادت بناء قِيَمِها السياسية والثقافية ونظامها الاقتصادي على أسس رأسمالية الدولة.
رأسمالية الدولة الروسية تسعى إلى إعادة رسم حدود مصالحها القومية في إطار رابطة اتحاد الدول المستقلة والتي تضم أوكرانيا كأحد المؤسسين لهذا الاتحاد.
الانقلاب الذي حدث في أوكرانيا عام ٢٠١٤ بدعم من الدول الغربية والذي نتج عنه ما يعرف بالأزمة الأوكرانية بعد إعلان استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
سارعت روسيا إلى إعادة ضم شبه جزيرة القرم عبر استفتاء عام اعادها الى السيادة الروسية في أول رد على الانقلاب المدعوم غربيا .
الولايات المتحدة رأت في الخطوة الروسية مؤشرا على خروج الدور الروسي عن الإطار الذي سعت إلى احتواءه ضمن منظومة رأس المال التي تقودها الولايات المتحدة.
التعارض القائم بين شكلي دور رأس المال السائد في كل من الدول الصاعدة مثل الصين وروسيا التي توظف دور رأس المال لصالح الدولة وبين شكل دور رأس المال في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واليابان الخ الذي يوظف إمكانيات الدولة لصالح الشركات التي تحتكر رأس المال المالي والصناعي.
هذا التعارض يجب ان يفهم انه تعارض في ضمن الرأسمالية الصاعدة و الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية التي تريد ان تخضع كافة الدول ضمن شروط منظومة سيطرة أدواتها المالية والاقتصادية والعسكرية و مفهوم قيمها الاجتماعية التي في كثير من الأحيان تستخدم للتلاعب في مكونات المجتمعات تحت عناوين انتقائية لمفاهيم الحرية والعدالة والمشاركة هذه العناوين التي تضغط من خلالها في أماكن وتتغاضى عنها في اماكن اخرى.
الازمة الاوكرانية كشفت ضعف تماسك الاتحاد الأوروبي الذي اختلف أعضائه حول كيفية مواجهة الازمة الأوكرانية وتداعياتها على دول الاتحاد وتصاعدت مرة اخرى اهمية ايجاد طرق ووسائل للمحافظة على الأمن الأوروبي.
وطرح تساؤل في العديد من دول الاتحاد الغير منضوية في عضوية الناتو حول الانضمام للناتو وهل هو الإطار الأفضل للحماية الأوروبية؟
أين مصلحة أوكرانيا وشعبها ؟
هذا السؤال الذي يجب أن يتم الاجابة عليه من قبل السياسيين الأُوكران بعد أن تبين لهم سقف الموقف الاوروبي والامريكي وحالة الذعر التي نشرتها تصريحاتِهم السياسية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الأوكراني.
العلاقة التاريخية بين الشعوب السلافية الشرقية التي تتشارك في اللغة والدين والتاريخ والمصالح المشتركة هي الأساس الذي يجب أن يحكم المصالح المشتركة بين الدول والحوار الذي يستند على احترام هذه الروابط التاريخية يحقق الحلول الناجحة القائمة على احترام الخصوصية للمجتمعات.
ما هي خيارات كل من واشنطن وموسكو؟
الولايات المتحدة وحلفائها أعلنت عن سقف ردود فعلها الذي يقتصر على العقوبات التي ستصل الرئيس بوتين شخصيا وقامت بخطوات على الأرض من سحب جنودها ونقل سفارتها والطلب من مواطنيها المغادرة الفورية.
موسكو لديها خيارات عديدة للضغط من أجل تحقيق متطلباتها الأمنية التي تطالب بها واهمها الالتزام بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وعدم تمدده شرقا.
هذه الخيارات تبدأ في الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك الجمهوريتين الشعبيتين التي يعيش فيها حوالي ٧٠٠ ألف مواطن يحملون الجنسية الروسية.
هذا الاعتراف سيكون مدخلا شرعيا لحمايتهما في حال تعرضوا لأي اعتداء خارجي .
تصعيد الخيار العسكري سيكون محدودا على الجبهة الاوكرانية الداخلية بين القوات الاوكرانية ومعارضيها ومن خلفهما حلفاء الفريقين اللذان يحرصان على عدم تمدد الحرب إلى خارج الحدود الاوكرانية.
هذه الحالة تذكر بأزمة إقليم كوسوفو الذي أعلن استقلالا من جانب واحد مدعوما من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي وواجه معارضة صربية مدعومة من موسكو.
نتيجة الصراع حول أوكرانيا سيحدد مستقبل العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تريد من الأزمة سببا لِتُبقي حالة من التوتر والصراع والخوف الدائم لدى دول الاتحاد الأوروبي من النفوذ الروسي في جانبيه السياسي والاقتصادي ومدخلا لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال