الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب “القضية الفلسطينية الآن”

محمود سلامة

2022 / 2 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



* صدر كتاب “القضية الفلسطينية الآن” لجمال عبد الفتاح في عام 2021 عن دار المرايا للإنتاج الثقافي

بدأ المناضل الاشتراكي جمال عبد الفتاح مشروع كتاب “القضية الفلسطينية الآن” في منتصف 2017 كمقدمة لإصدار طبعة جديدة من كتاب “موقف من مهمات النضال الفلسطيني”، تأليف صلاح العمروسي (1974)، ويتضمن موقف حزب العمال الشيوعي المصري من القضية الفلسطينية في أعقاب حرب أكتوبر 1973.

ينطلق عبد الفتاح في عرضه للقضية الفلسطينية من موقف حزب العمال الشيوعي المصري في منتصف السبعينيات ومستعرضًا التغييرات والأحداث المختلفة التي حلت منذ تلك الفترة في سياق ما يسميه بـ”الردة الوطنية”، حيث انتقال البرجوازيات العربية من ضفة “الاستقلال الوطني” في الفترة الناصرية إلى التبعية الكاملة للرأسمالية العالمية.

“لقد كان ارتباطي بالقضية الفلسطينية منذ كنت صغيرًا أنا والكثيرين من أبناء جيلي والأجيال السابقة واللاحقة منذ نكبة 1948 ارتباطًا وثيقًا عميق الجذور”.

يبدأ عبد الفتاح في سرديته من علاقته الشخصية بالقضية الفلسطينية منذ العام 1956 حيث العدوان الثلاثي وتأثر الكاتب -كغالب أبناء جيله- بالناصرية التي تركها فيما بعد حين تعرف على الماركسية. التحق عبد الفتاح بجامعة الإسكندرية في عام 1966 أي قبل عام من هزيمة 1967 والتي كان لها دور كبير في تشكيل وعيه. اقترب بعدها عبد الفتاح من المجموعات اليسارية الفلسطينية، وشارك ورفاقه في دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة متمثلة في الجبهة الشعبية منطلقًا من رؤية أن تحرير كامل الأراضي الفلسطينية يأتي في سياق صراع الشعوب العربية ضد الاستعمار العالمي، بعد أن انتقلت الأنظمة القومية العربية إلى ضفة الإمبريالية العالمية. يفصل الكتاب كما يلي المراحل التاريخية التي حدث فيها هذا التحول.

يبدأ الكتاب في تحليله من منطلقات حزب العمال الشيوعي تجاه القضية الفلسطينية، حيث ينتقد الحزب الرؤية القومية للصراع باعتباره صراع “عربي-صهيوني” من خلال قراء واقع التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلدان العربية المختلفة. في هذه القراءة يظهر أن العدد الأكبر من الأنظمة العربية هي أنظمة رجعية وتابعة للإمبريالية الأمريكية، خصوصًا بعد الهزيمة المدوية للأنظمة القومية في 1967، حيث ظهرت محدودية استقلالية هذه الأنظمة وكذلك محدودية فدرتها على مواجهة الأعداء التاريخيين للشعوب العربية. انفردت البرجوازيات القومية بالهيمنة على السلطة والسوق، ورغم تحقيق بعضها درجات من النمو الاقتصادي، لم تستطع الإفلات من التبعية للإمبريالية، بل ووجهت هذه البرجوازيات نصلها الحاد إلى تنظيمات الطبقة العاملة في بلادها كما حدث في مصر والعراق وسوريا والجزائر.

من هنا لا يُستغرب موقف هذه البرجوازيات تجاه الكيان الصهيوني، الذب اعترفت به وبدأت في مسارات التفاوض المختلفة معه عبر الأمم المتحدة، واختزال القضية إلى قضية لاجئين في إطار سعي هذه الطبقات لمزيد من الاندماج في السوق العالمية. ظهر هذا جليًا في مصر في فترة حكم السادات والانفتاح الاقتصادي وما صاحبه من تغيرات هيكلية في الاقتصاد نحو تراجع الدولة عن دورها التنموي. كان هذا الربط بين النمط الاقتصادي للدول العربية مع القضية الفلسطينية هو أبرز إسهامات رؤية حزب العمال الشيوعي ومركزها أن نضال الشعب الفلسطيني ونضال الشعوب العربية من أجل الاشتراكية وجهان لعملة واحدة. ولعل موجة التطبيع الأخيرة في الخليج ومصر والتي يصاحبها (في مصر تحديدًا) تحولٌ عنيف نحو المزيد النيوليبرالية تؤكد صحة هذه الرؤية.

يستمر الكتاب في سرد تاريخي لأبرز محطات القضية منذ الحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1990). ربما كان أبرز ما في العرض التاريخي هو إبراز التناقض بين أهداف المقاومة الفلسطينية التي تستهدف تحرير كامل التراب الوطني والأنظمة العربية (ومنظمة التحرير تحت قيادة عرفات وقتها) التي تناضل تحت مظلة الأمم المتحدة وقرار التقسيم (قرار الأمم المتحدة 181 الصادر في عام 1947) وما يعنيه ذلك من اعتراف بالكيان الصهيوني. وكيف استخدمت هذه الأنظمة المقاومة كأوراق ضغط وكيف كان قبول منظمة التحرير بالدخول في هذه المظلة هو بداية عملية مستمرة من التراجعات المتتالية والتي ستنتهي بها في نهاية المطاف إلى اتفاقيات مدريد (1991) وأوسلو (1993).

ومن هنا كانت أهمية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث استوعبت جماهير الشعب الفلسطيني دروس خروج المقاومة المسلحة من العواصم العربية المختلفة وقادت ثورتها الشعبية معتمدة على قوتها الذاتية لأول مرة منذ 1948. خلال هذه الانتفاضة طور الشعب الفلسطيني من أدواته النضالية المختلفة من اضطرابات وتصنيع أدوات القتال بشكل محلي والاعتماد -لمدة 7 سنوات- على نفسها لتوفير احتياجاتها المعيشية خلال الانتفاضة. أظهرت الانتفاضة الوجه الحقيقي والإجرامي للكيان الصهيوني كما لم يحدث من قبل، إذ ألهمت الشعوب العربية، وتحولت مظاهرات دعم الانتفاضة إلى حركات ضد الأنظمة التابعة. انتهت الانتفاضة باتفاقية مدريد التي وقعها عرفات مستغلًا الانتفاضة كورقة ضغط في محادثات علنية بينما كان محمود عباس يتفاوض سرًا في أوسلو والتي انتهت بتوقيع الاتفاقية في البيت الأبيض بحضور عرفات ورابين في 1993.

يستكمل الكتاب التحولات المهمة التي صاحبت أوسلو لتنهي حالة الانتفاضة الأولى، ولتضع الشعب الفلسطيني في وضعٍ أشبه بالشعب المصري بعد كامب ديفيد. وكانت مفارقة تقسيم الضفة لثلاثة مناطق (أ، ب، ج) غطاءً لمزيد من الاستيطان مع القمع الشديد للمظاهرات داخل الضفة، بل وحتى وضع قيود شديدة على تحركات “السلطة” عبر تكثيف الإجراءات العسكرية والحصارات في الضفة وغزة. تحول الفدائيون السابقون إلى رجال درك لحماية السلطة الفلسطينية المُتوهَمَة. من التغيرات الهامة في هذه المرحلة اعتماد الشعب الفلسطيني على الإعانات الخارجية والمنح الأمريكية والأوروبية (والعربية).

ومع انتهاء مهلة الخمس سنوات التي وضعتها اتفاقية أوسلو (لإقامة دولة فلسطينية) في ظل هذا التردي، وفي ظل محيط عربي رجعي ومطبع، كان للشعب الفلسطيني رأي آخر حيث انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (سبتمبر 2000)، وكان لها دورٌ كبير في إحداث تصدعات كبيرة داخل الكيان الصهيوني أدت لخروجه من غزة بعد هدم المستوطنات وفرض حصار خانق على سكان القطاع. والمثل، فجرت الانتفاضة الثانية الصراعات داخل سلطة عرفات انتهت بموته وبمزيد من التطبيع والاندماج في منظومة الاحتلال، وصلت إلى تأييد سلطة أوسلو للعدوان على قطاع غزة بعد سيطرة حماس عليها في 2007 ومع صعود نجم المقاومة المسلحة مجددًا مع انتصار المقاومة اللبنانية في 2006 التي أعادت مرة أخرى للمخيلة إمكانية الهزيمة العسكرية للعدو الصهيوني.

في الفصول الأخيرة من الكتاب ينتقل الكاتب إلى سرد موضوعي يناقش فيه تبعية الاقتصاد الفلسطيني في الضفة وغزة للاحتلال الإسرائيلي وأثر ذلك في الحد من تجذير المقاومة خصوصًا في الضفة الغربية، التي هي سوق كبيرة للمنتجات الصهيونية.

يستعرض الكتاب في الفصل التالي قضية فلسطينيي الداخل المحتل وإستراتيجيات المقاومة من الداخل. ويتناول الكتاب في الفصل التالي القضية الفلسطينية وموجة الثورات العربية في 2011، وخصوصًا الثورة المصرية، حيث كانت القضية الفلسطينية دائمًا مركزية في الحراك الشعبي. وبشكل عام فإن القضية حاضرة دائمة في نضالات الكادحين وفي كشف الوجه الحقيقي للأنظمة العربية، بل أنه يمكن الربط مباشرة بين الحراك الشعبي المؤيد للانتفاضة الفلسطينية وما تلاه من تحركات ثورية أدت إلى تفجير موجات 2011.

ينتهي الكتاب بوضع إستراتيجية عامة للقضية الفلسطينية كجزء من ثورة عالمية ضد الرأسمالية حيث الصراع مع الكيان الصهيوني ككيان إمبريالي لا ينفصل عن صراع عالمي ضد النظام الرأسمالي.

يتميز الكتاب بالعرض التاريخي للقضية الفلسطينية، انطلاقًا من رؤية الحزب الشيوعي التي تنبأت مبكرًا ومنذ حرب 1973 بمسار القضية الفلسطينية والأنظمة العربية اعتمادًا على تحليل السياقات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الأنظمة. وهنا تكمن أهمية الكتاب حيث يحاول الربط دومًا بين التحليل الطبقي للأوضاع في فلسطين وما حولها وربط ذلك بالوضع الراهن للقضية الفلسطينية ووضع إستراتيجية عامة لها.

يسقط الكتاب في فخ التفسيرات الثقافوية في تحليله للتيارات الإسلامية واختزالها في صورة تيارات “رجعية تابعة للاستعمار”، وليس كونها تيارات متناقضة؛ تقاوم الكيان الصهيوني من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تستند إلى الأنظمة وتنضح بالطائفية وتجرم أحيانًا في حق شعوبها. ومثل هذه التناقضات تستلزم موقفًا مركَّبًا بطبيعة الحال.

ولكن بالرغم من هذا، تنبع أهمية الكتاب أيضًا من السياق الذي خرج فيه، حيث موجة التطبيع والقمع العنيفة التي تقودها الدول والتي طالت حتى مؤلف الكتاب، المناضل الاشتراكي جمال عبد الفتاح، والذي أفرج عنه في 2019.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا