الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
محمد الطراوي..والحلم بوطن حر
أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)
2022 / 2 / 24
الادب والفن
غيَّبَ الموت صباح أمس "الأربعاء" 23/ 2/ 2202 الفنان المصري الكبير "محمد الطراوي" (1956- 2202) بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلًا؛ فأسلم روحه إلى بارئها إثر حياة فنية ثرية رفدت تجربته العريضة بنسغ للحياة جديد.
وقد عاش الفنان محمد الطراوي حياته بغواية إحساسه المثير والمتجدد بالحياة ككينونة في حالة سيولة تراوح بين الخفاء والتجلي.. الإرجاء والآتي..فيضرب في غير اتجاه، متمردًا على ما حظيَ بالثبات والاستقرار ..لهذا لا يرسم إلَّا إذا كان في حالة امتلاء باذخ بموضوعه، واحتشاد نفسي بالمواجد والحب، وما تقوله الحياة لبياضها المستحيل.وبذلك أضحى الفنان محمد الطراوي كَلِفًا بمثاله الجمالي الصافي..ناشدًا صورته أو أنموذجه في تحققه أو اكتماله الأعلى، دون الوقوف طويلًا عند تجلياته العينية..اليومية..الجزئية.إذن..هو لا يتطلع إلَّا إلى الكلي، وإن بمحتوى مثالي..يسعى إليه باحتفاء شديد يليق بطموحه الفني..بل إنه يعزف عن ذلك التواصل الإنساني الذي لا ينهض على تحقيق هذه المعادلة.
تخرَّج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان – قسم جرافيك عام 1980، ولم يُمارسه، واتجه إلى التصوير الذي امتلك أدواته قبْلًا، بعد أن استهوته في مبتدأ حياته الفنية تجارب محمود سعيد في البناء والكتلة. وسيف وانلي في المنظر الطبيعي، وتناوله بشكل انطباعي وليس تسجيليًّا.وحامد عويس واهتمامه ببلاغة المهمشين وقوى المجتمع المنتجة من عمال وفلاحين.وثمَّن تجربتيْ عبد الهادي الجزار وحامد ندا.غير أن رغبته الدائمة في اكتشاف عالم آخر؛ دفعه إلى امتلاك أكثر من تقنية، وأعانه على اختبارعمق تجربته التي تفيض بها نفسه في تنوعاتها المعقدة..فاستهلَّ بواكير حياته بالألوان المائية التي تعجّ بالأسرار التي "لا تبوح بها إلَّا إذا نشأت علاقة حب بينها وبين الفنان" على حدِّ تعبيره.ومن ثمَّ؛ تحقق له الاندماج الكامل بين الألوان والأشياء والطبيعة الذي يعيشه عبر لحظات الصيرورة والتحول.
لذلك سكن الفنان محمد الطراوي الطبيعة وسكنته، وكرَّس حيزًا كبيرًا من انشغالاته الفنية للمناظر الطبيعية التي تضجّ بحقول من الاستعارات والعلاقات الجمالية والحدوس الفريدة التي تشعّ بإشراق خفي من خلال التفكيك المستمرّ لعناصرها، والذي لا يأتي في معارضة مع ما تقدمه الحياة الطبيعية، وإنما عبر تخطي المباشر والنفعي، والعثور على الحرية المطلقة للروح.
هناك – إذن – فعل انصهار داخلي، ينجز مهمته من خلال حركية الخيال الحر، التي هي أكبر من مجرد لحمة فنية، بل هي حالة اندغام واتصال، بإيقاع أسهم في إطلاق ندائه الحميم.
بَيْدَ أن سلطة الفتنة الخارقة لمنطق الكون والكائنات؛ دعت الفنان محمد الطراوي في البداية إلى التعامل مع "البورتريه" على نحوٍ سردي وصفي يُزيح النقاب عن تموجاته وتحجباته، كاشفًا عمَّا يُسره الجسد للنفس، وما ينسجه القلب من شجون، والتمييز المتراكب بين الصوت واللون، بما ينطوي عليه من معانٍ وطبقات..وبذلك يشكِّل البورتريه وفق ما يذهب إليه" مادة غنية، وبوابة للتعبير عن رؤيتي الخاصة".
ولأن محمد الطراوي يملك روحًا رومانتيكية شادية، فقد أمسى الوجدان لديه مصدرًا لطاقة تُعيد صياغة علاقته بالطبيعة؛ فيستعيد قدرته على الحياة والحركة، وينأى عن مسايرة الطبيعة كما يفعل الكلاسيكيون، ولكن تنحو به صوب الاختزال والتكثيف والابتعاد عن الميوعة العاطفية، واللواذ بالحلم الذي يقوده إلى قراءة العالم الداخلي للإنسان. وهو ما تجلَّى في معرضه الذي حمل اسم "رؤيتان" مؤكدًا تاريخ علاقة الإنسان بالطبيعة، ومع ذاته، ومحققًا استقلاليته النسبية في إطار وعيه بالزمن الحاضن لحركة التاريخ..تاريخ الطبيعة والإنسان..كما صارت العلاقة بين الإنسان والزمن علاقة تفجير وتحقق..تفجير طاقتيْهما الكامنتيْن، وتبديهما في مستوى أعلى..قأصبح الزمن الموضوعي العام، هو زمن الإنسان المدرك الفاعل.
وفي إطار هذا الفهم لماهية الزمن العام، أبدع محمد الطراوي لوحة "أيقونة الحرية" التي جسَّد من خلالها مفهومه للحرية، كما عبَّرت عنه ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة عام 2011، وتحطّم معها حاجز الخوف من القمع والفهر المترسخيْن على مرِّ العقود..وردًّا على الإهانة التي ألحقها المخلوع حسني مبارك وعائلته ببلدنا، ودفعًا باتجاه إنجاز مشروعنا النهضوي والتنموي..
وبذلك استطاع هذا الفنان أن يلتقط معنى اللحظة المصرية في انعطافها صوب التغيير الذي يجعل الوعي بالحرية شرطًا مسبقًا للحياة، والعودة إلى التاريخ الذي طردنا منه..مؤكدًا دور الوحدة الوطنية البنائي والوظيفي في ترسيخ فضاء الحرية المنشود دون شعارية ولا منبرية، ولكن في صياغة أدنى إلى التجريد الذي يمتح من مفهوم للفن يتجاوز الزمنية الضيقة، فيستعيد الرغائب والأحلام التي كانت تهمس في داخله متقدة بجمر الذاكرة العنيدة، في تمسكها بوطن حر..متوسلًا إلى فكرته هذه بألوان الإكليريك – خامته المفضَّلة لديه، والتي يعُدها البعض خامة بلاستيكية بحكم أنها سريعة الجفاف، يقتضي التعامل معها حِرفية عالية تمكنه من بلورة ما يسعى إليه ويروم.
وقد أفاد محمد الطراوي لا شكَّ من عمله الصحفي بمجلة صباح الخير التي تصدر عن مؤسسة روز اليوسف؛ مما مثَّل له "نافذة أو إطلالة، وعرضًا دائمًا على الصفحات، ومن خلاله استطعتُ تكثيف كلّ قدراتي وطاقاتي بشكل يتواءم وسرعة الإصدار" على نحو ما يقول.
رحمك الله يا صديقي المبدع..الموهوب..المثقف..الإنسان.
لا تسعفني الكلمات لنعيك؛ فحضورك المشع في حياتنا العامَّة آسر وحيّ وباقٍ.
زاملتك في أتلييه القاهرة، وتقاسمنا الحياة بحلوها ومُرِّها، وعرفتنا القاهرة بشوارعها وميادينها ومنتدياتها وجاليريهاتها ومطاعمها وناسها وأمكنتها المتعددة، وكنتَ نعمَ الصديق بكل ما تملك من غنى إنساني، وروحٍ وثَّابة، وتمرُّد على المواضعات الرديئة السائدة.
كنتَ وستظلّ أحد أعلام مؤسسة روز اليوسف، ومجلة صباح الخير بخاصَّة، وستبقى بصمتك الفنية جلية..باهرة إلى جوار كبار فنانيها: صاروخان ورخا وعبد السميع وصلاح جاهين وبهجت عثمان وجمال كامل وزهدي العدوي وجورج البهجوري وصلاح الليثي وأحمد إبراهيم حجازي ورجائي ونيس وإيهاب شاكر ونبيل السلمي ومحمد حاكم ورءوف عياد ورمسيس ومأمون وسواهم من مبدعيها الحقيفيين.
حصل الفنان الكبير محمد الطراوي على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1980- قسم الجرافيك، جامعة حلوان..عضو نقابة الفنانين التشكليين، وعضو نقابة الصحفيين.
حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الفنية بطشقند-أوزبكستان عام 2006.وجائزة دبي الثقافية الأولى عام 2013.وكان ضيف شرف بمعرض هرم سيتي - قصر الفنون.ودرع وشهادة تقدير المهرجان العام للفنانين والمبدعين العرب عام 2009 في سوريا.وجائزة الحفر الأولى للمجلس الأعلى للشباب عام 1997...وسواها من الجوائز الكبيرة.
له عشرون معرضًا خاصًّا، وسبعة عشر معرضًا جماعيًّا، وخمس وعشرون مشاركة رسمية خارجية.وأقام ورش عمل بهيئة قصور الثقافة في الأقصر وأسوان وسيوة والوادي الجديد.
وله إسهامات فنية كبيرة؛ حيث شارك بأعماله بتكليف من قطاع الفنون في متحف دنشواي عام 1999.وكان قوميسير معرض الفن المصري بالأردن عام 2009.وقوميسير صالون الشباب عام 2005. وقوميسير معرض الفن المصري التراثي بأوزبكستان عام 2006.وقوميسير المعرض العام عام 2013.وعضو لجنة السمبوزيوم - صندوق التنمية الثقافية.وعضو لجنة المعرض العام عام 2005.
أدرج الأعمال الفنية في أبحاث علمية لنيل درجة الماجستير بكلية الفنون الجميلة وكلية التربية الفنية.
أنتج للتلفزيون المصري ثلاثة أفلام وثائقية، وبرنامج أرابيسك للقناة الثانية، وبرنامج حكايتي مع المكان للقناة الأولى ولقناة الأسرة.
اقتنى أعماله : متحف الفن المصري الحديث، ومتحف كلية التربية، ومتحف دنشواي، ودار الأوبرا، ومتحف جامعة حلوان، ووزارة الخارجية المصرية، ومركز التجارة العالمي بباريس، ووزارة الثقافة المصرية، وصندوق التنمية الثقافية، والسفارة المصرية بباريس، ولدى بعض الأفراد بمصر والخارج.
اتسم بأسلوب فني شاعري فريد، يرتكز على موروث ثقافي شعبي وبيئي خاص؛ لهذا ارتبطت فرشاته بإدراكه البصري وبقوى الحياة الجمالية وحركتها الدائبة.
سنفتقدك كثيرًا يا محمد..سنفتقد حبك العظيم للحياة وإقبالك الراقي عليها..سنفتقد أنموذجك الباهر للأناقة، وعلاقتك باللون التي تعكس ديناميتك الوجودية. كنتَ بيننا، وستظلّ، مثل التاج الملكي في العصور القديمة، يضفي على صاحبه لا خطورة الشأن فحسب، بل أيضًا سماتٍ لا تُنكر من الرجولة والبسالة والرفعة الأخلاقية.
رحمك الله.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس