الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات الصبا.عفا الله عما سلف.9.

مهند البراك

2022 / 2 / 24
الادب والفن


و استمرت الحياة اليومية تسير من هدوء الى عواصف و الى ترقّب، بضوء قرارات الزعيم . . الذي اعلن فجأة عن العفو عمّن حاول اغتياله، في موعد عيد اضحى العام التالي على اساس (عفا الله عمّا سلف) . . الامر الذي اطلق انواع الاحتفالات و تعابير الفرح في الاعظمية، و الجعيفر في الكرخ . . وسط اندهاش و وجوم في محلات و عوائل بغدادية معروفة بتوجهها الديمقراطي و اليساري، لعدم شمول العفو ابنائهم و آبائهم، و بقي المئات من المعتقلين اليساريين و الديمقراطيين في السجون دون محاكمات . . بل بالعكس اخذت اعدادهم تزداد لتصل الآلاف . .
و بالعكس جرت احالة وجبات جديدة من الضباط الاكثر اخلاصا للزعيم على التقاعد، بينهم العقيد سلمان الحصّان و المقدم سعدون و المقدم ممدوح من محيط العائلة و الاصدقاء، بتهمة اليسارية او النشاط السياسي في الجيش، و وضع ابرز الضباط الاحرار اليساريين و الديمقراطيين من قمة الهرم الى قاعدته، تحت مراقبة اجهزة الامن رغم مواقع الكبار منهم في ذات القيادة العسكرية للزعيم نفسه، و بسبب ذلك العفو الوحيد الجانب للقوميين و البعثيين و الإحالات الكثيرة على التقاعد للضباط اليساريين و الديمقراطيين، انتشرت بين الناس تفسيرات و تساؤلات متنوعة بين منطقية و بين انها كانت من اناس تعرف ما كان يجري في كواليس حكم الزعيم . .
هل شكّل العفو ضربة الى محكمة الشعب العلنية التي كشفت خطورة القائمين على المحاولة ؟؟ و بالتالي قلق المحكمة من انهم اذا افلتوا فإنهم سيكررون المحاولة مرّات و مرّات، (و فعلاً بإفلاتهم اتوا بعد حدود سنتين مجدداً كقادة قتلة في انقلاب شباط المشؤوم 1963 . .) هل شكّل ضربة الى محكمة الشعب خاصة و انها كانت توصف بكونها يسارية. او لأن تلك المحاولة ادّت هدفاً من اهدافها و هي انها اخافت و اقلقت الزعيم، فأعلن عن العفو عن القائمين بها . . و يصف قسم من المتخصصين بأن الزعيم قام بتلك الإجراءات لإعادة توازن القوى القومية مع القوى الديمقراطية و اليسارية.
و ردّ آخرون بان الزعيم ان كان مهتماً بإيجاد ذلك التوازن، لماذا لم يعلن و يدفع لتكوين (لجنة تنسيق للاحزاب الوطنية عربية و كردية بشعار " لنعمل معاً ") التي طرحها الحزب الشيوعي على الاحزاب الوطنية ؟؟ . . فيما تساءل قسمٌ آخر لماذا لم يعمل الزعيم فعلاً على قيام برلمان وطني بضوء انتخابات عامة، وفق الدستور المؤقت الذي أُعلن اثر قيام ثورة 14 تموز . . ام انه خاف على كرسيه الذي قد يفقده اثر انتخابات عامة تؤدي الى حكم مؤسسات دستورية ؟؟
في نفس تلك الفترة اعلن مكتب الزعيم عن تأسيس مدينة اليرموك للضباط، التي تقرر ان تُبنى على مراحل و وجبات و ستُوَزّع دورها على الضباط باسعار زهيدة عبر اقساط تستمر مدة خمسة و عشرين عاماً، عبر جمعية بناء المساكن للضباط ، في خطوة فُسّرت بكونها لإرضاء ضباط الجيش و فسّرها كثيرون انها كانت في اطار محاولة لجعل الجيش العراقي بوحداته و بنائه كـ (الحزب الذي يسند الزعيم) و بقيادته بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة، خاصة و ان الزعيم لا يثق الاّ بالجيش و يخاف من الأحزاب، بتأثير المقربين منه . .
و خاصة من الحزب الشيوعي لأنه مدعوم من موسكو، بتصوير مقرّبيه و بأن الشيوعيين ينظرون الى ثورة تموز كثورة كيرنسكي الروسية في شباط 1917 و يهيّئون للثورة الكبرى كثورة اكتوبر بعدها، رغم مرونة الحزب الكبيرة معه . . و يخاف من الاحزاب القومية لأنها مدعومة من القاهرة التي كانت تدعو علناً الى تغيير الحكم و الى الوحدة الفورية مع القاهرة بل و حاولوا اغتياله، حتى انه لم يتفهّم الحزب الوطني الديمقراطي الوسطي بقيادة الجادرجي و لم يأخذ بإعتراضاته على سياسته بل عمل على شقّه . .
و بالتالي لابدّ من التذكير إن الزعيم لم يأتِ الى الحكم بطلب او على رأس منظمة او حزب شعبي ينتمي اليه او يقوده، و لم يأتِ الى الحكم الاّ بعد اتفاق مع (جبهة الإتحاد الوطني) الشعبية التي وافقته على القيام بحركته العسكرية لإسقاط الحكم الملكي ـ السعيدي و اقامة الجمهورية . .
و لابد من الإشارة الى دور درجة الوعي الشعبي الهائل في التأثير على الاحزاب الوطنية و سياساتها، فإن التأييد الشعبي لخطوات الزعيم في ايجاد عدد من الحلول لأوسع الطبقات و الفئات الفقيرة، قد اثّر تأثيراً كبيراً على سياسات الأحزاب، و خاصة الحزب الشيوعي الذي امتلك تأييداً جماهيرياً هائلاً، تأييداً لم ينفصل عن التأييد للزعيم، الذي لم يُثقّف به الحزب الذي دعا الى (حماية الجمهورية و تعميق انجازاتها)، الاّ ان ذلك التأييد كان تأييداً حماسياً عاطفياً لم يثمر عن حركة شعبية منظمة تحمي ماتحقق من مكتسبات و تحمي الزعيم ذاته و تحظى بدعمه.
و في تلك الفترة كذلك، أُعلن رسميّاً عن قيام اتحاد طلابي جديد لمنافسة ومواجهة الاتحاد الطلابي الشرعي (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية) . . سميّ بـ (الاتحاد الوطني لطلبة العراق)، و عن قيام منظمة نسائية تواجه المنظمة الشرعية المناضلة (رابطة المرأة العراقية)، سميّت بإسم (منظمة نساء الجمهورية) اضافة الى (دار الأخت المسلمة) التي كانت كضوء اخضر للقوى الاسلاموية للنشاط . . و فُتحت لتلك المنظمات مقرات رسمية مدعومة مالياً و حكومياً، في جهات متنوعة من الأعظمية. و هكذا سارت الحال و كأنما على تواصل و تصعيد الصراعات الحزبية و تنظيماتها . . بدلاً من العمل لتشجيع التفاهم بينها . .
و يرى محللون مستقلون، ان سياسة الزعيم الداخلية لم تختلف في الجوهر عن سياسة عبد الناصر ازاء القوى السياسية المصرية، التي ادّت الى محاولة اغتياله من الاخوان المسلمين من جهة، و ساق المئات من الاخوان المسلمين و عشرات الآلاف من الديمقراطيين و اليساريين الى السجون السيئة الصيت هناك، رغم انواع المرونة التي اتبعتها القوى الديمقراطية و اليسارية معه، حتى اعلن الحزب الشيوعي المصري حلّ نفسه، و دخل اليسار المصري في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي اسسه ناصر لدعمه هو، كمنبر من جهة اخرى . .
الاّ ان الزعيم عبد الكريم رغم كل محاولاته القاسية بحق القوى اليسارية و الديمقراطية العراقية من الاعتقالات المتواصلة و الى غض نظر اجهزته عن الاغتيالات بحق ناشطيها، بقيت تؤيده و تعمل على حمايته و لكن من جانب واحد، و وصل الحزب الشيوعي الى الإعلان عن حل منظمته العسكرية، و كان هاديه هو ما حققه و يحققه الزعيم للفقراء من جهة، و تعمّق الصداقة العراقية ـ السوفيتية من جهة اخرى، اضافة الى تصديق اقسام كبيرة لتصوّرها هي ان الزعيم (ابنها البار)، و الى (تفهّم) ان سياسته ضروري قبولها لعدم توفّر بديل آخر . .
استمرت سياسة الإغتيالات التي اتبعتها القوى القومية بحق الديمقراطيين، و بتعاون مع الاجهزة الخاصة لمكاتب الزعيم . . خاصة تلك التي وحّدت نفسها في اطار (الجبهة القومية) فيما رفع البعث شعار (البعث طليعة الثورة العربية)، في سعيه لضم كل القوى القومية تحت اوامره . .
ففي احدى امسيات تلك الفترة عرض تلفزيون بغداد في برنامج (السلامة العامة) حادثة اصطدام مرورية على طريق النجف، لسيارة فولكسفاكن مع شاحنة كبيرة محمّلة هرب سائقها و مات كل راكبي السيارة متفحمين، و بإدراج اسمائهم كانت المفاجأة الكبيرة، ان الركاب كانوا د. عبد الأمير السكافي و اخيه و ابني عمّه الذين كانوا ذاهبين الى مهرجان انصار السلام في النجف . .
كان د. عبد الامير السكافي سكرتيراً لحركة انصار السلام في النجف، و كان ذهابه الى المهرجان من ضرورات انجاحه بكلمته التي سيلقيها هناك . . و قبل ذاك كان قد عبّر اكثر من مرّة عن انه يُلاحق و قد يغتالوه بأي شكل، فكان يتحرّك مع مرافقيه المسلحين و هذه المرّة كانوا من عائلته الذين كانوا جميعاً معه في نفس السيارة . . و كان ذلك الاغتيال بشاحنة كبيرة خرجت من طريق زراعي لتسد الطريق على سيارته الفولكسفاغن التي كان يسوقها، صحبة اخيه و ابناء عمه، و احدثت اصطداماً مروّعاً ادىّ الى احتراق سيارته و تفحّم راكبيها و الى هروب سائق الشاحنة، و بقيت مناقشات تلك الحادثة المشؤومة و تطوراتها تُنقل على الهواء في التلفزيون لأكثر من شهر . . و سُجّلت الحادثة على ان مسببها كان مجهولاً . . (فيما كشفت سنوات لاحقة انها كانت خطة لإغتياله).
و قد اقيمت مجالس الفاتحة و العزاء على روح الدكتور عبد الأمير السكافي النجفي و رفاقه في كل الوية العراق، اضافة الى مجالس الفاتحة المحلية، و في مجلس فاتحة نسائي اقيم على روح الدكتور السكافي في الأعظمية جرى النقاش التالي بين المديرة الست منيرة الاورفلي و والدتي سعاد :
ـ للاسف خيرة شباب البلاد يذهبون ضحايا لصراع الاحزاب و نظرياتها و برامجها القادمة من الخارج، بلادنا تعاني من التخلف و الفقر و الأمية و الامراض و العادات الاجتماعية المتخلفة التي تزيد البلاد تخلفاً . . اين نحن الآن من الوحدة العربية الفورية و اين نحن من الاشتراكية ؟؟ بتقديري ان الزعيم يحمل افكاراً و يقوم بأعمال تخدم الشعب و تطوره و لا افهم لماذا تهاجمه كل الاحزاب و خاصة القومية و البعثية و الى درجة ما الحزب الشيوعي . .
ـ نعم عزيزتي . . المشكلة ان التخلّف نافذ في جميع الاحزاب لأن الأحزاب هي مؤسسات اجتماعية من ذات الشعب و افرادها رغم حملهم لأفكار جديدة الاّ انهم من هذا الشعب الذي ربّته سلطاته الحاكمة على الظلم و القهر و الجهل . . النظريات العالمية مفيدة و لكن ليس ان تؤخذ كنصوص قرآنية، و انما يُستفاد منها فائدة واقعية كمرشد في اطار ظروفنا و درجات وعينا و طموحاتنا كشعب متنوع الثقافات و الاديان، لمحاربة التعصب و التخلف و الجهل و العادات و التقاليد الموروثة كأنها مقدسات . . يستطيع الزعيم دعوة كل الاحزاب الوطنية للقاء و الاتفاق على برامج عملية للحكم . . لكنه يمكن ان يكون خائفاً من فقدان كرسيه، في ظروف اقليمية اوجدت قائداً كعبد الناصر الذي سحره حلم الزعامة على العرب، الذي تشجعه انواع الجهات المتضررة من حكم الزعيم في مقدمتها شركات النفط و الاقطاع . .
. . . . .
. . . . .
في نتائج الامتحانات النهائية لذلك العام نجحت الاول على الصف و اهداني الوالدان دراجة هوائية (بايسكل) ماركة " هركوليس "، كنت احلم بالحصول عليها، و صار عليّ تعلّم ركوب الدراجة الذي لم يكن سهلاً و لكن . . بعد طبّات و سقطات و حوادث صغيرة محدودة آذيت بها مرفقي و ركبتي و و . . تعلّمت قيادة الدراجة التي كأنها فتحت امامي عالماً جديداً في التجوّل و رؤية الاعظمية و حواريها و شوارعها الجميلة و خاصة الشارع المبلّط على السّدة المار على حافة النهر و الواصل الى (مسنّاية شيخ بلاسم) التي كانت بناءً كونكريتياً يحمي حافة النهر لإنشاء قصر (بلاسم الياسين) احد ابرز اقطاعيي الزمان الملكي . . التي توقف العمل عليها اثر ثورة 14 تموز. و بُني عليها لاحقاً قصر استاذنا البارز المرحوم د. كمال السامرائي. اضافة الى شارع عمر بن عبد العزيز و شارع المغرب و باب المعظم و الى مناطق السفينة و شارع الشباب و المناطق الشعبية . .
في احدى تلك الجولات على الدراجة الهوائية، وصلت الى شارع عشرين من جهة السدّة و قرب كازينو الراية العربية، شاهدت و انا بين الصبيان المتجمهرين ماسكاً دراجتي، موكب عرس قطع الشارع، جلس العروسان فيه ظاهرين على مسند الجلوس الخلفي لسيارة مكشوفة، و فرقة موسيقية كانت تعزف على الآلات الهوائية معزوفة (شيش كباب) الذائعة الصيت آنذاك خلفهما في سيارة بيكاب مكشوفة، و شكّل الموكب اكثر من عشر سيارات من مدعويّن، كانت احداها لرجال دين معممين . . المفاجأة ان العروس كانت شكرية بنت ام سناء !!
و كان في احدى السيارات عزوّز و هو بملابس اوروبية و نظارات سوداء، مرقت سيارته جنب سيارة العروسين، و كان يتكلم بصوت مسموع و السيارات تسير ببطئ و قال :
ـ ها شكرية هذا منين ؟؟ . . منو ؟؟ اشو آني ما اعرفه ؟؟
ـ مو قلت لك . . راح اتزوّج و العريس من الربع ؟
ـ ولج ياربع منهم ؟؟
ـ شيخ لاتصير سخيف الله يخليّك . . واحد من المعاميل !!
ـ ولج هذا يبيّن عليه غشيم !! انتي متأكدة انه يعرف شيسويّ هالليلة ؟؟
ـ بلي بلي سوّاها عدة مرات !! و آني و يّاك على العهد كما اتفقنا . . لا تغار !!
و بعد عقد الزواج الذي قام به شيخ و شهود في بيت العريس الذي غصّ بالضيوف الذين كان غالبيتهم من المشهورين بالسفاهة و بانواع السفالات . . تحرّك الموكب ليلاً نحو بيت ام سناء على وقع الـ (شيش كباب)، و استطعنا انا و عدد من صبيان المحلة اللحاق بهم بدراّجاتنا لفضولنا لرؤية ما سيحصل كما توقّعنا . . حتى استقر الجميع عند باب بيت ام سناء، و كان اصدقاء العروسين يمسّدون مؤخراتهما من اسفل نحو الاعلى او (يبعصونهما بصداقة) كما كانوا يقولون، لأن العروسين كانا يضحكان من تلك المداعبات، كي يثيرانهما جنسياً احدهما نحو الآخر كما هو متعارف في اوساط ام سناء و شكرية و عزوّز و من لفّ لفّهم .
دخل العروسان بيت ام سناء، مع عدد من الضيوف المقرّبين لهما و هم في هرج و مرج بسبب ادخال يد احدهم في سروال احدى الضيفات من الخلف دون مقدمات، و صرخت . . و تمزيق احد الضيوف السكارى ستيان احداهن التي عيّطت بصوت عالي : جرّ ايدك . . و الله اقطع ذكرك !!
و بعد هوسات و قرع طبلات و وقع رقصات، و عياط و هلاهل، فيما كانت صواني البقلاوة و الزلابية تدخل مليئة لتخرج بعد دقائق فارغة . . انسلّ المدعوون ذاهبين الى بيوتهم بضجيج من نوع آخر، هو نوع من العراك على تفاهة الاجور التي دفعها اهل العريس لأهل الموسيقى و لأهل الحلويات و التاكسيات . . حتى خرج الشيخ الذي عقد الزواج و هو يشتم و يتوعد، لأن احد السكارى من المدعويين السيّئي الصيت داعبه في مكان حساس .
بعد ساعات خلا بيت ام سناء من المدعويين و بقى فيه العروسان و ام سناء و يمكن اخت العروس ايضاً . . و أُطفأت الانوار و بقيت انوار مقهى محمد راغب المجاورة تضئ الشارع، وسط هدوء عام عمّ المحلّة حتى فتح باب بيت ام سناء و أُغلق بقوة بضجيج صحىّ الجيران الذين تسمّروا على شبابيكهم مما رأوه . . كان العريس واقفاً جنب باب ام سناء، في ركن يصله قليل من الضوء و هو عاري بالتمام و يطرق الباب بقوة و يصيح :
ـ لج شكرية يا معودة عيب، افتحوا الباب . . الناس عبالها دا نسويّ سينما بلاش !!
ـ انجب مخنّث !! مزيقة و موكب و شيش كباب لكنك لم تستطيع . . صرت اني ما اعجبك ابو بولة ؟؟؟
ـ متعوّد اسويّها بيناتنا بس مو تحت مراقبة . . صوج امّج اللي طلعت من ورا الستارة تراقبنا و صاحت، تريد اساعدك ؟؟ . . . طبعاً طكّت روحي و ضاع صاحبنا !!
و صاحت ام سناء :
ـ ابن الكحبة . . تقشمرون علينا ؟؟
ـ لا و الله ما اقشمر عليكم . . بس مامتعوّد على الجنس الجماعي !
ـ انجب سرسري عبالك راكضة وراك ؟؟ الى هسه عشرات يتمنوّني و بشبابي جان الف واحد يتمنى بس يشوف اظفر قدمي . . و يسميّ جنس جماعي، ولك ردت اساعدك ابو بولة !!
و قالت شكرية :
ـ اميّ على كيفج وايّاه . . مو اخبرتك احنا مسويّها مرات و مرات و كان كل شي طبيعي و كأنما يفوت على زيت . . تعال ولك كافي، عقوبتك خلصت و اطمئن ماكو رقابة بعد . . اميّ انتي كافي . . يعني يمكن مخليه عينج عليه ؟؟؟ كافي كافي . .
و فتحوا الباب و دخل العريّس المسكين ابو بولة . .
. . . . .
. . . . .
و في عصر ذات يوم . . . كانت الخالة الكبرى فائقة في السطح الثاني الأعلى لبيتهم تنظّف الزاوية التي اعتادت ان تصليّ عندها، بعد ان حملت معها نصف ابريق ماء لرشّها ، وبينما كانت تعدّ مشربة الماء وتضعها على سياج السطح حيث ينامون على افرشتهم المعدة في السطوح . . لَمَحتْ فجأة ديكها الذي فقدته !! كان واقفاً على حاجز الجيران الذي يلي حاجز بيتهم . .
وقفت تتأمله جيداً و تتفحّصه ان كان هو ام لا . . حتى صاح الديك مكرراً صياحه نفسه الذي كانت تسمعه بين يوم وآخر ولاتعرف من اين كان يأتي ، فنادت مسرعة زوجة ابنها منوّر :
ـ عيني وردة . . تعالي شوية للسطح !
وبينما كانت وردة تتوجه الى السطح صاعدة درجات السلّم الذي كان يبدأ من ساحة الدار . . صاحت لتسمعها الحاجّة :
ـ شنو القضية خالة ؟؟
ـ ابنتي . . شوفي هذا الديك ، انه ديكنا !! الم اقل لكم انه هنا بالمحلة لأني لا ازال اسمع صياحه كل فجر و كل غروب . . شوفي انه واقف على سياج بيت السكران . .
وبعد ان وصلت وردة الى حيث وقفت الحاجة . . نظرت جيداً الى حيث اشارت ، قالت :
ـ اي و الله . . حجية كلامك صحيح ! بس هسه شراح انسويّ ؟ بيت السكران مهجور والناس تخاف تذهب الى دربونة البيت، دربونة نجية الخبازة المسكونة بالأرواح . . ماتتذكرين يوم اللي سمعتي انينها و اصواتها التي تصاعدت وقت البرق والرعود و المطرة الكبيرة . .
ـ اسكتي عيني وردة . . نعم نعم سمعت الأرواح وهي تستغيث . . اللهم صلي على محمد و على آل محمد . . . بسم الله الرحمن الرحيم . . هو الحي القيوم . .
وبعد ان تناقشتا بهدوء و بوجهين شاحبين لتذكرهما الأرواح . . قررتا ان ترسلا ابن وردة البكر (سراج) الى هناك عبر تسلّق السياج الفاصل بين حوشهم وحوشي الجيران . . وان يحاول مسك الديك والإتيان به لجدته الحاجة فائقة او ان يحدد على الأقل اين هو وفي اي بيت بالضبط . .
كانت الحاجة فائقة الساكنة في بيت ابنها منوّر الواقع في سوق الاعظمية القديم بين بيّاعي الخضار من الجهة الخلفية، قد اشترت ذلك الديك منذ عام . . ومنذ ذلك الوقت، كان هو سلوتها و مصدر فرحها لأنه و صياحه كان يذكّرها بزوجها المتوفيّ الذي برع بهواية اقناء الديكة الجميلة ذات الصياح الجهوري الجميل، خاصة و انه يصيح في الفجر و عند الغروب . .
كان ديكاً ابيضاً كبيراً تتلامع ريشاته كلمعان الفضة المذهبه، تحت اشعة الشمس . . التي كانت اشعتها تحيل لون ذيله الكثيف الداكن الى الوان القوس قزح الجميلة، التي كانت تزداد جمالاً عندما كان يسير مختالاً الى جنب دجاجات المنزل الطليقة في حوش البيت وحديقته الصغيرة . .
و قد فقدته الحاجّه فائقة مساء نفس اليوم الذي صاح فيه جيرانهم المجاورين، (بيت القصاب) . . يخبّرون عن وجود حرامي نزل من السطح و اختفى في بيتهم، حين حدثت ضجة كبيرة اثر صرخة ابنتهم الصبية من الفزع . . وبقى الجميع يبحثون عن الحرامي الذي دخل مخدع ابنة القصاب المدللة التي كان ابوها (لا يلبّسها الاّ الذهب) كما كانوا يقولون لكثرة المصوغات التي كانت تتزين بها من اساور و خواتم و اقراط ومصوغات تطلق عليها نساء الاحياء القديمة " سْلاحْ " ، كضمان للبنت عند الحاجة الملحّة. . بحثوا عن الحرامي دون جدوى، الا ان الذهب اختفى.
. . . .
بعد ان شاهد سراج المكان من السطح و حددا له البيت المقصود . . جاء راكضاً اليّ كي نذهب معاً، فتسللنا مساء ذلك اليوم قبيل حلول الظلام . . عبر السياج و ذهبنا الى حيث اشارت له امّه وردة وجدّته . . حين بدأ الظلام يلفّ المنازل القديمة المنخفضة هناك . . وبينما كنّا سائرين بحذر اجتذبتنا اصوات رتيبة على ايقاع دفوف، فشاهدنا و نحن نبحث من موقعنا، في طارمة اكثر ارتفاعاً، حلقة ذكر لرجال ملتحين بملابس وبكوفيات رأس بيضاء وهم ينشدون باصوات بدى عليها الخشوع والضبط و على ايقاع الدفوف :
طلعَ الــــبدرُ علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا مـــادعى لله داع
ايها المبعـوث فينا جئتَ بالأمر المطاع
جئت شرّفت المدينة مرحــــبا ياخير داع
وعلى اصوات الإنشاد الرخيمة التي كان يكسبها نقر الدفوف ايقاعاً مؤثراً ساحراً مع خيوط النهار المنسحبة الأخيرة . . لم يبتعد عني سراج عند بحثه عن مكان الدجاج ويصيخ السمع عسى ان يسمع قأقأتها ، وهو يسير بخفة و يحاذر ان لايصدر صوتاً وسط ذلك الجو المثير للخوف الذي كانت تحدثه اصوات تتعالى بين حين وآخر وهي تكبّر بصوت عالِ :
ـ حَيْ !! حي !!
ـ الله حي ! الله حي !!
وبينما كنّا نتعثّر في عدد من الغرف المظلمة، بمخزونات حبوب و اطعمة وصفائح تنبعث منها رائحة دهن الطبخ و استطعنا تمييز زوايا لمخزونات بنزين ونفط من روائحها . . رأينا فجأة عزوّز ملفعاً رأسه بكوفيته البيضاء، وكانوا ينادوه بـ :
ـ حاجي . . شيخ . .
واستغربت كثيراً من ذلك، لأني لم اكن اتصوّر ان ذلك المتهتك و اللاأخلاقي عزوز يحمل مثل تلك الصفات . بل ولم استطع ان اتصوّر ان الحاج او الشيخ يضاجع النساء ايضاً كبقية خلق الله ، لأن الشيخ و الحاج اسمى من ذلك لأنه شبه مقدّس في محراب تعبّد الخالق جلّ و علا، كما كنّا نسمع من جدّاتنا. و في ذلك الظلام الذي كان يزداد هيمنة وفي جو الرهبة ذاك ، سمعت حديثاً منبعثاً كالفحيح ، لم استطع ان اتبيّن اصحابه :
ـ كم جمعتم ؟!
ـ اكثر من ثلاث آلاف دينار، غير الذهب !!
ـ بس ؟؟ . . وبعد . . ؟
ـ . . .
ـ حصّلتم سلاح ؟؟
ـ حجي صالح قال ، حصتكم اربعة مسدسات . .
ـ وينها ؟
ـ بالمقبرة !!
ـ قولوا لهم . . نحتاج اكثر . . الهراوات وحدها لاتكفي !! و القائمة طويلة مو داتشوفون ؟؟
ـ يمعوّد حاجي وافق . . اربعة مسدسات منين نستطيع نحصل عليها ؟ يعني هذا مو بُطر ؟ . . منين يجيبوها ؟
ـ ليك يابه . . هذوله وراهم سفارات و جيوش الدنيا !! مو مثلنا عايشين على الصدقات و الجوامع !!
ـ و انتو عايشين عالصدقات و الجوامع بس ؟؟ الم يأت صاحبكم من (لنده) ـ يقصد لندن ـ امس فقط و غرّقكم بالفلوس و كلّه اخضر ؟؟
ـ بكره عندي روحه الى (الشيخ عمر) و اتفاهم و ايّاهم و الاّ . .
قال سراج متمتماً :
ـ هذول يتكلمون مثل الكاوبوي في افلام السينما . . فلوس وسلاح وناس رايحة جايّه لأوروبا ؟ يعني ذول المتسكعين والأشقيائية عندهم علاقات و صداقات و حبايب وايّا اوربيين ؟ يمكن قسم منهم يتحدث انكليزي ايضاً ؟ عجيب غريب . . يعني اذا واحد سولفهه لن يصدقه احد . .
قررنا ان نرجع من حيث اتينا الى منزل الخالة فائقة، بعد ان شاهدنا قسما منهم يتوجهون نحو الزاوية التي كنّا مختفين فيها، فانسحبنا بكل هدوء وحذر بعد ان صار احدهم قريباً جداً منّا ونسينا قضية الديك . . واسرعنا الى الزاوية الداخلية التي اظلمّت تماماً و تسلقنا السياج المتهرئ وعدنا الى البيت و سراج يكرر :
ـ الحمد الله والشكر . . الف الحمد الله والشكر !!
وحين تحدث عما شاهده وسمعه لم يصدقه احد ، لا امّه ، ولاجدّته التي قالت له :
ـ ابني صير رجّال . . انت ذهبت لجلب الديك . . لاتسولف قصص و روايات من خيالك . ابني هذا حرام !
هذول ناس فقره، ماعندهم غير الدين والأسلام والله ينصرهم .
ـ والدهن والحبوب والحلويات اللي مخبيّها ؟ و سوالفهم عن الذهب و السلاح ؟؟؟ جدّه هذول حرامية من كلامهم و شكلهم !!
ـ انجبّ ولك . . هسه جاي سراج يفهّمنا . . . ابني انت صغيّر بعدك ماتعرف !! افتهمت ؟؟ لاتحجي بالخيالات تره ماحّد يصدّقك و توكع بالف مشكلة ويؤذون ابوك . . استغفر الله ياربي !! (يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي