الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتآمر الغرب على الأطفال والعائلات المهاجرة؟

سامر عساف

2022 / 2 / 25
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في عام 2014 كنت اعمل كمختص نفسي في أحد مراكز الدعم الاسري والتربوي في المانيا. موظفنا هو دائرة الشباب (يوغند امت)، اذا صحت الترجمة. هذه الدائرة الحكومية تدعم الاسرة في اصعدة كثيرة كالدعم التربوي، فقد توظف شخصاً يكلف الدولة الاف اليوروهات شهرياً، كي يمر بشكل اسبوعي على عائلة تحتاج دعم تربوي، لأسباب عديدة، مثل، ان الام قاصر أي لم تبلغ الثامنة عشر مثلاً او الطفل لدية مشاكل سلوكية في المدرسة وقد يرافق الموظف المنتدب الطفل الى المدرسة ويقاسمه المقعد الدراسي. هناك إذاً أسباب كثيرة لكي تتدخل هذه المؤسسة في الحياة العائلية، طيعاً لا تنتهي الأسباب كما وضحنا باستهلال الاهل للمخدرات او الاستغلال الجنسي للأطفال.
قد يصل الحد الى، ان تقوم هذه المؤسسة بسحب حق الحضانة من الاهل، إذا رات، ان صحة الطفل النفسية والجسدية في خطر وهي اذاً ملزمة بحمايته. هذا القرار المهم والمكلف عموماً للدولة لا يتم بشكل اعتباطي، بل، ان من هم مخولون باتخاذ مثل هذه القرارات، هم من أصحاب الشهادات التربوية ومن المطلعين على النظريات النفسية، التي تخص تطوّر الطفل، بل ايضاً يخضعون لدورات تدريبة مستمرة لزيادة حساسيتهم لصحة الطفل النفسية والجسدية. كما ان القرار لا يتخذ بشكل فردي، بل تتم مناقشات على مستوى المؤسسة قبل اتخاذ القرار.
في أحد المناسبات التي جرت اثناء عملي في هذا المجال، قدم موظف من زملائنا الى القضاء بدعوى الإهمال والتسبب في الموت، حيث ان الام تركت طفلها الرضيع وغادرت المنزل (كانت مدمنه للمخدرات) ومات الرضيع وكان الموظف على علم، بان الام مدمنه وهو المسؤول عن الحالة وبالتالي لم يقم بواجبه في حماية الطفل وبالتالي سحب حق الحضانة منها، رغم كونه رضيعاً.
في واقعة أخرى، كنت مسؤولاً عن عائلة لاجئة من الشيشان، مسلمة، زوجين وسته أطفال. كان الاب مدمنا وعنيفاً وذات مرة حمل السكين مهدداً زوجته وهي رمته بالإبريق الممتلئ بالماء المغلي. اذاً هنا هي حالة خطر جسدي محدق بالأطفال وتعرضهم للإيذاء الجسدي امر ممكن الوقوع في كل لحظة. اجتمعنا في المؤسسة لمناقشة الحالة وقد رفضت انا سحب حق الحضانة من الاهل وبالتالي سحبهم من قبل المؤسسة، على اعتبار، ان العائلة لم تحصل بعد على حق اللجوء وقد يتم ترحيلها في كل لحظة.
لم تقبل المؤسسة بقراري وتم سحب مني حق الاهتمام بهذه العائلة، طبعاً بالاتفاق معي واخذت المديرة كامل الملف على عاتقها. إذا كل قرار، في هذا السياق، يتطلب درجة عالية من الحساسية لصحة الطفل والاحساس بالمسؤولية وكل موظف يعلم تماما، ان الوسط المثالي للطفل هو وسط اسرته مع اهله واخوته.
منذ أيام قرأت مقالاً في الجزيرة نت يتحدث عن الموضوع، المقال يحتوي على معلومات غير دقيقة في مواقع عدة، تبدأ بتعريب مصطلح الصحة النفسية للطفل الى مصطلح (رفاهية الطفل). مصطلح رفاهية يستبطن معنى ثانوي وليس أساسي والمصطلح الألماني (Kindeswohl) يعني صحة الطفل واكاديمياً يتضمن الصحة الجسدية والنفسية، فالإهمال مثلاً أحد الامثلة التي يمكن لدائرة الشباب التدخل بسببه. في موقع آخر لا يكفي حدث عارض كما يفترض المقال لسحب حق الحضانة، بل على الدائرة، ان تتحقق من الجو الاسري ويزورون الطفل في بيته ويتم تقييم الجو الاسري وكما أسلفنا يمر القرار بمستويات ولا يتم اتخاذه بشكل فردي، كما يدعي المقال.
سقطة أخرى للمقال في نقله صورة، ان موظفي دائرة الشباب قد يمارسون العنف الجسدي ضد الأطفال والادعاء مرفق بصورة طفل ذو نفور وبروز في الجمجمة تعرض (للضرب) بشيء صلب. موظفي الدائرة كما وضحنا، هم مؤهلون نفسياً وتربوياً واي ممارسة من هذا القبيل ستعرض صاحبها للطرد من العمل والمسائلة القانونية.
من الجدير بالذكر ايضاً، ان المقال يستبطن نظرية المؤامرة بطريقة ما وبأن المسلمين هم جماعة مستهدفة، على الرغم من ان المقال حاول في نهايته اتخاذ لباس نقدي كي (يبرء ذمته) كما يقال.
هذه النقطة يجب الخوض فيها بقدر أكبر، انطلاقاً من المظاهرات، التي خرج فيها الأطفال في ادلب ومناطق سيطرة الإسلام المتطرف رافعين يافطات يطالبون فيها (بالتوقف عن سرقة الأطفال المسلمين) وغيرها من الشعارات، التي تتوافق مع هذه الأيدلوجية العنصرية المتطرفة. وأيضا استئناساً بالجدل الواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي اشتعل كالنار في الهشيم حتى وصل مؤسسة الجزيرة.
من المعروف، ان من يتعرض لصدمات نفسية، كالتعنيف في الطفولة، الحرمان وغيرها مما يزعزع الثقة الفطرية بالآخر والعالم المحيط يكون أكثر استعدادا بالضرورة للاعتقاد، بانه مستهدف وبأن العالم خطر وهو ملاحق. هناك مقياس نفسي لقياس اضطراب كرب ما بعد الصدمة يمكن من خلاله معرفة، ما إذا كان الشخص تعرض لحوادث صادمة، فقط من خلال استبيان أفكاره، أفكاره عن نفسه، عن الآخر وعن العالم المحيط. فاذا كانت اجابتك مثلاً عن سؤال، لا يمكنني الوثوق بالآخر على مقياس من 1 الى 10 أكثر من 5 قد يعني هذا أنك تعرضت لحوادث صادمة. من خلال عملي مع المهاجرين وجدت صعوبة في اقناع، من عاصر الحروب، بان دائرة الهجرة والدوائر الحكومية لا تتربص بهم شراً وان ما يشعرونه، هو في جزء كبير منه اسقاطات نفسية على مبدأ (المحروق من الحليب سينفخ اللبن) او (المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين). إذا هو اسقاط لخبرة سلبية سابقه على وسط جديد ومجهول.
عامل مهم آخر، قد يلعب دوراً اساسياً في الشرخ القائم بين دائرة الشباب والمهاجرين وهو التواصل وعندما نتحدث عن التواصل لا نعني فقط الصعوبات اللغوية، بل نعني كل العوامل وغير اللغوية منها ومنها جزء كبير غير واع. هي جزيئات دقيقه ومهمة في التركيبة النفسية مرتبطة بالخلفية الثقافية للشخص ونتذكّر الفضيحة، التي حصلت في المانيا في راس السنة عام ,2015 عندما تعرضن الفتيات في مدينة كولن للتحرش من الشباب المهاجرين. هذه الإشارات البينية (بين الأشخاص) التي تؤدي الى التفاهم الاجتماعي تختلف من ثقافة الى أخرى. فمن الطبيعي، ان يرسل الفتي إشارات اهتمام بالفتاة ويدعوها الى التواصل وجزء كبير من الخلفية الثقافية هو ما يحدد ويقنن هذه الإشارات، التي في اغلبها غير واع. إذا الشاب المهاجر فشل هنا في التغزل بالفتاة والمشكلة ليست بالدافع، بل بطريقة التواصل. مثلاً في سوريا، إذا اتصل بي صديقي ولم اجبه، اشعر نفسي ملزماً لاحقاً بالاتصال به وسؤاله عن سبب اتصاله بي. هذا لا ينطبق مثلاً على الأعراف الاجتماعية الحالية في المانيا. إذا علي، ان اغير من توقعاتي غير الواعية وهنا يأتي فعل الاندماج الحقيقي. فعل الاندماج يضع جملة الادراك، الوعي والمحاكمة على طاولة البحث وليس فقط العادات والقيم...الخ
كي لا نبتعد عن الموضوع، إذا نحن نفترض هنا، ان هناك صعوبة تواصل بين المهاجر والمجتمع الجديد لا تقتصر على اللغة فقط. هناك فارق مهم في المعايير غير الواعية والواعية لصحة الطفل، فالألماني يربي طفله ليصبح مستقلا، فمثلاً، منذ نعومة اظفاره عليه النوم وحيدا في غرفته. بينما الألماني لا يعنف الطفل جسدياً، نادراً ما يظهر بنفس الوقت الرحمة وعلى الطفل تحمل تبعات سلوكه، في حين، ان السوري مثلاً قد يضرب طفله وبنفس الوقت قد يكون متسامحاً جداً معه. في حين ان الثقافة الألمانية في أصلها تعتبر ثقافة غير (لطيفه وحنونه) للطفل، يعتبر الطفل في المجتمع السوري مثلاً محور الاسرة. هذا يؤصل لحدود العلاقة بين الطفل وأهله. بمعنى آخر، ان الحدود بين عناصر العائلة (الوحدة الاجتماعية) مختلفة من ثقافة الى أخرى. وربما هنا لا تعني للاب والأبن (شدة الاذن) او حتى (ضرب الكف) الشيء الكثير بينما هي للألماني من (الموبقات)
يحتاج هذا الموضوع الى مجلدات للبحث فيه، ولكن بجميع الأحوال ليس من الفطنة، ان نحكم على أسلوب تربوي، بانه جيد وسيء متجاهلين عوامل نفسية كثيرة، بل الاجدى ان نتمتع بنظرة نقدية بحثية ليس فقط لأحكامنا، بل لأدركنا ايضاً. بجميع الأحوال كانوا زملائي الالمان يظهرون اهتماماً خاصاً برأيي كسوري، عندما يتعلق الموضوع بالمهاجرين او اللاجئين، انطلاقا من ادراكهم للنقص القائم لديهم في التواصل مع المهاجرين، ذوي الخلفية الثقافية المختلفة.


سامر عساف
مختص نفسي مقيم في المانياِ

نظام "يوغند آمت" في ألمانيا.. هل يحمي الأطفال أم يستهدف الأسر المسلمة؟ | أسلوب حياة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
كرب ما بعد الصدمة هو اضطراب نفسي يعاني منه من تعرض لصدمات نفسية قاسية كحوادث السير او الحرب وغيرها, تظهر اعراضه بذاكرة قهرية (استرجاع لاشعوري لأجزاء من الحدث الصادم او الكوابيس) واضطرابات في الوظائف الدماغية كالذاكرة والتركيز، كما تظهر اعراضه على شكل اضطرابات في النوم ...الخ
Posttraumatic Cognitions Inventory - an overview | Science-dir-ect Topics








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا