الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العاصفة الروسية تتجه غرباً

نوفل شاكر

2022 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن بات سقوط كييڤ وشيكاً، ما هي الخطوة الروسية المحتملة التالية؟ هل ستكون دول البلطيق ( لاتفيا وليتوانيا وأستونيا) هي الوجهة التي ستؤشر عليها بوصلة القيصر الروسي الجديد بوتين؟

بالعودة إلى التاريخ القريب؛ فإن 15 دولة خرجت من معطف الاتحاد السوڤياتي السابق، وهذه الدول يراها القوميون الروس، دولاً ولدت من رحم روسيا، وبالتالي فهي أراضٍ روسية، وقد رسم الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين في خطابه الأخير؛ خريطةً سياسية لهذا الطرح القومي المستند على التاريخ عندما قال: " قيادة الحزب الشيوعي ارتكبت الكثير من الأخطاء التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوڤياتي، وإن حق الجمهوريات في مغادرة الاتحاد، كان بمثابة قنبلة موقوتة تحت الدولة الروسية التي كانت تسمى " الاتحاد السوڤياتي" آنذاك".

عقيب توحيد الألمانيتيين، كان هناك اتفاقٌ بين الاتحاد السوڤياتي والولايات المتحدة الأميركية، تعهدت فيه الأخيرة بعدم التقدم خطوةً واحدة صوب أوربا الشرقية، لكن الناتو ضرب بعرض الجدار جميع الاتفاقات، وهكذا وجد الروس أنفسهم وجهاً لوجه أمام قواعد حلف الناتو التي بدأت تنتشر على أراضي جمهوريات الاتحاد السوڤياتي السابق، وتهدد الأمن القومي الروسي، مما دفع ببوتين إلى أن يحذر في قمة بوخارست عام 2008 من أن بيلاروسيا وجورجيا و أوكرانيا هي خطوط حمراء، وعند تجاوزها ستضطر _ حينئذٍ _ موسكو إلى اتخاذ ردعٍ عسكري…

لكن الناتو بقي يفتح أبواب عضوية الانتساب لمنظمته أمام أعداء روسيا وجيرانها من الراغبين في ركوب قطار الغرب مما أدى إلى حدوث أزمة جورجيا، وإعلان استقلال أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية، وهي أزمة غير مسبوقة في القوقاز منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. واستمرت الأوضاع بالتفاقم حتى قيام بوتين بضم شبه جزيرة القرم عام 2014 أمام أنظار الغرب دون أن يتحرك منهم أحد، مكتفين بفرض عقوبات اقتصادية، تمكنت روسيا من التحرر من تبعاتها بعد عامين.

وهكذا فإنّ روسيا البوتينية، تبدو عازمة على المضي قدماً في استعادة إرثها التاريخي، وهذا ما يضع حلف الناتو والغرب من خلفه في موقف حرج ومتأزم، فالدخول في مواجهة مباشرة مع دولة نووية أمرٌ ليس بالهيِّن.

إنّ دخول القوات الروسية لأوكرانيا، وإسقاط النظام الموالي للغرب فيها، وتنصيب نظام بديل موال لموسكو، هو انعطاف سياسي كبير يعيد لعبة تشكيل الدول إلى الواجهة من جديد، ولا زلنا لا نعرف حدود الخرائط الجديدة.

لقد أثبت سقوط أفغانستان قبل أشهر، وسقوط أوكرانيا الوشيك، بأن الغرب بزعامة الولايات المتحدة يقف مكتوف الأيدي ويتخلى عن حلفائه في الأزمات، ويكتفي بالعقوبات المالية والاقتصادية التي لن تجدي نفعاً، بل إن هذه العقوبات سيكون لها ارتدادات عكسية على أوربا بالذات؛ نظراً للتضخم وارتفاع أسعار السلع الحيوية والطاقة.

الرد الروسي على العقوبات الغربية، سيتمثل بخفض تصدير الغاز الذي سيشهد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، وأزمة لن يستطيع الغاز القطري تغطيتها، وهذا بدوره سيصيب مصانع الإنتاج في الاتحاد الأوربي بمقتل، وسيعاني كل بيت في أوربا من ارتفاع أسعار وقود التدفئة مما سيفاقم ارتفاع معدلات التضخم… كما يمكن أن تعمد روسيا إلى إيقاف تصدير القمح إلى أوربا مما يعرض الأمن الغذائي للأوربيين إلى الخطر؛ إذ إنّ 20‎%‎ من استهلاك أوربا لهذا المصدر المهم يأتي من روسيا _ على الأقل لحين التعويض من مصادر أخرى _ ويرى أحد الاقتصاديين في مركز الدراسات البريطاني، أن التعافي الاقتصادي الأوربي بعد جائحة " كورونا" يمكن ألا يبصر النور في المديين المتوسط و البعيد إذا ما حصل سيناريو الحرب الاقتصادية.

بالمقابل، فإنّ التبادل التجاري بين روسيا والصين قد تضاعف في أقل من عشر سنوات، والغاز الروسي يتم تصديره للصين التي تعاقدت على استيراده لمدة ثلاثين عاماً مقبلة، وهي مستعدة أيضاً لتلقي المزيد من الغاز الذي كان من المفترض أن يذهب إلى ألمانيا عبر أنبوب " نورد ستريم 2" الذي تم إيقافه حالياً وفرض البيت الأبيض عقوبات على الشركة التي قامت بإنشائه!

أمام هذا التحرك العنيف الروسي على كافة المستويات، نجد بأن الرد الغربي جاء ضعيفاً وخجولاً مخيباً لآمال حلفاء الغرب في كل مكان، فما بين دعوات بايدن لشعوب العالم ل " الصلاة من أجل الأوكران" إلى بيانات شجب القادة الأوربيين، تم ترك الرئيس الأوكراني يواجه مصيره بمفرده…
ولمعرفة طبيعة الفرق بين الموقف الروسي في التعامل مع الأزمة، والمواقف الغربية، فما علينا إلا قراءة تعليق المتحدثة باسم الخارجية الروسية " ماريا زاخاروف"_ ذات اللسان الحاد _ حينما سخرت من تهديد الحكومة البريطانية " بتأديب روسيا و مساعدة أوكرانيا" فكتبت على حسابها في " تليغرام" :

" وزارة الخارجية البريطانية:

أوكرانيا ليست عضواً في الناتو، لكن سوف
نساعدها في الدفاع عن النفس. أنتم
ساعدتموها… استريحوا"!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو