الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الروسية على اوكرانيا

ثائر أبوصالح

2022 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من السذاجة بمكان، أن نتعامل مع الأزمات والحروب الدولية من منطلقات أخلاقية، وأن نحاكم أطرافها وفقاً لرغباتنا واحاسيسنا، فالدول تعمل وفقاً لمصالحها القومية، وتحاول أن تضفي على افعالها نفحة اخلاقية من أجل تسويق مصالحها دولياً قدر الإمكان.
روسيا وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي حاولت أن تحافظ على الموقع الذي كان قد حظي به الاتحاد السوفياتي سابقاً، رغم أنها لا تمتلك هذه الإمكانيات، فحجم الاقتصاد الروسي لا يتجاوز حجم اقتصاد دولة متوسطة مثل اسبانيا على سبيل المثال لا الحصر، وطبعاً هذا لا يؤهلها أن تلعب الدور الذي ترغبه دولياً، من الجانب الأخر روسيا دولة نووية كبيرة قادرة على ردع الحلف الأطلسي من أي عمل يمس أمنها ومصالحها، هذه القدرة النووية تعطي روسيا مساحة للتحرك والتدخل في الشؤون الدولية، ولذلك قامت روسيا بأبرام اتفاقيات دفاع متبادل مع مجموعة من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره عام 1991 وعرفت باسم منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) ، وهو تحالف حكومي دولي تم إنشاؤه في عام 1992 ويضم ست دول وهي: روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. من هنا نستطيع أن نفهم أن الدول التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي تشكل بالنسبة لروسيا مجالاً حيوياً مهماً وستحاول روسيا منع انضمامها للحلف الأطلسي.
امريكا وحلفاؤها الأوربيون يتعاملون مع هذه الحقائق بحذر شديد، ويحاولون الاقتراب من المجال الحيوي الروسي ولكن لا يخاطرون بمواجهة مع روسيا، وهذا ما يحصل مع أوكرانيا اليوم، فالغرب يعرف ان أوكرانيا جزء من المجال الحيوي الروسي، وانضمامها للحلف الأطلسي يعني نصب سلاح نووي على حدود روسيا، وهذا ما لا تسمح به روسيا، ويذكرنا بالموقف الأمريكي المشابه عام 1962، عندما حاول الاتحاد السوفياتي نصب صواريخ نووية في كوبا، والتي تعتبر جزءاً من المجال الحيوي الأمريكي، رغم أن كوبا كانت حليفة للاتحاد السوفياتي، وكادت أن تنشب حرب بين القوتين العظميين في ذلك الوقت.
الرئيس الأوكراني "فلديمير زيلينسكي" فاز بانتخابات ديموقراطية وشكل نموذجاً مميزاً كرئيس شاب منفتح يمتلك الإرادة لمحاربة الفساد في بلاده، حيث قال في أول كلماته للمسؤولين الأوكرانيين: "الرئيس ليس أيقونة ولا معبود لا تعلقوا صوري في مكاتبكم بل علقوا صور اولادكم وانظروا في عيونهم قبل اتخاذ القرارات". ولكن في الصراعات الدولية لا يكفي أن تكون نزيهاً بل يجب أن تكون حكيماً وأن تفهم متطلبات موقع بلدك الجيو-استراتجي وأن تعمل وفقاً لذلك. فكان على زيلنسكي أن يأخذ موقف الحياد كما تفعل فنلندا في الشمال لكي يبعد عنه شبح التدخل الروسي. وكان عليه أن يفهم أن أمريكا والغرب لن يخوضوا حرباً من أجله وأنه سيجد نفسه وحيداً أمام روسيا مما يحتم عليه أن يقدم التنازلات المطلوبة لإرضائها.

أمريكا وحلفاؤها يعلمون جيداً أن روسيا لن تسكت على تقارب أوكرانيا من الغرب ولا على محاولة ضمها للحلف الأطلسي، وكان احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم مؤشراً واضحاً على ذلك، خصوصاً بعد أن تم ضم دول أخرى كانت في المجال الحيوي للاتحاد السوفياتي سابقاً، ففي عام 1999 انضمت 3 دول للحلف هي التشيك، والمجر، وبولندا. وفي عام 2004 شهد الحلف انضمام 7 دول أخرى هي بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا. كما شهد عام 2009 انضمام دولتين جديدتين إلى الحلف هما ألبانيا وكرواتيا. ولم تتوقف سلسلة الانضمامان للحلف، إذ شهد عام 2017 انضمام دولة أخرى هي الجبل الأسود، وكانت مقدونيا الشمالية هي العضو رقم 30 الذين انضم للحلف عام 2020. هذا التوسع الغربي على حساب المجال الحيوي الروسي يضيق الخناق على روسيا ويشل نفوذها في القارة الأوروبية.

امريكا وشركاؤها يعتبرون أن توريط روسيا في مناطق نزاع مختلفة قد يستنزف قوة الأخيرة وقدرتها على أن تفرض نفسها كدولة عظمى في العالم، غير أبهين بالثمن الذي ستدفعه أوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً ولا بالضحايا الذين سيسقطون من المدنيين والعسكريين ولا بالدمار الذي ستحدثه هذه الحرب للبنية التحتية في أوكرانيا. هذا ما فعله الغرب تماماً عنما سمح لروسيا، بل دفعها للتدخل في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار، ولم يحرك الغرب ساكناً لمنع الروس من تدمير المستشفيات والمدارس وضرب المدنيين في سوريا بالضبط كما سيتصرف اليوم في أوكرانيا، فسيكتفون بالعقوبات الاقتصادية والتنديد وسيدفع الشعب الأوكراني الثمن غالياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس