الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هنالك حرب عالمية ثالثة على الابواب؟

سربست مصطفى رشيد اميدي

2022 / 2 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


صبيحة يوم 24/2/2022 بدأت القوات الروسية بهجوم مخطط له منذ فترة طويلة على اوكراينا من ثلاث محاور، والتي استقلت جديدا سنة 1991، وهي احدى الدول الموقعة على ميثاق الامم المتحدة سنة 1945 على الرغم من كونها في حينه ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي. وياتي اهمية هذا الهجوم بعد ان وضع رئيس بيلاروسيا ارض وجيش بلاده تحت تصرف روسيا، حيث لولا هذه الخطوة لكان وصول الجيش الروسي الى عاصمة اوكراينا (كييف) لم يكن بهذه السرعة والسهولة، ولاحتاج ذلك الى وقت اطول وخسائر اكثر من الطرفين. هذا الاجتياح جاء بحجة استعدادات اوكراينا للانضمام الى حلف الناتو التي تعتقد روسيا ان اقتراب حلف ناتو لحدود روسيا يشكل خطرا على امنها القومي، علما ان حدود روسيا مع الولايات المتحدة عضو حلف ناتو والدولة الاقوى عسكريا فيها في مضيق (بيرينك) الذي يفصل بين راس (ديجنيف) البري في قارة اسيا وراس امير ويلز في الاسكا في امريكا الشمالية هي لا تتعدى 82 كيلومترا فقط. لكن يبدو ان توجه الرئيس فلاديمير بوتين هو احياء حدود روسيا القيصرية وبعض المناطق التي اضيفت اليها في فترة الاتحاد السوفيتي.
فبعد تاييد الانفصاليين في كل من اقليمي (اوسيتيا) و(ابخازيا) في جورجيا، وبعد تدخل عسكري من قبل قوات روسيا سنة 2008 وبحرب مباشرة مع جورجيا استمرت لخمسة ايام فقط انتهت بوساطة فرنسية، لكن ادت الى اعلان انفصال الاقليمين عن جورجيا واعترفت باستقلالهما من قبل الحكومة الروسية، وترابط فيها قوات روسية منذ ذلك الحين، حيث اصبحت ضمن نطاق النفوذ الروسي العسكري والسياسي، وذلك بحجة حماية الاقلية الروسية فيها، بعد سكوت دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والمجتمع الدولي عن ذلك التدخل. وهذا السكوت دفع بروسيا لمحاولة ضم المزيد من اراضي الاتحاد السوفيتي السابق، حيث بعد اندلاع الثورة في اوكرانيا ضد الرئيس الاوكراني المؤيد لروسيا (فكتور يانوكوفيتيش)، قرر الرئيس الروسي التدخل لصالح الرئيس المخلوع، لكن بعد تيقنه بانها ثورة شعبية قرر التدخل العسكري في شبه جزيرة (قرم) واحتلالها مع عاصمتها (سيفاستوبل) التي كانت جزءا من اوكراينا، والتي تم الحاقها باوكراينا سنة 1954 من قبل الرئيس الاسبق للحزب الشيوعي السوفييتي (نيكيتا خروتشوف). هذا التدخل العسكري جاء من قبل القوات الروسية التي كانت موجودة في الثكنات العسكرية الروسية في شبه الجزيرة نتيجة اتفاقية (سيفاستوبل) بين البلدين التي وقعت سنة 1997، حيث كانت ولا زالت مدينة (سيفاستوبل) مقرا للاسطول البحري الروسي. لكن ايضا اكتفى الاتحاد الاوروبي بالشجب وفرض عقوبات اقتصادية خجولة على روسيا لم تؤدي الى وقف او تراجع الاندفاع الروسي، خاصة في ظل وجود تعاون اقتصادي واسع بين عدد من الدول الاوروبية وروسيا، وفي مقدمتها المانيا التي تعتمد بنسبة اكثر من 50% من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا الاتحادية. وفي ذات الوقت واستنادا الى نفس السيناريو الذي طبق في (اوسيتيا) و(ابخازيا) وشبه جزيرة (القرم)، وهي الاعتماد على ميليشيات موالية لروسيا في تلك المناطق نظرا لوجود اقليات روسية فيها تختلف نسبتها من منطقة لاخرى. فقد خطت روسيا خطوة اخرى من اجل انسلاخ اجزاء اخرى من اوكراينا حيث اعلن انفصاليون في اقليمي (دونتسك) و(لوكانتسك) في شرق وجنوب شرق اوكراينا والغنيين بانتاج الفحم الحجري والحديد والغاز الطبيعي انفصالهم عنها وجعلهما اقليمين مستقلين، بدعم وتاييد من روسيا. وعلى الرغم من اندلاع القتال بين المتمردين والجيش الاوكرايني لكن بقيت مناطق مهمة تحت سيطرة الانفصاليين بدعم عسكري مباشر من قبل روسيا.
ولكن الموقف المتردد وربما المتواطيء احيانا من قبل الغرب تجاه تدخلات روسيا في شؤون هذه الدول وانسلاخ اراضيها، ربما بسبب تدخل الغرب ايضا في دول اخرى مثل افغانستان والعراق وسوريا وليبيا ومالي وغيرها، هذا الموقف شجعت روسيا على الاستمرار في هذا النهج بالتدخل لفرض حكومات موالية لها او انسلاخ اراضي من بعض الدول. هذا التخبط والتردد الغربي بقيادة الولايات المتحدة في عدم دعم حركات الشعوب كما لاحظنا ذلك في سوريا وليبيا واليمن، والسكوت عن تدخلات ايران وتركيا في شؤون دول المنطقة، ومن ثم الانسحاب المشين من افغانستان وترك ماكنتها العسكرية الضخمة كاملة لحركة طالبان الاسلامية المتطرفة، والتي تدخلت قواتها في افغانستان سنة 2001 لاسقاط حكم هذه الحركة نفسها. وكانت اخر بروفة من قبل روسيا لجس نبض رد فعل الغرب، هو ارسال قوات عسكرية لدعم قوات الرئيس الكازاخستاني (قاسم توكاييف) لقمع الشعب الكازاخي الثي ثار ضد فساد الحكم وسوء الخدمات ورفع اسعار البنزين والكهرباء، ومر ذلك ايضا دون اي رد فعل من المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. مما اتضح للرئيس الروسي ان الطريق امامه اصبح ممهدا للتدخل العسكري في اوكراينا لكن بخطوات مدروسة، فبعد حشد اكثر من 130 الف من قواتها على حدود اوكراينا الشرقية والجنوبية الشرقية والشمالية في اراضي بلاروسيا، والتهديد علنا باجتياح اوكراينا، ون ثم الاعتراف بالاقليمين المتمردين (دونتسك) و(لوكانسك)، والاستمرار بالنفي المستمر بعدم وجود نية لديها لاجتياح اوكراينا وعلى لسان الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) نفسه ووزير خارجيته (سيركي لافروف). لكنها نكثت بكل تلك العهود واجتاحت قواتها اراضي اوكراينا بهدف اسقاط حكومة الرئيس (فلوديمير زيلينسكي) الموالية للغرب والذي ترك وحيدا يواجه القوات الروسية التي لا توجد اية تكافؤ بين قواتها والجيش الاوكرايني من حيث العدد والتجهيز، وبدعم او تواطيء واضح من الصين وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وتركيا وايران وسوريا وكازاخستان وغيرها، والسكوت المشين لالمانيا الاتحادية. والهدف واضح هو فرض حكومة عميلة لروسيا في كييف ونشر قواعد روسية في اراضي اوكراينا، وفرض استقلال الاقليمين المنفصلين عليها. وربما العمل بعد ذلك غلى ضم اوكرينا الى الاتحاد الروسي كاحدى الجمهوريات لتعود الى سابق عهدها في العهد السوفيتي، خاصة اذا لم تتبع سلسلة العقوبات الغربية اية اجراءات سياسية وعسكرية الانهاء الاحتلال الروسي لاراضي اوكراينا. والغريب ان روسيا تتهم الحكومة الاوكراينية بالقومية والنازية وميولها للغرب، وانها تريد احقاق السلام لكن في ظل القذائف والصواريخ الروسية، في حين ان صعود بوتين للحكم واستتمراره في الحكم لاكثر من 23 سنة، وفرض توجهات شبه دكتاتورية وقمع معارضيه انما يعتمد على توجهاته القومية ودغدغة شعور المواطن الروسي باحياء روسيا القيصرية.
الوضع الحالي يذكرنا بالتاريخ القريب بعد صعود النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا والعسكرتارية في اليابان والدكتاتورية الفرانكوية في اسبانيا. وبدات بدعوات ورغبة قيادة الحزب النازي بعد اكمال سيطرتها على مقاليد الدولة في المانيا بضم اراضي دول مجاورة اليها، والاعتماد على نفس سيناريو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحالية، وهي حماية الاقليات الالمانية في تلك الدول، ومن ثم الدعوى بحماية امنها القومي. وبدأت هذه الخطوات بضم النمسا الى المانيا في اذار سنة 1938 باعتبار العرق الالماني هو السائد في الدولتين. ثم توجهت انظاره نحو ضم اقليم (السوديت) في جمهورية جيكوسلوفاكيا بحجة حماية ابناء الاقليم بدعوى اصولهم الالمانية. وبدل ان يكون للغرب في حينه وخاصة بريطانيا وفرنسا موقف رافض ازاء توجهات واطماع هتلر، بل كان للاسف متخاذلا لا بل متواطئا مع المانيا بحجة تجنب اندلاع حرب ومواجهة مع المانيا، عندما توجه كل من (تشامبرلين) رئيس وزراء بريطانيا من حزب المحافظين في حينه، و( ادوارد دالاديه) رئيس الوزراء الفرنسي في تلك الفترة الى المانيا وعقدوا مؤتمرا مع هتلر توصلوا الى اتفاق معه حول موافقتهم لدخول القوات الالمانية الى اقليم (السوديت) وضمه لالمانيا، مع تعهد من هتلر بعدم ضم اراضي اخرى الى المانيا وتجنب اية مواجهة عسكرية وتجنيب اوربا من تبعات حرب مدمرة، ضنا منهم ان وجود هتلر والمانيا قوية سسكون بالاصل في مواجهة الاتحاد السوفيتي بسبب كره هتلر الشديد لليهود والشيوعيين. على الرغم من ان جوزيف ستالين كان قد اقترح على كل من بريطانيا وفرنسا عقد حلف ثلاثي لمواجهة المانيا النازية والوقوف امام اطماع هتلر، لكن الدولتين رفضت حتى مجرد الرد على مقترح ستالين. فادى ذلك الى توجه ستالين لعقد اتفاقية مع هتلر لتجنب المواجهة العسكرية بين البلدين سنة 1939 والسماح للاتحاد السوفيتي لضم اجزاء من شرق بولندا اليها. لكن هذا التردد والجبن الاوروبي تجاه اطماع وغزوات هتلر والتواطيء معه في ضم اقليم (السوديت) الى المانيا، ولم تثني هتلر عن اطماعه وخططه في ابتلاع المزيد من الاقاليم والدول الى المانيا النازية، حيث سيطر على جميع الاراضي الجيكوسلوفاكية في اكتوبر من العام نفسه سنة 1938، واعلان دولة (بوهيميا ومورافيا) وتنصيب الرئيس (اميل هاشا) الموالي والخاضع لهتلر كرئيس صوري على راس الدولة المعلنة. وما حدث بعد ذلك معروف للقاصي والداني وخاصة للشعوب الاوروبية، حيث بعد التنسيق بين المانيا والاتحاد السوفيتي سنة 1939 لابتلاع اراضي شرق بولندا من قبل الجيش الاحمر واراضي غرب ووسط بولندا من قبل الجيش الالماني اندلعت الحرب العالمية الثانية بشكلها الواسع، وان هتلر قد خان عهده مع كل من بريطانيا وفرنسا اولا ومن ثم مع الاتحاد السوفيتي لاحقا، عندما اجتاح اراض الاتحاد السوفيتي بشكل واسع خاصة بعد الاداء الضعيف للجيش الاحمر مع فنلندا سنة 1939، حيث تيقن هتلر ان اجتياح اراضي الاتحاد السوفيتي لن يلاقي مواجهة صعبة من الجبش الاحمر. هذه الحرب التي استمرت لمدة ست سنوات وعلى الرغم من كونها كانت حربا تقليدية فقد خلفت وراءها اكثر من ستين مليون قتيل. وكل ذلك حدث نظرا لعدم حزم الغرب والاتحاد السوفيتي معا ضد اطماع وغزوات المانيا النازية منذ البداية، وهكذا الحال بالنسبة لموقف عصبة الامم الضعيف مثلما هو موقف الامم المتحدة الان تجاه الغزو الروسي لاوكراينا.
وبمقارنة تاريخية فان الوضع الحالي ينذر بخطر كبير حيث ان الاجتياح الروسي للاراضي الاوكراينية الدولة المستقلة وعضو مؤسس للامم المتحدة، هذا الامر قد تفتج شهية روسيا اكثر في ضم دول البلطيق الثلاثة الصغيرة وهي لاتفيا واستونيا ولتوانيا التي تقع بين البر الروسي والاراضي الروسية الاخرى (كالينينغراد) التي لا ترتبط مع باقي اراضي روسيا برا. وايضا قد تدفع دول اخرى خاصة تلك المؤيدة والداعمة لروسيا في الاستيلاء على اجزاء واقاليم من دول اخرى، كالصين في محاولة اعادة ضم تايوان اليها، وتركيا في ضم محافظات حلب والاربد والحسكة من سوريا ومحافظات دهوك واجزاء من نينوى واربيل وكركوك اليها. وايضا ايران في ضم محافظات الجنوب والفرات الاوسط مع بغداد وديالى والسليمانية اليها، او محاولة اجتياح البحرين بحجة ان اكثر من 70% من سكانها يعتنقون المذهب الشيعي بينما تحكمها اقلية سنية. وهنا يمكن ان تفتح شهية دكتاتور كوريا الشمالية في اجتياح كوريا الجنوبية بحجة توحيد شبه الجزيرة الكورية، او أن باكستان قد تحاول ضم كشمير اليها بدعوى ان سكانها يعتنقون الاسلام، وغبرها الكثير من الاطماع المكبوته والتي يمكن أن تؤدي ذلك لا سامح الله الى اندلاع شرارة حرب عالمية جزئية قد تتطور الى حرب شاملة بين قوات حلف الناتو وقوات روسيا الاتحادية، او احدى الدول المؤيدة علنا او ضمنا لروسيا، والتي الكثير من الدول في الطرفين تمتلك اسلحة الدمار الشامل التي في حال اندلاعها لا تبقي ولا تذر وترجع البشرية الاف السنين الى الوراء.
ولكن رغم كل ذلك نلاحظ الموقف المهادن للرئيس الامريكي جوزيف بايدن والذي اعلن بعدم الدفاع عن اوكراينا، لكن سيكون هنالك رد في حال وصل النزاع والتدخل من قبل روسيا او غيرها لاحدى الدول المنضوية لحلف ناتو، هذا الموقف يذكرني بحكاية كان يقصه علينا والدي المغفور له. والحكاية عن احد التجار الاغنياء الذي كان يصرف الكثير من الاموال لتاجير اشخاص لغرض حماية قوافله التجارية، لذلك فكر في ان يستعيض عنهم بتاجير شخص واحد قوي وضخم البنية يدفع له بشكل سخي ويقوم بحماية قوافله في ترحالها بدلا من العدد الكبير. وفعلا استطاع ان يوظف شخصا بهذه المواصفات. وفي احدى المرات وعندما كانت احدى قوافل هذا التاجر المحملة بالبضائع والاموال العائدة الى محل اقامته، فقد تعرضت الى هجوم مباغت من قبل بعض اللصوص، حيث اكملوا نهب القافلة والاستيلاء على جميع الاموال والبضائع مع دوابها، وقاموا بسلب التاجر نفسه ونزع ملابسه واهانته. وعندما انتهوا من ذلك لاحظوا وجود شخص على تلة قريبة يدخن، فسألوا التاجر عن ذلك الشخصن فقال لهم بانه مكلف بحماية القافلة، فقالوا للتاجر لماذا لم يتصدى لنا، فاجاب التاجر بانه نفسه لا يعرف سبب ذلك. عندها صعد الى التل ثلة من اللصوص وقاموا بسلب ملابسه واهانته، وقد وصلوا لدرجة بان مدوا ايديهم الى حزام سرواله الداخلي بغرض الاعتداء على شرفه. حينها قام هذا الشخص بالدفاع عن نفسه وضربهم وقتلهم، ثم نزل الى القافلة وضرب بعضهم وهرب الباقون، واعاد جميع البضائع والاموال ورجعوا الى محل سكنهم. حيث قام التاجر بدفع كامل اجرته، لكنه سرحه من وظيفته. وعندما سال هذا الشخص التاجر عن سبب تسريحه، مع انه قد خلصه من اللصوص وقام بحماية القافلة، اجابه التاجر بانه لا يستطيع الانتظار في كل مرة حتى تصل ايادي اللصوص الى حزام سرواله الداخلي، لكي تثير غيرته ويقوم بالذود عن القافلة وحمايتها.
فهل ان الرئيس بايدن وحلف ناتو ينتظرون ان تصل ايادي روسيا الى الاعتداء على احدى دول اعضاء الحلف، حتى يقوما بالرد والوقوقف بوجه اطماع وخطط بوتين التوسعية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش