الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معجزاتُ أجدادي

فاطمة ناعوت

2022 / 2 / 27
الادب والفن


Facebook: @NaootOfficial

المعجزاتُ لا تتكرّر. إنه تكرّرت، سقطتْ عنها صفةُ الإعجاز وصارت حدثًا اعتياديًّا. المعجزةُ تحدثُ مرّةً فيُبهَر الذي رأى، وتتناقلها الألسنُ المعاصرة، ثم تُدوَّن في الكتب، إن كانت في عصر ما بعد التدوين والطباعة والقلم وما يسطرون، أو تتناقلها الألسنُ جيلا لجيل، لكي تُدركها الأجيالُ التاليةُ نقلا عمَن رأى مِن الرائين الأوائل، أو تُنسَى فتندثرُ وتموتُ، إن لم يحالفها حظُّ التدوين أو الرواية. وحينما أتحدّثُ عن معجزاتِ أجدادي، ربما الأدقُّ أن أسميها "أعجوبة"، أو "خارقة"، بدلا من "معجزة". لأن المعجزات خصيصةُ الأنبياء والرسل؛ حتى يراها الناسُ فيؤمنون برسالاتهم مثل عصا موسى وقرآن رسولنا. أما الأعاجيبُ فأشياءُ عجائبيةٌ يصنعهاُ عباقرةُ البشر، والخوارقُ ظواهرُ خارقةٌ للمألوف. لكنني أسمي ما صنع أجدادُنا القَدامَى "معجزاتٍ" لأنها، بمقاييس عصرها، أعجزت أن تأتي بمثلها غيرُها من الحضارات الناهضةُ آنذاك، مثل الحضارة الإغريقية العظيمة. فلو كنتَ تعيشُ في القرن 17، وقلت لصديقك إن بوسعك أن ترى وتسمع ما يحدث على بعد أميال، فبالتأكيد لن يصدقك، لكن لو قُدِّر لك آنذاك امتلاكُ هاتفٍ أو تليفزيون، فقد صنعت لحظتئذ معجزةً. وهذا ما صنعه أجدادُنا قبل الميلاد بعشرات القرون في الطب والفلك والهندسة والعمارة والموسيقى والنحت والتشكيل والسياسة، والأهم من كل هذا في "الأخلاق”. أحدثكم عن معجزة دشّنها أجدادي عام 1265 قبل الميلاد، والمدهشُ فيها، عطفًا على عجائبيتها، أنها تتكرَّرُ كل عام مرتين!
بالأمس، يوم 21 فبراير، جاء الناسُ من أرجاء الدنيا ليشهدوا معجزة المصريين الخالدة التي تتكرّرُ مرتين كل عام. حساباتٌ فلكيةٌ معقدة، ومعادلاتٌ هندسية فراغية بالغة التعقيد، وعقولٌ استثنائية الفرادة، كانت وراء تلك الأعجوبة المعمارية الفلكية التي صنعها أجدادي في عشرين عامًا، لكي تحيا خالدةً عصيةً على الخفوت، إلى نهاية الزمان بإذن الله. أحدثكم عن أعجوبة معبد "أبو سمبل" الذي احتشد حوله العالمُ قبل أيامٍ؛ ليشهدوا كيف يتسلَّلُ شعاعُ شمس من ثقب دقيق في جدار سميك بعمق 200 متر، حتى يستقر على نقطة بعينها في جوف الصخر! النقطةُ هي وجهُ الملك "رمسيس الثاني" المخبأ في العمق السحيق بالمعبد حيث "قُدس الأقداس". منذ تشييده في القرن 13ق.م.، وحتى عام 1964م.، كانت الشمسُ تتعامد على وجوه الملوك يومي 21 أكتوبر، 21 فبراير. ولكن، بعد تفكيك المعبد لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي، ونقله من موقعه القديم، إلى موقعه الحالي، تبدّل اليومان إلى 22 من فبراير وأكتوبر، بسبب اختلاف خطوط الطول والعرض للموقع الجديد الذي يبعد 120 مترًا غربًا. يدخل الشعاعُ ليضيء وجوه تماثيلَ ثلاثةٍ من الأربعة الموجودة بالمعبد. "رع حور أختي" إله الشمس، "رمسيس الثاني"، "آمون رع" إله طِيبة. ويظلَّ التمثالُ الرابع "بتاح" سيدُ العدالة واهبُ الحياة وراعي الفنون، في الظلِّ؛ ربما لتتأكد رمزيةُ أنه مُضيءٌ بذاته.
استفاد المهندسُ العبقري مصمّمُ المعبد، بما وصل إليه علماءُ أجدادنا من معرفة دقيقة برحلة شروق الشمس وغروبها، ليصنع تلك الأعجوبة المعمارية. فقط يوم 21 مارس من كل عام، ينطلقُ شعاعُ الشروق من نقطة الشرق بالضبط، وينطبقُ شعاعُ الغروب على نقطة الغرب بالضبط. ثم يبدأ الشعاعُ في الانحراف صوبَ الشمال بمقدار ربع درجة يوميًّا، حتى يعاود الانطباق على نقطة الشرق يوم 21 سبتمبر، ثم يستأنفُ رحلةَ الانحراف ليُشرقَ من نقطة تبعد 23 درجة وربع، جنوب الشرق في 21 ديسمبر، ليعودَ وينطبق على نقطة الشرق التام يوم 21 مارس، في دائرة سنوية فلكية لا تحيد ولا تتبدل. وهكذا عرفَ أجدادُنا أن الشمسَ تمرُّ على "كل نقطة"، مرتين في العام خلال رحلة شروقها وغروبها. فاختاروا مكانًا يقطعُ مسارَ شعاع الشروق ويبعد عن النقطتين مسافةً قدرها الزمنيُّ أربعةُ أشهر، هي الفترة بين 21 أكتوبر، 21 فبراير، فيسقطُ الشعاعُ على تقاسيم وجه الملك في عمق الجبل في هذين اليومين، فقط. وهما: يوم ميلاده، ويوم تتويجه ملكًا. وجهوا الثقبَ صوب الشرق، وحفروه ضيّقًا جدًّا، حتى يُخطئه الشعاعُ في اليوم التالي حين ينحرف ربع الدرجة، فيعمُّ الظلامُ من جديد، انتظارًا لليوم الآخر من العام، حين يعودُ الشعاعُ ليضيء الوجه الملكيّ. ما هذا الإعجاز العجيب!
أولئك أجدادُنا الذين علينا أن نتأمل تاريخَهم الماجدَ لنفخر بمصريتنا، التي كرّمنا بها اللهُ على سائر الأعراق. ثم نبني على أمجادهم أمجادًا جديدة، لكي يفخروا بنا كما نفخر بهم. وليس علمُ الفلك لدى السلف المصريّ، إلا غيضًا من فيض، إلى جوار علوم وعبقرياتٍ أذهلتِ العالمَ المتحضّر، فانحنى أمامَها إجلالاً. تحيا مصر.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-