الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والولايات المتحدة .. إدارة التنافس والصراع (2)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 2 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


تنظر الولايات المتحدة الى الصين بصفتها قوة شاملة ناهضة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بينما تعتبر الصين الولايات المتحدة قوة عظمى لها مصالح وتواجد مباشر أو مؤثر في كافة أنحاء العالم، لكن الصين تنظر لأهمية استثمار الدور الأمريكي لتحقيق مصالحها من خلال دعم دور الصين في آسيا والعالم، في الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة صعود الصين مسألة تهدد أمنها ومصالحها العالمية.
تمتاز الصين بأن سياستها مستقلة ونشطة في آن واحد، فهي تمارس أدواراً سياسية ودبلوماسية متنوعة في علاقاتها الاقليمية والدولية بشكل توافقي وتوازني مستقل دون الاضرار بمصالح القوى الكبرى والعظمى، وبصورة تلبي مصالحها وتحفظ سيادتها وتسهم في تعظيم دورها ومكانتها السياسية الاقتصادية في الخريطة العالمية، وهو ما نجحت فيه فعلاً خلال العقود الثلاثة الماضية .
إن تحديد الطرفين لمكانة وأهمية العلاقات غير متساوٍ لهما، وهذا أثّر على تطور العلاقات الطبيعي، حيث تتمثّل الرؤية الاستراتيجية للصين من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة في ثلاثة جوانب( ):
الأول : حاجة الصين لمناخ سلمي عالمي لتطوير قوتها الاقتصادية باعتبارها أكبر دولة تحقّق معدلات نمو اقتصادي، فضلا عن حاجتها للحفاظ على تواجدها السياسي والدبلوماسي على المستوى الدولي ، والولايات المتحدة وحدها من تمل القوة الشاملة للتدخل وشن الحروب في العالم ، وبالتالي فهي قادرة على توفير بيئة آمنة أو مهددِّة لمصالح الصين .
الثاني: حاجة الصين للأسواق الخارجية والسيولة المالية والتكنولوجيا دفعها للانفتاح على العالم الخارجي بصورة شاملة وكاملة، والولايات المتحدة تعتبر أكثر دولة متطورة في مجال التكنولوجيا واكثر اقتصاد منفتح على الدول الأخرى .
الثالث: خصوصية العلاقات الصينية الأمريكية تؤثر بشكل مباشر على المصالح الصينية في شرق أسيا والمحيط الهادىء، خاصة في المسألة التايوانية ، فالولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تتدخل لها تأثير فعلي في قضية "تايوان الصينية"، لذلك كان صانع القرار الصيني منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم يركز على أولوية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لاعتبارات سياسية وسيادية ومصلحة عليا كبرى للصين .
أما استراتيجيّة الولايات المتحدة الأمريكية لعلاقاتها مع الصين، فارتكزت على الجوانب التالية( ) :
الأول : تتمتع الصين بتأثير جليِّ وواضحٍ في شرق آسيا؛ وتتقاطع مصلحة الطرفين الإستراتيجية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
الثاني : رغم أن الصين تتمتع بقدرات عسكرية ضخمة وتمتلك تقنية تطوير قوة نوويّة تهدد المنطقة ومصالح الولايات المتحدة، إلا أنه ليس بمقدور القوة العسكرية الصينية منافسة القوة العسكرية الأمريكية في غضون ثلاثة عقود على الأكثر، وقوة الصين العسكرية تساهم في منع انتشار السلاح النووي أو أسلحة الدمار الشامل في شرق آسيا .
الثالث : قوة الاقتصاد الصيني وتطوره السريع تساعد الولايات المتحدة في حلّ إشكاليات دولية في المنطقة والعالم، مثل مشكلات التهريب والمخدرات والتلوث البيئي والهجرة غير الشرعية والطاقة ..الخ .
الرابع : كشفت أحداث سبتمبر 2001م حاجة الولايات المتحدة للصين لمكافحة الإرهاب الدولي في العالم، خاصة في منطقة شرق آسيا وأسيا الوسطى ، وتحديداً خلال الحرب الأمريكية على أفغانستان عام 2001م ، وهذا ما دفع الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها وتعاونها مع الصين وتقديم اغراءات تجارية من خلال قبول انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001م.
وتشترك السياستان الخارجية الأمريكية والصينية في نمط المشاركة الخارجية الفاعلة في القضايا العالمية السياسية والأمنية والاقتصادية، مع شمولية أوسع وفعالية أكبر للولايات المتحدة في القضايا الدولية، كما تمتاز الدولتان بالتركيز على ذات القوى المنافسة والمؤثرة في الاقتصاد العالمي وهما اليابان والاتحاد الأوروبي .
وتعتمد كلاً من الصين والولايات المتحدة على الاستثمارات الأجنبية في الداخل؛ وكلاهما تستوردان الموارد الرئيسية ومصادر الطاقة بهدف زيادة القدرات ورفع حجم الاحتياطي منها، اضافة لنفوذ الطرفين في الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية وتحالفات كلاً منهما في المنظمات الإقليمية والدولية( ).
لقد سخّرت الصين سياسيتها الخارجية لتحقيق طموحها في قيادة العالم اقتصادياً، وأن تكون أكبر سوق موجّه عالمياً وتحقق أعلى درجة نمو اقتصادي وتتوسع جغرافياً لإعادة بناء هياكل النظام الاقتصادي العالمي بصورة جديدة تلبي مصالحها ومصالح الآخرين وفق النظام الاشتراكي الذي يؤمن به الحزب الشيوعي الصيني.
لذلك ترى الصين علاقاتها مع الولايات المتحدة علاقة تنافس واستثمار جيد لتوازن القوى الدولي لتحقيق الأمن والسلام الدوليين، وتعتقد الصين أن حجم المصالح المشتركة بينهما أكبر بكثير من نقاط الخلاف والنزاع.
أما اسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين؛ تتمحور حول هدف حماية المصالح الأمريكية الاقتصادية والأمنية في شرق أسيا، اضافة الى طموح الولايات المتحدة لتحويل الصين من "الاشتراكية المقيّدة" الى "الرأسمالية الليبرالية" والسوق الحر( )، ليتسنى لها –أي الولايات المتحدة- التغلّغل أكثر في السوق الصيني الضخم والسيطرة على حصة الاستثمارات الأجنبيّة في الصين واستغلال الموارد البشرية والسوق الاستهلاكية.
وعلى صعيد مؤشرات التنافس الثنائية بين البلدين، يمكن رصد المقارنة التالية( ):
أولاً : مقابل نظام دولي أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين ، ظهرت الصين، غلى جانب قوى دولية أخرى مثل اليابان والهند والاتحاد الأوروبي، كقوى مؤثرة وفاعلة في النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991م،.
ثانياً : تعبر الصين اليوم هي الأولى عالمياً من حيث الكثافة السكانية والموارد البشرية، حيث يبلغ عدد سكانها مليار و (350) مليون نسمة، مقابل (320) مليون نسمة سكان الولايات المتحدة حسب احصائيات عام 2016م، كما أن الصين الرابعة عالمياً من حيث المساحة الاجمالية بعد روسيا وكندا والولايات المتحدة .
ثالثا : الولايات المتحدة الأولى عالمياً كأكبر قوة اقتصادية، فيما تأتي الصين في المرتبة الثانية عالمياً، مع أنها الأقوى من حيث معدل سرعة النمو الاقتصادي .
رابعاً : الصين هي القوة العالمية الثانية في جذب الاستثمارات بعد الولايات المتحدة .
خامساً: تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من يحث القوة العسكرية، حيث تمتلك الصين أضخم جيش في العالم مع قوات الإحتياط، ولديها ثاني أكبر ميزانية دفاعية بعد الولايات المتحدة .
سادساً : موقع الصين الاستراتيجي الذي يربط شرق آسيا بشرق أوروبا جعلها تتحكم في طرق الملاحة البرية والبحرية والجوية وعامل استقرار في المنطقة والعالم، فيما الولايات المتحدة بتواجدها العسكري الضخم من خلال الأساطيل البحرية خارج الولايات المتحدة تعتبر أكبر قوة بحرية عالمية، ولها ستة أساطيل منتشر في أنحاء العالم، منها الأسطول السابع في شرق أسيا وجنوب شرق أسيا، بالإضافة للأسطول السادس في الخليج العربي والشرق الأوسط.
سابعاً: الصين القوة النووية الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا، وهي كذلك ثالث دولة لديها قدرة عالية لإجراء عمليات سير في الفضاء والإنفاق على مشاريع العلوم والتقنية الفضائية، بعد الولايات المتحدة وروسيا أيضاَ .
------------------------------------------------
راجع بهذا الخصوص : ايمان عبدالله عبدالخالق ابراهيم ، اثر العلاقات الصينية – الامريكية على النظام الدولى منذ عام 2001، المركز الديمقراطي العربي، القاهرة، يوليو 2016م، ص 13.
المرجع نفسه ، ص 15 .
راجع، أحمد دياب، العلاقات الصينية – الأمريكية بين التعاون والصراع ، مجلة السياسة الدولية، العدد (173) ، يوليو 2008، المجلد 43، ص 122.
المرجع نفسه .
راجع بهذا الخصوص : - محمد صالح ربيع، مهيمن عبد الحليم طه، القوى الدولية والاقليمية وتأثيراتهما في السياسة الصينية، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، الجامعة المستنصرية، كلية التربية ، العدد (59)، 2017م، ص 3 وما بعدها .
- محمود خليفة جودة محمد، ابعاد الصعود الصينى فى النظام الدولى وتداعياته (1991-2010) ، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2011م .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و




.. في المغرب.. نسيج من -العجائب- المعمارية! • فرانس 24 / FRANCE


.. ملفان مصيريان للبحث في اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي




.. الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية تتصاعد.. ما تأثير