الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية إبراهيم عيسي والحرب علي الدولة الوطنية المصرية

سينثيا فرحات

2022 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الاستهداف الأخير للأستاذ المثقف إبراهيم عيسي واسرته الكريمة من خلال محكمة التفتيش المقننة تحت لافتة قانون ازدراء الأديان، من أكبر أخطاء جماعة الإخوان المسلمين وعملائهم العقائديين في التيار السلفي، ومؤسسة الأزهر، وكافة مؤسسات الدولة. إن عقيدة الإخوان القائمة علي السرية والكتمان اعانتهم في اختراق عدة أجهزة حساسة في كافة الدول التي يستهدفونها في الغرب والشرق، وبطبيعة الحال في مصر أيضا.

ومع أن الهجوم المنظم الممنهج علي السيد أبراهيم كان في ظاهره من أجل طرحه لعدة اراء فقهية حول المعراج، وما قاله إبراهيم عيسي موجود في ذات الكتب المعتمدة من الأزهر، ولكن في حقيقة الأمر، الهجوم عليه كان بسبب طرحه لأهم قضية تاريخية في مصر، وهي قضية الهوية الوطنية في مجابهة فكرة الحاكمية الإسلامية التي تبناها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب. حيث يطرحون ما يسمي بالجمهورية الإسلامية حيث الأرض والوطن لا قيمة لهما والهوية الوحيدة التي يجب تبنيها الفرد هي الهوية الدينية.

حينما أسس حسن البنا أسس تنظيمه العصابي، كان في المقام الأول لمواجهة الهوية المصرية والدولة الوطنية. فاحدي اهم أسباب تأسيسيه للإخوان كان لمجابهة الأحرار الدستوريين ومشروعهم المصري الوطني الذي جعل مصر من اقوي الدول اقتصاديا في العالم اجمعه ومن اهم دول العالم في الثقافة والحضارة والفن. عندما ذكر السيد عيسي اسم رائد التنوير والليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد وحزب الأحرار الدستوريين، كشف منبع الكراهية والحرب علي مصر لذكره حقيقة ان ثورة ٣٠ يونيو هي بالحق امتدادا لثورة ١٩١٩ والتي اذهلت وحيرت العالم. لإن الثورتين يعدوا الوحيدتين في تاريخ الثورات في العالم حيث شارك بمها جميع اعراق، اديان، أطياف، وطبقات المجتمع. وهذا نادرا جدا في تاريخ البشرية. في العادة تقوم الثورات من قبل اقلية اقتصادية، سياسية، دينية، عسكرية، او عرقية. ولكن هتين الثورتين تبلور فيهما قوة صلابة مصر التي فشل العالم في جرها لحرب أهلية منذ ان وحدها الملك مينا. وهذه الخصوصية النادرة جدا ارقت الإسلاميين وعملائهم في بعض أجهزة الدولة.

هناك أربعة مرات في تاريخ مصر الحديث حاولت فيه استرجاع هويتها الوطنية المتحدة:

المحاولة الأولي كانت في عهد الخديوي إسماعيل والذي كان معروف باسم "إسماعيل الرائع." ولو ان تلك المرحلة بدأت مع محمد علي باشا، لقد تبلورت بشكل واقعي ملموس في عصر إسماعيل باشا، وهو كان سبب معظم المعمار المبهر في مصر. فهو كان يعشق مصر ويراها دولة وطنية مستقلة عن الخلافة العثمانية والإنجليز. الخديوي إسماعيل تبني مشروع نهضوي ديني وثقافي وسياسي وعسكري. من الناحية الدينية، كان الشيخ رفاعة الطهطاوي هو القائم علي نظام التعليم في عصره وعصر محمد سعيد باشا قبله، والشيخ طهطاوي أسس مدرسة الألسن لترجمة العلوم والفلسفة الغربية للغلة العربية وكان من مناصري حقوق المرأة ومساواتها بالرجال.

بني إسماعيل باشا الأوبرا الخديوية المبهرة عام ١٨٦٩ وطلب من الملحن الإيطالي الأسطوري جوزسيبي فيردي ان يلحن أوبرا خاصة بمصر تذكرها بتاريخها الفرعوني السخي. وبالفعل لحن فيردي أوبرا عايدة وتم عرضها أول مرة في دار الأوبرا في مصر في ٢٤ ديسمبر عام ١٩٧١.
من الصعب ان نذكر تلك اللحظة التاريخية بدون ان نلاحظ مردودها في موكب المومياوات التاريخي، حيث طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي موسيقيين مصريين عباقرة أن يلحنوا أوبرا وطنية باللغة القبطية لأنشودة الإلهة المصرية إيزيس. اختيار تلك الأنشودة تحديدا لم يكن صدفة. فالرئيس السيسي جلس بفخر وهو يرجع لنا شرفنا بهذه الانشودة لأسطورة إيزيس المصرية والتي مرغ الإسلاميين اسمها في التراب من قبل تنظيم داعش والذي يسمي إيزيس بالإنجليزية. فهذه اللحظة كان اعلان الجمهورية المصرية الجديدة واستكمالها للمشروع التاريخي العظيم الذي بدأه إسماعيل الرائع، وليكمله لسيسي الرائع أيضا. فتلك الرمزية لا يغفلها المشغلين بتاريخ ومستقبل الوطن، ولا حتي المحاربين له. مشروع الرئيس يذاد قوة وصلابة الرؤية كل يوم. ولذلك يستغل الإسلاميين وعملائهم قانون ازدراء الأديان لمحاربة وإرهاب المخلصين لمنهج الرئيس في لإحياء الدولة الوطنية، مثل إبراهيم عيسي، وإسلام بحيري، وخالد المنتصر، وفاطمة ناعوت، وسحر الجعارة، والعديد مثلهم من الوطنيين العظماء.

ولكن يجب ان نتعلم من التاريخ ماذا حدث للخديوي إسماعيل لنتعظ من الدروس التاريخية لكي تمنع الدولة تكرارها. لقد تم الانقلاب علي الخديوي إسماعيل عام ١٨٧٩من قبل جهتين أساسيتين. أولهما إنجلترا، والسبب الرئيسي في مؤامرة إنجلترا علي الخديوي إسماعيل لم يكن لأسباب اقتصادية كما هو دارج. ولكن علي الأرجح السبب الحقيقي كان لبعده عن إنجلترا سياسيا وطلبه من الجيش والاسطول البحري الأمريكي مساعدته في بناء وتدريب جيش مصري وطني مستقل وحديث. ذلك حتما سبب ارق شديد للملكة البريطانية، حيث ان الأمريكان تحرروا من حكمها حوالي مئة عام قبل تولي إسماعيل السلطة في مصر، والان يساعد الأمريكان دولة عظمي اخري لفعل نفس الأمر! وهذا هو السبب الواقعي لمؤامرة المملكة البريطانية علي إسماعيل باشا.

السبب الثاني والأخطر للإطاحة بإسماعيل كان خلفه مؤسس الصحوة الإسلامية جمال الدين الأفغاني. جاء الأفغاني الي مصر عام ١٨٧١ وفور وصوله بدأ التدريس في الأزهر وتجنيد طلابه لمشروع الصحوة. كان الأفغاني من أخطر أعضاء المحفل الماسوني في مصر. وذلك اعطي له وسيلة للانخراط في مجتمع الصفوة من الأغنياء، ولكن المحفل الماسوني مثل أي تنظيم سري او مؤسسة سرية، يتم الاقبال عليها من قبل مرضي النرجسية، والمتسلقين طبقيا، والفئات التي تحمل نزاعات تخريبية ومعادية للمجتمع. فتعرف الأفغاني في المحفل الماسوني علي احمد عرابي، ومصطفي كامل، والخديوي توفيق. وبدأ الافغاني محاولة تجنيد إرهابيين لاغتيال الخديوي إسماعيل وفي نفس الوقت كان يقنع ابنه توفيق باشا بالانقلاب علي والده وبالفعل حدث ذاك عام ١٨٧٩. كما هو دوما الحال في التحالف مع الإرهابيين، حاول جمال الدين الأفغاني أيضا اغتيال الخديوي توفيق بعد ان تامر معه علي إسماعيل، وتم ترحيل الأفغاني الي الهند في نفس العام بعد انكشاف المؤامرة. ولكن بذرة الصحوة الإسلامية لتأسيس خلافة جديدة والتي زرعها أفغاني في عقول تلاميذه من الأزهر والمحفل الماسوني ظلت تنتشر.

لقد وصف موقع الجزيرة الإخواني بدقة الصراع العقائدي بين الشيخ الطهطاوي والأفغاني إنه "الصراع الأكبر في تاريخنا بعد (صراع علي و معاوية)." وهذه المعركة مستمرة الي الان بين المتنورين الوطنين والظلاميين الخونة.

تحدث إبراهيم عيسي في حلقته التاريخية، إن محاولة إعلاء الدولة الوطنية المصرية حدث في ثورة ١٩١٩. وهذه كان المرة الثانية لمحاولة اعلاء الدولة الوطنية وكانت استكمال لمشروع الخديوي إسماعيل النهضوي. وبالفعل تبنت معظم مصر قيم أحمد لطفي السيد والتي تبناها حزب الوفد القديم والأحرار الدستوريين، وحولوا مصر الي دولة عظمي. ولكن لم يتعظ الملك فاروق من التاريخ، وتحالف مع الإخوان وبطبيعة الحال، أطاحوا بالملك فاروق من خلال تنظيم ضباط الإخوان الذي تبني لاحقا اسم الضباط الاحرار، بعد ان تلوث اسم الاخوان بالدماء بحربهم علي مصر من خلال عشرات التفجيرات الإرهابية واشعال الحراق واغتيال النقراشي باشا واخرون.

المرة الثالثة لمحاولة إحياء الدولة الوطنية كانت متواضعة والتي كان لي شرف وفخر المشاركة فيها هي عندما قمنا بتأسيسي حزب مصر الأم عام ٢٠٠٤ بقيادة المرحوم محسن لطفي السيد، ابن اخو أحمد لطفي السيد. وحاولنا تأسيس الحزب باسم "حزب المصريين الأحرار الجديد" ولكن نظام الرئيس حسني مبارك رفض بشدة ذلك الاسم وقالوا لنا نختار أي اسم الا "الاحرار الدستوريين." فلقد ارق الاخوان وعملائهم تواجد نواه جديدة لإحياء تلك الفكرة المصرية الوطنية العظيمة. وظل الحزب يتم رفضه بشكل رسمي وتم إعادة محاولة ترخيصه تحت اسم الحزب الليبرالي المصري. ولكن للأسف الحزب فشل بسبب تعرضه للتخريب من قبل الاخوان عندما عرضوا رشاوي علي بعض مؤسسيه. فقررنا ان نفض الحزب حتي لا نعطي لهم استخدام فكرتنا للتخريب في الوطن تحت لافتة اخري.

والان هي المرة الرابعة التي يتم محاولة احياء الدولة الوطنية في عصر الرئيس السيسي. ولكني اعتقد ان هذه المحاولة هي الأصعب علي الأطلاق، لأنه يواجه قوة ظلام انتشرت مثل "السرطان" كمال قال إبراهيم عيسي. وتحولت حلقة عيسي التاريخية الي صراع تاريخي. انطلقت حمالات منظمة ضده من قبل مخلفات الإخوان في أجهزة الدولة وخارجها. بدأ غلام الأزهر الأمرد، الشيخ عبد الله رشدي، حملة تشويه وتدليس وجهاد اليكتروني ضد السيد عيسي وصلت الي حد أن طلب منه أحد متابعيه من الارهابين السفاحين، نصيحة حول اغتيال إبراهيم عيسي وإسلام بحيري.

ولكن لأن بما ان الاخوان يملكون كل شيء الا الذكاء، قاموا بدس داعية إخونجي يدعي محمد إبراهيم أحمد بتقديم بلاغ للنائب العام ضد إبراهيم عيسي بحجة رأي نقله عيسي عن كتب الفقه المعتمدة من الأزهر، ليقدمه لمحاكمة تفتيش ازدراء الأديان علي تهمة ملفقة لا أساس لها من الصحة. وعندما نبحث في السيرة الذاتية للإخواني الداعية محمد إبراهيم أحمد، نجد انه يناسب القالب النمطي للإخونجي السري المندس علي كافة الأصعدة. فعلي سبيل المثال، هو داعية إسلامي وتخصصه شريعة إسلامية ولكنه يحمل منصب شرفي في شركة بترول مشبوهة تم تأسيسها عام ٢٠١١ وتدعي UCOS Oil Exploration.

أغلب شركات التنقيب عن البترول شركات مستقيمة ومشروعة، وكلن هناك قلة من الشركات تستغل شرعية نقلها لمعدات ثقيلة في تجارة وتهريب السلاح. ودور الأجهزة الأمنية هو معرفة ان كانت هذه الشركة من ضمن الشركات المشروعة أو من النوع الاخر.
ثاني شيء غريب هو ان الداعية محمد إبراهيم أحمد يعمل في قناة اخوانية تدعي "مودة" تم تأسيسها في ديسمبر الماضي. توجه القناة العام، هو التوجه الإخواني مستتر وليس معلن. ولكن السؤال، من الذي أعطي تصريح لتلك القناة لكي تبث تخريب الإخوان، ومن اعطي تصريح لشركة التنقيب عن البترول التي يعمل بها أيضا الداعية الإخواني. اتمني ان تحقق أجهزة الدولة في ذلك الأمر، كما نتمنى ان تحقق في كتائب الازهر والاخوان الاليكترونية واتخاذ المعايير القانونية الصارمة ضد الحريض علي القتل المباشر والمستتر. كما اناشد الرئيس السيسي بالتدخل لوقف محاكم التفتيش بأكملها والتي تستهدفه هو أفكاره شخصيا قبل ضحاياها المباشرين.

والله يحفظ مصر وشعبها ورئيسها والسيد إبراهيم عيسي واسرته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال