الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*دموع إسطنبولية ! ( سردية واقعية)

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2022 / 3 / 1
الادب والفن


كنتُ في استراحة قصيرة جالسا في بهو قاعة متقدمة لفندق فاخر مع ابنتي " ماجدة الفيصل " احتسي قهوتي و استنشق دخّاني و نتبادل أطراف الحديث .. كان كُرسيِّي و كرسيِّها المتقابلين يختلفان عن باقي كراسي ذلك الفضاء الرّائع و الهادئ ، تتوسّطنا أيضا طاولة مُميّزة بنفس ارتفاع الكراسي ، ما شدّني إلى اختيار هذا الركن للجلوس ذلك الارتفاع المشترك بين الطاولة و الكراسي و خصوصا منفضة رماد السجائر التحفة على شكل
gouvernail
و هي "دفّة" توجيه السّفن .. اعترف أنّي كنتُ أجهل أيّ ريح جرَتْ أو جارت عليّ في بداية شباط هذا العام و حرّفت اتجاه سفينتي لأجدني في ساحة " التقسيم " التركية العصرية في قلب اسطنبول الجميلة .. أعترف أنها لم تكن قسمة "ضيزى".. هكذا اشتهت ريحي لأجدني منعزلا عن حياة باريسية ضجيجية ، باردة ، ثقيلة ، الشبه رتيبة ؛ أتأمّل تفاصيل تلك الجدران الرائعة تفصيلا ، تفصيلا ، و احتفي بكل سيجارة اِتَّكَأْتُها عمدا على " مقود السفينة " لنفض "خام محروقات صدري" الذي يُجمّل تفاصيل الفضاءات الحميمة .. كنتُ سعيد بوجودي مع ابنتي و هي كانت سعيدة بوجودي معها ، نمزح ، و نتناقش في كل شيء التّافه منه و المهمّ .. و لأنّي دقيق الملاحظة كانت لا تفوتني كل حركة و كل سكينة في ذلك الفضاء السّاحر .. -منذ الوهلة الأولى لاحظت جلوس إمرأة و رجل على مقربة من مدخل المرْفق يسارا ، كان يبدو عليهما « العشق » ، حبيبان هربا من ضجيج المدينة و حركة السياح فأخذا قسطا من الراحة لتبادل ما يجمعهما بكل هدوء و انسجام . استمتاعي بلحظاتي تلك مع ابنتي لم يمنع فضولي لاستقراء سلوك ذلك (الزوج) حيث كنت استرق النظر و كنت أتوقّع أن يمطر ذلك " البعل" أنثاه بوابل من القبل و الأحضان ؛ فلائكية "تركيا " تضاهي لائكية باريس ، هي كافرة أيضا بحَدّية الرغبة و المشاعر ! . -شيء ما حدث بينهما جعل الأنثى تسترسل فجأة في البُكاء .. كان الغضب و التّوتّر باديان على وجهها الذي كان منذ لحظات خلت كالشمس الساطعة ، حاول الرّجل - على ما بدا- لي شرح و تبرير ما عكّر مزاج تلك المرأة التي وقعت في شراك الحزن ، قلت ُ في نفسي يا الله ما حدث لها.. ماذا حدث لهما ؟ ما الذي أحدث هذا الانقلاب ؟ اللعنة عليك يا إبليس، لا يرضى بسعادة الرجل بالمرأة و دائما يكون حاضرا في الولائم السعيدة ليحاول - فركشة- ذلك الفرح ! كنتُ أتساءل و متضامن مع (الصّاحبين) رغم اختلافهما .. دون أن أشعر أُصِبتُ بنوع من الأسى و الحزن لأجلهما ؛ دموع. تلك الأنثى أثّرت في كثيرا و أنا أجهل سببها ؛ كل ما شعرتُ به هو تعاطفي معها بكل سذاجة! كنتُ أقول في نفسي « منّك لله يا « اسطنبولية »! .. ألا تعلمين بأنّي لا احتمل رؤية دموع المرأة ظالمة أو مظلومة !) .
ـ كل هذا و ابنتي ماجدة لم تلاحظ شيئا ، و خصوصا تطفّلي ..كانت تارة تتجاوب مع حديثي عن أمور موازية مع رصدي لتلك اللحظات التراجيدية و تارة كانت تُقلّبُ في هاتفها و تتفحّص ما التقطته من صور و فيديوهات لتجوالنا في أعماق اسطنبول ، شوارعها و معالمها الرّائعة. كدْتُ أن أتوجّه إليهما و أسدي لهما نصحي :" لا تحزنا و لا تكربا ، لا تهنا إن الحبّ معكما !"… - توقّعتُ أن تلك الأنثى سوف تهدأ و يهدأ حزنها و تتوقف دموعها إلا أنها استمرّت في موقفها العنيد الواضح .. كان بعلها مصرّا جدّا لإرضاء أنثاه مهما طال تعنتها و إصرارها ، فترك كرسيه ليتحوّل إليها محاولا حضنها و مواصلة "مناجاتها" علّها ترضى و تسعد و تنسى ما كدّر نفسيتها ..قبّلها و أعاد تقبيلها فما رضتْ ! و أنا على أعصابي كما أني أشاهد فيلمًا دراميا و انتظر بفارغ الصبر نهاية سعيدة ترضي كل الأطراف و تنصفهم .. لكنها لم ترضَ بقبله و هو يمسك بكتفها ، و ضمّها إليه ثم أعاد الكرّة و ما رضت تلك الأنثى الحزينة ، يا الله ما أصعبه إرضاء النساء! كلما استمرّت تلك المفاوضات العاطفية دون نتيجة و لا تقدّم كلما توترت أنا دون أن أشعر .. كنتُ أتمنى أن يتوقّف نزيف الخلاف و الحزن بينهما و يتصالحا أمام مرأى عيني حتى أغادر المكان و انا مطمئن عليهما و على علاقتهما.. و أقول ربما أن الدنيا بخير … كنت ألوم كثيرا ( في نفسي ) تلك الأنثى المُعاندة أمام محاولات آدمها الذي لم يكلّ في انتزاع رضاها و ابتسامة منها و استواء نفسيتها .. ليس أجملا من غضب سريع و صفح أسرع فكلما تمادى الوقت و ابتعد عن الخلاف كلما تكلّست الخلافات فتصبح عقدا عويصة، عصيّة .. لماذا لم تتوقف تلك الأنثى عن بناء جدار الفصل ، و لماذا تُجبر رجلها على بذل جهد كبير لنفسه ! لماذا لم تنته " لعبة آدم مع حواء أو لعبة حواء مع آدمها!" لأتفه الأسباب تُخلق الهوة تلوَ الهوة.. ! و أنا في هذه الحيرة في أمرهما و لا أدري كم سيجارة تمّ مواراتها في أحشائي ؛ تنبّهني " ماجدة" بأنه حان الوقت للانصراف لتتمة برنامجنا اليومي في التجوال و التسوق و اكتشاف ما لم نكتشفه عن عروسة " البوسفور "… غادرت المكان و قول المتنبي يحضرني : "ما كل ما يتنمى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن". كنتُ أنظر إلى تلك " الدفّة" الموضوعة على طاولتنا المرتفعة و نزلنا من كرسيينا العاليين ثم غادرنا .
.. كنت أسير و للحظات و أنا أفكّر في ذلك (الزوج) الأسطنبولي :كم هي « دفّة الحبّ » حمقاء غير محكومة بأيّ منطق.. تأخذنا إلى حيث لا ندري و أحيانا إلى مرافئ لا نرغب فيها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان