الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البزوغ والافول في تاريخ الامم

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


شاهدت مقابلة فديو مع حفيد السلطان عبد الحميد الثاني وهو من أواخر سلاطين الإمبراطورية العثمانية، واسمه الشيخ زاده عبد الحميد اورخان، وقد اظهر لمقدم البرنامج بشكل حصري خاطرة تحتفظ بها عائلة ال عثمان منذ أكثر من مائة عام، عبارة عن قطعة جلد خط عليها العبارة التالية:
(شيء جميل ان نعيش سعداء في هذه الدنيا.. لكننا لا نعلم ان وضعنا سينتهي)، ومفاد هذه الخاطرة، هو ان أحد العرافين (المنجمين) او ما يسمى باللغة الدارجة (فالجي)، وهو ينظر لفنجان القهوة الذي كان السلطان مواظبا على احتسائها صباح كل يوم، وبعد ان اطال النظر الى الفنجان قال للسلطان في عز حكمه للإمبراطورية العثمانية، ما راه في الفنجان، وخطه بيده وقدمه هدية للسلطان.
وهذه الخاطرة تؤكد ان الامبراطوريات حين تتشكل من دولة قوية تبسط نفوذها على الخارطة السياسية، او مجموعة دول تنضوي تحت راية اقوى الدول بينها، تبدأ بالصعود والازدهار على منحني الحضارة مع الزمن، وتصل حالة التشبع وتبقى جاثمة عند نفس المستوى لفترة زمنية دون المزيد من الارتفاع، ثم تبدأ بالانهيار في دالة الزمن وصولا الى افولها وتنتهي. هذا ما تُعلِمنا إياه التاريخ البشري.
تنشا الامبراطوريات عندما تكون لها تنظيمات امنية قوية تفوق على قدرة امراء الحرب والاقطاع والاتحادات القبلية وغيرها، وتؤول الى الفشل والضعف عندما تنتهي قدرتها على التجديد وانجرافها نحو الترقيع لتخفيف معاناة شعوبها بعد ان تتسبب في اختفاء الطبقة الوسطى، فعندما تجد الطبقة الوسطى طريقها للدعم والمساندة وإلى الائتمان والخبرة والتجارة والمشاريع وقوة تسعير لأعمالهم، يكون لديهم الوسائل لتحويل عملهم إلى رأس مال عن طريق توفير الأرباح واستثمار رأس المال في الأصول، والمؤسسات الجديدة، لذلك يعتبر اسنادها للدولة في غاية الأهمية، لأنها تولد دخلاً من رأس المال الذي يغذي الزيادات التآزرية في الائتمان والخبرة والأصول والدخل من الاستثمارات. وعند تقلص الطبقة الوسطى، ترى القوى الحاكمة المتغطرسة بان الاستثمارات خارج سلطتها تعتبر تهديدا لاحتكاراتها وتكتلاتها وثرواتها بدلا من تشجيع المنافسة والتكيف المفيد، فتنجرف لحماية مصالحها الذاتية، وتصبح غير قادرة على حل مشاكل العامة. فتبدأ بتشجيع الاستهلاك والهدر لتعظيم منافعها، فلا تعد الدولة تركز على تأمين المصادر المادية للأمن (الغذاء، الطاقة، إلخ) أو المساءلة والمنافسة والمعارضة والشفافية المطلوبة لحل المشاكل النظامية.
بدلاً من ذلك، تنحل الدولة في معسكرات خلافية تسعى إلى حماية إقطاعياتها الصغيرة وتوسيع ثروتها على حساب السكان. ويظهر طبقة فاحشة الثراء وغالبية معدومة واختفاء الطبقة الوسطى، ويبدأ السياسيون يتاجرون على مناصبهم لتكديس الثروات، والفساد يحل محل الحكم. وتملأ البضائع الفاسدة الأسواق، وكذلك المنتجات والخدمات منخفضة الجودة، والإفراط في المضاربة، والتطرف في الاستهلاك البشع، والترفيه.. بينما تتدهور الخدمات العامة مثل انقطاع التيار الكهربائي، ورفوف المتاجر الخالية من الضروريات، وتقوم بمعالجة غير قانونية للحد من زيادة المواد المستهلكة وغير الصالحة للاستخدام بسبب تقادمها. تفشل الدولة أيضًا في الحفاظ على الأمن الأساسي والوظائف مثل تحصيل الضرائب وايرادات المنافذ. ثم تغض الدولة النظر في تجاوزات السلطة، بينما تحاسب العامة وتستغل التشريعات لصالحها، وتعاقب من يقف بوجه الدولة..
تحمي الدولة المستفيدين من الوضع الراهن وتعتبرها تربحا شرعيا وحلا للمشكلة، وهنا المشكلة اساسا، لأن التربح الذاتي يحمي امتيازاتها بإفساد الدولة والمال والاقتصاد.
من جانبه، يسعى السوق إلى تعظيم الأرباح الزائدة عن الاستهلاك والإقراض خصوصا للموظفين وذوي الدخل المحدود. والتدمير بالجملة للجودة من قبل الاحتكارات والكارتيلات والمضاربة المتطرفة. إن تعظيم الأرباح بأي وسيلة متاحة ليس له أساس أخلاقي، قروض الموظفين المربحة، والفواتير الطبية الغامضة المربحة، وبيع المنتجات المصممة للفشل أمر مربح، وخداع المستهلكين مربح، وما إلى ذلك، في مجموعة لا حصر لها من المنتجات الرديئة وغير الصحية، والخدمات الجشعة، والرسوم الزائدة الاحتيالية، إلخ.
إن حماية القلة على حساب الكثيرين ليس حلاً للمشكلات. إنه يضيف كما من المشاكل التي لا تستطيع الدولة حلها. تضخم، خدمة الذات، الفساد، المال المجاني، وتصبح الدولة هي المشكلة وليس الحل.

عندما تفقد الدولة القدرة على حل المشكلات الأساسية للأمن، فسيتم استبدالها بأساليب المكر والخداع واختلاق الاعذار. لا يمكن حل المشكلات إلا إذا تمت مواجهة الواقع بشكل مباشر. عندما يكون الواقع غير مقبول لأنه يؤثر سلبًا على أولئك الذين يديرون النظام من أجل تحقيق مكاسب خاصة، تكون الدولة بالفعل في طريقها إلى الانهيار المميت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل