الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوتين ولينين وحق أوكرانيا بتقرير المصير

ناثائيل فلاكين

2022 / 3 / 1
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض- بول فاليري المصدر: nantes-revoltee


نشر المقال في موقع منظمة الثورة الدائمة بتاريخ 26 شباط/فبراير 2022

في خطاب ألقاه مساء الاثنين، ادعى فلاديمير بوتين أن أوكرانيا قد أنشأها لينين، ونفى في كلمته المسألة القومية. على عكس من القومية الروسية العظيمة لبوتين، تظهر سياسة لينين- الداعية إلى الحق بتقرير المصير- كيف يمكن حل الصراع الحالي.

ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الاثنين خطاباً مطولاً لتبرير التصعيد الأخير للنزاع في أوكرانيا معترفاً فيه باستقلال الجمهوريات الانفصالية في دونباس. الحجة الأساسية التي استعملها الرئيس الروسي هي أن الأمة الأوكرانية غير موجودة. وقال إن أوكرانيا “ليست مجرد دولة مجاورة لنا، إنما هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا ومساحتنا الروحية”.

كما اعتادت البرجوازية، يعتبر بوتين الأمم- التي ولدت مع الحقبة الرأسمالية، قبل بضعة قرون على الأكثر- كما لو أنها موجودة “منذ زمن بعيد”. إن خطابه حيال أوكرانيا لا يستند إلى الإرادة الحرة الديمقراطية للشعب الذي يعيش على الأراضي الأوكرانية إنما هو مجرد إحياء لأساطير قديمة. الرد الغربي على خطاب بوتين، كما هو الحال مع جريدة نيويورك تايمز، غير تاريخي كذلك، لأنها تسقط الدولة-الأمة على أوكرانيا القرن الـ 19.

ولكن، كيف يفسر بوتين حقيقة أن 10ات الملايين من البشر يعتبرون أنفسهم أمة، إذا كانوا، حسب زعمه، ليسوا أكثر من مكون لروسيا؟ بحسب بوتين، “أوكرانيا الحديثة أنشأتها بأكملها روسيا، وعلى وجه التحديد، روسيا البلشفية والشيوعية. بدأت هذه العملية عملياً على الفور تقريباً بعد ثورة 1917، وقد قام بها لينين وشركاؤه بطريقة وحشية للغاية بالنسبة لروسيا- من خلال فصل ما يعرف تاريخياً بأرض روسية”.

خلال ثورة تشرين الأول/اكتوبر 1917، شكلت مجالس العمال والجنود في روسيا حكومة جديدة. تعهدت هذه الحكومة، بقيادة لينين، بشكل خاص باحترام حق الشعوب المضطهدة بتقرير مصيرها. هذا الحق جرى تكريسه لاحقاً في دستور الاتحاد السوفياتي، ومنحت كل الجمهوريات الاشتراكية الحق غير المشروط بالانفصال.

من الواضح أن بوتين يعتبر هذا المبدأ الديمقراطي “أسوأ من خطأ”، لأنه يعارض ما يعتبره “المبادئ الأساسية للدولة”. وهنا نتطرق في الواقع إلى عمق المشكلة والعداء الذي لا يختزل بين مواقف رئيس الكرملين والزعيم البلشفي، لأن عندما طمح بوتين هو بناء جهاز دولة روسي قوي لضمان هيمنة قلة طفيلية من الرأسماليين، طمح لينين، في بناء شيوعية تهدف، من بين أمور أخرى، إلى اضمحلال الدولة.

الحق بتقرير المصير والاشتراكية

بالنسبة للينين، إن الحق بتقرير المصير لا يهدف إلى تزايد عدد الدول-القومية. إنما على العكس: اعتبر لينين أن البروليتاريا يجب عليها أن تعارض كل أشكال الاضطهاد القومي، بحيث يمكن للبروليتاريا في كل الدول الاجتماع في اتحاد طوعي وفق أسس متساوية. وهو موقف مشابه اتخذه ماركس عندما أكد على أنه يجب على العمال الإنكليز النضال من أجل استقلال ايرلندا، حتى يتمكن العمال الإنكليز والإيرلنديون من تشكيل حلف ضد البرجوازية.

قبل إطاحتها من قبل الثورة، كانت الامبراطورية القيصرية سجناً للشعوب، حيث كان “الروس العظام” (تقريبا نصف عدد السكان) يسيطرون عليها ويقمعون بقية الشعوب بوحشية. فوضعت الحكومة الجديدة بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر حداً لذلك معلنة عن حق الشعوب المقموعة بأن تقرر مصيرها بنفسها. وهكذا، مثلا، منح البلاشفة الاستقلال لفنلندا كما دافعوا عن حق أوكرانيا بتقرير مصيرها.

لكن هذا لم يعنِ أن البلاشفة أرادوا أن تحكم فنلندا أو أوكرانيا من الحكومات الرأسمالية. بالتوازي مع سياستهم المؤيدة لحق الشعب بتقرير مصيرها، دعم البلاشفة العمال الفنلنديين والأوكرانيين المناضلين من أجل الاشتراكية. في فنلندا، هزمت الحكومة الفنلندية. في أوكرانيا، على العكس، استولت المجالس العمالية على السلطة وشكلت اتحاداً مع روسيا الاشتراكية.

قامت سياسة لينين على فكرة أن الطبقة العاملة يجب أن تناضل ضد كل أشكال الاضطهاد. كان الفلاحون الأوكرانيون، الذين تعرضوا لفترات طويلة للظلم من بيروقراطيي القيصر الناطقين بالروسية، أملوا بشكل طبيعي بتحقيق الاستقلال. حاول القوميون البرجوازيون تقديم أنفسهم ممثلين طبيعيين لهذه التطلعات. ولكن البلاشفة في أوكرانيا تبنوا أيضاً مطلب الحق بتقرير المصير ودعوا إلى “الحق بتقرير المصير لأوكرانيا لصالح العمال والفلاحين”. وهذا سمح لهم بإظهار أن “تقرير المصير” الذي دعت إليه القوى البرجوازية لا يعني إلا سيطرة كبار ملاك الأراضي والرأسماليين والقوى الامبريالية.

الإعلانات
الإبلاغ عن هذا الإعلانالخصوصية

من الواضح أن بوتين هو أقرب إلى ستالين، الذي أعاد إحياء الشوفينية الروسية العظمى في الاتحاد السوفياتي. ولذلك تأسّف بوتين مرتين لأن ستالين “لم يراجع بشكل رسمي مبادئ لينين التي قام عليها الاتحاد السوفياتي”. فقد بقي هذا الحق مدوناً في الدستور ولكن القمع كان قائماً في الممارسة العملية بواسطة الإرهاب الأكثر وحشية. وبحسب رؤية بوتين للتاريخ، كان بإمكان “القوميين الجذريين” المطالبة بالحق بالاستقلال الذي كان مسجلاً في القوانين. بوتين يصف نفسه بأنه “قومي راديكالي”، ينكر هذا الحق الديمقراطي.

وبحسب خطاب بوتين، منذ الاستقلال، والشعب الأوكراني يعاني من سلسلة من حكومات فاسدة، وقد نهبت الأوليغارشية البلاد لصالح القوى الامبريالية الغربية. ودائماً بحسب بوتين، ينكر النظام الحالي الحريات الأساسية ويستوحي عمله من النازية. هذا وصف دقيق للنظام الأوكراني، ولكن انتهازية بوتين كبيرة لأن هذا النقد ينطبق كذلك على نظامه.

الاشتراكيون اليوم

ماذا يعني كل ذلك للاشتراكيين اليوم؟ أولا، علينا دائماً دعم حق الشعوب المضطهدة بتقرير مصيرها. ولكن كما اعتقد لينين بالفعل، لن يكون لذلك أي معنى إلا في إطار برنامج يضع حداً للرأسمالية لأن الثورة، في النهاية، تضع حداً لجميع أشكال الاضطهاد والاستغلال.

طالما أن المسألة هي بيد المستغلين، فسيستخدمون حق “تقرير المصير” بشكل انتهازي ويسيئون استخدامه. على سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الأولى، عندما تقاتلت القوى الامبريالية لتقسيم العالم، ادعى كل جزء أن هدفه تحقيق “الحرية”. ادعت الامبريالية البريطانية أنها تدافع عن استقلال بلجيكا، أما الامبريالية الألمانية فادعت أنها تريد تحرير الشعوب الخاضعة للنظام القيصري.

في بداية عام 1918، فرضت الامبراطورية الألمانية معاهدة سلام ظالمة على الحكومة الفتية المنبثقة من الثورة الروسية. إذ نصت المعاهدة بشكل خاص على احتلال ألمانيا لأوكرانيا، ومنذ ذلك الوقت كانت تحكم من حكومة دمية. وبطبيعة الحال، بُرر هذا الإجراء بأنه تعبير عن الحق بـ”تقرير المصير” ووجد الألمان قوميين برجوازيين جاهزين لحكم البلاد في وقت يخضعون لهم. رفض البلاشفة هذا المنطق، ودعوا بدلاً منه إلى تقرير مصير حقيقي للشعب الأوكراني على قاعدة طرد كل القوى الأجنبية من أراضي الدولة.

مرة أخرى، يوضح لنا هذا المثال كيف يمكننا توجيه أنفسنا ضمن السيناريو الجيوسياسي المعقد الحالي. فلطالما ضغطت الولايات المتحدة باتجاه توسيع حلف الناتو حتى الحدود الروسية، مدعية أنها تحترم رغبات الشعب الأوكراني. لسوء الحظ، فإن بعض الاشتراكيين قد قدموا نفس الحجة وانتهى بهم الأمر إلى تحالفهم مع الناتو. حيث أكد المكتب التنفيذي للأممية الرابعة على: “أن قرار تحديد انتماءات شعب أوكرانيا ملك له وليس للابتزازات والمفاوضات بين القوى العظمى”. [ثمة فارق لافت في نص المكتب التنفيذي الصادر باللغة الانكليزية من جهة، وذلك الصادر باللغتين العربية والفرنسية، ما ترجمته أعلاه هو نقلا عن النص باللغة العربية لأن الترجمة من النص باللغة الانكليزية يقول “وحده الشعب الأوكراني يقرر، من دون الخضوع للابتزاز أو المفاوضات بين القوى العظمى، الانتساب إلى الناتو أو لا” بكل الأحوال التبدل يدل على معارضة ما داخل الأممية، حتى لا نقول تخبطاً، ولكن لا يصل الأمر إلى اصطفافهم إلى جانب الناتو كما أشار الكاتب، خاصة وأن بقية البيان شديد الوضوح في معارضته للناتو والامبرياليات- الملاحظة من المترجم]

لكن الناتو ليس سوى وسيلة ابتزاز تعتمدها القوى العظمى. من الأكيد أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا يمس المبادئ الديمقراطية الأساسية للشعب الأوكراني. لكن الأمر نفسه ينطبق على تطويق الأخير من قبل التحالفات العسكرية الامبريالية. يجب أن ينطبق حق تقرير المصير ليس فقط على الأوكرانيين الذين يريدون الاستقلال عن روسيا، ولكن أيضاً على أولئك الذين لا يريدون الخضوع لنظام كييف الفاسد.

طوال السنوات الـ 30 الماضية، جرى استغلال العمال والطبقات الشعبية في أوكرانيا من قبل النخب المحلية الفاسدة التي تنهب البلاد لصالح حلفائها الأجانب- حيث تحولت التحالفات من روسيا إلى الغرب. إن عضوية الناتو لن تفعل شيئاً لإنهاء الفقر والنظام غير الديمقراطي في البلاد.

الطريقة الوحيدة للحصول على حق حقيقي لتقرير المصير في أوكرانيا هي في رفض كل تدخل أجنبي. هذا لا ينطبق فقط على الإجراءات العسكرية، إنما كذلك بتأميم كل ممتلكات الامبريالية في أوكرانيا وإخضاعها لسيطرة العمال، بهدف كسر قيود التبعية. وحدها الطبقة العاملة، من خلال تشكيل نفسها كقوة سياسية مستقلة ومهيمنة، يمكنها تنفيذ هذا البرنامج.

في خطابه، حاول بوتين إعطاء لمسة من الفكاهة. فأعلن أن لينين قد منح الاستقلال لأوكرانيا، و”اليوم “النسل الممتن” قد أطاح بتماثيل لينين في أوكرانيا، واصفاً ذلك بنزع الشيوعية”، وأكمل: لكن لماذا التوقف في منتصف الطريق؟ نحن اليوم على استعداد لإظهار ما يعنيه إلغاء حقيقي للشيوعية في أوكرانيا”. بكلمات أخرى، يأمل بوتين إلى إعادة روسيا ما قبل الثورة [البلشفية]: أي إلى شوفينية روسية عظمى تعتمد حصرياً على القوة العسكرية.

بالنسبة للطبقات الشعبية، في كل من أوكرانيا وروسيا، توفر سياسة لينين وحدها مخرجاً، لا يتعلق الأمر بـ”تقرير المصير” خدمة للأوليغارشية والامبرياليات؛ إنما يحدد برنامج لينين (الذي رفضه ستالين لاحقاً) الهدف بأن تستولي الطبقة العاملة على السلطة في كل بلد وأن تشكل كل البروليتاريا اتحاداً طوعياً. ستكون أوكرانيا المستقلة والاشتراكية والعمالية الخطوة الأولى في إنهاء الشوفينية والحرب إلى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل قادة روسيا المنبوذه استعماريون القيصر ولنين وست
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 3 / 1 - 21:28 )
وستالين وصولا لى شرطي المخابرات الوضيع هتلر الصغير بوتين -لايوجد يوم واحد في كل تاريخ روسيا القذر بلا احتلال والحاق واطماع واكثرها قذارة واستعمارية هي الفترة السوفيتيه-واثناءها وبعد سقوطها روسيا مكروهة من قبل الشعوب كلها المحتله من قبلها سواء الشعوب الاسيويه او شعوب اوربا الشرقية والوسطى- عار على كل المتفلسفين الذين لايحتكمون للواقعوللعقل والضمير عاش الشعب الاوكرايني البطل المقاوم لعدوان روسيا المنبوذه


2 - ارجو بالحاح نشر تعليقي رقم 1 ان الاوان لنتناقش حول
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 3 / 1 - 22:50 )
كل شئ وخاصة ماسمي ظلما بالنظام الاشتراكي ايام الامبراطورية السوفيتيه-لايمكن اغماض عيوننا وعقولنا لقد خسرنا حتى الان 1ذ00سنه ونحن نردد اكاذيب الدوله العثمانية والاسلاميين ضد الحضارة الانسانية الجديده حضارة العمل والعلم والثقافة المليونيه-ارجوكم ثانية صاحب المقال والاساتذه من الحوار المتمدن نشر تعليقي اعلاه والرد عليه لمن يرغب وفقا لاصول الحوار المتمدن
مع ارق تحياتي

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل