الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنازة شاعر في يوم حزين

عدة بن عطية الحاج

2022 / 3 / 1
الادب والفن


قصّة قصيرة بقلم: عدّة بن عطية الحاج

خيّم الصّمت على مدينة الأحزان الكئيبة معلنا وفاة شاعرها الهمام وائل،رحل وائل عن عالم الضّباب وآثر الرّكون إلى الصّمت الأبدي،هدّه المرض ودكّ أوصاله وجعله عبرة للسّائلين،عاش وائل وحيدا بين كتبه وأقلامه تسامره ويسامرها ويرقد أحيانا ساهما بين حروف شعره التي آثرت أن تبقى كامنة في الأحاسيس المرهفة،فآلهة الشّعر خذلته ولم تعد توحي له بشيطان الشّعر،كان البحر هو مصر إلهامه الشّعريّ كلّما هاج موج إلاّ وهاجت معه المقاطع المنسابة بين أصداء المدّ والجزر،يسأل وائل طيور النّورس عن سفن الشّعر التي رست على جبال العواطف الجيّاشة التي غاصت في أعماق بحار الحيرة،نادى وائل صخرة الوجود قائلا:"سأمضي وحيدا إلى العدم ممتطيا صهوة حصان طروادة،سأقطع بسيف مسرور السّيّاف رؤوس الشّعر الهاربة من دواوين الشّعراء،سأسافر إلى مدن الخيال المخمليّة وأحلّق عاليا في سماء التّماهي المطلق مع أنداء الوجود،سأقطع فيافي الشّعر في جلسة واحدة وأسامر الوالهين في ليالي الشّعر البعيدة،لاأريد العيش في عالم لاتسوده الكلمات الرّنّانة ولاوجوه الشّعر الحسان ولاأطياف لياليه الحمراء،الآن صرت حرفا هلاميّا في قصيدة كتبت بمداد السّراب،فليالي الشّعر حبلى بالكلمات الموءودة في شفاه العارفين،سبحت في لجّة الشّعر سنين عديدة ووصلت إلى جزيرة الحروف النّورانيّة التي أضرمت شموع الأمل في نفسي التّائهة في صحراء الحروف الكئيبة،سافرت بعيدا وطفت على مدن الشّعر وحاراته الكبرى،أبحث عن شعر نديّ يجعلني أرى نواميس الوجود وأتنسم هواءها وأشمّ أريج عطرها الذي يزكم أنوف الشّعراء السّاهرين في ليل الشّعر البهيم،جئت إلى عالم الشّعر من فوهة بركان أجّجت حممه نفسي المشتاقة إلى ألق الحرف وإلى إشراقة الكلمات".
كان وائل يريد أن يحيا حياة شاعريّة يدثّرها التّصوف الشّفّاف،فرأسه لايرد أن يصحو من خمرة الشّعر وعيونه لاتريد سوى رؤية قينات الشّعر يرقصن من حوله ويعزفن لحن الشّعر الجميل،فالشّعر لحن جميل لحنّه موسيقار غجريّ الرّوح بوهيميّ الجوهر،لاتسأل الشّعر عن أسراره فالشّعر سرّ أرقّ من النّسيم العليل،توشّح الشّعر بوشاح الغموض ولبس مسوح الرّموز وتدثّر بدثار الأسطورة،فالشّاعر كائن أسطوريّ حروفه قدّت من تبر الشّقاء ومن فيروز المعاناة،رحل شاعرنا وائل في صيف الشّعر الماضي وبثّ في الأثير هذه الكلمات:
"أيّها الصّمت الكئيب
لاتطارد أحلامي الشّعريّة
في هزيع ليل الشّعر الأخير
شاعر أنا ولاأزال
في رحاب الشّعر
أشدو أغاني الأمل البعيد
لاتجعلوا قبري ترابا
بل اجعلوه كلمات رنّانة
تتلو نعيي الأخير"
جاء الموت إلى وائل وهو يختال في مشيته كالطّاووس معلنا أنّه هو الشّاعر الغريب الذي لايعرفه النّاس.
ـ قال الموت لوائل معلنا حياة الشّعر الأبديّة:
"ياوائل،ياأخيّ
لاتطردني من جنّة الشّعر
أطلق سراحي
أنا أريد حرّيتي الشّعريّة
لاتلم آلهة الشّعر
لقد آثرت الهبوط إلى أرضنا
سلام ياوائل حتّى مطلع فجر الشّعر"
مات وائل موتة شعريّة،وسكت قلبه الشّعريّ إلى الأبد،وصاحت كلماته الشّعريّة من الدّواوين معلنة الحداد الكوني على هذا الشّاعر العظيم،لقد طلّق حياته الشّعريّة طلاقا بائنا وآثر أن يتزوّج عروس المنيّة،لطالما غازلها في أشعاره لأنّه يريد أن يوقعها في حباله،ومن الأفخاخ التي نصبها لها هي هذه الكلمات التي قالها ذات أمسيّة تعيسة:
"منيتي
ياحبيبة قلبي الجليدي
أشعلي نار حبّك في قلبي
وهدهدي جليدي
صرت أراك
في وجه كلّ شاعر غريب
جاء إلى مدن الشّعر
من بلاد الشّعر الغريبة
طوّقي عنقي
بسلاسل الشّعر الطّويلة
منيتي
ناداني هوى شعرك الصّاخب
فهويت في جبّ شعرك العميق
تعالي وقبّليني
وخذي روحي الشّعريّة"
قبّلت المنية ثغر وائل وأخذت حقيقته الشّعريّة التي صارت روحا شعريّة طليقة تحلّق في جوّ الشّعر الفسيح،لقد عاد وائل إلى عالمه الشّعريّ الذي جاء منه وعادت مياه الشّعر إلى نهر قريحته القحّة،وفاضت وديان الشّعر من كلّ جانب وحاصرت ملكته الشّعريّة وانقدحت قريحته كأنّها شرر الشّعر الذي يحرق العواطف الجيّاشة التي تتوق إلى عالم شعريّ أفضل ترسم ملامحه كلمات هاربة من فم شاعر فحل.
سارت مدينة الشّعر في جنازة الشّاعر وائل الذي مات من أجل أن يعيش حياة الشّعر الأبديّة،تودّع شاعرها الذي ترجّل عن صهوة حصان الشّعر وآثر أن يمشي على بساط الشّعر لكي يلج قصر الشّعر الشّاهق الذي يطلّ على بحر الشّعر العميق الذي لاساحل له،هتفت مدينة الشّعر صائحة:"لقد مات وائل،ذلك الشّاعر اللّوذعي الألمعيّ،لقد مات ذلك الفتي الهمام الذي قهر آلهة الشّعر في عقر دارها،يمضي الشّعراء ويبقى أثرهم الشّعريّ الجميل"،لقد ذهب وائل إلى ذلك العالم الجميل الذي كرّس حياته سادنا في معبده،إنّه عالم الشّعر الجميل من دخله لن يخرج منه أبدأ،إنّه عالم تسوده الكلمات العذبة والعواطف الصّادقة والأحاسيس المعبّرة،جئنا من أجل الشّعر وفي سبيله ستفنى أرواحنا الشّعريّة وتتحوّل إلى مقاطع شعريّة تردّدها الألسن من جيل إلى جيل إلى أبد الآبدين ودهر الدّاهرين
دفنوا وائل في مقبرة الشّعر المخمليّة وأودعوه ثرى الشّعر ووسّدوه فيه وأقاموا على قبره ضريحا كتبوا فيه هذه الكلمات:
"هنا يرقد وائل
بين أطباق ثرى الشّعر
نائما نومة عروس الشّعر
يافتيان الشّعر
أشعلوا شموع الشّعر في ضريحه
وعطّروا المكان ببخور الشّعر العبقة"
نزل مطر الحزن على ضريح وائل الشّعريّ فنبتت شجرة الشّعر العملاقة من تذوق ثمارها صار شاعرا من فحول الشّعراء ومن الطّراز الأوّل،إنّ شجرة الشّعر العملاقة أصلها ثابت في أرض الشّعر وفرعها في سماء البيان تؤتي أكلها كلّ حين بإذن شاعرنا الأكبر وائل،صار وائل هو ملهم الشّعراء في كلّ عصر وفي كلّ مصر من معينه يمتح الشّعراء رحيق شعرهم الصّافي ويمنحونه للقرّاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-