الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النجيبان المصري والعراقي

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2006 / 9 / 7
الادب والفن


كتبت هذا المقال قبل اسبوعين من رحيل الكاتب الكبير على اثر نشر خبرارسال برقيةالرئيس جلال الطالباني للاطمئنان على صحة محفوظ، ولانني لست من الراغبين في تحويل مقالاتناالثقافية الى لافتات سوداء لنعي الراحلين المبدعين او المبالغة بذكر مناقبهم فانني ارتأيت ان ينشر هذا المقال كما هومن دون زيادة اونقصان.


الرئيس جلال الطالباني في غمرة انشغالاته السياسية وقلقه على الاوضاع الامنية ومتابعته لمحاكمة الطاغية على جرائم الانفال السيئة الصيت يبعث برقية اطمئنان على صحة الاديب الكبير (نجيب محفوظ)وكان قبل ذلك استجاب لاستغاثة شاعر جزائري اثارت جدلا وامتعاضا بين الادباء العراقيين وخاصة من الذين ما زالوا يعانون من شظف العيش وذل العوز، ومع ذلك فان برقية جلال الطالباني هذه المرة تحمل دلالات مضيئة وعلامات خير لمستقبلنا الادبي والسياسي حيث اعتقد جازما بان هذه البرقية جاءت اعترافا وامتنانا من جلال الطالباني بصفته احد المثقفين العراقيين بالمكانة العظيمة التي استحوذعليها نجيب محفوظ ليس في ذاكرة الطالباني وحده بل في ذاكرة المثقفين والمبدعين العراقيين على السواء لان محفوظ بجدارة موهبته شكل علامة فارقة في الادب العربي والانساني أهلته باقتدار لنيل جائزة نوبل التي لم تمنح من قبل لاديب عربي لأسباب لاعلاقة لها بالابداع ومقاييسه المعروفة.
نجيب محفوظ وهو يبلغ هذه المكانة والنجومية لم يغادر زقاقه المصري. ولم يبتعد عن ثرثرة مقاهي القاهرة ولم ينأ عن تحولات بلده السياسية والتاريخيةبل كان ذلك جواز مروره للنجومية العربية والعالمية.
فمنذ كفاح طيبة وحتى اخر اعماله اثبت انه الشاهد الاخير لتحولات بلده في الثقافة والسياسة والاجتماع وان هذا الصوت كان أعلى مما دونته ذاكرة المؤرخ والسياسي والاعلامي وهذه قيمة استثنائية تحسب للاديب دون غيره ولابد ان نتسلم هذه الاشارة بالالتفات لصوت المبدعين من الادباء الموهوبين حتى ونحن نعيش في زمن الفوضى والخراب واغتراب المبدع. بقي نجيب نجيبا رغم تحولات السياسة وتبدل زعمائها وانظمة حكمها من الملكية الى مراحل الجمهورية بقي مرابطا في مقهاه ملتصقا بارضه و مجدها الفرعوني وكان بارعا في ذلك ايما براعة للدرجة التي نحلم بها بزيارة قاهرة نجبيب محفوظ بأسواقها ومقاهيهاوقناطرها التي رسمتها مخيلته وموهبته.
في دلالة اخرى يشكل الاهتمام بصحة هذا الاديب الكبير مناسبة لاثارة السؤال الملتاع عن غياب نجيبنا العراقي الذي لم تهزمه السياسة وتحولاتها وقسوتها احيانا وهي اشد حالا بطبيعة الحال من مصر وغيرها من البلدان فحسب بل هزمه اغترابه الاجتماعي والتاريخي عن شؤون وقضايا بلده فرغم الموهبة العراقية المشهودة ليس في الشعر وحده بل حتى في الرواية وهي ميدان محفوظ وحقله الابداعي نجد العشرات من المشاريع الابداعية والمواهب الكبيرة التي لم تكمل مشوارها لبلوغ المجد والنجومية التي بلغها الروائي المصري وهي لا تقل عنه ابداعا والتصاقا بأرض الرافدين وعاصمتها الزاهية لم تبلغه لا قصورا في موهبتها او خيانة لغاياتها الابداعية وتخاذلا عن مشاريعها الادبية الوطنيةوانما لأسباب تتعلق بمدى القسوة والمكر اللذين تعاملت بهما السلطات المتعاقبة مع الاديب العراقي التي اطفات جذوات اكتمال هذا المشروع العراقي في الرواية تحديدا فكان من الممكن ان يكون (غائب طعمة فرمان)نجيبا عراقيا لولا ارتحاله المبكرللثلج الروسي ليكتب بعيدا عن بلاده معتمدا على موهبته في التخييل وتقمص الامكنة وكان من الممكن ان يكون فؤاد التكرلي نجيبا عراقيا لولا ابتعاده مبكرا عن بلاده مفضلاهدوء المنافي على صخب بلاده وحمى تحولاتها واضطراباتها السياسية وكان من الممكن ان يكون (محمد خضير)نجيبا عراقيا بامتياز لمرابطته في المرفأ البصري والتصاقه ببصرياثاه كل هذه السنوات ولكنه ارتضى ان تتفوق مساحات الصمت على مساحات الكتابة التي تشهد على عصرها وزمانها بجرأة وامانة تاريخية دون تهيب ممن يملك زمام السلطة ويدير دفتها الافعوانية.
اسئلة من الاسى والمرارة عن تبعثر المشروع الابداعي العراقي وعدم اكتماله وتبديد مواهبه الفريدة اما في منافي مبكرة او قسوة الحكومات والسلطات او الاغتراب عن ارهاصات الواقع والتعبير عنه كما فعل نجيب محفوظ الذي وجدت السينما المصرية في رواياته مصدرا مهما لتسويق اعماله وثيماته الروائية الملتصقة بواقعها وهموم ابناء بلدها.
برقية مام جلال لربما تضع علامة لرموزنا الابداعية بان زمناً جديداً قد بدأ من الابداع والتحول السياسي كما تشير البرقية الى اننا لا بد من الصبر حتى يولد من رحمنا العراقي المحتقن بالمصائب والخراب من يشهد على هذا التاريخ ابداعيا وهو يرابط في مقهى بغدادي دون ان يغادر مهما كانت الظروف ومهما كانت المغريات كما فعل الروائي الكبير نجيب محفوظ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو