الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنها الحرب/3/أفغانستان البيضاء

عماد ابو حطب

2022 / 3 / 2
الادب والفن


أنها الحرب/3
أفغانستان البيضاء*

اندفاع الأنظمة شبه المحايدة (السويد..فنلندا.. دول البلطيق..)لفتح باب التطوع لنجدة اوكرانيا،وتأجيج العواطف الشعبوية للشارع فيها،وتصوير الأمر كأنه دفاعا عن قيم الحرية والديمقراطية،بوجه دكتاتورية بوتين،والة قمعه العسكرية،وتحمس تيارات اليمين المتطرف الأوروبي لدعوة مناصريها للتطوع،ألا يذكرنا بدعوات مماثلة عن الجهاد المقدس ضد احتلال الملحدين الروس لأفغانستان، حينها تدفق كل المتطرفين الإسلاميين لأرض الإمارة الافغانية،جمعوا هناك قضى من قضى نحبه وعاد من عاد بعد أن" فيشت" كل المعلومات عنه ، وتم لاحقا استخدامهم كمخلب لضربات هنا أو هناك أو لتركيع نظام ما هناك وتخويفه برايات سوداء تجتاح فجأة وتعلن الإمارة.السيناريو يتكرر لكننا هنا أمام أفغانستان بيضاء، تحاول نخب يمينية او قومية متشددة حاكمة فيها مواجهة نزوع مجتمعاتها نحو الفكر اليميني المتطرف بالتملق للنزعات الشعبوية اليمينية،وفي الوقت ذاته تصدير هذه القوى وتعبيراتها السياسية إلى محرقة قد تخلصهم منها.يبدو أن أوكرانيا ستكون ارض الإمارة لهذا اليمين المتطرف.ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فاليمين هذا له حساباته هو الاخر ،وليس سرا ان اليمين المتطرف في كل من الولايات المتحدة وأوروبا (واستطراداً في أميركا اللاتينية والهند في عهد ناريندرا مودي)، قد رأى في روسيا - بوتين، صورةً لحليف ممكن ومنطقي، نظراً للأولويات الدولية لدى هذا الفريق، والتي تختلف عن أولويات السياسة الخارجية لدى دولهم: معاداة العولمة الاقتصادية والناتو والاتحاد الأوروبي والإسلام، ومحاربة العلمنة المتزايدة داخل المجتمعات، والنظرة المعادية لحقوق الأقليات، والمثليين، بالإضافة إلى جميع التوجهات المحافظة جداً التي لعب بوتين على وترها للتغلغل في أوروبا.
ولبس سرا ايضا ان القوى النازية والحركات العنصرية مؤثرة بشدة فى التطورات المتلاحقة فى أوكرانيا وتدفعها، من بين عوامل أخرى، بعيدا عن تحول ديمقراطى يحفظ السلم الأهلى والعيش المشترك فى مجتمع متعدد العرقيات ومتنوع اللغات.
لقد ارتبط صعود اليمين المتطرف فى أوكرانيا بانتشار العداء للمواطنين ذوى الأصول واللغة الروسية الذين يقطنون المناطق الشرقية والجنوبية لأوكرانيا ويتواجدون كأقلية فى المنطقة الغربية التى تنتمى أغلبيتها إلى الأصول الأوروبية وتنطق باللغة الأوكرانية. وتداخل مع حراك الأحزاب والمجموعات المطالبة طوال السنوات الماضية بسيادة القانون وتداول السلطة والانضمام إلى الاتحاد الاوروبى، ثم أفسد جوهره بفتح خانات الصراع على الهوية وباستعلاء ذوى الأصول الأوروبية على غيرهم وبثنائية «نحن أو هم» التى باتت تهدد حق الوجود والحياة للمواطنين ذوى الأصول الروسية.على مدى أعوام طويلة تجاهلت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وهى تدعم الحراك الديمقراطى صعود اليمين المتطرف، تماما كما فعلت ذات الدول ومعها بعض الدول العربية إزاء تنامى وزن اليمين الدينى المتطرف في الشارع والمجتمع في دولها.ومنذ اتضاح تصاعد وزن وقوة هذا التيار في مؤسسات الدولة في اوكرانيا لم تصدر عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى انتقادات صريحة لليمين المتطرف فى أوكرانيا، وهو غير بعيد عن ممارسة العنف، إلا عندما تفجرت الأوضاع المجتمعية وانتقل الصراع من المساحة السياسية إلى مواجهات عنيفة عرقية الطابع ومن المطالبة بالديمقراطية إلى مطالبة بالفصل العنصرى بين المواطنين ذوى الأصول الأوروبية وبين ذوى الأصول الروسية. ولم تشرع الخارجيات الأمريكية والأوروبية فى الضغط على المطالبين بالديمقراطية والانضمام إلى الاتحاد الأوروبى للابتعاد عن اليمين المتطرف إلا عندما أضحى واضحا أن أوكرانيا أصبحت نقطة جذب للنازيين وللمتطرفين من أرجاء أوروبية مختلفة (تماما كما اجتذبت أفغانستان اليمين الدينى المتطرف و عناصر راديكالية من أرجاء عربية مختلفة)، وعندما بدأت روسيا فى توظيف ورقة تهديد حق الوجود والحياة للمواطنين الأوكرانيين ذوى الأصول الروسية للتدخل العسكرى.
يبدو أن المجتمعات الأوروبية بات عليها الآن أن تقف أمام حقيقة الاستعداد المستمر للقوى المتطرفة ــ دينية وعرقية وعنصرية ــ لاستغلال التنازع بين نظم حكم سلطوية ومعارضات ديمقراطية لصالح تنامى دورها هى وإفسادها للحراك المطالب بسيادة القانون وتداول السلطة بدفعه إلى خانات الهوية والاقتتال الأهلى بثنائية «نحن أو هم» التى تقضى على كل فرص التحول الإيجابى وبناء نظام سياسى جديد يحترم سيادة القانون وتداول السلطة.

ذات الخطأ تقع فيه الدول الأوروبية التي فتحت الباب واسعا للتطوع في اوكرانيا إذ أنها لم ترصد حراك لوجوه قيادية من اليمين المتطرف الأوروبي، لجمع التمويل وتجنيد المقاتلين لقتال روسيا في أوكرانيا.هذه الدول تدرك أن القارة الأوروبية، هي هاجس بوتين الأول، على الرغم من استعراض القوة الروسي، في أفريقيا والشرق الأوسط ومحاولة استعادة الدور الروسي القوي في كوبا وجزء من أميركا اللاتينية.بات واضحا أن قرار بوتبن باجتياح أوكرانيا، تهديداً محتملاً، لهذه العلاقة مع نخب اليمين المتطرف الأوروبي، الذي يعيش اليوم مشاعر متناقضة تجاه الغزو الروسي، الذي يبنى على بروباغندا "محاربة النازيين الجدد والفاشيين والفاسدين في أوكرانيا".رغم هذا فإن هذه الدول تغمض أعينها عن تحركات علنية وواسعة لدى وجوه قيادية من اليمين المتطرف الأوروبي، لجمع التمويل وتجنيد مقاتلين والاستعداد للتوجه إلى جبهات القتال في أوكرانيا لدعم الجيش الأوكراني في صدّ الغزو الروسي ،ولا تحاول تركيز النظر على إن عدداً من المجموعات النازية الجديدة، ومن اليمين المتطرف المؤمنة بتفوق العرق الأبيض، في أوروبا، وفي أميركا الشمالية، قد أعربت خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي، عن رغبة لدعم أوكرانيا، بما في ذلك الالتحاق بالوحدات غير النظامية التي تقاتل الروس في هذا البلد. من الواضح ان هذا التوجه للقوى اليمينية المتطرفة يعكس رغبتها أيضاً في الحصول على خبرة قتالية كبيرة، بالإضافة إلى محركها الأيديولوجي.

هكذا، تبدو الحرب الأوكرانية، وكأنها في طور إعادة صياغة العلاقة بين اليمين المتطرف العالمي، وموسكو، وخصوصاً تلك التي يعتمد الكرملين عليها للتأثير في أوروبا، التي ترى فيها روسيا امتداداً لأمنها القومي المباشر. وفي الوقت ذاته ،فإن انعكاس دخول مجموعات منه في القتال سيضع الحكومات الأوروبية أمام مشكلة معقدة بعد انتهاء هذه الحرب وعودة مقاتلي هذا اليمين إلى دولهم...فهل يكونوا خلايا نائمة أو ذئاب فردية توكل لها لاحقا مهاما من هذا الطرف أو ذاك.
* نصوصنا نحن المهمشين في زمن الوعيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت