الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد نقد النزعة المركزية الأوروبية

ابراهيم زهوري

2022 / 3 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قبل أن تتحول الفتاة الفلسطينية عهد التميمي بجدائلها الشقراء وهي تتصدى لجنود الإحتلال إلى فتاة أوكرانية على شبكة وسائط الاتصال الإجتماعي كانت الصور المتخيلة للسيد المسيح ابن الناصرة الفلسطينية منذ عهود سحيقة تنقلب بقدرة مفاعيل قوالب إنشاء الصور الذهنية النمطية الإستنسابية لكل جماعة دينية إلى شاب يافع وسيم أشقر الشعر بملامح محلية الصنع ذات عيون زرقاء حادة في حدود المتخيل الجماعي لكل طائفة وجوهر رأسمالها الرمزي المحلي ... تغتصب الصور تلك في هيمنتها الشمولية على ما عداها وكأنها حقيقة أزلية للمتخيل رغم حقيقة وجود اختلاف التعدد والصور الأخرى بحيث يتم تزييف و إلغاء الصور الجديدة المكتشفة في وقت احتلال الجغرافيا وقتل سكانها وتطويب الأرض بكونها ملكية خاصة خلال حقبة العصر الكولونيالي .
يعد نقد المركزية الأوروبية أحد أهم المقولات الإجرائية الفاعلة فى مجال النقد الثقافى والتحرر من المركزية الأوروبية صار مطلبا عالميا نصادفه فى مجالات الإبداع والنقد والعلوم الإنسانية فى مختلف الثقافات الإنسانية. تعنى المركزية الأوروبية أن أوروبا بالنسبة للعالم هى المركز وباقى أقاليم العالم هي التوابع الهامشية
النزعة المركزية الأوروبية هى بناء فكرى حي ومعاصر يتصل بتصوراتنا عن معنى التاريخ ومعنى الحضارة. ولقد صاغ الفيلسوف الألمانى هيجل فى فلسفته للتاريخ التعبير الأوضح عن هذه النزعة حين قال: التاريخ العالمى يسير من الشرق إلى الغرب، أوروبا هى الغاية وآسيا هى البداية.
و كان الخطاب الأوروبي في عصر الأنوار المروج للحرية والمساواة وحقوق الإنسان، أول مغتصب لهذه الحقوق من خلال حملات استعمارية، اتسمت بتبني نزعة ظلامية، لأنها حرمت نفس الحقوق الإنسانية علي الشعوب المستعمرة ، منذ عام 1492 أي عام اكتشاف القارة الأمريكية، وطرد سكان الأندلس ( المسلمين واليهود ) حيث سنشهد آلة طرد المنابع الشرقية وغير المسيحية للحضارة الأوروبية. ففي مطلع القرن الخامس عشر اخترعت إسبانيا منظومة نقاء الدم ، وسوف تتكلف ازدواجية الانتماء للديانة المسيحية وللعرق في شرعنة غزو أمريكا، مدعومة بالخطاب المعادي للمور المهزومين ( الموريسكيين) و الخطاب الذي يشرعن بدوره العبودية وتجارة الرقيق في عموم قارة أفريقيا . وقبل أن تتدخل المنظومة العقلانية من أجل تبرير سمو العرق الأوروبي على العرق الأسود.نحن أمام اختزال شديد للعرق الإنساني في هوية أوروبية تقوم علي رفض كل هوية أخرى تشوه نقاء الصورة المزعومة . يحدث هذا في وقت تطلع فيه أوروبا على آفاق جغرافية جديدة وعلي تنوع ثقافي وإنساني غير متجانس مع المعتقدات الأوروبية الراسخة قبل رحلات الغزو والاكتشاف. عصر الأنوار إذا لم يسلم من النزعة العنصرية البغيضة، بحيث أن الحديث عن عالمية الحقوق الإنسانية كان يهم فقط الإنسان الأبيض، وتحديدا الرجل الأبيض . وسوف تأتي النظرية العلمية التي تتحدث عن سمو هذا الرجل الأوروبي الأبيض من أجل الدفاع عن مصالحه وتغذية شهيته الاستعمارية وهو في كامل قواه العلمية. من أجل جعل العالم أكثر تحضرا، وبالتخلي عن النزعة الإنسانية، أصبح الرجل الأوروبي الأبيض يعتبر نفسه الحارس الخاص لهذه النزعة. وأن قدوم النزعة النازية لم يجسد استثناء أو قطيعة عما كان سائدا من قبل، بقدر ما كان استمرارية لنزعة الرجل الأوروبي الأبيض، والذارئع الفكرانية كانت بدورها جاهزة، من خلال الانطلاق من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة . . أننا نندد اليوم بالنزعات العرقية والعنصرية للمنظمات النازية أو أحزاب اليمين، ونحن نتجاهل أن نزعة الاستعلاء ظلت راسخة في اللاوعي الأوروبي وكانت علي الخصوص أمرا عاديا من قبل .لقد ترسخت في الوعي الأوروبي نزعة التفوق والاستعلاء علي باقي الشعوب والأمم والثقافات،
وهذا يفسر مدى استخفاف المسؤولين الأوروبيين بمطالب الجزائريين والفيتناميين بضرورة الاعتذار عن مجازر سطيف وسايغون في عام 1945. فلا فرنسا ولا الولايات المتحدة ولا بريطانيا جسدت الاستثناء على هذه القاعدة، لأن جميع هذه القوي العظمى تنطلق من هذه الأرضية. إن الخوف من التخلي عن موقع الهيمنة ـ وهو الموقع الذي أسس طبيعة العلاقة مع العالم ـ أصبح لصيقا بالخوف علي الهوية من الاندثار. وخلافا لما أردنا دوما تكريسه كيقين، فإن هذه الثقافة تجسدت عبر أشكال عدة وفي جميع حقب التاريخ. واليوم، ومن خلال الضغط علي الجميع من أجل تكريس ثقافة الاختلاف والاعتراف بالآخر، يلجأ الغرب إلي تحديث هذه الثقافة عبر أشكال جديدة من نفي الغير وشيطنته، أو عبر المراوغة والمناورة حول المفاهيم المضللة، من قبيل ابتكار الأوروبيين لمنطق نحن وهم كلما تعلق الأمر بالتعاطي مع قضايا الأقليات الأجنبية المقيمة والمهاجرة في القارة العجوز . أن الغرب يبقي مرشحا لأن يهيمن علي باقي الشعوب والأمم، وذلك بالرغم من ظهور مراكز قوى جديدة في العالم، مع فارق أن الهيمنة هذه المرة تتخذ أشكالا جديدة ومغايرة عما كانت عليه الأمور من قبل. أما الأمل فيكمن في العولمة البديلة ، التي تفرز بالضرورة نهاية عصر الهيمنة وظهور تعدد لمراكز القوة والقرار، مما سيفضي في نهاية المطاف إلي فقدان الغرب لتفوقه وذبول نزعته المركزية والاستعلائية. . ويتجسد أيضا في المتغيرات التي مست المعيار الأساسي للثراء، بحيث أصبح لصيقا اليوم بمستوي التقدم الصناعي والتقني وليس بالجغرافيا، وخاصة بعد ولوج الصين ودول جنوب شرق آسيا عالم التكنولوجيا المتقدمة، حيث أدت المعجزة الاقتصادية للصين واليابان
والنمور الآسيوية إلي نوع من القطيعة المفاهيمية مع المفاهيم القديمة والمتهالكة المرتبطة بالثراء.ثمة إذا مجموعة عوامل تترجم تآكل الهيمنة الغربية من خلال تنامي حصة جنوب شرق آسيا والصين في التجارة العالمية، وإذا علمنا أن القارة الآسيوية تستحوذ لوحدها علي ما يقرب من 30% من الإنتاج العالمي، ونضيف فوق ذلك الخطاب المروج لتصاعد القوة الاقتصادية الصينية خلال السنين والعقود المقبلة، فإن ذلك يؤشر بشكل عملي علي تقويض المركزية الغربية ، وعلى نقد جدي لمنظومة النظام الرأسمالي ومعه الحلم الليبرالي الذي روج له فرانسيس فوكوياما، الأمريكي الجنسية والآسيوي الأصل. وما الحروب التي تنشأ جراء ذلك تدعو إلى عدم التفاؤل كثيرا بخصوص مصير خطاب الاستعلاء الغربي الذي يعتقد أنه سيد الكون والطبيعة وإله البشر، ويحثنا نفس العمل الجاد علي تبني خيار النسبية في قراءة نسق فكري قديم، ظل دوما مختلطا مع النظام الطبيعي للأشياء.
شيوع هذه النزعة الأوروبية ليس مقترنا بالسطوة العسكرية ولا بالهيمنة الإقتصادية لأنها ببساطة عبارة عن مفهوم عن العالم وموقع الإنسان فيه. فصعود أمريكا واليابان والصين اقتصاديا لا يعد إضعافا للمركزية الأوروبية بل تكريسا لها ... إن لم تستطع المراكز الجديدة بتفعيل توازن على مستوى العالم لصالح ثقافة العدالة الكونية في المؤسسات المعولمة التي تقوده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير