الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والولايات المتحدة .. إدارة التنافس والصراع (3)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 3 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


التحديّات المؤثرة على العلاقات الصينية الأمريكية

تتنوع طبيعة التحديّات التي تؤثّر في شكل ونموذج العلاقة "الجدلية" بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بين محددات داخلية فكرية وثقافية ، ومحددات خارجية اقليمية ودولية، على الصعد السياسية والتجارية والأمنية وتحولات النظام الدولي .
لكن يجوز تلخيص أبرز تلك التحديات التي تواجه العلاقات الشاملة بين الطرفين في قضايا رئيسية محددّة، على النحو التالي :
- قضية تايوان ( ) :
تعتبر قضية تايوان أبرز بؤر التوتر والخلاف المستمر بين الصين والولايات الأمريكية منذ أكثر من نصف قرن، والقيادة الصينية لديها ايمان مطلق بحساسية وخطورة مسألة تايوان بالنسبة للأمن القومي الصيني، وترفض بالمطلق أن تكون قضية تايوان مثار تفاوض أو تنازل أو تفريط، فـ"تايون" الدولة المستقلة في نظر القانون الدولي اليوم منذ عام 1950م، هي جزء لا يتجزأ عن الصين الوطن الأم، في نظر جمهورية الصين الشعبية المعترف بها عالمياً.
ورغم اعتراف الولايات المتحدة والعالم أجمع بالصين الموحّدة التي تمثلها جمهورية الصين الشعبية، إلا ان الوجود العسكري الأمريكي في تايوان ودعمها السياسي لحكومة تايون، يشكل ازعاجاً مستمراً للصين التي ترفض أن تكون "تايوان" ورقة تفاوض أمريكية في علاقاتهما السياسية والاقتصادية .
وتعتقد الولايات المتحدة أن قضية تايون "ورقة" ضغط أمريكية لضبط القوة الصينية الآخذة بالتوسع والنمو السريع، ففي حال ضمت الصين جزيرة تايوان لها ستصبح قوة اقتصادية وسياسية ضخمة، ما يعني تقليص النفوذ الأمريكي في شرق وجنوب شرق آسيا وتهديد المصالح الأمريكية في القارة برمتها .
القضية بين الطرفين في حالة شد وجذب، فكلما تعهدت الولايات المتحدة بتخفيف الدعم المباشر لتايوان، كما وعدت الصين بذلك مراراً، كلما عمدت الادارات الأمريكية المتعاقبة الضغط على الصين بشكل غير مباشر من خلال عقد صفقة تجارية أو توريد أسلحة لحكومة تايوان أو القيام بزيارة رسمية لها.
- ملف الحريّة وحقوق الإنسان( ):
تستغل الولايات المتحدة الأمريكية هذا الملف منذ عقود، حيث تتهم الصين بتقييد الحريات وانتهاك حقوق الانسان واعتقال المعارضين وقمع حرية الصحافة والاعلام وغياب الحياة السياسية الديمقراطية والتعدية الحزبية ...الخ، خاصة بعد حادثة مظاهرات "ميدان تيان آن مين" عام 1989( ) ، حيث كثيراً ما دعت الولايات المتحدة الحكومة الصينية لضرورة احترام القيم الانسانية وتطبيق شرائع حقوق الانسان المتعارف عليها دولياً وضمان حرية التعبير والاعلام، وقد توترت العلاقات بينهما عدة مرّات بسبب ملف المعارضين السياسيين والسجون .
وترفض الصين من جابنها تدخل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية، وطالما كان الموقف الصيني صارماً في هذا الجانب، حيث شددّ الرئيس الصيني "زيانج زيمين" خلال ردّه على سؤال بهذا الصدد بقوله : "أن كل دولة في العالم تحاول تحقيق تقدّم في هذا المجال بطريقتها الخاصة، ووفق ظروفها القومية"( ).
وأكّدت الصين دوماً على أن الثقافة والحضارة الصينية لها خصوصيتها التي لا تتفق بالضرورة مع المفهوم الأمريكي للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، لهذا، تتهم الصين الولايات المتحدة بمحاولة اجبار دول العالم على قبول الفكر الغربي الحرّ والأيديولوجية الأمريكية دون مراعاة لقيم وثقافة الشعوب الآخرى. لذلك اعتبرت هذا الملف شأناً داخلياً، فيما تعمل الولايات المتحدة على تدويل ملف حقوق الانسان والديمقراطية بصفتها الدولة الراعية والضامنة للدفاع عن القيم الإنسانية في العالم !
- ملف الأمن والأسلحة الصينية( ):
في ضوء السباق العسكري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية المتحدة، تعمل بكين حثيثاً، منذ عقد مضى، على تطوير أسلحة جديدة من نوعها، يعتقد الخبراء الاستراتيجيين أن تهددّ التفوق الأميركي في آسيا والعالم في غضون سنوات قليلة، فالولايات المتحدة "لم تعد تمتلك الهيمنة المطلقة في المجال العسكري"، كما يعتقد البعض، بل تهرول الصين في المجال التقني والتكنولوجي والصناعي العسكري لتصبح "قوة عظمى" منافسة بشدة لروسيا والولايات المتحدة.
وكشف موقع (power fire global) الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية في تقرير له نهاية عام 2017م أن "قدرات الجيش الصيني، الذي يحتل المرتبة الثالثة على قائمة تضم 133 دولة، تتصدرها الولايات المتحدة وروسيا" تطورت بصورة ملفتة وضخمة خلال السنوات الماضية، وأصبحت الصين اليوم تمتلك ترسانة عسكرية فائقة القوة براً وبحراً وجواً.
وذكر الموقع أن الصين طوّرت ترسانتها البحرية والجوية حتى أصبحت تتحكم بالسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وأشار الى أن "تعداد الجنود العاملين في الجيش الصيني بلغ (2.2) مليون جندي، إضافة إلى (1.4) مليون في قوات الاحتياط، فيما تتجاوز ميزانية الدفاع الصيني حاجز الـ (161) مليار دولار أمريكي، فضلاً عن أن قدرات القوة النووية الصينية اليوم قادرة على مواجهة أي اعتداء محتمل خارج أراضيها( ).
وفي ضوء هذا التطور النوعي الضخم لدي الجيش الصيني، وفي ظل تصاعد الرغبة الصينية للعب أدوار كبرى فى النظام الدولى؛ من خلال إرسال قوات دولية لحفظ السلام ومنع النزاع في أي بقعة في العالم، تعمل الولايات المتحدة على ضبط ايقاع التحرك الصيني العسكري وتقييد قدراته بشتى السبل، حتى أعربت الولايات المتحدة صراحة عن انزعاجها من بيع السلاح الصيني لإيران وباكستان ودول أخرى معارضة للسياسات الأمريكية، كما انزعجت واشنطن من دعم الصين لإيران خلال تصويتها ضد فرض العقوبات فى مجلس الأمن على طهران .
كما تعتقد الولايات المتحدة أن تنامي القوة العسكرية الصينية يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية في المحيط الهادئ خاصة وقارة آسيا عامة، فيما تنظر إليه بصورة التنافس الطبيعي في الإقليم والعالم، وهو التحدي الآخر المؤثّر على علاقات البلدين .
- قضية التنافس الإقليمي( ):
تلعب الصين دوراً بارزاً في منطقة الباسفيك (المحيط الهادئ) وتتفوق في بعض الأحيان على النفوذ الأمريكي في المنطقة، لذلك تحاول الولايات المتحدة في بعض الظروف السياسية استغلال بعض الخلافات بين الصين ودول الجوار بهدف الضغط على بكين، خاصة الهند واليابان، كما هو الحال في قضية "أرخبيل سبراتلي" وهي جزر غنيّة في بحر الصين الجنوي يتنازع حيالها كل من الصين وفيتنام والفلبين .
ونظراً لأهمية المنطقة في استراتيجية النفوذ الأمريكية، فانها تحاول قدر المستطاع أن يبقى لها تدخل واضح ونفوذ مباشر في كافة قضايا منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ حماية لمصالحها ومصالح حلفائها مقابل النفوذ الصيني والروسي .
واتّضح شكل التنافس الاقليمي بين الطرفين منذ مطلع التسعينات، حيث سعت الولايات المتحدة للهمينة المباشرة الفردية على العالم ، دون شريك فاعل أو مؤثّر، وترفض وجود أية شريك إقليمي أو دولي لتقاسم الأدوار بشكل استقلالي. فيما تعمل الصين منذ عقدين تقريباً على بناء شبكة تحالف مع القوى الفاعلة مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية ودول الاتحاد الأوروبي لخلق توازن إقليمي ودولي مضاد للقطب الأمريكي، وهو ما تسعى الأخيرة لمجابهته بمختلف السبل .
________________________________________

( ) راجع ، رافع علي المدني، الدبلوماسية الناعمة في السياسة الصينية تجاه افريقيا: العلاقات الصينية السودانية نموذجاً (2000-2010)، دار الجنان للنشر والتوزيع، عمان، 2016م، ص ص 138-141 .
( ) راجع بهذا الخصوص: - هناء عبيد، العلاقات الأمريكية – الصينية بين موازين التجارة وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 253 .
- مسعود ضاهر ، مشكلة تايوان تقلق الصين مجدداً، صحيفة المستقبل ، العدد (2242)، 19 نيسان 2006م .
( ) هي الأحداث التي جرت عام 1989م في ساحة (تيان آن مين) في العاصمة الصينية بكين، وشملت مجموعة من الاعتصامات والمظاهرات من جانب الطلاب والمثقفين والعمّال بهدف المطالبة بالمزيد من الاصلاحات والتغييرات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد ، الا ان الحكومة قمعت المظاهرات بصورة وحشية من جانب الأمن ثم اضطر الجيش للتدخل وإنهاء الاعتصام، الأمر الذي أدّى إلى مقتل المئات من المواطنين، ما عرّض الصين والحزب الحاكم لانتقادات دولية واسعة .
لمزيد من التفاصيل حول الأحداث؛ راجع : آن رو، الصين في القرن العشرين، ت : صباح كعدات،، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2012م، ص ص 193-196
( ) هناء عبيد، العلاقات الأمريكية – الصينية بين موازين التجارة وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 252 .
( ) راجع بهذا الخصوص :
- ليو شيه تشنج، لي شي دونج، الصين والولايات المتحدة الأمريكية خصمان أم شريكان، مرجع سابق، ص ص 161-165 .
- علي الشيخ حبيب، القوة العسكرية الصينية وتأثيراتها المستقبلية، مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية، 18-11-2011، نقلاً عن الرابط التالي :
https://www.alrafedein.com/news.php?action=view&id=1506
( ) China Military Strength, report annual 2017 , by Link : https://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.asp?country_id=china
( ) راجع، فرانسوا غودمو، العلاقات الصينية-الأميركية: الجذور التاريخية والمستقبل الغامض، ت: مركز الجزيرة للدراسات، تقارير، 27 أكتوبر 2013م، نقلا عن الرابط التالي : http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/10/2013102711238987451.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه