الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفاعل على تفاعل مع مقالي -لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء السيل وسقط المتاع-

محمد إنفي

2022 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لوضع القارئ في سياق هذا التفاعل، أشير إلى أن المقال المدرج في العنوان أعلاه، كان موضع تفاعل من طرف أخ وصديق على شكل تدوينتين، خاطبني فيهما، ليس حول موضوع المقال، وإنما تعمد شخصنة الموضوع، فانصب تفاعله، في جوهره، على الأخ الكاتب الأول، الأستاذ إدريس لشكر، مع "تبزيرات" (بهارات) تخصني شخصيا ككاتب المقال. ورغم أنني لم أذكر، في مقالي، إدريس لشكر، لا بصفته التنظيمية ولا بصفته الشخصية، فقد نال من هذا الأخ والصديق حظا وافرا من التجريح الصريح والمبطن.
خلال الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية الأخيرة (8 شتنبر 2021)، تكونت عند كاتب هذه السطور قناعات، على المستوى المحلي، حول السلوك الانتخابي لبعض المنتسبين للاتحاد الاشتراكي، بعد أن كان الأمر مجرد فرضيات أو انطباعات. وقد بُنِيَّت هذه القناعات على الملاحظة - التي همت ثلاث فترات: فترة التحضير للانتخابات، فترة الحملة الانتخابية وفترة الاقتراع – وعلى المعطيات الميدانية التي راكمتها هذه الملاحظة، فتحولت إلى خلاصة عامة وتعميمية في مقال بعنوان "لا حاجة للاتحاد الاشتراكي بغثاء السيل وسقط المتاع". وقد تقاسمتُهُ، بعد نشره، مع مجموعات "الواتساب" الاتحادية.
توقعت أن يكون لهذا المقال/ الخلاصة صدى لدى المعنيين به. لكن، لم أتوقع، أبدا، أن يكون من بين المعنيين أخ وصديق، جمعتنا، وطنيا، الساحة النضالية نقابيا وسياسيا. وقد كان تفاعله (ويا ليته لم يفعل !!) مع مقالي على شكل تدوينتين، كما أسلفت، في إحدى مجموعات "الواتساب" الاتحادية (مجوعة "أفق جديد نحو الجماهير")، خاطبني فيهما بنبرتين مختلفتين بين التدوينة الأولى والثانية، أظهر من خلال فحواهما وأسلوبهما أنه، بالفعل، معني بالمقال المذكور، رغم أنني تحدثت بصفة عامة، ولم أقصد أشخاصا بعينهم.
لقد اغتنم صديقي الفرصة، في التدوينة الأولى، للتعبير عن حبه وتقديره الكبير لي (وأنا أبادله نفس الشعور، خصوصا وقد جمعتنا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ سنواتها الأولى لمدة ليست بالقصيرة، ونتقاسم معا بعض الاهتمامات الثقافية)، معتبرا إياي ذا ثقافة واسعة، حسب تعبيره، قادرا على النظر بعيدا (هذه العبارة ليست ترجمة أمينة للعبارة الفرنسية ratisser vaste) وعدم السقوط في الدفاع عما لا يقبل الدفاع (et de ne pas défendre l’indéfendable). وكانت هذه العبارة الأخيرة كافية لفهم المقصود من التدوينة.
في الفقرة الموالية، يخبرني صاحب التدوينة الأولى بأنه يعرف لشكر جيدا وأنه كان من مسانديه في المؤتمر الوطني التاسع، هو والمناضلة الكبيرة (لن أذكر اسمها، كما لم أذكر اسم صديقي). وهناك تفاصيل أخرى لا داعي لذكرها لأن ذلك سيجعل المقال يتمطط أكثر من اللازم، خصوصا وأن تلك التفاصيل لها ما لها، وعليها ما عليها، ولا تقبل أن تذكر هكذا دون تعليق أو توضيح.
وقد ختم هذه التدوينة الأولى بهذا الرجاء: «De grâce, tu es un intellectuel de classe, une vraie locomotive de l’usfp, te positionner de défendeur d’une calamité ce n’est pas digne à mon sens d’un vrai ricin» (أظن أنه يقصد «d’un vrai rifain»).
بهذه الجملة، أخجل صديقي تواضعي وأثار غضبي، في نفس الآن. أخجل تواضعي بإطلاقه علي وصف مفكر (intellectuel)، أنا الذي أستكثر على نفسي صفة مثقف (cultivé)، فبالأحرى صفة مفكر. صحيح أنني نِلت حظا وافرا من التعليم والتعلم؛ مما سمح لي بتوسيع مداركي، سماها صديقي ma «culture vaste». وأفتخر بهذه الثقافة التي نهلت من منبعين مختلفين، الثقافة العربية والثقافة الفرنسية. ومن حظي أنني، في دراساتي العليا، اشتغلت على عصر الأنوار. وصديقي يعرف هذا جيدا. فكيف سمح لنفسه أن يتصور أن من تشبع بثقافة الأنوار، يمكن أن يسايره في تفكير، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه متجاوز.
أما عن كوني "قاطرة حقيقية داخل الاتحاد الاشتراكي"، فالأمر لا يخلو أيضا من المبالغة؛ ذلك أنني أعتبر نفسي مجرد مناضل داخل صفوف الاتحاد الاشتراكي، وأقدم لفائدة هذا الحزب ما في مستطاعي، لا أقل ولا أكثر. لكن أن يعتبر أنه ليس مشرفا لريفي حقيقي أن يدافع عن كارثة (calamité)، ويقصد بهذه الكلمة الأخ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الممثل الشرعي والقانوني للحزب لدى جميع الجهات، فهذا، لعمري، منتهى الإسفاف الأخلاقي والسياسي والإيديولوجي لدى من يحمل مثل هذا التفكير الشوفيني، العنصري، القبلي...! وهذا ما أثار غضبي المشار إليه أعلاه.
وإن كان لي أن أعتز بشيء داخل هذا الحزب، فهو وفائي لانتمائي له (وقيمة الوفاء وغيرها من القيم النبيلة لا تخضع بالضرورة للانتماء الإثني أو العرقي أو المجالي) دون انتظار أي مقابل، كالتطلع لاحتلال المواقع أو الاستفادة من الريع الحزبي، ماديا كان أو معنويا. وربما هذا ما يؤهلني للدفاع عن الاتحاد الاشتراكي، وأنا مرفوع الرأس، ضد بعض أبنائه الذين يتنكرون له بمجرد ما يجف عنهم ضرع الريع (وقد أكد لي صديقي بتفاعله مع مقالي بأنه من هذه الفئة)، فيتحولون إلى معاول للهدم دون إقامة أي اعتبار لا لتاريخهم الشخصي (للإشارة، فأنا لم أنزع عن أحد، في المقال المذكور، تاريخه النضالي) ولا لتاريخ الحزب. فبمجرد ما تنتفي مصلحتهم الشخصية، تظهر براكين من الغل والحقد والبغضاء ضد شخص الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي. وقد عانى المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، رحمه الله، من هذا الأمر، ويعاني منه حاليا إدريس لشكر الذي تقلد هذه المهمة عن جدارة واستحقاق، بعد تمرين ديمقراطي غير مسبوق، تنافس فيه أربعة قياديين متميزين؛ وذلك خلال المؤتمر الوطني التاسع سنة 2012.
بعد التدوينة الأولى التي يبدو أنها لم تشف غليله، عاد صديقي، في تدوينة ثانية تختلف نبرتها عن الأولى، ليؤكد لي بأنني لست اتحاديا أكثر منه (وهذا ليس واردا عندي)، وبأنه عضو اللجنة الإدارية للحزب منذ 1975 إلى حدود المؤتمر الوطني التاسع (هذه الإشارة الأخيرة قد تفسر أشياء كثيرة) مشيرا إلى مساهماته في تأسيس الك .د.ش، ثم الف .د.ش؛ ولم ينس مسؤوليته في العلاقات الدولية لمدة ثلاثين سنة (هذه الإشارة مهمة أيضا لفهم رد فعل صاحبنا) داعيا إياي لقراءة كتابه "Parcours et engagements" (أعده أن أفعل في أقرب فرصة).
وقد ختم هذه التدوينة الثانية بكلام بعيد كل البعد عن الخطاب السياسي والخطاب الحجاجي، وكذا الأسلوب الحواري. وهكذا كتب: "هذا المحامي الصغير الخبيث لشكر قد دفن هذا الحزب التاريخي". ثم توجه إلي مرة أخرى بصيغة الرجاء: "سي إنفي أنت فوق هذه الرداءات (médiocrités)، أُتركْ لشكر يغوص في سلبياته (ses inconvénients)".
بهذا الرجاء، يريد مني صديقي أن أتنكر لقيمي ومبادئي وأن أتخلى عن الدفاع عن الاتحاد الاشتراكي في شخص كاتبه الأول، إرضاء لأنانية مقيتة لا تدرك أن إضعاف مؤسسة الكاتب الأول، هو إضعاف للحزب ككل. فكم هو ضيق هذا التفكير الذي يجعل البعض يعتقدون أنهم يُصفُّون حساباتهم مع إدريس لشكر، بينما هم يسيئون إساءة بليغة لحزبهم ولأنفسهم!!!
وأود أن أُذكِّر، هنا، الذي طلب مني أن أترك لشكر يغرق في...أن الاتحاديين الحقيقيين، وعلى رأسهم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، ضحُّوا بمصلحة الحزب من أجل إنقاذ البلاد من السكتة القلبية (الوطن أولا... !!!). فلماذا لا يضحي المناوئون للكاتب الأول بأنانياتهم وطموحاتهم الشخصية من أجل الحزب (الحزب أولا... !!!)؟ خصوصا وأن من هؤلاء من جعلهم الحزب "همة وشان". فهل يريد مني صديقي أن أسكت عما تتعرض له مؤسسة الكاتب الأول، ومن خلاله المؤسسة الحزبية في شموليتها، من هجمات يتنافس فيها خصوم وأعداء الاتحاد الاشتراكي والجاحدون من أبناءه؟
وليعلم كل من ينكر علي حقي في الدفاع عن مؤسسة الكاتب الأول، أو يستغرب من هذا الدفاع، أو يتساءل عن دوافعه، أن هذا الموقف تجاه الكتابة الأولى لم يبدأ مع الأخ إدريس لشكر. فقد سبق لي، وبكل فخر واعتزاز، أن قدت معركة شرسة دافعا عن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله. لقد تعرض هذا الأخير لحملة إعلامية مسعورة على يد منتسبين للاتحاد الاشتراكي، كالوا له فيها كل أنواع الاتهامات ووصفوه بأبشع النعوت.
ورغم أنني لم أكن متمرسا في الكتابة باللغة العربية في تلك الفترة، فقد قمت بواجبي، قدر المستطاع، دفاعا عن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، اقتناعا مني بأن المساس بأية مؤسسة حزبية، هو إضعاف للحزب وتقديم خدمات مجانية لأعدائه. وهكذا، دخلت في معركة غير متكافئة مع هيئة تحرير جريدة "الأحداث المغربية"، في شخص كاتب عمود يومي بها، كان يصر على الإساءة إلى عبد الرحمان اليوسفي. ولما حمي وطيس هذه المعركة، تدخل الأستاذ محمد البريني (مؤسس هذه الجريدة)، شخصيا، من خلال افتتاحية يعلن فيها، من جانب واحد، نهاية المعركة؛ فتوقف الهجوم والتحامل على اليوسفي.
قد يقول صديقي بأن لشكر ليس هو اليوسفي، أقول له نعم، لأنه لا يمكن لأي شخص أن يكون نسخة للآخر، حتى وإن كانا من نفس العائلة البيولوجية، ما عدا في حالة التوأم. لكن الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي لها نفس الوضع (statut) القانوني والتنظيمي والسياسي والتدبيري...دائما وأبدا، بغض النظر عمن يتولاها. فليس مقبولا، أبدا، أن نسيئ لهذه المؤسسة لأسباب شخصية. وهذا ما يقترفه أصحاب الريع الحزبي وأصحاب الحزازات الشخصية والحسابات الضيقة، وكذا الذين لا تعني لهم الديمقراطية إلا شيئا واحدا، هو الفوز.
في الختام، أُذكِّر كل من يتهم الأخ الكاتب الأول، الأستاذ إدريس لشكر، بأنه دفن الاتحاد الاشتراكي، أذكرهم بالصرخة المدوية للأخ الكاتب الأول السابق، الأستاذ عبد الواحد الرضي، التي أطلقها خلال إحدى دورات المجلس الوطني. لقد كانت صرخة تطفح بالألم والإحباط واليأس بسبب الوضع الداخلي للحزب المنذر بالانتحار الجماعي (صراعات لا تنتهي، حلقات خارج التنظيم...). ولم يتحدث الراضي عن الانتحار الجماعي من فراغ؛ فلكونه متخصصا في علم النفس، فقد خبر النفسيات المتطاحنة؛ ولكونه قيدوم الاتحاديين، الذي ظل لصيقا بالميدان، فقد خبر الأعطاب التنظيمية. وهذه كلها عوامل ساهمت في إفشال مشروع إعادة بناء الحزب، الذي تقدم به للمؤتمر الثامن.
مكناس في 3 مارس 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا